مسألة :متى يحرم المتمتع بالحج يوم التروية ؟أقوال : أحدهما :يسن أن يحرم المتمتع بالحج يوم التروية قبل الزوال من مكة هذا مذهب الحنابلة كما في الروض المربع (١/٢٧٥) ويستحب أن يكون خروجه قبل الزوال قال في الإنصاف (٤/٢٧) :"قَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بِهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ نَصَّ عَلَيْهِ." اهـوالثاني :يستحب أن يحرم المتمتع بالحج يوم التروية من مكة ويخرج إلى منى بعد صلاة الصبح هذا مذهب الشافعية كما في روضة الطالبين للنووي وتحفة المحتاج للرافعيقال النووي في روضة الطالبين في( فصل الوقوف وما يتعلق به) : " ثُمَّ يُهِلُّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي صُورَةِ التَّمَتُّعِ ... ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ إِلَى مِنًى، وَيَكُونُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، بِحَيْثُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ" اهـوالثالث :يستحب أن يحرم المتمتع بالحج يوم التروية والأفضل أن يحرم من المسجد ، ويجوز من جميع الحرم ومن مكة أفضل من خارجها ويخرج إلى منى بعد طلوع الشمس هذا مذهب الحنفية كما في حاشية ابن عابدين (٢/٥٣٦) وقال ابن عابدين : في حاشيته : قوله { فإذا صلى بمكة الفجر ثامن الشهر خرج إلي منى } كذا في الهداية وقال الكمال : ظاهر هذا الترتيب إعقاب صلاة الفجر بالخروج إلي منى وهو خلاف السنة واستحسن في المحيط كونه بعد الزوال وليس بشيء وقال المرغيناني : بعد طلوع الشمس وهو الصحيح ومثله ذكر ابن الهمام الحنفي في (شرح فتح القدير) وزاد (ولم يبين في المبسوط وقت الخروج ) قال محمود بن صدر الشريعة بن مازه البخاري - 551 هـ - في (المحيط البرهاني) : ثم إذا جاء يوم التروية خرج من مكة بعد ماطلعت الشمس إلي منى " اهـ


والرابع : يحرم المتمتع بالحج يوم التروية بعد الزوال وهو قول عند الحنفية وقولٌ عند الشافعية كما في البيان وفتح العزيز شرح الوجيز وقول عند الحنابلةقال في بدائع الصنائع للكاساني (٢/١٧٤) : ولأن السنة في المتمتع أن يحرم بالحج عشية التروية كذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك " اهـقال العمراني الشافعي في البيان :إذا تحلل المتمتع من عمرته، وكان واجدا للهدي فالمستحب له أن يحرم بالحج يوم التروية: وهو اليوم الثامن، فيحرم بعد الزوال متوجها إلى منى.وقال مالك: (يستحب له الإحرام عنه إهلال ذي الحجة). دليلنا: ما روى جابر: أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توجهتم إلى منى رائحين.. فأهلوا بالحج» اهـوهذا القول الرابع قول عند الحنابلة اختاره أبو الخطاب وقال عنه ابن تيمية في شرح العمدة: هو أجود لحديث ابن عباس عند البخاري " ثُمَّ أَمَرَنَا عشية التروية أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ" .وعند أحمد عن أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ ". فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ " (سنده صحيح) وروى أحمد حدثنا يحيى بن سعيد عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ عن جابر وفيه: حَتَّى إِذَا كَانَ عَشِيَّةُ التَّرْوِيَةِ - أَوْ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ - جَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، وَلَبَّيْنَا بِالْحَجِّ " ورواه أحمد عن إسحاق عن عبدالملك به بدون شك وفيه "حتى إذا كان يوم التروية " وإسحاق هو ابن يوسف بن مرداس القرشي المخزومي ، ويقال : المهري ، أبو محمد الواسطي الأعمى ، المعروف بالأزرق (ثقة )وفي الاستذكار(١١/١٦٧) :قال ابن جريج : وقال لي عطاء : إنما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخلوا في حجتهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشية التروية حتى توجهوا إلى منى" اهـقال النووي في المجموع (٨/١١٥)" قال ابن المنذر : وقال ابن عباس : إذا زاغت الشمس فليخرج إلى منى " اهـ
أدلة الأقوال :حديث جابر عند مسلم وفيه :فَلَمَّا كان يوم التروية تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ" وَفِي رِوَايَةٍ (حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ )وَفِي رِوَايَةٍ (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى)قلت : وليس فيه ما يدل على الخروج قبل الزوال وإنما يستفاد ذلك من دليل خارجي كالأدلة الدالة على مسارعته بالصلاة في أول وقتها وكعادته في الصلاة قبل الارتحال إذا حان وقتها ففي حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ " متفق عليهوعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ " رواه أبوداودوبهذا أعني بالإحرام قبل الزوال والخروج إلى منى قبله قال النووي كما في روضة الطالبين وابن القيم كما في زاد المعاد قال في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح :قلت: الظاهر من سياق حديث أنس وجابر أن توجهه - صلى الله عليه وسلم - كان قبل الزوال. وذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب ((شرف المصطفى)) أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - يوم التروية كان ضحوة النهار، وهذا يدل على استحباب الغدو من الغد. وفي سيرة الملا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى منى بعد ما زاغت الشمس. وهذا يدل على استحباب الرواح بعد الزوال.قال الطبري: يمكن أن يكون - صلى الله عليه وسلم - تأهب للتوجه ضحوة النهار وتوجه في أول الزوال، ويكون أمره بالرواح على ما رواه الشافعي عن الحسن بن مسلم للراكب المخف الذي يصل إلى منى قبل فوات الصلاة وأمره بالغدو للماشي أو لذي الثقل أو يكون أمر بهما توسعة فيهما، فالمتوجه إلى منى مخير بين الغدو والرواح لذلك. وقد اتفقت الروايات كلها على أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بها الظهر والعصر انتهى. وقال المهلب: الناس في سعة من هذا يخرجون متى أحبوا ويصلون حيث أمكنهم، ولذلك قال أنس: صل حيث يصلي أمراؤك" اهـقلت : والذي يظهر من الأدلة أن الأمر بالإحرام كان عشية التروية وعن جابر أنهم أحرموا حين التوجه إلى منى فاجتمع من ذلك أن الخروج كان في أول الزوال وحينه حصل الأمر والإحرام وبهذا نقول : لم نقف للقول الأول إلا على المفهوم ، والنص بخلافه وهو مقدم ففي حديث ابن عباس عند البخاري ( أمرنا بالإحرام عشية التروية ) وحديث جابر عند أحمد( فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّةُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ ) والله أعلم

فروع :
١- قال ابن تيمية في شرح العمدة :ولم يفرق أحمد في استحباب الاحرام يوم التروية بين واجد الهدي وعادمه بل أمر بالاحرام يوم التروية المتمتع مطلقا وهذا هو المشهور في المذهب وهو الذي قاله القاضي اخرا وهو وعامة أصحابه
وقال القاضي في المجرد من لم يجد الهدي فإنه يحرم ليلة السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وهي الأيام الثلاثة بعد احرامه بالحج لأن صومها قبل الاحرام بالحج فيه خلاف بين العلماء فيتحرز عنه وزاد ابن عقيل على هذا فقال يحرم ليلة السادس أو يوم الخامس ليصوم السادس والسابع والثامن وهذا كله تصرف بالسنة المسنونة بالرأي وليس في شيء مضى من النبي صلى الله عليه و سلم فيه سنة إلا اتباعها وقد أمر أصحابه كلهم أن يحرموا يوم التروية وكانوا كلهم متمتعين إلا نفرا قليلا ساقوا الهدي وأمر من لم يجد الهدي منهم أن يصوموا ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولم يأمره بالاحرام قبل يوم التروية ومعلوم علم اليقين أن قوما فيهم عشرات الألوف في ذلك الوقت الضيق يكون كثير منهم أو أكثرهم غير واجدين للهدي فكيف يجوز أن يقال كان ينبغي لهؤلاء الاحرام يوم السادس والخامس ورسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرهم بالاحرام يوم الثامن" اهـولهذا التعليل فرق الشافعية بين واجد الهدي وغيره
٢-قال النووي في المجموع (٨/١١٥):" قال -ابن المنذر - : وأجمعوا على أن من ترك المبيت بمنى ليلة عرفة لا شيء عليه قال : وأجمعوا على أنه ينزل من منى حيث شاء ، والله أعلم " اهـ ٣- يجوز الإحرام قبل يوم التروية وهل يجوز للمتمتع مجاوزته والإحرام بعده قولان : الثاني عليه دم مع دم المتعة وهل يجب الإحرام من الحرم قولان : الثاني يجب فإن أحرم الحاج من الحل (كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنْ مَرَّ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ) الإنصاف
٤-قال في الإنصاف للمرداوي :" يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ: مِنْ الْغُسْلِ، وَالتَّنْظِيفِ، وَالتَّجَرُّدِ عَنْ الْمَخِيطِ وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ." اهـ فإن أحرم قبل الطواف لم يستحب له الطواف


(تنبيهات) في ذكر تعليل أقوال الفقهاء :١- "وهذا ظاهر رواية المروذي وقد استحب المروذي أن يصلي ركعتين في المسجد ثم يحرم لأن الاحرام يستحب أن يكون عقب صلاة كالاحرام من الميقات"اهـ شرح العمدة لابن تيمية
٢-واستحب في رواية عبد الله أن يطوف حلالا ثم يحرم بعد الطواف وهذا الطواف لتوديع البيت لكونه خارجا إلى الحل ويستحب لمن خرج إلى الحل أن يودع البيت وأن يحرم عقب الطواف كما استحب لمن يحرم بغير مكة أن يحرم عقب الصلاة ومتى طاف أحرم عقب ركعتي الطواف" اهـ شرح العمدة لابن تيمية
٣- "ووجه الأول أن كل ميقات فيه مسجد فإنه يستحب الاحرام بعد الصلاة في مسجده كميقات ذي الحليفة" اهـ شرح العمدة لابن تيمية
٤-"ولو قدم المتمتع الاحرام جاز ، قال الفضل سألت أبا عبد الله عن متمتع أهل بالحج حين رأى هلال ذي الحجة فقال كان ابن عمر يفعل ذلك ثم أخر ذلك إلى يوم التروية"اهـ شرح العمدة
٥- لم نذكر قول مالك في هذه المسألة لأنها ليست من فروع مذهبه لأن مذهبهم استحباب إحرام الحاج المقيم بمكة عند رؤيته هلال ذي الحجة وفي قول يوم التروية
كُتِب يوم ٦ من ذي الحجة ١٤٣٨