تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 34

الموضوع: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    بسم الله الرحمن الرحيم ،

    هذا بحث كنت قد كتبته منذ قرابة السنة في هذه المسألة ، وأرى أن أضعه بين أيديكم لعلّه يفيدكم ، إن شاء الله .

    مسألتنا هي : سؤال الميت دعاء الله تعالى .. كأن يقول : يا وليّ الله ، اسأل الله أن يرزقني ويشفيني .

    وهذه النقول من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - كلها من مجموع الفتاوى ، وسأردّ على شبهة اعترضت بعض الإخوة فنبذوا جميع كلامه الواضح في هذه المسألة وتعلقوا بها ، وظنوا أنها المخرج لهم في إثبات أن ابن تيمية - رحمه الله - يرى هذا الفعل شركاً أكبر .

    -----------

    يقول ابن تيمية [1/330-331]:
    وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، وَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فِي قُبُورِهِمْ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ ، وَإِنْ وَرَدَتْ بِهِ آثَارٌ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ بِخِلَافِ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ ؛ وَلِأَنَّ مَا تَفْعَلُهُ الْمَلَائِكَةُ وَيَفْعَلُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ بِالْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ سُؤَالُ السَّائِلِينَ ، بِخِلَافِ سُؤَالِ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ إجَابَةُ السَّائِلِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عَنْهُمْ .
    لم يفعله أحد من السلف .. وذلك ذريعة إلى الشرك .. يدل كلامه هنا على أن هذا الفعل من الشرك الأصغر ، لأنه لا يقال مثلاً : لا يجوز عبادة الأصنام لأنه لم يفعلها السلف !! أو لأن ذلك ذريعة إلى الشرك .

    وقال أيضاً في [1/332-333]:
    وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْهُ ، وَدُعَائِهِ هُوَ ، وَالتَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ ضَرَرٌ ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ بِلَا شَرٍّ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَلَا مَفْسَدَةٌ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحُضُورِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَعْبُدُهُ وَيُشْرِكُ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرَ ، كَمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَجَدَ لَهُ عَنْ السُّجُودِ لَهُ ، وَكَمَا قَالَ : { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَخَافُ الْفِتْنَةَ وَالْإِشْرَاكَ بِهِ ، كَمَا أَشْرَكَ بِالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ .
    وهذا نص آخر يفيد أنه يرى أن ذلك ذريعة إلى الشرك ، وهذا يقال فقط في الشرك الأصغر .

    نأتي الآن إلى تقسيمات ابن تيمية - رحمه الله - لأنواع دعاء الأموات .. وهذه مسألة مهمة هنا ، فإنه عندما يذكر التقسيم ، لا يدرج مسألتنا في باب الشرك الأكبر ، بل يجعلها في باب مستقل ويصفها بالبدعة فقط .

    يقول في [27/72-75]:
    وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ ، أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُه ُ ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ :

    إحْدَاهَا : أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ ، أَوْ مَرَضَ دَوَابِّهِ ، أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ ، أَوْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ ، أَوْ يُعَافِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَدَوَابَّهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .

    وَإِنْ قَالَ أَنَا أَسْأَلُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ لِأَنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِهِ ، كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ ، فَهَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ شُفَعَاءَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ فِي مَطَالِبِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } . فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ . فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ ، فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ، إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً ، وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً ، وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ ، وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ .

    إلى أن قال ..

    وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الضُّلَّالِ : هَذَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنِّي ، وَأَنَا بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ ، لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَدْعُوَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ ، وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، بَلْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا ؛ إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ } وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَمُنَاجَاتِهِ ، وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } . ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْمُشْرِكِ : أَنْتَ إذَا دَعَوْت هَذَا ، فَإِنْ كُنْت تَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِك وَأَقْدَرُ عَلَى عَطَاءِ سُؤَالِك ، أَوْ أَرْحَمُ بِك ، فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَكُفْرٌ . وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ وَأَرْحَمُ ، فَلِمَ عَدَلْت عَنْ سُؤَالِهِ إلَى سُؤَالِ غَيْرِهِ ؟

    إلى أن قال ..

    وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْك ، وَأَعْلَى دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْك ، فَهَذَا حَقٌّ ؛ لَكِنْ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْك ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُثِيبَهُ وَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيك ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّك إذَا دَعَوْته كَانَ اللَّهُ يَقْضِي حَاجَتَك أَعْظَمَ مِمَّا يَقْضِيهَا إذَا دَعَوْت أَنْتَ اللَّهَ تَعَالَى : فَإِنَّك إنْ كُنْت مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ - مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ - فَالنَّبِيُّ وَالصَّالِحُ لَا يُعِينُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ، وَلَا يَسْعَى فِيمَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ .

    وَإِنْ قُلْت : هَذَا إذَا دَعَا اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ ، أَعْظَمَ مِمَّا يُجِيبُهُ إذَا دَعَوْته . فَهَذَا هُوَ (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ : أَلَّا تَطْلُبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَلَا تَدْعُوَهُ ، وَلَكِنْ تَطْلُبُ أَنْ يَدْعُوَ لَك . كَمَا تَقُولُ لِلْحَيِّ : اُدْعُ لِي ، وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -الدُّعَاءَ ، فَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الْحَيِّ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا الْمَيِّتُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَمْ يُشْرَعْ لَنَا أَنْ نَقُولَ : اُدْعُ لَنَا ، وَلَا اسْأَلْ لَنَا رَبَّك ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَلَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ ، بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْدَبُوا زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ . وَلَمْ يَجِيئُوا إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَائِلِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اُدْعُ اللَّهَ لَنَا ، وَاسْتَسْقِ لَنَا ، وَنَحْنُ نَشْكُو إلَيْك مِمَّا أَصَابَنَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ . لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
    ففي القسم الأول قال : هذا شرك صريح يستتاب عليه صاحبه وإلا قتل .. ولم يدرج مسألتنا في هذا القسم الذي هو شرك صريح .

    وجعل مسألتنا في قسم آخر ، وقال : لم يفعله أحد من الصحابة ، ولم يرد به حديث ، ولم يأمر به أحد من الأئمة .. وهذه الأقوال لا يقولها فقيه في الشرك الأكبر .. بل يقولها في البدعة التي هي دون الشرك الأكبر ..

    فلا يُقال : إن عبادة الأصنام لم يرد بها حديث ، ولم يفعلها أحد من الصحابة .. لذلك فهي حرام !!

    ثم هو وصفها بالبدعة ، ولم يقل كما قال في الأولى : شرك صريح يستتاب عليه صاحبه وإلا قتل .

    ومن تقسيماته أيضاً لمراتب الدعاء قوله في : [1/350-351]:
    وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ ، وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ ، فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ . وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ :

    - إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ ، وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ ، فَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي ، أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك ، أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك ، أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ .

    إلى أن قال ..

    وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِقَبْرِهِ وَيُصَلِّيَ إلَيْهِ ، وَيَرَى الصَّلَاةَ أَفْضَلَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : هَذِهِ قِبْلَةُ الْخَوَاصِّ ، وَالْكَعْبَةُ قِبْلَةُ الْعَوَامِّ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى السَّفَرَ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ ، حَتَّى يَقُولَ إنَّ السَّفَرَ إلَيْهِ مَرَّاتٌ يَعْدِلُ حَجَّةً . وَغُلَاتُهُمْ يَقُولُونَ : الزِّيَارَةُ إلَيْهِ مَرَّةً أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْبَيْتِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَهَذَا شِرْكٌ بِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي بَعْضِهِ .

    - الثَّانِيَةُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ : اُدْعُ اللَّهَ لِي ، أَوْ اُدْعُ لَنَا رَبَّك ، أَوْ اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا ، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ .
    انظر كيف في القسم الأول ذكر أنواعاً متعددة من الشرك الأكبر ، وجعلها كلها في قسم واحد .. وما فتئ يقول : وأعظم من ذلك .. حتى إن أتى على مسألتنا ، جعلها من البدع .. وهذا هو كتقسيمه السابق .

    ويقول في [1/179]:
    يَنْهَى أَنْ يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ ، لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَا الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا غَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَذَا شِرْكٌ أَوْ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ ؛ بِخِلَافِ مَا يُطْلَبُ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالشَّفَاعَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحَضْرَتِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ دُعَائِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ ، وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ فِي مَغِيبِهِمْ هُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ . فَمَنْ رَأَى نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَ لَهُ " اُدْعُ لِي " ، لَمْ يُفْضِ ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ دَعَاهُ فِي مَغِيبِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، كَمَا قَدْ وَقَعَ . فَإِنَّ الْغَائِبَ وَالْمَيِّتَ لَا يَنْهَى مَنْ يُشْرِكُ ، بَلْ إذَا تَعَلَّقَتْ الْقُلُوبُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، فَدَعَا وَقَصَدَ مَكَانَ قَبْرِهِ أَوْ تِمْثَالِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
    أولاً .. جعل دعاء غير الله تعالى قسمان : شرك وذريعة إلى الشرك .. ثم باقي كلامه في مسألتنا أوضح من أن أبينها .

    في هذه النقول كفاية ..

    ويستدل الذين يرون أن ابن تيمية يرى أن هذا الفعل من الشرك الأكبر ، بشبهة من كلامه يطعنون بها في هذه النصوص الواضحة الصريحة .. فيستدلون بقوله :

    قال في [1/155-159]:
    [QUOTE]
    وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى مُقِرِّينَ بِأَنَّ آلِهَتَهُمْ مَخْلُوقَةٌ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَهُم ْ شُفَعَاءَ ، وَيَتَقَرَّبُون َ بِعِبَادَتِهِمْ إلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (*) إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (*) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } ، وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك ، إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ . وَقَالَ تَعَالَى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (*) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (*) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (*) مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (*) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . بَيَّنَ - سُبْحَانَهُ - بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ ، فَقَالَ : { هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } . يَخَافُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ كَمَا يَخَافُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ؟ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ ، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ ؟ . وَهَذَا كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ : لَهُ بَنَاتٌ فَقَالَ تَعَالَى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (*) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (*) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.

    وَالْمُشْرِكُون َ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالشِّرْكِ ، أَصْلُهُمْ صِنْفَانِ : قَوْمُ نُوحٍ . وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ : فَقَوْمُ نُوحٍ كَانَ أَصْلُ شِرْكِهِمْ الْعُكُوفَ عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ ، ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ . وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَصْلُ شِرْكِهِمْ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ . وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تُخَاطِبُهُمْ وَتُعِينُهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ ، وَقَدْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، فَإِنَّ الْجِنَّ هُمْ الَّذِينَ يُعِينُونَهُمْ وَيَرْضَوْنَ بِشِرْكِهِمْ ، قَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (*) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } . وَالْمَلَائِكَة ُ لَا تُعِينُهُمْ عَلَى الشِّرْكِ ، لَا فِي الْمَحْيَا وَلَا فِي الْمَمَاتِ ، وَلَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ . وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تُعِينُهُمْ وَتَتَصَوَّرُ لَهُمْ فِي صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ ، فَيَرَوْنَهُمْ بِأَعْيُنِهِمْ ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَنَا إبْرَاهِيمُ ، أَنَا الْمَسِيحُ ، أَنَا مُحَمَّدٌ ، أَنَا الْخَضِرُ ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ ، أَنَا عُمَرُ ، أَنَا عُثْمَانُ ، أَنَا عَلِيٌّ ، أَنَا الشَّيْخُ فُلَانٌ . وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ : هَذَا هُوَ النَّبِيُّ فُلَانٌ ، أَوْ هَذَا هُوَ الْخَضِرُ ، وَيَكُونُ أُولَئِكَ كُلُّهُمْ جِنًّا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ . وَالْجِنُّ كَالْإِنْسِ فَمِنْهُمْ الْكَافِرُ ، وَمِنْهُمْ الْفَاسِقُ ، وَمِنْهُمْ الْعَاصِي ، وَفِيهِمْ الْعَابِدُ الْجَاهِلُ . فَمِنْهُمْ مَنْ يُحِبُّ شَيْخًا فَيَتَزَيَّا فِي صُورَتِهِ وَيَقُولُ : أَنَا فُلَانٌ . وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي بَرِّيَّةٍ وَمَكَانٍ قَفْرٍ ، فَيُطْعِمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ طَعَامًا ، وَيَسْقِيهِ شَرَابًا ، أَوْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الْغَائِبَةِ ، فَيَظُنُّ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّ نَفْسَ الشَّيْخِ الْمَيِّتِ أَوْ الْحَيِّ فَعَلَ ذَلِكَ . وَقَدْ يَقُولُ : هَذَا سِرُّ الشَّيْخِ ، وَهَذِهِ رَقِيقَتُهُ و، َهَذِهِ حَقِيقَتُهُ . أَوْ هَذَا مَلَكٌ جَاءَ عَلَى صُورَتِهِ . وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ جِنِّيًّا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تُعِينُ عَلَى الشِّرْكِ وَالْإِفْكِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (*) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاء َ ، كَالْعُزَيْرِ وَالْمَسِيحِ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاء َ عِبَادُ اللَّهِ ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ، وَيَتَقَرَّبُون َ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ سَائِرُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ . وَالْمُشْرِكُون َ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَقُولُونَ : إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِهِمْ ، أَيْ نَطْلُبُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ أَنْ يَشْفَعُوا ، فَإِذَا أَتَيْنَا قَبْرَ أَحَدِهِمْ طَلَبْنَا مِنْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَنَا ، فَإِذَا صَوَّرْنَا تِمْثَالَهُ - وَالتَّمَاثِيلُ إمَّا مُجَسَّدَةٌ وَإِمَّا تَمَاثِيلُ مُصَوَّرَةٌ ، كَمَا يُصَوِّرُهَا النَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ - قَالُوا : فَمَقْصُودُنَا بِهَذِهِ التَّمَاثِيلِ تَذَكُّرُ أَصْحَابِهَا وَسِيَرِهِمْ ، وَنَحْنُ نُخَاطِبُ هَذِهِ التَّمَاثِيلَ ، وَمَقْصُودُنَا خِطَابُ أَصْحَابِهَا لِيَشْفَعُوا لَنَا إلَى اللَّهِ . فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ ، أَوْ يَا سَيِّدِي جرجس ، أَوْ بِطَرْسِ ، أَوْ يَا سِتِّي الْحَنُونَةُ مَرْيَمُ ، أَوْ يَا سَيِّدِي الْخَلِيلُ ، أَوْ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ : اشْفَعْ لِي إلَى رَبِّك . وَقَدْ يُخَاطِبُونَ الْمَيِّتَ عِنْدَ قَبْرِهِ : سَلْ لِي رَبَّك . أَوْ يُخَاطِبُونَ الْحَيَّ وَهُوَ غَائِبٌ كَمَا يُخَاطِبُونَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا حَيًّا ، وَيُنْشِدُونَ قَصَائِدَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ فِيهَا : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَنَا فِي حَسَبِك ، أَنَا فِي جِوَارِك ، اشْفَعْ لِي إلَى اللَّهِ ، سَلْ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا ، سَلْ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا هَذِهِ الشِّدَّةَ ، أَشْكُو إلَيْك كَذَا وَكَذَا ، فَسَلْ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ هَذِهِ الْكُرْبَةَ . أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : سَلْ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي . وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وَيَقُولُونَ : إذَا طَلَبْنَا مِنْهُ الِاسْتِغْفَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ كُنَّا بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ طَلَبُوا الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَيُخَالِفُونَ بِذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ ، وَلَا سَأَلَهُ شَيْئًا ، وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ ، وَحَكَوْا حِكَايَةً مَكْذُوبَةً عَلَى مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيَأْتِي ذِكْرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - . فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَفِي مَغِيبِهِمْ ، وَخِطَابِ تَمَاثِيلِهِمْ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِين َ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ الشِّرْكِ وَالْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } .
    قالوا ، فقوله التالي دليل على أنه يرى أن سؤال الأموات دعاء الله تعالى شرك أكبر ، حيث قال :
    فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَفِي مَغِيبِهِمْ ، وَخِطَابِ تَمَاثِيلِهِمْ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِين َ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ الشِّرْكِ وَالْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى .
    والجواب عن ذلك بأن يقال : لا يمكن أن يُطعن بكل هذه النصوص الصريحة الواضحة في بيان كون هذا الفعل من الشرك الأصغر ، بكلمة متشابهة يمكن حملها على أكثر من وجه ، كما سيتبيّن لاحقاً إن شاء الله .

    والاحتمالات في تأويل كلام ابن تيمية الآنف هي :

    الأول : إما أن يكون لشيخ الإسلام قولان في المسألة ، كما هو حال كثير من الفقهاء ، وهو احتمال وارد ولكنه ضعيف .

    الثاني : إما أنه يعني المشركين الذين اتخذوا من دون الله شفعاء وأشركوهم في ملك الله وربوبيته ، لأنه قال في وصفهم : والمشركون الذين جعلوا معه آلهة أخرى .. والمشركون من هؤلاء .. ومنهم ، .. إلخ .. بما يدل على أنه عنى الذين ذكرهم في صدر حديثه ، وهم الذين اتخذوا معه آلهة أخرى يعبدونها .. ثم بعد ذلك ، كشف عن أفعالهم في تحقيق مرادهم من الشفاعة الشركية .. وهو احتمال قوي ، لكن ما بعده أرجح منه .

    وثالثاً : إما أنه جمع الأجلى والأعم والأغلب من أنواع الشرك في الدعاء في موضع واحد ، فجمع كل ما له علاقة به ، سواء أكان من الأكبر أم الأصغر ، ثم بيّن أن أصل هذه الأنواع قائم على الشرك الأكبر ، وهو دعاء غير الله تعالى .

    لذلك تراه عند ذكر الأنواع جميعها في موضع واحد ، يقول عنها أعظم أنواع الشرك .. أي أن أصلها الذي بنيت عليه هو الشرك الأكبر .. أو يعني هي أعظمها انتشاراً وفشواً بين المسلمين .. وأكثرها ظهوراً .

    وعندما يأتي إلى التقسيم ، فإنه يفرّق ولا يقول : إن دعاء الميت هو شرك أكبر بكافة أنواعه .. بل يفرّق بين ما كان لا يقدر عليه إلا الله ، ويقول صراحة أنه كفر أكبر وشرك أكبر ، وصاحبه كافر .. وما كان من جنس طلب الدعاء فقط ، فلا يصفه إلا بالبدعة .. ولا يصف صاحبه بالشرك الأكبر أو أنه كافر .

    وهذه نقطة مهمة جداً يجب أخذها بالاعتبار .. ففي كل المواضع التي قسّم فيها أنواع دعاء الأموات ، لم يذكر أن طلب الدعاء شرك أكبر .. بل اكتفى بقوله بدعة .. لماذا ؟؟ .. ولماذا يذكر في القسم الأول أنه شرك أكبر صراحة ، ولا يقول بدعة ؟؟ مع أنه بدعة شركية كذلك ، وهو في طائفة من المنتسبين للإسلام ..

    وعند جمع أنواع الدعاء لغير الله تعالى ، للميت أو الغائب ، يقول في مجموعها إنها أعظم أنواع الشرك .. مع أن كلمة "أعظم" يمكن أن تؤول إلى "أظهر" أو "أفشى" أو "أغلب" .. أو غير ذلك .

    وأخيراً .. يذكر ابن تيمية علّة تحريم دعاء الميت بما يدعا به الحي .. فقال في [27/80-81]:
    وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْبِيلُهُ فَكُلُّهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا قَصَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَهَذَا مَا يُظْهِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي مَغِيبِهِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَعْبُدُهُ أَحَدٌ بِحُضُورِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَالصَّالِحُونَ أَحْيَاءً لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يُشْرِكُ بِهِمْ بِحُضُورِهِمْ ؛ بَلْ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُونَه ُمْ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (*) وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَقَالَ : أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ } وَقَالَ : { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } ، وَلَمَّا قَالَتْ الجويرية : وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَعْلَمُ مَا فِي غَد . قَالَ : { دَعِي هَذَا قُولِي بِاَلَّذِي كُنْت تَقُولِينَ } . وَقَالَ : { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } . وَلَمَّا صُفُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ : { لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا تُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا } . وَقَالَ أَنَسٌ : لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ ؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ .

    وَلَمَّا سَجَدَ لَهُ مُعَاذٌ نَهَاهُ وَقَالَ : " { إنَّهُ لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ ، وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا - مَنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا } . وَلَمَّا أُتِيَ عَلِيٌّ بِالزَّنَادِقَة ِ الَّذِينَ غَلَوْا فِيهِ وَاعْتَقَدُوا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ أَمَرَ بِتَحْرِيقِهِمْ بِالنَّارِ . فَهَذَا شَأْنُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ ، وَإِنَّمَا يُقِرُّ عَلَى الْغُلُوِّ فِيهِ وَتَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا ، كَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ ، وَمَشَايِخِ الضَّلَالِ الَّذِينَ غَرَضُهُمْ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ ، وَالْفِتْنَةُ بِالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ وَاِتِّخَاذُهُم ْ أَرْبَابًا وَالْإِشْرَاكُ بِهِمْ مِمَّا يَحْصُلُ فِي مَغِيبِهِمْ وَفِي مَمَاتِهِمْ ، كَمَا أُشْرِكُ بِالْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ . فَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ وَحُضُورِهِ ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ فِي مَمَاتِهِ وَمَغِيبِهِ . وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِي التَّابِعِينَ يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَيَسْأَلُونَهُ مْ وَلَا يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ ؛ لَا فِي مَغِيبِهِمْ وَلَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعُكُوفُ .
    فالعلة في مشروعية دعاء الأحياء في حضورهم وحرمة دعائهم بعد موتهم ، هو أنه بعد موتهم لا يوجد من ينهاهم عن الشرك والغلو ، فيفضي ذلك إلى تعلق القلب بهم وتعظيمهم ثم الشرك بالله تعالى ، كما ذكرته في بداية هذا البحث .

    وبعد هذه الصفحة ، سأعلل كون هذا الفعل من الشرك الأصغر وليس من الأكبر .. فللحديث بقية إن شاء الله تعالى .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد ابن تيمية في سؤال الأموات سؤال الله تعالى .

    هذا نقاش طويل قديمٌ، دار بيني وبين مجموعةٍ من الإخوة قبل قرابة الـ(4) سنين، حول هذه المسألة:
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16527
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    جزاك الله خيراً .. كنت قد قرأت موضوعك هذا بعد أن عملت بحثي بشهر أو شهرين .. ولم أفد منه كثيراً ، حيث إن أكثر من فيه كانوا متعصبة لأقوال مشايخهم .. فمن تعصب لقول ابن عثيمين الذي يراه شركاً أصغر ، ومن تعصب لقول ابن باز الذي يراه شركاً أكبر .. ولم أرَ طرحاً موضوعياً يستحق الوقوف عنده ..

    ولعلّ ما فعلته يغني عن ذلك كله ، ويوضّح حقيقة معتقد ابن تيمية في هذه المسألة .. خاصة وأنني سأوضح في مشاركة لاحقة علّة كونه من الشرك الأصغر ، وأنه لا يستقيم بحال إدراجه في الشرك الأكبر ، وسأرد على الشبهات الواردة ، إن شاء الله .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    ما هذا التعليق؟!
    أكثر من فيه متعصِّبةٌ؟!
    ولم تفد كثيرًا من البحث، مع أنَّه موعبٌ بالنقول الكثيرة التي تزيد كثيرًا على ما نقلته! ولم ترَ طرحًا موضوعيًّا فيه؟! ماشاء الله على إطلاقاتك! أهكذا تبدأ تجردك في البحث والإنصاف! سبحان الله!
    على كلٍّ سنرى ما تأتينا به..
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    هدّئ من روعك أخي ، رعاك الله .. فلم أقصد بذلك إساءة لأحد ، ولم أقصد تزكية هذا البحث .. أعاذنا الله وإياك من الكبر والغرور .

    لعلّي تسرّعت في الحكم على أهل ذاك الموضوع ، لمشاكلته لموضوع طرح سابقاً في أحد المنتديات (أنا المسلم) ، وكان أكثر من فيه من الجهلة والمتعصبة ، فاختلط عليّ الأمر .. وأستغفر الله من ذلك .. وجزاك الله خيراً لتنبيهك .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    آمين.
    ولكن من قال إني غاضب أونحوه؟! أنا أتكلم عن إطلاقاتك التعميمية التي باشرتها على ما تقدم، ولعلك تحتاج إلى نصيحتك بأن تهدأ في البحث أكثر مني (ابتسامة)
    أنت لم تقصد ما ذكرته -كما عبَّرتَ- ولكنك كتبت ذلك بنفسك.
    وتراجعك بداية طيبة..
    وفقك الله
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    جزاك الله خيراً ، وبارك فيك .

    ------------------------

    نأتي الآن إلى الرد على الشبهات المثارة حول هذه المسألة في كونها من الشرك الأكبر .

    قالوا : قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { الدعاء هو العبادة } ، وتوافر النصوص في الكتاب والسنة على كون الدعاء عبادة .

    قالوا : فمن صرف هذه العبادة لغير الله ، فهو مشرك .

    قلت : في هذه الشبهة نظر .. حيث إنه ليس كل أنواع الدعاء عبادة .. فإن هناك دعاء يجوز صرفه للخلق ، ودعاء لا يجوز صرفه إلا لله تعالى ، وهو فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .

    والدعاء هو ما كان مصدّراً بياء النداء ، كقوله تعالى : { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } [آل عمران : 153] .

    فليس كل الدعاء شرك .

    والدليل على كون هذا الضرب من الدعاء ليس شركاً ، هو جواز صرفه للحيّ .. فجاز لنا أن نقول للحيّ الحاضر : يا فلان ، ادع الله لي .. فلو كان عبادة لما جاز صرفه للحيّ أصلاً .

    وأمر آخر في هذه المسألة هو .. أن هذا الدعاء مختص بالمخلوقين ، ولا يجوز صرفه لله تعالى ..

    فلا يجوز لنا أن نقول : يا ربّ ادع الله لي .. فهذا الدعاء مختص فقط بالمخلوقين ، ولا يصرف لله تعالى بحال من الأحوال .

    فإن علمنا ذلك ، قيل : ما وجه العبادة هنا إذن ؟

    قالوا : لأن في ذلك إثبات صفة السمع لهم ، وصفة الإجابة ، وصفة الدعاء ، وهذا كله داخل في قوله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر : 14]

    قلت : يتكلم الله - عز وجل - عن المشركين الذين يدعون غيره .. فقال في الآية السابقة : { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [فاطر : 13] .

    فهم اختصوا غير الله تعالى بالدعاء الذي يستحقه الله تعالى .. وكما ذكرنا في الشبهة الأولى ، فإن هذا الدعاء لا يجوز صرفه لله تعالى بحال ، بل لا يختص به إلا المخلوقين .. فكيف ندرج هذا النوع من الدعاء في هذه الآية ؟

    وثانياً .. الله - عز وجل - أراد - والله أعلم - من ذكر عدم قدرتهم على السمع أو الإجابة إبطال معتقدهم في هذه الآلهة المعبودة من دونه .

    كقول إبراهيم - عليه السلام - : { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ } [الأنبياء : 63]

    وكقوله - عليه السلام - : { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (*) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } [الشعراء : 72-73]

    وثانياً .. اعتقاد سماع الأموات أو كلامهم أو نظرهم ، أو غيرها ، هي من المسائل الاجتهادية عند السلف ..

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 24/362]:
    هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ وَيَرَى شَخْصَهُ ؟ وَهَلْ تُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَمْ تَكُونُ تُرَفْرِفُ عَلَى قَبْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ نَاحِلِيهِ وَغَيْرِهِمْ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ تُجْمَعُ رُوحُهُ مَعَ أَرْوَاحِ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ ، سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا قَرِيبًا مِنْهُمْ أَوْ بَعِيدًا ؟ وَهَلْ تُنْقَلُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَوْ يَكُونُ بَدَنُهُ إذَا مَاتَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ وَدُفِنَ بِهَا يُنْقَلُ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا ؟ وَهَلْ يَتَأَذَّى بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟ وَالْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْفُصُولِ - فَصْلًا فَصْلًا - جَوَابًا وَاضِحًا مُسْتَوْعِبًا لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَا نُقِلَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَشَرْحَ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ : أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ وَاخْتِلَافِهِم ْ ، وَمَا الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَأْجُورِينَ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

    فَأَجَابَ :
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَعَمْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : { يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ } . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : { أَنَّهُ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عتبة بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُونَ وَأَنَّى يُجِيبُونَ وَقَدْ جُيِّفُوا فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا } . ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ . وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : { أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ وَقَالَ : إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْآنَ مَا أَقُولُ } . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ . وَيَقُولُ : { قُولُوا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِين َ ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِ ينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِ رِين ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ . اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ } . فَهَذَا خِطَابٌ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَسْمَعُ ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك ؟ وَقَدْ أَرَمْت - يَعْنِي صِرْت رَمِيمًا - فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ } . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ } . فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الْجُمْلَةِ كَلَامَ الْحَيِّ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ لَهُ دَائِمًا ، بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، كَمَا قَدْ يَعْرِضُ لِلْحَيِّ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ أَحْيَانًا خِطَابَ مَنْ يُخَاطِبُهُ ، وَقَدْ لَا يَسْمَعُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ ، وَهَذَا السَّمْعُ سَمْعُ إدْرَاكٍ لَيْسَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ ، وَلَا هُوَ السَّمْعُ الْمَنْفِيُّ بِقَوْلِهِ : { إنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ سَمْعُ الْقَبُولِ وَالِامْتِثَالِ ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْكَافِرَ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ ، وَكَالْبَهَائِم ِ الَّتِي تَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا تَفْقَهُ الْمَعْنَى ، فَالْمَيِّتُ وَإِنْ سَمِعَ الْكَلَامَ وَفَقِهَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إجَابَةُ الدَّاعِي ، وَلَا امْتِثَالُ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَإِنْ سَمِعَ الْخِطَابَ وَفَهِمَ الْمَعْنَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ . } . وَأَمَّا رُؤْيَةُ الْمَيِّتِ : فَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا .
    فخلاصة الأمر أنه من أثبت صفة أو قدرة مخلوقة للميت ، فإنه لا يكفر بذلك .. وإنما يكفر إن أثبت له صفة إلهية ، كعلم الغيب مثلاً .

    هذا ، مع ورود الآثار التي تدلّ على أن الميّت يدعو الله تعالى في قبره ..

    قال ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 1/330]:
    وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، وَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فِي قُبُورِهِمْ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ ، وَإِنْ وَرَدَتْ بِهِ آثَارٌ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى
    فهم قادرون على السماع عند بعض السلف .. وقد وردت الآثار أنهم أحياء في قبورهم .. ويدعون للأحياء ..

    ومن هذه الآثار :

    قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون }

    وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث عذاب القبر ، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - وفيه : { فيقول المؤمن رب عجل قيام الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي }

    وروي عن أبي أيوب الأنصاري موقوفاً : { إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا ، فيقبلون عليه ليسألوه ، فيقول بعضهم لبعض : أنظروا أخاكم حتى يستريح ؛ فإنه كان في كرب ، فيقبلون عليه ؛ فيسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ هل تزوجت ؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم : إنه قد هلك ، فيقولون : إنا لله و إنا إليه راجعون ، ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم وبئست المربية . قال : فيعرض عليهم أعمالهم ، فإذا رأوا حسناً استبشروا وقالوا : هذه نعمتك على عبدك فأتمها ، و إن رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع بعبدك } [صححه الألباني] .

    وروي عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : { إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات ، فإن كان خيراً استبشروا به ، و إن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا } [صححه الألباني].

    فهذه الآثار ونحوها تثبت قدرة الميت على الدعاء ..

    بل حتى وإن لم يكن هناك آثار ، فإثبات صفة مخلوقة للميت .. كالنطق والسمع والدعاء .. تترجح بين الاجتهاد والبدعة .

    فإن كان كذلك ، فما وجه الشرك الأكبر هنا ؟

    قالوا : طلب الشفاعة من الميت ، واتخاذهم شفعاء ..

    وهذا سأرد عليه في مشاركة لاحقة بإذن الله

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    اسمح لي يا أخي الكريم أنت الآن في مجال تحرير الأقوال وإضافة التحقيق والإتيان بالجديد، فلا نقبل منك سرد الأقوال والنصوص ((بالجملة)) دون تمحيصها هكذا!
    ولْنتناول بعض ما ذكرت -لضيق الوقت الآن- بتنبيهات مهمَّة.
    قد ذكرتَ أوفهمتَ من كلام ابن تيمية أنَّ ثم آثارًا في سماع الأموات في قبورهم مطلقًا على العموم، وأن بعض السلف يثبت ذلك! ولكنك لم تسق لنا هذه الآثار عن السلف، ولم تبين لنا صحَّتها!
    فأين أقوال القائلين ((من السلف)) بسماع الأموات لكلام الأحياء عمومًا ((وليس جملة))؟
    وثالثًا.. هل الأحاديث التي سقتها وقلدَّت فيها الألباني صحيحة، أم تكتفي بالتقليد؟ ثم لم أرَ في واحدٍ منها حجَّةً لك في المسألة غير الحديث الأخير، ويبقى فيه أمران:
    الأول: التحقق من تصحيح الحديث، وعدم الاكتفاء بالتقليد.
    الثاني: أنَّه لا حُجَّة فيه فكل ما تسوقه إنما هو في سماع الأموات في الجملة وليس العموم. فكونهم يسمعون قرع النعال، و((تُعرض)) عليهم الأعمال لا يعني أنَّهم يسمعون كل شيءٍ، وحتى دعاء أقاربهم..
    فأين التحقيق والجديد؟؟!
    ونصيحة علمية لك ما دامت متحمسًا للموضوع فالقليل المركَّز الذي فيه التحقيق والتدقيق خير من السرد الكثير الذي يعدم ذلك.
    فأنصحك بدل إضافة الكلام الكثير دون تمحيصٍ له أن ترجع إلى مشاركاتك السابقة فتمحِّصها.
    حتى نستطيع مناقشتك فيما تذكر بصورة أحسن.
    أعانك الله.
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    السلام عليكم ،

    لعلّك لم تفهم المقصود من العنوان أخي الكريم ..

    فإني لم أقل : تحقيق أقوال ابن تيمية .. حتى يُفهم من الكلام أنني سأقوم بضبطها وتخريج أحاديثها . بل قلت (التحقيق في معتقد ابن تيمية) .. أي كشف حقيقة معتقده ، والفحص عنه ..

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
    فأين أقوال القائلين ((من السلف)) بسماع الأموات لكلام الأحياء عمومًا ((وليس جملة))؟
    القائلين من السلف أمامك .. وهو ابن تيمية ومن تابعه .. لكن لعلّك ظننت بالسلف : سلف القدوة .. وهذا ما لم أعنه .. كل ما عنيته أن الاجتهاد جائز في هذه المسائل ، فلا يصح أن تكون شركاً إن ثبت عنهم قولهم بالسماع .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
    وثالثًا.. هل الأحاديث التي سقتها وقلدَّت فيها الألباني صحيحة، أم تكتفي بالتقليد؟ ثم لم أرَ في واحدٍ منها حجَّةً لك في المسألة غير الحديث الأخير، ويبقى فيه أمران:
    الأول: التحقق من تصحيح الحديث، وعدم الاكتفاء بالتقليد.
    الثاني: أنَّه لا حُجَّة فيه فكل ما تسوقه إنما هو في سماع الأموات في الجملة وليس العموم. فكونهم يسمعون قرع النعال، و((تُعرض)) عليهم الأعمال لا يعني أنَّهم يسمعون كل شيءٍ، وحتى دعاء أقاربهم..
    لم أسق أحاديث الألباني لإثبات أن الموتى يسمعون .. فلو أنك تقرأ كلامي جيداً ، لرأيت أنني أحاول إثبات أن المسألة مسألة اجتهادية ، وقد ورد فيها أحاديث صححها بعض أئمة الحديث وذكروها في كتبهم .. كالألباني وغيره .. فلو كانت شركاً أكبر ، لما صححوها أو ذكروها .

    وهذه الأحاديث التي ذكرتها كان الشاهد منها هو : أن من أثبت صفة أو قدرة للحيّ في الميت ، فإن ذلك ليس من الشرك .. خاصة إن وردت في ذلك آثار .. سواء أأخطأ في تصحيحها أم لا .. فلا وجه للشرك هنا .. فإنه يعتقد أن هذه الصفات مخلوقة ، وهي صفات ليست كصفات الله تعالى .. فأين وجه الشرك هنا ؟

    أما قولك :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
    إنما هو في سماع الأموات في الجملة وليس العموم
    لم أفهم حقيقة معنى هذا الكلام .. فما الفرق بين العموم والجملة ؟؟ .. ولكن يبدو لي أنك أخطأت وعنيت : الإطلاق .

    فإنه لا يقول أحد بالسمع المطلق لأحد سوى لله تعالى ..

    فخلاصة القول هو :

    هل من أثبت قدرة أو صفة مخلوقة للميت ، يكون قد أشرك بالله تعالى ؟
    وهل من يرى سماع الميت لخطابه وكلامه إذا تحدث به عند قبره ، يكون قد أشرك بالله تعالى ؟

    وجزاك الله خيراً

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    يا أخي الكريم.. بل أجزم أنِّي فهمتك جيدًا قبل أن أعقِّب عليك!
    فموضوعك هذا كما يظهر من مشاركاتك الأولى السابقة على شقين:
    1- تحقيق معتقد ابن تيمية في المسألة. وهذا ليس في الأهمية بمكان كبير عندي.
    2- بيان أنَّ الصَّحيح في المسألة كونها شركًا أصغر، لا أكبر، ثم سياق العلة في ذلك وإبطال الشبهات المخالفة له.
    وبناء على الثاني.. أنا أناقشك في حججك وعللك التي تريد أن تتحقق بها أن المسألة شرك أصغر، وبس.
    وإلا فما فائدة اشتغال الباحث بقوله: ورُوِي كذا، وقيل كذا، وعند فلان كذا؟! وهو نوعٌ من التقليد -لأنَّه بلا حُجَّة ظاهرة- السائق للتعصُّب، والذي ضجرتَ منه في أوَّل مقالك وعتبتَه على غيرك.
    فهذا -بورك فيك- ليس بتحقيق في البحث، بل سرد مجرد.
    ولم أقل إن المسألة ليست اجتهادية! بل أثبتُّ الخلاف فيها، ولكنَّي أناقشك في كونك ترى أنَّ الصواب فيها هو القول بالشركية الصغرى.. فلذا أناقشك. هل يزعجك ذلك؟
    وأودُّ تنبيهك إلى أنَّ القائلين بالشركية الصغرى يرون أنَّه ذريعة للشرك الأكبر، وباقي القضية يأتي مناقشتها تباعًا.
    وفَّقك الله وأعانك.
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    قلت : في هذه الشبهة نظر .. حيث إنه ليس كل أنواع الدعاء عبادة .. فإن هناك دعاء يجوز صرفه للخلق ، ودعاء لا يجوز صرفه إلا لله تعالى ، وهو فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .

    الأخ شعيب:

    من قال أن عموم الدعاء عبادة رتّب قوله على عموم الحديث (الدعاء هو العبادة) و الحديث مخرجه مجرج العموم

    و من أخرج صورة من صور الدعاء من معنى العبادة فقد خصص عموم الحديث فعليه بدليل شرعي يعضّد

    هذا التخصيص و إلا كان كلامه مجرد تحكم على النص بدون دليل هذا أولا

    ثانيا يقال لك طلب الانسان الدعاء من الانسان الحي أن يدعو له لا تدخل في صور صرف العبادة لغير

    الله حتى نحتاج الى استثناء بعض أنواع الدعاء من مفهوم العبادة ، فمن طلب من غيره أن يدعو له

    خلاصة أمره أن غيره قام بعبادة الدعاء لأجله و مثله مثل من صام عن غيره أو تصدّق عنه أو حج عنه

    فالعبادة فيهذه الصورة صٌرفت له غاية ما في الأمر أنها عبادة قام به شخص نيابة عن غيره و لأجله

    ثالثا إذا تقرر هذا يقال إذا كان دعاء الحي للحي جائز شرعا و لا يندرج في معاني الشرك فهل

    طلب الحي من الميت أن يدعو الله له شرك أكبر ؟ بمعنى كيف صار شركا أكبرا في الأموات

    و لم يكن كذلك في الأحياء؟ و هذا السؤال مبني على أن صور الشرك الأكبر لا يختلف حكمها

    بحق الأحياء أو الأموات ، فمن طلب من الأحياء الأنبياء فما دونهم مغفرة الذنبوب أو أسند اليهم التصرف

    في الكون و غير ذلك مما لا يقدرون عليه كان قوله شركا سواء قاله في حق الأحياء أو حق الأموات أم ما جاز

    فعله في الشرع مع الحي كطلب الدعاء منه فلا يصير بموته شركا بل بدعة و هي في هذه المسألة دريعة

    الى الشرك لا هي نفسها شرك فان من طلب من الميت يدعو له لم يصرف عبادة لغير الله حتى يصير بذلك

    مشركا بل أراد من الميت أن يدعو الله له و هذا ليس بشرك إلا عند من يرى من العلماء إن من

    اعتقد في شيء كونه سببا شرعيا و هو ليس بسبب في الحقيقة فقد اشرك شرك أكبر لا شرّع مع الله
    كمن يقول ذلك فمن علّق تميمة معتقدا أنها تنفع بإذن الله

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    270

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    إننى أفتقد الأخ أبو شعيب منذ زمن.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    الأخ (عدنان البخاري) ،

    جزاك الله خيراً وبارك فيك .. اعذرني من انقطاعي الطويل ، فقد كنت أبحث وأتعلم ، وقد وجدت جواباً شافياً - في نظري - عن الإشكالات التي قد يوردها من يرى هذا الفعل من الشرك الأكبر ، وسأوردها قريباً بإذن الله .

    ----------------

    الأخ (ابو رشاد) ،

    بارك الله فيك .

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو رشاد
    و من أخرج صورة من صور الدعاء من معنى العبادة فقد خصص عموم الحديث فعليه بدليل شرعي يعضّد

    هذا التخصيص و إلا كان كلامه مجرد تحكم على النص بدون دليل هذا أولا
    حدد لي معنى الدعاء ، وهل يدخل فيه هذا المعنى المذكور في قوله تعالى : {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران : 153]

    هل هذا داخل في معنى الدعاء الذي هو العبادة ؟

    أم أنّ لذلك شروط وقواعد ؟

    وهل نداء الحيّ القريب والطلب منه يُسمى "دعاء" في اللغة ؟

    فإن كان الأمر كذلك ، ما الضابط الذي يتحدد به دعاء العبادة في الشرع من غيره من الدعاء في اللغة ؟

    إن عرفت الضابط ، سيسهل عليك معرفة الجواب ، بإذن الله .

    ------------

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو رشاد
    ثانيا يقال لك طلب الانسان الدعاء من الانسان الحي أن يدعو له لا تدخل في صور صرف العبادة لغير

    الله حتى نحتاج الى استثناء بعض أنواع الدعاء من مفهوم العبادة ، فمن طلب من غيره أن يدعو له

    خلاصة أمره أن غيره قام بعبادة الدعاء لأجله و مثله مثل من صام عن غيره أو تصدّق عنه أو حج عنه

    فالعبادة فيهذه الصورة صٌرفت له غاية ما في الأمر أنها عبادة قام به شخص نيابة عن غيره و لأجله
    حدد لي مفهوم العبادة حتى نضبط هذه الصورة .

    الطلب المصحوب بالنداء هو دعاء في اللغة .. كأن تقول : يا فلان افعل ، ومن أجل ذلك جعل طائفة من العلماء طلب الدعاء من الميت شركاً أكبر .. لأنه داخل في معنى "الدعاء" لغة .

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو رشاد
    ثالثا إذا تقرر هذا يقال إذا كان دعاء الحي للحي جائز شرعا و لا يندرج في معاني الشرك فهل

    طلب الحي من الميت أن يدعو الله له شرك أكبر ؟ بمعنى كيف صار شركا أكبرا في الأموات

    و لم يكن كذلك في الأحياء؟ و هذا السؤال مبني على أن صور الشرك الأكبر لا يختلف حكمها

    بحق الأحياء أو الأموات ، فمن طلب من الأحياء الأنبياء فما دونهم مغفرة الذنبوب أو أسند اليهم التصرف

    في الكون و غير ذلك مما لا يقدرون عليه كان قوله شركا سواء قاله في حق الأحياء أو حق الأموات أم ما جاز

    فعله في الشرع مع الحي كطلب الدعاء منه فلا يصير بموته شركا بل بدعة و هي في هذه المسألة دريعة

    الى الشرك لا هي نفسها شرك فان من طلب من الميت يدعو له لم يصرف عبادة لغير الله حتى يصير بذلك

    مشركا بل أراد من الميت أن يدعو الله له و هذا ليس بشرك إلا عند من يرى من العلماء إن من

    اعتقد في شيء كونه سببا شرعيا و هو ليس بسبب في الحقيقة فقد اشرك شرك أكبر لا شرّع مع الله
    كمن يقول ذلك فمن علّق تميمة معتقدا أنها تنفع بإذن الله
    إذن نتفق بإذن الله تعالى .. ومن أجل ذلك فتحت هذا الموضوع ، لأثبت معنى ما تقول به .

    جزاك الله خيراً .

    ---------------

    الأخ (عبد فقير) ،

    بارك الله فيك وجزاك الله خيراً .. أسأل الله أن يثيبك خيراً على حسن طويّتك .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    77

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    أخي أبو شعيب وإن كانت هذه المسألة جزئية في النقاش
    الفرق بين السماع جملة والسماع عموماً أن السماع جملة صفة ذاتية أي إثبات السماع ولو لمرة واحدة، أي أننا نثبت سماع الأموات لبعض الأشياء كقرع النعال، وهذا الإثبات من حيث الجملة لا يعني سماعهم للأشياء الأخرى، وإنما نقتصر على ما ثبت ولا نقيس عليه، فلا نقول مثلاً: ما دام أنه يسمع قرع النعال فهو إذن يسمع الدعاء، وما دام أنه يسمع الدعاء والسلام عن طريق الملائكة فهو يسمعه منا مباشرة... وإنما نقتصر على ما ثبت دون قياس على غيره، فسماع الميت أمر غيبي لا تدركه العقول والحواس، والأصل في علوم الغيب قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، وأمور الغيب لا قياس فيها، إذ العلة الجامعة غائبة عنا كغياب المقيس عليه، ولو استخدمنا القياس في سماع الميت لقرع النعال كدليل على سماعه للأمور الأخرى لادعينا قدرة الميت على الأكل والشرب والكلام ونبش القبر والخروج إلى الدنيا، إذ القياس سوف يطرد من السماع إلى الدعاء إلى صلاة إلى نبش القبر إلى الحياة معنا وكأنه لم يمت.
    ولذا يجب أن يعلم أن هناك فرقاً بين الحياة الدنيا والحياة البرزخية، إذ نستطيع أن نقيس على سمع قرع النعل سماع غيره في حق الأحياء في الدنيا، وأما أحياء البرزخ فلا قياس فيه لاختلاف خصائص الحياتين.
    وذلك لأن السمع في الحياة البرزخية يختلف عن السمع في الحياة الدنيا وكذلك باقي القدرات المخلوقة، فقدرة الميت وحياته ودعاؤه البرزخية تختلف عن حياته الدنيا وقدراته الدنيوية، والله أعلم.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    أخشى أخي الفاضل (أبو شعيب) أن هذا التحقيق المزعوم الذي توصلت إليه أساسه وهمٌ وتسرعٌ وعدم تمييز مرادٍ من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.

    ومذهب الشيخ رحمه الله معروف لا يجهل.. وكتبه مشحونة ببيان هذه المسألة وتقريرها.. ولو وقفت على كتابه (الرد على البكري) واطلعت على ما فيه بتؤدة لعرفت مذهب الشيخ المعروف عنه.

    وجميع ما استشهدت به مما زعمت أنه يؤيد تحقيقك هذا في مذهب الشيخ في هذه المسألة؛ تجد نقضه وهدمه في كلام الشيخ نفسه في نفس الموضع المستشهد به.. فتأمل

    ولا أعتقد أن الشيخ ممن يحتاج إلى تحقيق مذهبه في مسألة ما.. فليس أوضح ولا أدق من اسلوب الشيخ رحمه الله تعالى، وعبارته في كتبه ورسائله لا تكاد تختلف، وذلك لثبات منهجه رحمه الله.

    من الخلل الذي لا يقبل في دراسة ما لشخصية ما = الاقتصار على كتابٍ واحد من كتب هذه الشخصية _ إن استوعب أيضاً هذا الكتاب وإلا الظن أنه خلاف ذلك _ وترك باقي كتبه، أو الاقتصار على عموميات ألفاظه ومجملها وترك خاصها ومقيدها.
    فإن وجد من القبيل الأول عشرات، فإنه يوجد من القبيل الثاني مئات. فتأمل
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سماحة مشاهدة المشاركة
    أخي أبو شعيب وإن كانت هذه المسألة جزئية في النقاش
    الفرق بين السماع جملة والسماع عموماً أن السماع جملة صفة ذاتية أي إثبات السماع ولو لمرة واحدة، أي أننا نثبت سماع الأموات لبعض الأشياء كقرع النعال، وهذا الإثبات من حيث الجملة لا يعني سماعهم للأشياء الأخرى، وإنما نقتصر على ما ثبت ولا نقيس عليه، فلا نقول مثلاً: ما دام أنه يسمع قرع النعال فهو إذن يسمع الدعاء، وما دام أنه يسمع الدعاء والسلام عن طريق الملائكة فهو يسمعه منا مباشرة... وإنما نقتصر على ما ثبت دون قياس على غيره، فسماع الميت أمر غيبي لا تدركه العقول والحواس، والأصل في علوم الغيب قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، وأمور الغيب لا قياس فيها، إذ العلة الجامعة غائبة عنا كغياب المقيس عليه، ولو استخدمنا القياس في سماع الميت لقرع النعال كدليل على سماعه للأمور الأخرى لادعينا قدرة الميت على الأكل والشرب والكلام ونبش القبر والخروج إلى الدنيا، إذ القياس سوف يطرد من السماع إلى الدعاء إلى صلاة إلى نبش القبر إلى الحياة معنا وكأنه لم يمت.
    ولذا يجب أن يعلم أن هناك فرقاً بين الحياة الدنيا والحياة البرزخية، إذ نستطيع أن نقيس على سمع قرع النعل سماع غيره في حق الأحياء في الدنيا، وأما أحياء البرزخ فلا قياس فيه لاختلاف خصائص الحياتين.
    وذلك لأن السمع في الحياة البرزخية يختلف عن السمع في الحياة الدنيا وكذلك باقي القدرات المخلوقة، فقدرة الميت وحياته ودعاؤه البرزخية تختلف عن حياته الدنيا وقدراته الدنيوية، والله أعلم.
    أحسنت .. وأضيف إلى ذلك أن هناك فرقا دقيقا بين أن يقف الرجل عند قبر الميت ويقول له يا فلان ادع الله لي أن يفعل كذا وكذا، يقيس حاله في ذلك على حال الحي القريب الذي يغلب على ظنه أنه يسمعه لقربه منه (وهو قياس بدعي كما تفضلتَ)، وبين من يكون في مكان بعيد عن القبر أو في بلد آخر ثم يخاطب المقبور يقول له يا فلان سل الله لي كذا وكذا! فإن هذا الأخير يعتقد - ولا بد - في هذا الميت قدرة على السماع والإحاطة بدعاء من يدعوه تخرق ما يكون من عادة الأحياء في ذلك!
    فإن قلنا إن صورة الأولى ذريعة للشرك، فإن الصورة الثانية فيها ما فيها، والله أعلم!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    بسم الله الرحمن الرحيم ،

    الأخ (أبو سماحة) ،

    جزاك الله خيراً .. لقد وعيت مقصدك ، ولا أخالفك فيه البتة .. لكن موضع الخلاف بيني وبين الأخ عدنان هو معنى كلمة "جملة" ..

    أليست هذه الكلمة من ألفاظ العموم ؟ ..

    جاء في لسان العرب :
    والجُمْلة : جماعي الشيء ؛ وأَجْمَل الشيءَ جَمَعه عن تفرقة ؛ وأَجْمَل له الحساب كذلك . والجُمْلة : جماعة كل شيء بكماله من الحساب وغيره ، يقال : أَجْمَلت له الحساب
    وفي تفسير القرطبي :
    والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء
    والمقصود بـ جملة الشيء : عامة الشيء .

    وعند إعذار الذي أوصى أهله أن يحرقوه ، يقول ابن تيمية في [مجموع الفتاوى : 12/491]:
    ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة ، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة ، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت ، وقد عمل عملاً صالحاً - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - ؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح
    فاستعمل لفظ "جملة" للدلالة على العموم .

    وعلى ما أتيت أنت به من تفصيل لغة لمعنى الجملة والعموم ، فالحيّ كذلك يسمع في الجملة ، لا في العموم ! .. (هذا لغة) ..

    أما تأصيلك الشرعي ، فأتفق معك فيه تماماً .

    جزاك الله خيراً .

    ================

    الأخ (السكران التميمي) ،

    جزاك الله خيراً ..

    تحقيق معتقد شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه المسألة ، اختلف فيه كثير من الناس (ولست أنا فقط) .. بل ومن المشايخ أنفسهم (على الأقل من قرأت لهم وسمعت) .

    فإن كنت تستطيع أحسن من ذلك تحقيقاً ، فآتنا به مشكوراً ، حتى لا يغتر بكلامي بعض الجهلة .. أو على الأقل ، أورد لنا النصوص الصريحة التي تفيد أنها شرك أكبر في معتقده .. ولو أنّ عندك فضلة من وقت (ولا أثقل عليك) ، فادحض فهمي لكلامه المشتبه .

    وبارك الله فيك .

    ================

    الأخ (أبو الفداء) ،

    جزاك الله خيراً ..

    تقول :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
    فإن هذا الأخير يعتقد - ولا بد - في هذا الميت قدرة على السماع والإحاطة بدعاء من يدعوه تخرق ما يكون من عادة الأحياء في ذلك!
    ما رأيك في من لبّس عليه مشايخ الصوفية وقالوا له إن الملائكة تنقل كلامه للميت إلى قبره حتى يسمعه ، كما تنقل صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو في قبره فيسمعه ؟

    فهل نقول في مثل هذا أنه لا بد يعتقد بإحاطة سمع الميت ؟

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    توقعتُ أن تتعقبني بهذا..
    والذي أقصده - بارك الله فيك - أن باب الذريعة والخطر على التوحيد أوسع بكثير في هذه الحالة مما يكون في حال مخاطبة الميت عند القبر مباشرة.. فإن سؤال الميت بالغيب بمبعدة عن قبره (دون تقيد بسبب حسي = مجاورة القبر حيث يرقد الميت رجاء سماعه) يضع السائل في حال الذي يسأل الرب تبارك وتعالى بالغيب.. وهذا أخطر ولا شك وأوسع ذريعة للشرك (إن لم نقل إنه من الشرك) - أيا كان اعتقاده في سبب بلوغ الدعاء للميت - من رؤية هذا السائل للقبر أمامه حال السؤال حيث يرقد المقبور، وتوجيه الخطاب إليه بمقربة منه.
    ويكفي أن ترى الرجل يرفع يديه للسماء للدعاء فإذا به يسأل البدوي والجيلاني وغيرهما (أيا كان صيغة سؤاله) ولا يسأل الله عز وجل، فأنى يأمن هذا السائل على نفسه من الشرك؟
    هذا مرادي من التفريق بين الصورتين (وفي كل شر على أي حال) والله أعلم.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    77

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء مشاهدة المشاركة
    أحسنت .. وأضيف إلى ذلك أن هناك فرقا دقيقا بين أن يقف الرجل عند قبر الميت ويقول له يا فلان ادع الله لي أن يفعل كذا وكذا، يقيس حاله في ذلك على حال الحي القريب الذي يغلب على ظنه أنه يسمعه لقربه منه (وهو قياس بدعي كما تفضلتَ)، وبين من يكون في مكان بعيد عن القبر أو في بلد آخر ثم يخاطب المقبور يقول له يا فلان سل الله لي كذا وكذا! فإن هذا الأخير يعتقد - ولا بد - في هذا الميت قدرة على السماع والإحاطة بدعاء من يدعوه تخرق ما يكون من عادة الأحياء في ذلك!
    فإن قلنا إن صورة الأولى ذريعة للشرك، فإن الصورة الثانية فيها ما فيها، والله أعلم!
    كما تفضلتم الفرق بين المسألتين كبير، وأزيدك أن في هذا التصرف اعتقاد سماع الميت لأصوات كثيرة في وقتٍ واحد، دام أنه سيسمع من في الشرق والغرب، ولا يبقى إلا أن يقول عن معبوده أنه وسع سمعه الأصوات على اختلاف اللغات!!! نعوذ بالله من الشرك.
    لكن هنا صورة ذكرتها أخي الكريم أبو شعيب سلمك الله
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب مشاهدة المشاركة
    ما رأيك في من لبّس عليه مشايخ الصوفية وقالوا له إن الملائكة تنقل كلامه للميت إلى قبره حتى يسمعه ، كما تنقل صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو في قبره فيسمعه ؟
    فهل نقول في مثل هذا أنه لا بد يعتقد بإحاطة سمع الميت ؟
    الفرق أخي الكريم أننا نخاطب الله تعالى لكي يوصل سلامنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما هنا فالمبتدع يخاطب الميت مباشرة، فلو قال المبتدع: اللهم اجعل الميت فلان يدعو لي لكان أهون، أما أن يقول يا فلان ادعو لي، وكأن الملائكة مسخّرة لنقل الطلبات إليه، فالذي يملك الملائكة هو الله وليس هذا الميت الذي شبع موتاً!! وإن كانت هذه الصورة أهون ممن يعتقد إحاطة سماع الميت للأصوات إلا أنها قريبة منها.
    أمر آخر:
    أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها طلب منه، وإنما دعاء الله أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى ينقل دعاءنا له ولا ينقل طلبنا المباشر للرسول فيما ثبت من الأحاديث، فلم يرد في حديث صحيح أن الملائكة مسخرة لنقل الطلبات إلى أي ميت من البشر حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تسأل الله وتدعوه والله تعالى ينقل سؤالك ودعاءك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    والملائكة خلقوا لتطبيق أوامر الله تعالى، ولم يخلقوا لتوصيل الطلبات بين البشر!!
    قد يقول قائل فما معنى الكاف في "السلام عليك أيها النبي" فأقول أنها للاستحضار الذهني لا للطلب المباشر، وإلا فالصلاة كلها لله بقيامها وركوعها وأذكارها وتشهدها وليس منها شيء للنبي صلى الله عليه وسلم البتة، ولا يجوز مخاطبة الإنسان في الصلاة بدليل حديث الذي شمت العاطس في الصلاة وأنكر عليه الصحابة ووافقهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يجوز أن تشمت العاطس بقولك "يرحمك الله" وأنت في الصلاة، فلا يجوز أن تنوي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بقولك "السلام عليك"، وإنما هي مثل: رحمك الله يا فلان.
    فائدة:
    ذكر ابن تيمية رحمه الله أنه لم يرد في الشرع طلب النصرة والدعاء من الملائكة مع أنهم حولنا ويسمعوننا، وإنما نطلب من الله أن يمدنا بالملائكة، وهي فائدة جليلة لمن تدبرها.

    أخي أبو شعيب جزاك الله خيرا
    اتفقنا في سماع الأموات أنها فيما ورد ولا يقاس على الوارد، وأظن أن ابن تيمية يقصد بقوله جملة هذا المعنى الذي اتفقنا عليه، فإن كان لا يقصد هذا المعنى فما الذي يقصده إذاً؟

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.

    اللهم اجعل الميت فلان يدعو لي لكان أهون
    بارك الله فيكم، بل الإشكال في هذا المعنى كبير أيضا.. إذ هو حينئذ يطلب من الله - الذي هو غاية الرجاء والدعاء - أن يجعل فلانا يرفع إليه مسألته ليقبلها منه بعد ذلك! وليس هذا كالتوسل المشروع، ففي التوسل المشروع نبتهل إلى الله نقول له: "لقد جئناك يا رب بدعاء رجل نظنه من أهل الصلاح فينا ولا نزكيه عليك، فاقبل يا رب دعاءه لنا".. أما هذا فكأنما يقول: "يا رب أسألك أن تجعل فلانا الذي هو في غيب مني، والذي له عندك من المنزلة كذا وكذا، يسمع دعائي وتبلُغه حاجتي، فيرفعها لك لتقبلها!" فهناك فرق دقيق من هذه الجهة..
    وهذا الصنف من الدعاء تراه عند الرافضة في بعض صلواتهم (زياراتهم) يطلبون من الله تعالى أن يُرَضِّي عنهم المهدي ويوصل إليه عملهم ودعاءهم حتى يتكرم عليهم بالخروج من السرداب!! فبدلا من أن يستشفعوا بالمخلوق عند الله يطلبوا رضا الله، صاروا كأنما يستشفعون بالله عند المخلوق يطلبون رضا المخلوق، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •