تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    اهل السنة والجماعة ما يميزهم عن غيرهم هو منهج التلقى لعلومهم ومصدر الحق الذى ينهلون منه عقائدهم وتصوراتهم وعباداتهم ومعاملاتهم وسلوكهم واخلاقهم
    فمصدر العلم والحق فى سائر علوم الشريعة عند اهل السنة هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
    يقول شيخ الاسلام ابن تيمية
    رحمه الله-:
    هم أهل الكتاب والسنة؛ لأنهم يؤثِرون كلامَ الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدِّمون هدْيَ محمدٍ
    -صلى الله عليه وسلم- على هدي كلِّ أحدٍ،
    ويتَّبعون آثاره
    -صلى الله عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا.
    **

    عَنْ سُفْيَانَ الثوري، قَالَ: إِنَّمَا الدِّينُ بِالْآثَارِ.
    ****
    فأهل السنة لا يتلقون أمور دينهم إلا عن مشكاة النبوة، لا عقل ولا ذوق ولا كشف، بل هذه إن صحت كانت معضدة لحجة السمع (الكتاب والسنة) فكيف بمن عارض بها دلائل الكتاب والسنة، وأكثرها جهالات وخيالات فاسدة. وبهذا نفهم كيف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكر على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النظر في صحيفة من التوراة، وهو الكتاب المنزل من السماء، وإن شابَهُ التحريف فهو أفضل من كثير من الأقيسة العقلية، والخيالات الصوفية،
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
    -رضي الله عنهما-، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَالَ: (( أَمُتَهَوِّكُون َ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي )).
    فأهل السنة ينهلون من هذا المنهل العذب عقائدَهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، وسلوكَهم، وأخلاقهم، فكلُّ ما وافقَ الكتاب والسنة قبلوه وأثبتوه، وكل ما خالفهما ردوه على قائله كائناً من كان. {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
    قال السعدي رحمه الله-:{فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي: شرفكم وفخركم وارتفاعكم، إن تذكرتم به ما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتموها، وامتثلتم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النواهي، ارتفع قدركم، وعظم أمركم،. . . وهذه الآية، مصداقها ما وقع، فإن المؤمنين بالرسول، الذين تذكروا بالقرآن، من الصحابة، فمن بعدهم، حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر، والصيت العظيم، والشرف على الملوك، ما هو أمر معلوم لكل أحد، كما أنه معلوم ما حصل، لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا، ولم يهتد به ويتزك به، من المقت والضعة، والتدسية، والشقاوة، فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخرة إلا بالتذكر بهذا الكتاب.
    وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 51] والنصوص كثيرة في المعنى. - وكما أنَّ لله وحده الخلق والتدبير، فله جل وعلا الأمر كله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. وقد حذَّر سبحانه من التلقي عن غير هذا المصدر
    فقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}


    قال شيخ الإسلام رحمه الله-: وإنما المُتَّبع في إثبات أحكام الله، كتابُ الله وسنةُ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وسبيل السابقين أو الأولين، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة، نصا واستنباطا بحال.
    وقال وهو يتكلم عن منهج أهل السنة: وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَيُؤْثِرُونَ كَلَامَ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ أَصْنَافِ النَّاسِ وَيُقَدِّمُونَ هَدْيَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ وَبِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
    قال البربهاري رحمه الله-: واعلم أنه من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأوله من غير حجة من السنة والجماعة فقد قال على الله ما لا يعلم، ومن قال على الله مالا يعلم فهو من المتكلفين، والحق ما جاء من عند الله عز و جل، والسنة ما سنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ومن اقتصر على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه الجماعة فلج {ظفر وفاز} على أهل البدعة كلهم واستراح بدنه وسلم له دينه إن شاء الله لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ((ستفترق أمتي)) وبين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفرقة الناجية منها فقال ما أنا عليه وأصحابي فهذا هو الشفاء والبيان والأمر الواضح والمنار المستقيم.
    وقد تمثلت هذه القاعدة في عدة ركائز: أ- اعتقاد كمال هذا الدين وشموله، فلا يحتاج معه إلى غيره من مناهج البشر؛ يقول الله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3]. وقال تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله-: ومِثلُ هذا في القرآن كثيرٌ، مما يبيِّن الله فيه أن كتابَه مبينٌ للدِّين كله، موضحٌ لسبيل الهدى، كافٍ لمن اتبعه، لا يحتاج معه إلى غيره، يجب اتِّباعُه دون اتباع غيره من السُّبل.
    قال ابن القيم رحمه الله-: الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَهِيَ عَدْلٌ كُلُّهَا، وَرَحْمَةٌ كُلُّهَا، وَمَصَالِحُ كُلُّهَا، وَحِكْمَةٌ كُلُّهَا؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ الْعَدْلِ إلَى الْجَوْرِ، وَعَنْ الرَّحْمَةِ إلَى ضِدِّهَا، وَعَنْ الْمَصْلَحَةِ إلَى الْمَفْسَدَةِ، وَعَنْ الْحِكْمَةِ إلَى الْبَعْثِ؛ فَلَيْسَتْ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ أُدْخِلَتْ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ.
    وقال ابن القيم رحمه الله- أيضا: فَرِسَالَتُهُ -صلى الله عليه وسلم- كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ عَامَّةٌ، لَا تُحْوِجُ إلَى سِوَاهَا، وَلَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ بِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ عُمُومِ رِسَالَتِهِ، فَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ رِسَالَتِهِ، وَلَا يَخْرُجُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَقِّ الَّذِي تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي عُلُومِهَا وَأَعْمَالِهَا عَمَّا جَاءَ بِهِ. وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إلَّا ذَكَرَ لِلْأُمَّةِ مِنْهُ عِلْمًا، وَعَلَّمَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى آدَابَ التَّخَلِّي وَآدَابَ الْجِمَاعِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ،. . . . . وَجَمِيعِ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. . . . . . . . . وَعَرَّفَهُمْ مَعْبُودَهُمْ وَإِلَهَهُمْ أَتَمَّ تَعْرِيفٍ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ وَيُشَاهِدُونَه ُ بِأَوْصَافِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَعَرَّفَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ وَأُمَمَهُمْ وَمَا جَرَى لَهُمْ، وَمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مَعَهُمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ كَانُوا بَيْنَهُمْ، وَعَرَّفَهُمْ مِنْ طُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ دَقِيقَهَا وَجَلِيلَهَا مَا لَمْ يُعَرِّفْهُ نَبِيٌّ لِأُمَّتِهِ قَبْلَهُ، وَعَرَّفَهُمْ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَحْوَالِ الْمَوْتِ وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ فِي الْبَرْزَخِ وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ مَا لَمْ يُعَرِّفْ بِهِ نَبِيٌّ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ فِرَقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ مَا لَيْسَ لِمَنْ عَرَفَهُ حَاجَةٌ مِنْ بَعْدِهِ،. . . . . وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَطُرُقِ النَّصْرِ وَالظُّفْرِ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَقَلُوهُ وَرَعَوْهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُمْ عَدُوٌّ أَبَدًا وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَايِدِ إبْلِيسَ وَطُرُقِهِ الَّتِي يَأْتِيهِمْ مِنْهَا وَمَا يَتَحَرَّزُونَ بِهِ مِنْ كَيْدِهِ وَمَكْرِهِ وَمَا يَدْفَعُونَ بِهِ شَرَّهُ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَحْوَالِ نُفُوسِهِمْ وَأَوْصَافِهَا وَدَسَائِسِهَا وَكَمَائِنِهَا مَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ مَعَهُ إلَى سِوَاهُ وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أُمُورِ مَعَايِشِهِمْ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَمِلُوهُ لَاسْتَقَامَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ أَعْظَمَ اسْتِقَامَةٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَجَاءَهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِرُمَّتِهِ، وَلَمْ يُحْوِجْهُمْ اللَّهُ إلَى أَحَدٍ سِوَاهُ.
    ***

    يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله-:
    فَدِينُ الْمُسْلِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولٌ مَعْصُومَةٌ وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ رَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.


    يقول ابن القيم في سياق الإنكار على مَن جعلوا العقل طاغوتا يُعبد، وجعلوا نصوص الشرع مجرد ظواهر لفظية لا يُستفاد منها اليقين: وكَيْفَ يَشْفِي مَا فِي الصُّدُورِ كِتَابٌ لَا يَفِي هُوَ وَمَا تُبَيِّنُهُ السُّنَّةُ بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ؟ أَمْ كَيْفَ يَشْفِي مَا فِي الصُّدُورِ كِتَابُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْيَقِينُ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ؟ أَوْ عَامَّتُهَا ظَوَاهِرُ لَفْظِيَّةٍ دَلَالَتُهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى انْتِفَاءِ عَشَرَةِ أُمُورٍ لَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهَا، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ قَبْلَ وَضْعِ هَذِهِ الْقَوَانِينِ الَّتِي أَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَقَبْلَ اسْتِخْرَاجِ هَذِهِ الْآرَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْأَوْضَاعِ؟ أَهَلْ كَانُوا مُهْتَدِينَ.
    **
    قال شيخ الإسلام رحمه الله-: مِنْ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُعَارِضَ الْقُرْآنَ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا ذَوْقِهِ وَلَا مَعْقُولِهِ وَلَا قِيَاسِهِ وَلَا وَجْدِهِ فَإِنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّاتِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ. . . . وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ عَارَضَ الْقُرْآنَ بِعَقْلِ وَرَأْيٍ وَقِيَاسٍ وَلَا بِذَوْقِ وَوَجْدٍ وَمُكَاشَفَةٍ وَلَا قَالَ قَطُّ: قَدْ تَعَارَضَ فِي هَذَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ: فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ؟!. . . . . وَلَمْ يَكُنْ السَّلَفُ يَقْبَلُونَ مُعَارَضَةَ الْآيَةِ إلَّا بِآيَةِ أُخْرَى تُفَسِّرُهَا وَتَنْسَخُهَا؛ أَوْ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- تُفَسِّرُهَا.
    وقال : وَالْأَنْبِيَاء ُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ - مَعْصُومُونَ، لَا يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَلَا يَنْقُلُونَ عَنْهُ إِلَّا الصِّدْقَ. فَمَنِ ادَّعَى فِي أَخْبَارِهِمْ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ، كَانَ كَاذِبًا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْقُولُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، أَوْ ذَلِكَ الْمَنْقُولُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. فَمَا عُلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِهِ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْلِ مَا يُنَاقِضُهُ.
    وَمَا عُلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْعَقْلَ حَكَمَ بِهِ، يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي أَخْبَارِهِمْ مَا يُنَاقِضُهُ. . . بَلِ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قَدْ يُخْبِرُونَ بِمَا يَعْجِزُ الْعَقْلُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، لَا بِمَا يَعْلَمُ الْعَقْلُ بُطْلَانَهُ، فَيُخْبِرُونَ بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ.
    قَالَ أبو المظفر السمعاني رحمه الله-: وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْحَقِّ أَنَّكَ لَوْ طَلَعْتَ جَمِيعَ كُتُبِهِمُ الْمُصَنَّفَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، وَجَدْتَهَا مَعَ اخْتِلَافِ بُلْدَانِهِمْ وَزَمَانِهِمْ وَتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَارِ، وَسُكُونِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُطْرًا مِنَ الْأَقْطَارِ فِي بَابِ الِاعْتِقَادِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَنَمَطٍ وَاحِدٍ، يَجْرُونَ فِيهِ عَلَى طَرِيقَةٍ لَا يَحِيدُونَ عَنْهُ وَلَا يَمِيلُونَ عَنْهَا، قُلُوبُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، وَنَقْلُهُمْ لَا تَرَى فِيهِ اخْتِلَافًا وَلَا تَفَرُّقًا فِي شَيْءٍ مَا، وَإِنْ قَلَّ، بَلْ لَوْ جَمَعْتَ جَمِيعَ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَنَقَلُوهُ عَنْ سَلَفِهِمْ وَجَدْتَهُ كَأَنَّهُ جَاءَ عَنْ قَلْبٍ وَاحِدٍ وَجَرَى عَلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ، وَهَلْ عَلَى الْحَقِّ دَلِيلٌ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. . . . . والسَّبَبُ فِي اتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا الدِّينَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَطَرِيقِ النَّقْلِ، فَأَوْرَثَهُمُ الِاتِّفَاقَ وَالِائْتِلَافَ ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ أَخَذُوا الدِّينَ مِنْ عُقُولِهِمْ فَأَوْرَثَهُمُ التَّفَرُّقَ وَالِاخْتِلَافَ ، فَإِنَّ النَّقْلَ وَالرِّوَايَةَ مِنَ الثِّقَاتِ وَالْمُتْقِنِين َ قَلَّمَا تَخْتَلِفُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي لَفْظِهِ أَوْ كَلِمِهِ فَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ لَا يَضُرُّ الدِّينَ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَعْقُولَاتُ وَالْخَوَاطِرُ، وَالْأَرَاءُ فَقَلَّمَا تَتَّفِقُ، بَلْ عَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ وَرَأْيُهُ وَخَاطِرُهُ يُرِي صَاحِبَهُ غَيْرَ مَا يُرِي الْآخَرَ.
    وضع البخاري ضمن كتابه الجامع الصحيح كتاباً سماه: كِتَاب الاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ليوضح أن النجاة في الاعتصام بهذين الأصلين.
    * وما هلك من هلك، ولا ضلَّ من ضلَّ إلا بسبب الإعراض عن الدليل، وتحكيم العقول وآراء الرجال. قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله-: إِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ رَأَيْتَهُمْ مُتَفَرِّقِينَ مُخْتَلِفِينَ شِيَعًا وَأَحْزَابًا، وَلَا تَكَادُ تَجِدُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الِاعْتِقَادِ، يُبَدِّعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بَلْ يَرْتَقُونَ إِلَى التَّكْفِيرِ، يُكَفِّرُ الِابْنُ أَبَاهُ، وَالْأَخُ أَخَاهُ، وَالْجَارُ جَارَهُ، وَتَرَاهُمْ أَبَدًا فِي تَنَازُعٍ وَتَبَاغُضٍ وَاخْتِلَافٍ تَنْقَضِي أَعْمَارُهُمْ وَلَمْ تَتَّفِقْ كَلِمَاتُهُمْ {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}.
    قال الشاطبي رحمه الله-: وَلَقَدْ زَلَّ - بِسَبَبِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّلِيلِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الرِّجَالِ - أَقْوَامٌ خَرَجُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ جَادَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
    قال ابن القيم رحمه الله-: وَمَنْ فَارَقَ الدَّلِيلَ، ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ. وَلَا دَلِيلَ إِلَى اللَّهِ وَالْجَنَّةِ، سِوَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَكُلُّ طَرِيقٍ لَمْ يَصْحَبْهَا دَلِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَهِيَ مِنْ طُرُقِ الْجَحِيمِ، وَالشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
    وَقَالَ الْحَسَنُ البصري رحمه الله-: الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّالِكِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، وَالْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُ، فَاطْلُبُوا الْعِلْمَ طَلَبًا لَا تَضُرُّوا بِالْعِبَادَةِ، وَاطْلُبُوا الْعِبَادَةَ طَلَبًا لَا تَضُرُّوا بِالْعِلْمِ، فَإِنَّ قَوْمًا طَلَبُوا الْعِبَادَةَ وَتَرَكُوا الْعِلْمَ حَتَّى خَرَجُوا بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ لَمْ يَدُلَّهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوا.
    قال الشافعي رحمه الله-:
    كُلُّ الْعُلُومِ سِوَى الْقُرْآنِ مَشْغَلَةٌ. . . إِلَّا الْحَدِيثَ وَإِلَّا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ
    الْعِلْمُ مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا. . . وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ
    قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله-: فَكَيْفَ يُرَامُ الْوُصُولُ إِلَى عِلْمِ الْأُصُولِ، بِغَيْرِ اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ؟!.
    ** وبعد كل هذه النقولات يتضح لنا أنَّ الفرقة الناجية، استقتْ منهجها من مصدرٍ واحدٍ ألا وهو {الوحي}
    أما لو نظرت إلى غيرهم من فرق الضلال التي تشعبت بهم الأهواء، لوجدتهم جميعاً حادوا عن النهل العذب والنبع الصافي فلذلك أخطأوا الطريق
    الصوفية
    مصدر التلقي عندهم الكشوفات التي يصلون إليها والمنامات،
    وأهل الكلام
    مصدر التلقي عندهم العقليات،
    والعلمانيون اليوم مصدر التلقي عندهم هو الغرب وما يحدثه من تشريعات،
    وهكذا تجد أن كثيراً من الطوائف لها مصادر تتلقى منها غير الوحي وغير النصوص الشرعية،
    وحينئذٍ ستفرز هذه الاهواء والبدع بدع وأهواء ما دامت تتلقى من مصادر غير التلقى الذى بيناه
    *****
    وحدة المصدر عن اهل السنة :
    فلا مصدر يعتمدون عليه في تقرير عقائدهم، سوى الكتاب والسنة وإجماع السلف، ولا يعارضون ما ثبت من ذلك بقياس أو رأي أو هوى . ** فلا شيء أريح للنفس وأطمن للقلب من عقائد السلف، فهي تتفق تمام الاتفاق مع الفطر السليمة والعقول المستقيمة، ولن تجد بحمد لله معارضة أي منها لمقررات العقول أو صحيح المنقول، فلا يمكن أن يتعارض عقل صريح مع نقل صحيح صريح ألبتة.

    [التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة]:

    فيقوم منهجهم فيما يتعلق بالاستدلال ومصدر التلقي على قاعدة التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة؛ فهم لا يقبلون تقييد دلالات النصوص بأي معارضات عقلية أو ذوقية تكون حاكِمة على الوحي. فليسوا كمن يجعل شعاره الظاهر التسليم لنصوص الوحي، لكنه في مسالكه العملية يبطن غيرها؛ إذ يجعل اتباع هذه النصوص مقيَّدًا ومرتَهَناً بعدم مخالفتها لما يراه هو وطائفته (مسلمات عقلية!) أو (وَجْدية) أو (ذوقية!) أو غيرها، كحال كثير من الطوائف المنحرفة في هذا الباب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    المقارنة بين موقف اهل السنة وبين المبتدعة من العقل
    يقول السمعاني - رحمه الله:
    (واعلم أنَّ فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل؛ فإنهم أسَّسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتِّباع والمأثور تبعاً للمعقول، وأمَّا أهل السنة قالوا: الأصل الاتباع، والعقول تبعٌ، ولو كان أساس الدِّين على المعقول؛ لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولَبَطَل معنى الأمر والنهي، ولَقَال مَنْ شاء ما شاء).
    فالعقل مصدر من مصادر التلقي والاستدلال عند أهل السنة، به تُفهم النصوص، وتُستنبط الأحكام، وتُخَرَّج الفروع على الأصول، وتُسْقَط النصوصُ على الوقائع، وتعطيلُ العقل يعني انتفاءَ أهليةِ الإنسان للفتوى والفقه والعلم؛ فالعقل شرطٌ أساس التكليفات الشرعية، إذ يسقط عن الإنسان غيرِ العاقل التكليفُ الشرعي. وأهل السنة لم يغالوا في العقل مغالاة غيرهم، حيث عرفوا حدوده فالتزموها ولم يتعدوها، وجعلوه تابعاً لنصوص الوحي، وليس العكس كما عند غيرهم، إذ أنَّ النص مقدَّم على العقل، ولذا قالوا: "لا اجتهاد مع نص".

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    المواقف العقدية عند أهل السنة تأسست بناءً على مقتضيات الأدلة، إذ الأصل في بناء المواقف العقدية والأساس والميزان في تأسيسها هو الوحي، وما فهمه منه الصحابة رضي الله عنهم؛
    فإصابة الهُدى في الدين -أصوله وفروعه-
    إنما يكون بالاعتماد على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في فهم الدِّين، وتطبيقه، والتمحور حوله. وليس لدى أهل السنة والجماعة أصول عقلية أو ذوقية سابقة على الوحي، وحاكمة عليه،
    وإنما كل ما يبنونه من أصول عقلية ومنطلقات معرفية يجب أن تكون خاضعة للوحي،
    فهو الأساس،
    وهو المنطلق،
    وهو الميزان،
    وهو الحاكم.
    وما أتى به الوحي ليس مجرد دلالات خبرية فقط، وإنما هو مضمون مركب من عدد من الدلالات الخبرية والعقلية والوجودية المتعلقة بالحس وغيره
    فالأصل هو الكتاب والسنة،
    وما لا يشهد له الوحي بالاعتبار فلا اعتبار له،
    لذا فإنهم يعلنون الاعتصام بالكتاب والسنة فهذه من أظهر صفاتهم، ويؤكِّدون عليها في كل مقام، ويظهر ذلك عمليًّا في جميع مسالكهم.
    وهُم أهل الكتاب والسنة؛ لأنهم يؤثرون كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، ويتبعون آثاره صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا.
    وعليه فإن القول الجامع فيما يختص به أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الطوائف أن منهجهم
    يقوم على التسليم المطلق بالنصوص،
    بخلاف جميع الطوائف المخالفة لهم، فإنهم يشتركون في تقييد النصوص بما أحدثوه من أصول بدعية
    وبالاستقراء تجد أن «كل من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن كان ممن يعتقد ما قاله، وله فيه حجة يستدل بها؛ كان غايته الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، كاحتجاجهم بقياس فاسد، أو نقل كاذب، أو خطاب ألقي إليهم، اعتقدوا أنه من الله، وكان من إلقاء الشيطان. وهذه الثلاثة هي عمدة من يخالف السنة بما يراه حجة ودليلا، إما أن يحتج بأدلة عقلية، ويظنها برهانا وأدلة قطعية، وتكون شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة ومعان متشابهة، لم يميز بين حقها وباطلها، كما يوجد مثل ذلك في جميع ما يحتج به من خالف *الكتاب *والسنة؛ إنما يركب حججه من ألفاظ متشابهة، فإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل، وهذه هي الحجج العقلية، وإن تمسك المبطل بحجج سمعية؛ فإما أن تكون كذبا على الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تكون غير دالة على ما احتج بها أهل البُطول، فالمنع إما في الإسناد وإما في المتن ودلالته على ما ذكر»
    فاعتصام أهل السنة والجماعة بالقرآن والسنة هو خاصتهم وميزتهم،
    يقول ابن تيمية رحمه الله-:
    «كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان، فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرق والاختلاف صار أهل التفرق والاختلاف شيعًا، صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان،
    ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم، عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به وما خالفها تأولوه؛ فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى؛ إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر على غير ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن؛ ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول؛ بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها»
    وهذا يُبرز أمرًا مهمًّا، وهو أنه ليس المراد بهذه الصفة في أهل السنة والجماعة مجرد التنصيص على التمسك بالكتاب والسنة، وإنما جعل ذلك قاعدة وقِيمة مطلقة، ومعنى محوريًّا يُربى عليه الناس، ويدعون إليه، وجعله معيارًا وميزانًا أساسيًّا في تأسيس العقائد. خلافًا لغيرهم؛ فإنهم لا يعلنون التسليم التام للوحي ولا الاعتصام المطلق به، وإنما يقسمون العقائد إلى أقسام، بعضها يعتمدون فيه على الوحي، وبعضها على غيره، فهم لا يجعلون الكتاب والسنة المعيار الحاكم ولا الميزان المميز، ولا يظهر في تقعيدهم الدعوة إلى التمسك بالوحي والتمحور حوله بما يليق به، وحديثهم عن ذلك قليل مجمل، لا يؤسس عقيدة، أو يبني منهجًا، ولا يربي سلوكًا. بل يمكننا القول بأن أهل الفرق المخالفة للحق جميعهم مشتركون في القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مُشكِلة أو متشابهة، ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعله الفريق الآخر مشكلًا، ثم منهم من يقول: لم يعلم معانيها أيضًا، ومنهم من يقول: علمها ولم يبينها، بل أحال بيانها على الأدلة العقلية).
    لذا فإن «من أعظم ما أنعم الله به عليهم: اعتصامهم بالكتاب والسنة،
    فكان **من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان: أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض *القرآن، لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وَجْدِه؛ فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم»(
    التقيُّد بفهم السلف والتواصي بذلك:
    المستفيض عنهم والظاهر في مقالاتهم التقيد بـ”فهم السلف” للنصوص، وعدم الخروج عما أجمعوا عليه، ولا الخروج عن جملة أقوالهم فيما اختلفوا فيه بما يلزم منه بطلان أقوالهم، وينصون ويتواصون بذلك.
    يقول الإمام أحمد رحمه الله: «أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم»(
    بل يقول الأوزاعي: «اصبر نفسك على السُّنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم»(
    وفهم السلف ليس أمرًا مستقلًّا عن دلالات النصوص، وإنما هو في الحقيقة المعيار الصحيح في فهم النصوص. فدلالات النصوص وإن كان الأصل فيها أنها معلومة من جهة ما تدل عليه معانيها في لسان العرب، إلا أنه قد يرد عليها احتمال الدلالة على أكثر من معنى، فالواجب حينئذ أن ينظر في هدي السلف الصالح، وأن يعتبر فهمهم لتلك النصوص حجة قاطعة في الدلالة على معانيها. وأما الاكتفاء في فهم النصوص بمجرد ما تحتمله اللغة -أي: المعنى المعجمي الحرفي- وتقييد الدلالات المحتملة دون اعتبار فهم السلف فهو قنطرة الابتداع في الدين، حيث إنهم وإن اختلفوا في أصولهم ومصادرهم في التلقي إلا أنهم اتفقوا على تقييد دلالات النصوص بما أحدثوه من أصول بدعية، كاشتراط انتفاء المعارض العقلي عند المتكلمين، واشتراط عدم مخالفة النصوص للكشف عند الصوفية، واشتراط عدم مخالفة النصوص لما ورد عن الإمام المعصوم عند الإمامية
    ومما يدخل في حجية إجماع السلف: اعتبار اختلافهم فيما اختلفوا فيه، بل إن اعتبار اختلافهم داخل في عموم اعتبار هديهم. فأما حجية ما كانوا عليه في حال اتفاقهم فأمره ظاهر: وهو أن ما أجمعوا عليه واتفقوا أنه من دين الله تعالى فلا بد أن يكون هو الحق، ويجب على من بعدهم أن يعتبر بإجماعهم، وإلا لزمه أن يسلك طريق الابتداع في الدين إذا خالفهم في ذلك. وأما وجه الحجة فيما اختلفوا فيه: فهو أن الحق لا يمكن أن يخرج عن أقوالهم إلى ما يلزم منه من بطلان جملة ما ذهبوا إليه؛ لأنه يلزم من ذلك أنهم لم يعرفوا الحق حتى جاء من بعدهم فاستدرك عليهم، وذكر ما يباين أقوالهم. وهذا معنى ما ورد عن الإمام أحمد أنه قال: “يلزم من قال: يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا أن يخرج من أقاويلهم إذا أجمعوا”
    ومرادُه بذلك أن من قال: إنه يصح له أن يخرج عن أقوال الصحابة إذا اختلفوا فإنه يلزمه أنه قد غاب الحق عن جميعهم، فيلزمه أيضًا أنهم حتى لو أجمعوا على أمر فإنه يصح له أن يخرج عن إجماعهم؛ لأنه إذا جوز الخروج عن مجموع أقوالهم في حال اختلافهم فكأنه جوز الخروج عن إجماعهم في حال اتفاقهم(
    كما لا يليق بمجتهد أن يقول قولاً يلزم من تخطئتهم، أو تجهيلهم، كأن يحدث قولاً ثالثاً في مسألة يلزم منها اجتماع السلف على قولين كلاهما خطأ، فهذا الشأن في حال اختلافهم؛ فكيف إذا اجتمعوا؟! وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية رحمه الله: «والأمة إذا اختلفت في مسألة على قولين لم يكن لمن بعدهم إحداث قول يناقض القولين، ويتضمن إجماع السلف على الخطأ، والعدول عن الصواب»(
    قد يظن البعض أن الرد إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم في النوازل التي تطرأ بعد عصرهم هو رميٌ إلى جهالة! ويجاب عن ذلك: بأنه لا شك في وقوع نوازل وأحداث بعد عصرهم، لكن النزاع في اعتبار الرجوع إلى فهمهم رميًا إلى أمر مجهول. ومن تأمل لازم هذا القول علم فساده، فنصوص الكتاب والسنة نفسها قد يقال عنها هذا القول، فإن الرد بهذا الاعتبار سيكون رجوعًا إلى أمر مجهول. وعليه فإن «الفرق بين ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وبين ما يكون من النوازل بعد عصرهم هو من قبيل الفرق بين تنقيح المناط وتحقيق المناط، فإن معرفة الدليل الشرعي ومعرفة دلالته التي يدور عليها الحكم لا بد أن تكون معروفة للصحابة بحيث لا تفوت على مجموعهم، لكن لا يلزم من معرفتهم لكل ذلك أن يعرفوا تفاصيل ما قد يكون من الوقائع والنوازل التي تنطبق عليها دلالة الأدلة، فإن ذلك لا يلزم في فقه الدليل ومعرفة ما يدور عليه الحكم فيه، بل إن معرفة تفاصيل الوقائع والنوازل المستقبلية لا يلزم أن تكون معلومة للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك شرطا في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قدحًا في أنه أعلم الناس بأحكام الله تعالى، فإنه لا يعلم الغيب ولا ما يكون من النوازل في المستقبل إلا الله تعالى، فكيف مع كل ذلك يمكن أن يقال: إن جهل الصحابة بما تنطبق عليه الأحكام في النوازل المستقبلية يقدح في حجية فهم الصحابة للنصوص، وفي كون الموافقة لما كانوا عليه هو المعيار الذي تتميز به الفرقة الناجية عن غيرها من الفرق. ومما يرفع الإشكال في هذا الباب أن العلماء قد يحكمون في بعض المسائل التي لم تكن في عصر الصحابة بما يعلمونه من فقه الصحابة في تلك المسائل، بل قد يحكون عنهم الإجماع في حكم المسألة لمجرد أن ذلك هو لازم ضروري لما علم عنهم في المسألة. ومن ذلك ما ذكره عمرو بن دينار في حكم القول بخلق القرآن، حيث قال: أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم منذ سبعين سنة يقولون: الله خالق، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، منه خرج وإليه يعود.
    وهو إنما أراد بذلك الاستناد إلى فقه الصحابة في الاستدلال على أن القرآن غير مخلوق، ووجه الدلالة فيما نقله عنهم أنهم قد قالوا: إن كل ما سوى الله فهو مخلوق، وقالوا أيضًا: إن القرآن كلام الله تعالى، وأن لازم قولهم أن القرآن ليس مخلوقا، لأنه كلام الله تعالى وليس غيره، فدليله على أن الصحابة يقولون: إن القرآن ليس بمخلوق هو أنهم يقولون: إنه كلام الله تعالى، ومعلوم أن كلام الله تعالى صفة من صفاته وليس غيره، فلا يكون مخلوقا، ولا يلزم أن يكون ما نقل عمرو بن دينار عن الصحابة من أن الله هو الخالق وما سواه مخلوق مع قولهم عن القرآن: إنه كلام الله تعالى قد قالوه في سياق واحد، بل إنه يصح الاستدلال بقولهم في الأمرين وإن كان كل منهما قد قيل مستقلا عن الآخر، فيمكن أن يكون عمرو بن دينار قد جمع بين القولين لأجل بيان فقه المسألة عند الصحابة، وإظهار وجه الاستدلال بما قالوه فيها»
    فأهل السنة والجماعةمن اكثر المدارس العقديةاجتماعًا على الأصول، بل لا يكاد يوجد بينهم خلاف في أصول العقائد.
    يقول السمعاني رحمه الله:
    «يدل أن أهل الحديث هم على الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار وسكون كل واحد منهم قطرًا من الأمصار وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى بينهم اختلافًا وتفرقًا في شيء ما وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدتهم كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟! قال الله تعالى: {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} [النساء: 82]، وقال تعالى: {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا}يقول شيخ الإسلام حاكيًا وصف الفرقة الناجية: «فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه، وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف؛ فما كان من معانيها موافقا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم»
    فأهل السنة والجماعة لا ينصبون مقالة يوالون ويعادون عليها، ويجعلونها أصلًا من أصول الدين إن لم تثبت في الكتاب والسنة، ويقدرون كل مسألة قدرها ورتبتها ومكانتها ضمن أصول الإسلام والإيمان. وأما حكم كلام غير الشارع فـ«ما يقوله سائر الناس من الكلام في المطالب الشرعية لا بد من عرضه على الكتاب والسنة، فإن وافق الكتاب والسنة فهو حق يقبل، وإن خالفهما فهو باطل يرد، وإن احتمل الجهتين: فإما أن يعرف مراد المتكلم فيحكم له أو عليه بحسب المراد، وإما ألا يعرف مراده فينظر في سيرته -سيرة المتكلم- فإن كانت حسنة حمل كلامه على الوجه الحسن؛ {وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}، وإن كانت سيرته سيئة حمل كلامه على الوجه السيئ؛ {وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف: 58]. أما إذا عُرف مُراده لكن لم يعرف هل جاء الشرع بتصديقه أو بتكذيبه؛ فإنه يُمسك عنه ولا يتكلم إلا بعلم؛ والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
    وعليه فما قد يُنص عليه من قبل بعض المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة من إطلاقات تواردوا عليها، وليس فيها صريح نص ثابت، فلا تخرج عن المعاني الثابتة والمجملات المنصوص عليها، وإنما أوردوها حسب مقتضى الرد وحالة الرد على المقالات البدعية.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    الكتاب والسنة الصحيحة هما المصدر الأساسي للعقيدة الإسلامية عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
    والإجماع المعتبر عند أهل السنة في تقرير العقيدة إنما هو إجماع مبني على الكتاب والسنة أو أحدهما والعقل والفطرة :
    إنما يأخذ بهما أهل السنة مؤيدان لا مصدران بشرط موافقتهما الكتاب والسنة الصحيحة .
    قال شيخ الإسلام : " ثم من طريق أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا . . . ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس ، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه ويسلم على هدي كل أحد ، وبهذا سموا أهل الكتاب والسنة
    ، وقال أيضًا : " ولا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل يجعلون ما بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه ؛ وما تنازع فيه الناس . . يردونه إلى الله ورسوله . . . فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه
    وقال أيضًا وهو يتكلم عن أهل السنة : " . . . وكل ما يقولونه أو يفعلونه من هذا أو غيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة .
    تقديم النقل - وهو الكتاب والسنة الصحيحة - على العقل وبيان ذلك : أنه إذا حصل ما يوهم التعارض بين العقل والنقل قدموا النقل . عملا بقول تعالى :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
    يقول شيخ الإسلام - بعد أن أورد هذه الآية - : ( فإن هذا أمر للمؤمنين بما وصف به الملائكة كما قال تعالى :
    وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ
    لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
    ، فوصفهم سبحانه بأنهم لا يسبقونه بالقول وأنهم بأمره يعملون ، فلا يخبرون عن شيء من صفاته ولا غير صفاته إلا بعد أن يخبر سبحانه بما يخبر به ، فيكون خبرهم وقولهم تبعًا لخبره وقوله ، كما قال :
    لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ
    وأعمالهم تابعة لأمره ، فلا يعملون إلا ما أمرهم هو أن يعملوا به فهم مطيعون لأمره سبحانه .
    . وقد أمر المؤمنين أن يكونوا مع الله ورسوله كذلك . . . فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعًا لما جاء به الرسول ولا يتقدم بين يديه بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعًا لقوله ، وعلمه تبعًا لأمره ، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين ولهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله . . . وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله والرسول . . . فهذا أصل السنة )

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    قال مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَخْبَارِيُّ قَالَ:
    أنشدنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ:


    دِينُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَخْبَارٌ. . . نِعْمَ الْمَطِيَّةُ لِلْفَتَى الْآثَارُ
    لَا تَرْغَبَنَّ عَنِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ. . . فَالرَّأْيُ لَيْلٌ وَالْحَدِيثُ نَهَارُ
    وَلَرُبَّمَا جَهِلَ الْفَتَى أَثَرَ الْهُدَى. . . وَالشَّمْسُ بَازِغَةٌ لَهَا أَنْوَارُ

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    عَنْ سُفْيَانَ الثوري، قَالَ: إِنَّمَا الدِّينُ بِالْآثَارِ.
    رد قادم للجدل الذي حدث بينه وبين عبد الرحمن بن مهدي.
    الكتاب والسنة الصحيحة هما المصدر الأساسي للعقيدة الإسلامية عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
    صعُبت بعض الأمور أخي على أهل السنة والجماعة أن يأخذوا بالكتاب والسنة لأسباب كثيرة, الضغوط والهوى بالخلافات مع أهل الهوى.

    اذا تذكر موضوعنا ونقاشنا قبل يومين او ثلاثة هل السماء مطويات بيمينة=السماء فوق اصبع!
    عجز بعض اهل السنة والجماعة عن التوبة وفضلوا كلام اليهودي على كلام الله عز جل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
    فهم محقوا وسحقوا برؤوسهم السنة الصحيحة وقبلها الكتاب
    ومع ذلك يظلون أقل مخالفات من غيرهم.
    الحق ثقيل وبيء! ومن يدخل الجنة دون حساب او عذاب 70 الف فقط -- لكي تفهم انها ليست لأي أحد!

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو لمى مشاهدة المشاركة
    اذا تذكر موضوعنا ونقاشنا قبل يومين او ثلاثة هل السماء مطويات بيمينة=السماء فوق اصبع!
    عجز بعض اهل السنة والجماعة عن التوبة وفضلوا كلام اليهودي على كلام الله عز جل -وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
    فهم محقوا وسحقوا برؤوسهم السنة الصحيحة وقبلها الكتاب
    !
    هل كلامنا كان فى التفضيل ام فى اقرار النبى صلى الله عليه وسلم - عن عبد الله بن مسعود« ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا »
    والجواب على ذلك أخى ابو لمى
    مشروعية قراءة آية الكرسي عند النوم، وأن من قرأها لا يزالُ عليه من اللهِ حافظٌ , ولا يقربُه شيطانٌ حتى يُصبِحَ

    هل هذا أخذناه من قول الشيطان، أو من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له؟
    بكل تأكيد أخى الفاضل من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم،
    الدليل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للشيطان على هذا القول وعدم إنكاره عليه " فصدقك هذه المرة وهو كذوب".
    دل على أن الحق يقبل ممن جاء به، إذا جاء بالحق شيطان قبلناه،
    إذا جاء بالحق كافر قبلناه, إذا جاء بالحق فاسق قبلناه،
    وإذا جاء بالباطل شخص حتى ولو كان مسلم جاء بالباطل نرد الباطل؛ الباطل مردود حتى ولو كان شخص مستقيم غلط وجاء بالباطل نقول: أنت أخونا ومستقيم لكن هذا الباطل نرده عليك،
    ومن جاء بالحق قبلناه منه ولو كان من اليهود ولو كان من الفساق ولو كان من الشياطين نقبله.

    والحديث فيه إثبات الأصابع لله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الحَبر أو الحِبر،

    ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر العالم اليهودي أقره على إثبات الأصابع لله، ليست الحجة في كلام اليهودي الحجة في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما أنكر عليه، لو لم يكن له أصابع لأنكر عليه، النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقره على باطل بل النبي صلى الله عليه وسلم ضحك وتعجب وصدّق الحبر صدّقه « ضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا » فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للحبر على إثبات الأصابع دليل على أن الأصابع صفة لله، وأن لله خمسة أصابع، والدليل ما هو؟ هل الدليل قول اليهودي أو الدليل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم؟ إقرار، إقرار النبي وعدم إنكاره عليه.

    وفيه: دليل على قبول الحق ممن جاء به، أن الحق يقبل ولو من كافر، هذا اليهودي كافر؛ لأنه ما آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لما جاء بالحق يقبل الحق، دليل على أن الحق يقبل ممن جاء به ولو كان كافرا، إذا جاء شخص بالحق كافر أو فاسق، نقبله أم نرده؟ نقبله، حتى الشيطان، الشيطان إذا جاء بالحق يقبل؛ في صحيح البخاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أبا هريرة بحفظ زكاة الفطر الطعام، فجاء رجل في صورة إنسان فجعل يحثو من الطعام، فجاء إليه أبو هريرة وقال: كيف تسرق؟ هذا صدقة؟ فقال: أنا مسكين وصاحب عيال ارتكني فرحمه وخلى سبيله، فلما كان في الصبح سأله النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: يا رسول الله شكى حاجة وعيالا فرحمته وخليت سبيله، فقال: أما إنه كذبك فسيعود. قال أبو هريرة: فرصدته عرفت أنه سيعود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فجاء في اليوم الثاني جعل يحثو الطعام، فأخذه أبو هريرة فقال: كيف تسرق من الطعام هذا زكاة صدقة؟ فقال: دعني فإني صاحب عيال وحاجة ولا أعود، فرحمه وخلى سبيله، فلما كان في الصباح سأله النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: يا رسول الله شكى حاجة وعيالا وزعم أنه لا يعود، قال: أما إنه كذبك فسيعود، فرصده في اليوم الثالث، فجعل يحثو من الطعام، فأخذه، فقال: دعني لحالي إني صاحب حاجة وعيال ولا أعود إليك هذه المرة، فقال: لا أدعك هذه المرة، هذه ثالث مرة تدعي أنك لا تعود ثم تعود ما يمكن أن أتركك، فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، فقال: ما هي؟ قال: إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي - الله لا اله الا هو الحى القيوم ... فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك الشيطان حتى تصبح؛ فخلى سبيله لما علمه، فلما كان الصباح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها وذكر له، فقال: لقد صدقك وهو كذوب "

    "صدقك وهو كذوب" يعني صدق في هذه المرة علشان يتخلص منك صدق وهو كذوب، هو من طبيعته الكذب لكن صدق في هذه المرة؛ ولهذا يقال في المثل "قد يصدق الكذوب" قد للتقليل, الشيطان كذوب لكن صدق في هذه المرة، والشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك منه قبل وصدقه.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: مصدر التلقى عند أهل السنة والجماعة

    حياك الله اخي عبد اللطيف
    أرأيت أخي؟
    رغم الوضوح الصارخ للنص, نجادل.
    .
    ثم أنت لابد ايضا تفهمني, وكأنني اعترض على قبول الحق ايا كان مصدره, إذا ثبت.
    حتى حديث قصة الشيطان مع ابي هريرة, ليس من الأسانيد التي تحبها. ولكن لن أناقشها لأنه لا مشكلة لي مع متنه, وهو على كل حال إسناد لابأس به.
    .
    وفي موضوعك هذا, أردت بيان أن الحق فعلاً كما قال أحد الصالحين "ثقيل وبيء"
    .
    وبالمجمل المفهوم الكلي لموضوعك هنا, لا اختلف معك فيه, وكأنني من كتبه, لأن العقول الصحيحة النيرة هي العقول التي بنيت على النورين: نور الكتاب و نور السنة.
    ..
    وعقيدتي هي: إذا وجد نص صحيح ثابت, عقلي يخالفه, إذن المشكلة في عقلي, وبناء عليه لابد من فرمتتة هذه المشكلة, وتصحيح العقل.
    والحمد لله, لم تمر علي في حياتي هذه المشكلة.
    ورب الكعبة لا أذكر.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •