وفاة عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ


خالد سعد النجار

{بسم الله الرحمن الرحيم }
** عن عبد الرحمن بن شماسة حدثه قال لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له عبد الله: لم تبكي؟ أجزع من الموت؟ قال: لا والله ولكن ما بعد فقال له فكنت على خير فجعل يذكره صحبة النبي صلى الله عليه و سلم وفتوحه الشام فقال عمرو بن العاص تركت أفضل من ذلك كله شهادة أن لا إله إلا الله
** روى مسلم من حديث ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا [أهيلو علي التراب] ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
** وفي رواية للإمام أحمد: فَلَمَّا بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْهُ فَمَا مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَاجَعْتُهُ فِيمَا أُرِيدُ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيَاءً مِنْهُ فَلَوْ مِتُّ يَوْمَئِذٍ قَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لِعَمْرٍو أَسْلَمَ وَكَانَ عَلَى خَيْرٍ فَمَاتَ فَرُجِيَ لَهُ الْجَنَّةُ ثُمَّ تَلَبَّسْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّلْطَانِ وَأَشْيَاءَ فَلَا أَدْرِي عَلَيَّ أَمْ لِي فَإِذَا مِتُّ فَلَا تَبْكِيَنَّ عَلَيَّ وَلَا تُتْبِعْنِي مَادِحًا وَلَا نَارًا وَشُدُّوا عَلَيَّ إِزَارِي فَإِنِّي مُخَاصِمٌ وَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا فَإِنَّ جَنْبِيَ الْأَيْمَنَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِالتُّرَابِ مِنْ جَنْبِي الْأَيْسَرِ وَلَا تَجْعَلَنَّ فِي قَبْرِي خَشَبَةً وَلَا حَجَرًا فَإِذَا وَارَيْتُمُونِي فَاقْعُدُوا عِنْدِي قَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ وَتَقْطِيعِهَا أَسْتَأْنِسْ بِكُمْ
** روى أحمد عن أَبي نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُك َ قَالَ أَيْ بُنَيَّ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا ابْنُ سُمَيَّةَ وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ حَتَّى مَاتَ.
** وعن ثابت البناني قال: كان عمرو على مصر، فثقل، فقال لصاحب شرطته: أدخل وجوه أصحابك [أي حرسه]، فلما دخلوا، نظر إليهم وقال: ها قد بلغت هذه الحال، ردوها عني، فقالوا: مثلك أيها الأمير يقول هذا؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له. قال: قد عرفت، ولكن أحببت أن تتعظوا، لا إله إلا الله، فلم يزل يقولها حتى مات.
** عن الحسن قال بلغني أن عمرو بن العاص لما كان عند الموت دعا حرسه فقال أي صاحب كنت لكم؟ قالوا كنت لنا صاحب صدق تكرمنا وتعطينا وتفعل وتفعل قال فإني إنما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت وإن الموت ها هو ذا قد نزل بي فأغنوه عني فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا والله ما كنا نحسبك تكلم بالعوراء يا أبا عبد الله قد علمت أنا لا نغني عنك من الموت شيئا فقال أما والله لقد قلتها وإني لأعلم أنكم لا تغنون عني من الموت شيئا، ولكن والله لأن أكون لم أتخذ منكم رجلا قط يمنعني من الموت أحب إلي من كذا وكذا، فيا ويح ابن أبي طالب [أي سيدنا علي] إذ يقول «حرس أمراء أجله» ثم قال عمرو اللهم لا برئ فأعتذر ولا عزيز فأنتصر وإلا تدركني منك برحمة أكن من الهالكين.
** وروي أن عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة ذرفت عيناه فبكى، فقال له ابنه عبد الله: والله يا أبي ما كنت أخشي أن ينزل بك أمر من الله تعالى إلا صبرت عليه، فقال: يا بني، إنه نزل بأبيك خصال ثلاث: أولهن: انقطاع عمله، وأما الثانية: فهو المطلع، وأما الثالثة: ففراق الأحبة، ثم قال: اللهم إنك أمرت فتوانيت، ونهيت فعصيت، اللهم ومن شيمتك [طبعك وصفتك] العفو والتجاوز.
** روي أنه لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال له ابنه: يا أبتاه! إنك كنت تقول: يا ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد، وأنت ذلك الرجل، فصف لي ما تجد؟. فقال: يا بني، والله كأن جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي. ثم أنشأ يقول :
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي *** في تلال الجبال أرعى الوعولا
** ولقد مرض -رحمه الله- مرض موته سنة 43 هجرية، قال معاوية بن خديج: أتيت عمرو بن العاص وقد ثقل. فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أذوب ولا أتوب، وأجد نجوى [ما يخرج من البطن من بول أو غائط] أكثر من رزئي [الطعام الذي يؤكل] فما بقاء الكبير على هذا؟!
** عن قتادة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال كيلوا مالي فكالوه فوجدوه اثنين وخمسين مدا. فقال من يأخذه بما فيه يا ليته كان بعرا قال وكان المد ستة عشر أوقية الأوقية منه مكوكان، ومات عمرو بن العاص يوم الفطر وقد بلغ أربعا وتسعين سنة وصلى عليه ابنه عبد الله ودفن بالمقطم في سنة ثلاث وأربعين ثم استعمل معاوية على مصر وأعمالها أخاه عتبة بن أبي سفيان
** لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال عبد الله له يا أبتاه أوص في مالي ومالك ما بدا لك قال فدعا كاتبا فقال اكتب فجعل يكتب قال فلما أسرع في المال قال يا أبة لا أحسبك إلا قد أتيت على مالي ومال إخوتي فلو بعثت إلى إخوتي فتحلل ذلك منهم قال عمرو للكاتب اقرأه فقرأه فقال عبد الله بن عمرو بخ بخ قال فقال له عمرو يا عبد الله اشكر هذا فوالله لامرأة من المهاجرات أقبلت ببعير تقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله عليه في سبيل الله خير من هذا كله، جاء ذاك من حيث جاء، وجاء هذا من حيث جاءنا عبد الله، والله لقد هلكنا إلا أنا معتصمين بلا إله إلا الله.
** عن عبد الله بن عمرو أنه حدث أن أباه أوصاه قال يا بني إذا مت فاغسلني غسلة بالماء ثم جففني في ثوب ثم اغسلني الثانية بماء قراح ثم جففني في ثوب ثم اغسلني الثالثة بماء فيه شيء من كافور ثم جففني في ثوب ثم إذا ألبستني الثياب فأزر علي فإني مخاصم ثم إذا أنت حملتني على السرير فامش بي مشيا بين المشيتين وكن خلف الجنازة فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبني آدم فإذا أنت وضعتني في القبر فسن علي التراب سنا ثم قل اللهم إنك أمرتنا فأضعنا ونهيتنا فركبنا فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت ما زال يقولها حتى مات.

** وعن أبي فراس مولى عبد الله بن عمرو أن عمرو بن العاص توفي ليلة الفطر فغدا به عبد الله بن عمرو حتى إذا أبرز به وضعه في الجبانة حتى انقطعت الأزقة من الناس ثم صلى عليه ودفنه ثم صلى بالناس صلاة العيد قال أحسب أن لم يبق أحد شهد العيد إلا صلى عليه.