(اللباب في ذكر الفواسق من الدواب)
كتبه / أبو إسحاق الحيقي

الحمد لله والصَّـلاة والسَّـلام على رسـول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

اعلم (علمني الله وإياك) :
أن النبي صـلى الله عـلـيـه وسـلم ما ترك شيئًا فيه خير لنا إلا ودلنا عليه ، وما ترك شيئًا فيه شر لنا إلا وحذرنا منه ؛ حتى قال أبو ذر رضي الله عنه : "ﺗﺮﻛﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻣﺎ ﻃﺎﺋﺮٌ ﻳﻄﻴﺮ ﺑﺠﻨﺎﺣﻴﻪ ﺇﻻ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻢ" رواه ابن حبان ، وعند مسلم : أنه قيل لسلمان رضي الله عنه : " لقد علمكم نبيكم ﻛﻞ ﺷﻲءٍ ﺣﺘﻰ اﻟﺨﺮاءﺓ" قال : ﺃﺟﻞ! "ﻟﻘﺪ ﻧﻬﺎﻧﺎ : ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻟﻐﺎﺋﻂ ، ﺃﻭ ﺑﻮﻝ ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﺠﻲ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﺠﻲ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺣﺠﺎﺭ ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﻨﺠﻲ ﺑﺮﺟﻴﻊ ﺃﻭ ﺑﻌﻈﻢ"

ومما علمناهُ النبي صلى الله عليه وسلم : أن هناك فواسق من الدواب لا حرج على من قتلهن في أي زمان ومكان ولو في الحرم ، وإليك الأدلة الواردة في ذلك.

*ذكر الروايات الواردة في الفواسق*

لقد وردت عدة روايات بألفاظ مختلفة ، تبين الفواسق التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن في الحل والحرم ، وفي هذا المبحث سنقتصر على ذكر بعضها من الصحيحين أو من أحدهما ، على النحو الآتي :

1-
عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "خمسٌ من الدواب كلهن فاسق ، يُقتلن في الحرم : الغراب ، والحِدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور " متفق عليه

2- عن عائشة - أيضًا - رضي الله عنها ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ : " ﺧﻤﺲ ﻓﻮاﺳﻖ ، ﻳﻘﺘﻠﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻞ ﻭاﻟﺤﺮﻡ : اﻟﺤﻴﺔ ، ﻭاﻟﻐﺮاﺏ اﻷﺑﻘﻊ ، ﻭاﻟﻔﺄﺭﺓ ، ﻭاﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮﺭ ، ﻭاﻟﺤﺪﻳﺎ" رواه مسلم

3- عن عبيد الله بن مقسم قال : سمعت اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ يقول : ﺳﻤﻌﺖ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺯﻭﺝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﻘﻮﻝ : ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ : "ﺃﺭﺑﻊ ﻛﻠﻬﻦ ﻓﺎﺳﻖ ، ﻳﻘﺘﻠﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻞ ﻭاﻟﺤﺮﻡ : اﻟﺤﺪﺃﺓ ، ﻭاﻟﻐﺮاﺏ ، ﻭاﻟﻔﺄﺭﺓ ، ﻭاﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮﺭ" ﻗﺎﻝ : ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻠﻘﺎﺳﻢ : ﺃﻓﺮﺃﻳﺖ اﻟﺤﻴﺔ؟ ﻗﺎﻝ : "ﺗﻘﺘﻞ ﺑﺼﻐﺮ ﻟﻬﺎ" رواه مسلم

4- ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ : ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : "ﺧﻤﺲٌ ﻣﻦ اﻟﺪﻭاﺏ ، ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻬﻦ ﻭﻫﻮ ﻣﺤﺮﻡ ﻓﻼ ﺟﻨﺎﺡ ﻋﻠﻴﻪ : اﻟﻌﻘﺮﺏ ، ﻭاﻟﻔﺄﺭﺓ ، ﻭاﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮﺭ ، ﻭاﻟﻐﺮاﺏ ، ﻭاﻟﺤﺪﺃﺓ" رواه البخاري ومسلم بلفظ : "ﺧﻤﺲ ﻻ ﺟﻨﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻬﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻡ ﻭاﻹﺣﺮاﻡ"

5- عن زيد بن جبير قال : "سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ فقال : حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب ، والحية ، قال : وفي الصلاة - أيضًا - " رواه مسلم

قال ابن حجر - رحمه الله - في الفتح (4 /35) : "فزاد الحية ، وزاد في آخره ذكر الصلاة ؛ لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال" اهـ

*"الدواب"* : جمع دابة ، ﻭاﻟﺪاﺑﺔ : اﺳﻢ ﻟﻤﺎ ﺩﺏ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻥ. انظر : المحكم (9 /279) ، تهذيب اللغة (15 /55)

ويدل على ذلك : عموم قوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ، وقوله تعالى : {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}.

ومن أهل العلم من قال : إن الطير يخرج من الدواب ؛ لقوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} ، ووجه الاستدلال : أنه عطف الطير على الدابة ، والعطف يقتضي المغايرة.

وأجيب عنه بما يلي :
1- أن هذا من باب عطف الخاص على العام ؛ كقوله تعالى : {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيْلَ وَمِيْكَالَ.. الآية} فجبريل وميكال من عموم الملائكة.

2- جاء في صحيح مسلم : من ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ رضي الله عنه ، ﻓﻲ ﺻﻔﺔ ﺑﺪء اﻟﺨﻠﻖ قال : "ﻭﺧﻠﻖ اﻟﺪﻭاﺏ ﻳﻮﻡ اﻟﺨﻤﻴﺲ" ، ﻭﻟﻢ ﻳﻔﺮﺩ اﻟﻄﻴﺮ ﺑﺬﻛﺮ ؛ فدلَّ على أن الطير من الدواب ، والله أعلم.

*لماذا سميت هذه الدواب (فواسق)؟*

أصل الفسق في اللغة : الخروج عن الشيء ، ومنه : قوله تعالى : {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي : خرج ، ويقال : "فسقت الرطبة" إذا خرجت عن قشرها. الصحاح (4 / 1543) ، تهذيب اللغة (5 / 315)

وسُمِّيَت هذه الدواب : "فواسق" ؛ لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع ، قال النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (8 /114) : "ﻓﺴﻤﻴﺖ ﻫﺬﻩ ﻓﻮاﺳﻖ ؛ ﻟﺨﺮﻭﺟﻬﺎ ﺑﺎﻹﻳﺬاء ﻭاﻹﻓﺴﺎﺩ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺪﻭاﺏ ، ﻭﻗﻴﻞ : ﻟﺨﺮﻭﺟﻬﺎ ﻋﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺤﻴﻮاﻥ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﻗﺘﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻡ ﻭاﻹﺣﺮاﻡ ، ﻭﻗﻴﻞ : ﻓﻴﻬﺎ أﻗﻮاﻝ ﺃﺧﺮ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻻ ﻧﻌﺘﻨﻴﻬﺎ" اهـ
وقال المباركفوري - رحمه الله - في تحفة الأحوذي (3 /487) : "ﻭﻓﺴﻘﻬﻦ ﺧﺒﺜﻬﻦ ﻭﻛﺜﺮﺓ اﻟﻀﺮﺭ ﻣﻨﻬﻦ" اهـ

قال ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (73/4) : "ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة قيل له : "لِمَ قيل للفأرة فويسقة ، فقال : لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت" ؛ فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك ، لكون فعلها يشبه فعل الفساق" اهـ.

قلتُ : وهذه الرواية التي ذكرها الحافظ ضعيفة ، وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ".. ﻭﺃﻃﻔﺌﻮا اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﻋﻨﺪ اﻟﺮﻗﺎﺩ ، ﻓﺈﻥ الفويسقة ﺭﺑﻤﺎ اﺟﺘﺮﺕ اﻟﻔﺘﻴﻠﺔ ﻓﺄﺣﺮﻗﺖ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ". و"الفويسقة" ﺑﺎﻟﺘﺼﻐﻴﺮ ﻟﻠﺘﺤﻘﻴﺮ ، والمراد بها : الفأرة.

*التعريف بالفواسق المذكورة* :

*1- الغراب :* طائر أسود يضرب به المثل في السّواد ، وجمعه : غربان وأغربة ، وهو أنواع :
▪️غراب البَيْن (الأبقع) : الذي فيه سواد وبياض ، ويأكل الجيَف.
▪️غراب الزرع (الزّاغ) : الصغير الأسود الذي يأكل الزرع.
▪️غراب القيظ (الغُداف) : الأسود الضخم الوافي الجناحين.
▪️الغراب الأعصم : وهو الأبيض اليدين ، وقيل : أحمر المنقار والرجلين.
انظر : تاج العروس (1/ 814) ، معجم لغة الفقهاء (1/ 329) ، الصحاح (5 /2084) (4/ 1409) ، أساس البلاغة (1/ 695) ، غريب الحديث (3/ 102) ، تهذيب اللغة (8/ 94).

*والغراب الأعصم :* نادر لا يكاد يوجد ؛ وقد ورد ذكره في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "ﻻ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ، ﺇﻻ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻬﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻐﺮاﺏ ﻓﻲ اﻟﻐﺮﺑﺎﻥ ﻳﻌﻨﻲ : ﻏﺮاﺑًﺎ ﺃﻋﺼﻢ ﺃﺣﻤﺮ اﻟﻤﻨﻘﺎﺭ ﻭاﻟﺮﺟﻠﻴﻦ" قال الألباني - رحمه الله - في الضعيفة (6 /318) ﻓﻬﻮ ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺤﻴﺢ ، ﺳﺒﻖ ﺗﺨﺮﻳﺠﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﺑﺮﻗﻢ : (1850)

*ما هو الغراب المأمور بقتله؟*
اختلف أهل العلم في الغراب المأمور بقتله على قولين كالآتي :

*1- القول الأول :* لا يقتل إلا الغراب الأبقع.

*2- القول الثاني :* يقتل الأبقع وغيره من الغربان.

*وسبب الخلاف :* أنه جاء في بعض الروايات عند مسلم : "والغراب الأبقع" بتقييده ؛ فقال بعضهم : هذا تقييد لمطلق الروايات التي ليس فيها الأبقع ، وحملوا الروايات المطلقة على الروايات المقيدة ، فلم يجيزوا إلا قتل الأبقع خاصة.

ومن أجاز قتل الأبقع وغيره من الغربان ، قالوا : إن ذكر الأبقع إنما جرى لأنه الأغلب.

وقالوا : العلة في إباحة قتل الغراب الأبقع ؛ الإيذاء والإفساد ، فيلتحق به ما شاركه في ذلك.

وحكموا على القول : بقتل الأبقع خاصة بالشذوذ. انظر : الاستذكار (4/ 158) ، بداية المجتهد (2 /128)

والصحيح : أنه يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء والإفساد.
قال العراقي - رحمه الله - في طرح التثريب (5 /67) : "إن ﻣﺬاﻫﺐ اﻷﺋﻤﺔ اﻷﺭﺑﻌﺔ ﻣﺘﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ : ﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻐﺮاﺏ ، ﻏﺮاﺏ اﻟﺰﺭﻉ ﺧﺎﺻﺔ ، فإﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮا اﻋﺘﻤﺪﻭا اﻟﺘﻘﻴﻴﺪ اﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺑﺎﻷﺑﻘﻊ ، ﻭﺃﻟﺤﻘﻮا ﺑﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻓﻲ اﻷﺫﻯ ﻭﺃﻛﻞ اﻟﺠﻴَﻒ ﻭﻫﻮ : "اﻟﻐﺪاﻑ" ، ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺃﺧﺬﻭا ﺑﺎﻟﺮﻭاﻳﺎﺕ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ، ﻭﺟﻌﻠﻮا اﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﺑﺎﻷﺑﻘﻊ ﻟﻐﻠﺒﺘﻪ ، ﻻ لاﺧﺘﺼﺎﺹ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻪ ، ﻭﺃﺧﺮﺟﻮا ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻏﺮاﺏ اﻟﺰﺭﻉ ﻭﻫﻮ : "اﻟﺰاﻍ" ﻟﺤﻞ ﺃﻛﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﺘﺜﻨﻰ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ". اهـ

وقال ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (4 /38) قال ابن قدامة - رحمه الله - : "يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل ، ﻭﻗﺪ اﺗﻔﻖ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻠﻰ : ﺇﺧﺮاﺝ اﻟﻐﺮاﺏ اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﺬﻱ ﻳﺄﻛﻞ اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ، ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ : "ﻏﺮاﺏ اﻟﺰﺭﻉ" ، ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ : "اﻟﺰاﻍ" ، ﻭﺃﻓﺘﻮا ﺑﺠﻮاﺯ ﺃﻛﻠﻪ ، ﻓﺒﻘﻲ ﻣﺎ ﻋﺪاﻩ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﺑﺎﻥ ﻣﻠﺘﺤﻘًﺎ ﺑﺎﻷﺑﻘﻊ" اهـ

*حكم أكل الغراب*

اتفق الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، على : تحريم أكل الغراب الأسود ، والأبقع ، وجواز أكل غراب الزرع.
وأباح المالكية : أكل الغربان كلها من غير كراهة على المشهور ، وروي عن جماعة منهم عدم جواز آكلة الجيَف. نهاية المحتاج (8 / 143) ، المقنع (3 / 527) ، الموسوعة الفقهية (5 / 153 - 136)

وروى ابن ماجة وصححه الألباني في : اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ (1825) ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "من يأكل الغراب؟ وقد سمَّاهُ رسول الله صلى الله عليه و سلم : "فاسقًا" والله ما هو من الطيبات"

*2- الحِدَأَةُ :* طائر من الطيور الجوارح ، جاء في بعض الروايات تسميتها : "الْحُديَّا" وفي حديث آخر : "الْحُدَيَّاة"

*ومن طبعها :* أنها تنقضّ من السماء فتلتقط الجرذان ، والطيور الصغيرة ، والأشياء ذات اللون الأحمر تحسبه لحمًا ، ففي صحيح البخاري من حديث ﻋﺎﺋﺸﺔ رضي الله عنها ، "ﺃﻥ ﻭﻟﻴﺪﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻮﺩاء ﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺏ ، ﻓﺄﻋﺘﻘﻮﻫﺎ ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻌﻬﻢ ، ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺻﺒﻴﺔ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺷﺎﺡ ﺃﺣﻤﺮ ﻣﻦ ﺳﻴﻮﺭ ، ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﻮﺿﻌﺘﻪ - ﺃﻭ ﻭﻗﻊ ﻣﻨﻬﺎ - ﻓﻤﺮﺕ ﺑﻪ ﺣﺪﻳﺎﺓ ﻭﻫﻮ ﻣﻠﻘﻰ ، ﻓﺤﺴﺒﺘﻪ ﻟﺤﻤًﺎ ﻓﺨﻄﻔﺘﻪ ... الخ الحديث"

*3- العقرب :* واحدة العقارب ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ ﻟﻠﺬﻛﺮ ﻭاﻷﻧﺜﻰ ﻭﻗﺪ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻘﺮﺑﺔ ﻭﻋﻘﺮﺑﺎء. انظر : الصحاح (1 /187)
وهي من ذوات السموم ، ﻭﻟﻬﺎ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺃﺭﺟﻞ ، ﻭﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻇﻬﺮﻫﺎ ، ﺗﻠﺪﻍ ﻭﺗﺆﻟﻢ ﺇﻳﻼﻣًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻟﺴﻌﺖ اﻷﻓﻌﻰ ﻓﺘﻤﻮﺕ ، ﻭﻣﻦ ﻋﺠﻴﺐ ﺃﻣﺮﻫﺎ : ﺃﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﺗﻘﺘﻞ اﻟﻔﻴﻞ ﻭاﻟﺒﻌﻴﺮ ﺑﻠﺴﻌﺘﻬﺎ ، ﻭﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻀﺮﺏ اﻟﻤﻴﺖ ﻭﻻ اﻟﻨﺎﺋﻢ ، ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﺮﻙ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺑﺪﻧﻪ ، ﻓﺘﻀﺮﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ. انظر : شرح القسطلاني (3 /303)

*العقرب ملعونة*

لما جاء في الحديث أنها لدغت النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها ، قالت ﻋﺎﺋﺸﺔ رضي الله عنها : ﻟﺪﻏﺖ اﻟﻨﺒﻲَّ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻘﺮﺏٌ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ ﻓﻘﺎﻝ : "ﻟﻌﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻘﺮﺏ ، ﻣﺎ ﺗﺪﻉ اﻟﻤﺼﻠﻲ ﻭﻏﻴﺮ اﻟﻤﺼﻠﻲ ، اﻗﺘﻠﻮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻞ ﻭاﻟﺤﺮﻡ" رواه ابن ماجة وصححه الألباني

ولهذا رخص للمصلي أن يقتلها في الصلاة ؛ لما جاء عند أهل السنن : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقتلوا الأسودين في الصلاة ؛ الحية والعقرب"

قال ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (6 /398) : "وأخذ أكثر العلماء بهذا الحديث ، ورخصوا في قتل الحية والعقرب في الصلاة منهم : ابن عمر رضي الله عنهما ، والحسن ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وغيرهم" اهـ

*4- الحية :* واحدة الحيات ، والعرب تذكر الحية وتؤنثها ، فإذا قالت : الحيوت ، عنوا "الحية" الذكر. تهذيب اللغة (5 /186) ، الصحاح (1 /86)

ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ رضي الله عنهما : "اﻟﺜﻌﺒﺎﻥ اﻟﺤﻴﺔ اﻟﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ، ﻳﻘﺎﻝ : اﻟﺤﻴﺎﺕ ﺃﺟﻨﺎﺱ : اﻟﺠﺎﻥ ﻭاﻷﻓﺎﻋﻲ ، ﻭاﻷﺳﺎﻭﺩ" صحيح البخاري معلقًا (4 /127)

وهي من ذوات السموم ، وتعد مثل العقرب في الإيذاء وإلحاق الضرر أو أشد ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها في الصلاة كما تقدم عند ذكر العقرب.

*ومن أضرارها :* أنها تطمس البصر وتسقط الحبل ، جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقتلوا الحيات ، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يلتمسان البصر ، ويستسقطان الحبل"

فقوله : (ﺫا اﻟﻄﻔﻴﺘﻴﻦ) ﻗﺎﻝ اﻟﻌﻠﻤﺎء : ﻫﻤﺎ اﻟﺨﻄﺎﻥ اﻷﺑﻴﻀﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺤﻴﺔ. ﻭﺃﺻﻞ اﻟﻄﻔﻴﺔ : ﺧﻮﺻﺔ اﻟﻤُﻘْﻞ ﻭﺟﻤﻌﻬﺎ : ﻃﻔﻲ ، ﺷﺒﻪ اﻟﺨﻄﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻫﺎ ﺑﺨﻮﺻﺘﻲ اﻟﻤﻘﻞ ، ﻭاﻟﻤُﻘْﻞ : ﺛﻤﺮ اﻟﺪﻭﻡ.
و(اﻷﺑﺘﺮ) : ﻫﻮ ﻗﺼﻴﺮ اﻟﺬﻧﺐ. وقوله : (ويستسقطان اﻟﺤﺒﻞ) ﻣﻌﻨﺎﻩ : ﺃﻥ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﺤﺎﻣﻞ ﺇﺫا ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﻭﺧﺎﻓﺖ ﺃﺳﻘﻄﺖ اﻟﺤﻤﻞ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ، و(ﻭﻳﻠﺘﻤﺴﺎﻥ اﻟﺒﺼﺮ) ﻣﻌﻨﺎﻩ : ﻳﺨﻄﻔﺎﻥ اﻟﺒﺼﺮ ﻭﻳﻄﻤﺴﺎﻧﻪ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﻧﻈﺮﻫﻤﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻟﺨﺎﺻﺔ ﺟﻌﻠﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺑﺼﺮﻳﻬﻤﺎ ﺇﺫا ﻭﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﺼﺮ اﻹﻧﺴﺎﻥ ، وقيل غير ذلك وما ذكرناه أصح وأشهر. انظر : شرح مسلم للنووي (14 /230)

ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن ومحاربتهن فقد جاء من حديث ابن عباس ، وأبي هريرة ، وابن مسعود رضي الله عنهم أنه عليه الصلاة والسلام قال : "اقتلوا الحيات ، ومن خاف ثأرهن فليس مني" رواه أبو داود وابن حبان وفي لفظ : "ما سالمناهن منذ حاربناهن ومن ترك شيئًا منهن خيفة فليس منا".

فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقتل الحيات كلهن ، ولا يترك حية رآها إلا قتلها ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : قال سالم : قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " فلبثت لا أترك حيةً أراها إلا قتلتها " ، فبينا أنا أطارد حيَّةً يومًا ، من ذوات البيوت ، مرَّ بي زيد بن الخطاب ، أو أبو لبابة ، وأنا أطاردها ، فقال : مهلًا ، يا عبد الله فقلت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن " ، قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذوات البيوت "

وفي رواية لمسلم - أيضًا - عن نافع قال : " كان ابن عمر يقتل الحيَّات كلهن حتى حدثنا أبو لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جِنَّانِ البيوت فأمسك "

*وسبب النهي :* ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن شابًّا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وعندما ذهب إلى البيت وجد حيةً فقتلها ، قال : "ﻓﻤﺎ ﻳُﺪﺭﻯ ﺃﻳﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﺳﺮﻉ ﻣﻮﺗًﺎ اﻟﺤﻴﺔ ﺃﻡ اﻟﻔﺘﻰ ، ﻗﺎﻝ : ﻓﺠﺌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻓﺬﻛﺮﻧﺎ ﺫﻟﻚ ﻟﻪ ﻭﻗﻠﻨﺎ اﺩﻉ اﻟﻠﻪ ﻳﺤﻴﻴﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﻘﺎﻝ : "اﺳﺘﻐﻔﺮﻭا ﻟﺼﺎﺣﺒﻜﻢ" ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : "ﺇﻥ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺟﻨًّﺎ ﻗﺪ ﺃﺳﻠﻤﻮا ، ﻓﺈﺫا ﺭﺃﻳﺘﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ، ﻓﺂﺫﻧﻮﻩ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ، ﻓﺈﻥ ﺑﺪا ﻟﻜﻢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺎﻗﺘﻠﻮﻩ ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺷﻴﻄﺎﻥ" وفي رواية لمسلم - أيضًا - : "ﺇﻥ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﺒﻴﻮﺕ ﻋﻮاﻣﺮ ، ﻓﺈﺫا ﺭﺃﻳﺘﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ؛ فحرِّجوا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﻼﺛًﺎ ، ﻓﺈﻥ ﺫﻫﺐ ، ﻭﺇﻻ ﻓﺎﻗﺘﻠﻮﻩ ، ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﻓﺮ" ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ : "اﺫﻫﺒﻮا ﻓﺎﺩﻓﻨﻮا ﺻﺎﺣﺒﻜﻢ"

*واختلف العلماء :* هل يلزم أن تؤذن الحيات ذوات البيوت كلها سواء كان بالمدينة أو غيرها ؟ أم أنه خاص ببيوت المدينة ؟
فبالأول قال كثير منهم ، وقالوا : يلزم أن تؤذن الحيات (العوامر) ذوات البيوت في المدينة وفي غيرها ؛ لأن من الحيات جنًّا ، وجائز أن يكن بالمدينة وغيرها وأن يسلم من شاء الله منهن.

وقال آخرون : ﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﺆﺫﻥ اﻟﺤﻴﺎﺕ ﻭﻻ ﺗﻨﺎﺷﺪﻥ ﻭﻻ ﻳﺤﺮﺝ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﺎﺻﺔ ؛ ﻭهذا اﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻘﻮﻟﻪ : " ﺇﻥ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺟﻨًّﺎ ﻗﺪ ﺃﺳﻠﻤﻮا "

ﻗﺎﻝ ابن عبد البر - رحمه الله - في التميهد (16 /263) بعد أن ذكر القولين المتقدمين : "واﻟﻌﻠﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﺳﻼﻡ اﻟﺠﻦ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺷﻲء ﻻ ﻳﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻭاﻷﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﺗﻨﺬﺭ ﻋﻮاﻣﺮ اﻟﺒﻴﻮﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ" اهـ

قلتُ : والراجحُ في هذه المسألة أنه خاص ببيوت المدينة ؛ للحديث المتقدم وفيه قال عليه الصلاة والسلام : "ﺇﻥ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﻔﺮًا ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ﻗﺪ ﺃﺳﻠﻤﻮا ، ﻓﻤﻦ ﺭﺃﻯ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻓﻠﻴﺆﺫﻧﻪ ﺛﻼﺛًﺎ ..الخ" فالعلة الظاهرة من النهي إسلام الجن ، فيبقى النهي عن قتل العوامر خاصًّا ببيوت أهل المدينة ، ويبقى الأمر بقتل الحيات على ما هو عليه في كل زمان ومكان والله أعلم.

*أما الحيات التي تكون خارج البيوت :* فلا خلاف في قتلهن من غير إنذار ، لما رواه البخاري من حديث ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ بن مسعود ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻏﺎﺭ ﺑﻤﻨﻰ ، ﺇﺫ ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ : "ﻭاﻟﻤﺮﺳﻼﺕ" ﻭﺇﻧﻪ ﻟﻴﺘﻠﻮﻫﺎ ، ﻭﺇﻧﻲ ﻷﺗﻠﻘﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻴﻪ ، ﻭﺇﻥ ﻓﺎﻩ ﻟﺮﻃﺐ ﺑﻬﺎ ، ﺇﺫ ﻭﺛﺒﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺣﻴﺔ ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "اﻗﺘﻠﻮﻫﺎ" ﻓﺎﺑﺘﺪﺭﻧﺎﻫﺎ ، ﻓﺬﻫﺒﺖ ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "ﻭﻗﻴﺖ ﺷﺮﻛﻢ ﻛﻤﺎ ﻭﻗﻴﺘﻢ ﺷﺮﻫﺎ"

*الحيات مسخ الجن ، ومن الجن حيات*

وأما كون الحيات مسخ الجن ، ومن الجن حيات للأدلة التالية :

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الحيات مسخ الجن كما ، مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل" رواه ابن حبان وصححه الألباني في : الصحيحة (1824)

2- عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اﻟﺠﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺻﻨﺎﻑ : ﻓﺼﻨﻒ ﻟﻬﻢ ﺃﺟﻨﺤﺔ ﻳﻄﻴﺮﻭﻥ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ، ﻭﺻﻨﻒ ﺣﻴﺎﺕ ﻭﻛﻼﺏ ، ﻭﺻﻨﻒ ﻳﺤﻠﻮﻥ ﻭﻳﻈﻌﻨﻮﻥ" رواه البيهقي وصححه الألباني في : صحيح الجامع (3114)

3- حديث أبي سعيد الخدري المتقدم قصة الشاب الذي قتل الحية فمات.

*5- الفأرة :* واحدة الفأر والجميع : فئران ، وقيل : الفأرة : للذكر والأنثى ، كما قالوا للذكر والأنثى من الحمام : "حمامة". المحكم (10 /283) ، تهذيب اللغة (15 /178 - 179)

*والفأرة مُفْسِدة :* بل لا يوجد في الحيوانات أفسد منها ، ولا أعظم منها أذى ؛ وقد سمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم "الفويسقة" ؛ لأنها تتسبب في إحراق البيوت ، كما جاء عند البخاري وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : "ﻭﺃﻃﻔﺌﻮا اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ، ﻓﺈﻥ اﻟﻔﻮﻳﺴﻘﺔ ﺭﺑﻤﺎ ﺟﺮﺕ اﻟﻔﺘﻴﻠﺔ ﻓﺄﺣﺮﻗﺖ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ" ، وعند مسلم : "إﻥ اﻟﻔﻮﻳﺴﻘﺔ ﺗﻀﺮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻴﺘﻬﻢ" ، وفي لفظ له : "ﺗﻀﺮﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ" وجاء في سنن أبي داود وغيره من حديث اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ رضي الله عنهما ﻗﺎﻝ : "ﺟﺎءﺕ ﻓﺄﺭﺓ ، ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺗﺠﺮ اﻟﻔﺘﻴﻠﺔ ، ﻓﺠﺎءﺕ ﺑﻬﺎ ﻓﺄﻟﻘﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻤﺮﺓ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻗﺎﻋﺪًا ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻓﺄﺣﺮﻗﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺪﺭﻫﻢ" ﻓﻘﺎﻝ : "إﺫا ﻧﻤﺘﻢ ﻓﺄﻃﻔﺌﻮا ﺳﺮﺟﻜﻢ ، ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻳﺪﻝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﻓﺘﺤﺮﻗﻜﻢ"

*ومن فسادها وخرابها :* أنها لا تدع شيئًا أمامها إلا قرضته وأتلفته ، قال القرطبي - رحمه الله - في تفسيره (6 /303) قال ابن بكير : "إنما أمر بقتل الفأرة ؛ لقرضها السِّقاء ، والحذاء ، اللذين بهما قوام المسافر" اهـ

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن الفأر مسخ من الأمم السابقة التي مسخت ، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ﻓُﻘﺪﺕ ﺃﻣﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ ؛ ﻻ ﻳﺪﺭﻯ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ؟! ﻭﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺭاﻫﺎ ﺇﻻ اﻟﻔﺄﺭ ؛ ﺃﻻ ﺗﺮﻭﻧﻬﺎ ﺇﺫا ﻭﺿﻊ ﻟﻬﺎ ﺃﻟﺒﺎﻥ اﻹﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﺸﺮﺏ ، ﻭﺇﺫا ﻭﺿﻊ ﻟﻬﺎ ﺃﻟﺒﺎﻥ اﻟﺸﺎء ﺷﺮﺑﺖ؟!"

*وﻣﻌﻨﻰ الحديث :* ﺃﻥ ﻟﺤﻮﻡ اﻹﺑﻞ ﻭﺃﻟﺒﺎﻧﻬﺎ ﺣﺮﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺩﻭﻥ ﻟﺤﻮﻡ اﻟﻐﻨﻢ ﻭﺃﻟﺒﺎﻧﻬﺎ ؛ ﻓﺪﻝ اﻣﺘﻨﺎﻉ اﻟﻔﺄﺭﺓ ﻣﻦ ﻟﺒﻦ اﻹﺑﻞ ﺩﻭﻥ اﻟﻐﻨﻢ ، ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻣﺴﺦ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ.

*ﻭاﻟﻈﺎﻫﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ :* ﺃﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻗﺎﻝ ﺫﻟﻚ اﺟﺘﻬﺎﺩًا ﻣﻨﻪ ﻭﻇﻨًّﺎ ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻤﺴﺦٍ نسلًا ﻭﻻ ﻋﻘﺒًﺎ ؛ ﻛﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﻪ في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : "ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻤﺴﺦٍ نسلًا ﻭﻻ ﻋﻘﺒًﺎ ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮﺩﺓ ﻭاﻟﺨﻨﺎﺯﻳﺮ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ"

ﻓﻬﺬﻩ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ اﻟﻤﺴﺦ ﻟﺒﻌﺾ اﻷﻣﻢ ، ﻭﻣﻦ ﻣﺴﺦ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺮﺩﺓ ﺃﻭ ﺧﻨﺎﺯﻳﺮ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻓﻘﺪ اﻧﻘﺮﺽ ﻭﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ ﻭﺟﻮﺩ ، والله أعلم.

*6- الكلب العقور :* الكلب : واحد الكلاب ، والعقور : أي : العاقر ، وهو الجارح ، يقال : عَقَرَ الناس عَقْرًا ، أي : جرهم ، فهو عقور والجمع : عُقُر ، مثل : رسول ورسل.
والعقور : على وزن : فعول من أبنية المبالغة. انظر : تهذيب اللغة (10 /144) (1 /174) ، الصحاح (2 /753) ، جمهرة اللغة (2 /768)

ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻷﺛﻴﺮ - رحمه الله - في النهاية (3 /275) : "اﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮﺭ ﻛﻞ ﺳﺒﻊ ﻳﻌﻘﺮ ، ﺃﻱ : ﻳﺠﺮﺡ ﻭﻳﻘﺘﻞ ، ﻛﺄﺳﺪ ﻭﺫﺋﺐ ، ﻭﻧﻤﺮ ، ﺳﻤﺎﻫﺎ ﻛﻠﺒًﺎ ؛ ﻻﺷﺘﺮاﻛﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺒُﻌﻴﺔ"اهـ

*وقد اختلف العلماء في :* المراد بالكلب العقور على أقوال ، أشهرها قولان :

*القول الأول* : أن المراد به هذا الكلب المعروف ، وهو قول : الأوزاعي ، وأبي حنيفة ، والحسن بن صالح ، وألحقوا به الذئب.

*القول الثاني* : أن المراد به كل سبُع مفترس غالبًا كـ : الأسد ، والنمر ، والذئب ، والفهد ، ونحوهم ، وهو مذهب الجمهور ، وبه قال السفيانان (الثوري وابن عيينة) ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وغيرهم. ينظر : شرح مسلم للنووي (8 / 114 - 115) ، الاستذكار (12 /26) ، شرح الموطأ للزرقاني (2 / 432)

*واحتج الجمهور بالآتي :*
1- قوله تعالى : {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِيْنَ} ، قالوا : هذا اﺳﻢ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﺐ ، ﺛﻢ ﺩﺧﻞ ﻓﻴﻪ : ﺻﻴﺪ اﻟﻔﻬﺪ ، ﻭاﻟﺼﻘﺮ ، ﻭاﻟﺒﺎﺯﻱ ؛ ﻓﻠﻬﺬا ﻗﻴﻞ : ﻟﻜﻞ ﺟﺎﺭﺡ ﺃﻭ ﻋﺎﻗﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺎﻉ ﻛﻠﺐ ﻋﻘﻮﺭ. ينظر : غريب الحديث (2 /169) ، السنن الكبرى للبيهقي (5 /346)

2- ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻧﻮﻓﻞ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﻘﺮﺏ ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ، ﻗﺎﻝ : ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺐ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻟﻬﺐ ﻳﺴﺐ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "اﻟﻠﻬﻢ ﺳﻠﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻠﺒﻚ" ﻓﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺸﺎﻡ ﻓﻨﺰﻝ منزلًا ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻧﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﺩﻋﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ : ﻛﻼ ، ﻓﺤﻄﻮا ﻣﺘﺎﻋﻬﻢ ﺣﻮﻟﻪ ﻭﻗﻌﺪﻭا ﻳﺤﺮﺳﻮﻧﻪ ﻓﺠﺎء اﻷﺳﺪ ﻓﺎﻧﺘﺰﻋﻪ ﻓﺬﻫﺐ ﺑﻪ" رواه الحاكم وقال : ﺻﺤﻴﺢ اﻹﺳﻨﺎﺩ ﻭﻟﻢ ﻳﺨﺮﺟﺎﻩ ، ووافقه الذهبي ، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (4 /39)
ووجه الاستدلال : أن اﻷﺳﺪ ﻟﺰﻣﻪ اﺳﻢ اﻟﻜﻠﺐ. ينظر : غريب الحديث (2 /169) ، السنن الكبرى للبيهقي (5 /346)

*واحتج أصحاب القول الأول :*
أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ : "الكلب" إلا على الحيوان المعروف ، والتبادر علامة الحقيقة ، وعدمه علامة المجاز ، والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز. انظر : نيل الأوطار (5 /34)

فاسم : "الكلب" لا يقع على السبُع عرفًا ، والمعنى العرفي مقدم على المعنى اللغوي. انظر : البناية شرح الهداية (4 /399) ، طرح التثريب (5 /69)

*والراجح في هذه المسألة :* هو أن إلحاق ما عقر من السباع بالكلب العقور ؛ بجامع العقر صحيح ، وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا. انظر : نيل الأوطار (5 /34)


*قتل الكلب الذي لا منفعة فيه ولا ضرر*

اختلف أهل العلم في حكم قتل الكلب الذي لا منفعة فيه ولا ضرر على أقوال أشهرها مايلي :

1- يجوز قتل الكلاب إلا ما استثني منها ، وبه أخذ مالك والشافعي وكثير من العلماء. انظر : الاستذكار (8 /496) ، شرح مسلم للنووي (10 /235) ، عمدة القاري (15 /202) ، فتح الباري (4 /40)

2- يكره كراهة تنزيه : وبه قال بعض الشافعية. انظر : روضة الطالبين (3 /146) ، الموسوعة الفقهية (35 /133)

3- حرام لا يجوز : وبه قال بعض : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة. انظر : الاستذكار (8 /479) ، المغني (4 /281) ، مواهب الجليل (3 /236 -237) ، مطالب أولي النهى(6 /349) ، فيض القدير(3 /453) ، المجموع (235/9) ، البحر الرائق (3 /36)

*وسبب الخلاف* : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، ثم استثنى منها كلب الصيد والماشية ، ثم نهى عن قتلها ، واستثنى من النهي الأسود البهيم ، فمن قال : إن الأمر بقتل الكلاب منسوخ بأحاديث النهي عن قتلها ؛ قال : لا يجوز قتل ما لا ضرر فيه ولا منفعة ، ومن قال : بالجواز ، قالوا : لا نسخ ما أمكن الجمع ، وإعمال الكلام أولى من إهماله ، فجعلوا النهي عن قتل الكلاب خاصًّا بكلب الصيد والزرع والماشية ؛ حيث وقعت الرخصة في اقتنائها بعد الأمر بقتل الكلاب.
وهنا سوف نذكر بعض الأدلة كالآتي :

*ما جاء في الأمر بقتل الكلاب*

لقد جاءت عدة روايات صحيحة تبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب من هذه الروايات ما يلي :

1- عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ بن عمر رضي الله عنهما ﻗﺎﻝ : "ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﻳﺄﻣﺮ بقتل اﻟﻜﻼﺏ ، ﻓﻨﻨﺒﻌﺚ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺃﻃﺮاﻓﻬﺎ ؛ ﻓﻼ ﻧﺪﻉ ﻛﻠﺒًﺎ ﺇﻻ ﻗﺘﻠﻨﺎﻩ ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﺎ ﻟﻨﻘﺘﻞ ﻛﻠﺐ اﻟﻤﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺒﺎﺩﻳﺔ يتبعها" ، وفي لفظ : "ﺃﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : بقتل اﻟﻜﻼﺏ ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﻓﻲ ﺃﻗﻄﺎﺭ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﻞ" رواه مسلم

2- ﻋﻦ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺭاﻓﻊ ﻗﺎﻝ : " ﺃﻣﺮﻧﻲ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﺃﻗﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ " ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺃﻗﺘﻠﻬﺎ ﻻ ﺃﺭﻯ ﻛﻠﺒًﺎ ﺇﻻ ﻗﺘﻠﺘﻪ ، ﻓﺈﺫا ﻛﻠﺐ ﻳﺪﻭﺭ ﺑﺒﻴﺖ ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻷﻗﺘﻠﻪ ؛ ﻓﻨﺎﺩاﻧﻲ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻮﻑ اﻟﺒﻴﺖ : ﻳﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ، ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﺼﻨﻊ؟ ﻗﺎﻝ : ﻗﻠﺖ : ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻗﺘﻞ ﻫﺬا اﻟﻜﻠﺐ ، ﻓﻘﺎﻟﺖ : ﺇﻧﻲ اﻣﺮﺃﺓ ﻣﻀﻴﻌﺔ ، ﻭﺇﻥ ﻫﺬا اﻟﻜﻠﺐ ﻳﻄﺮﺩ ﻋﻨﻲ اﻟﺴﺒﻊ ، ﻭﻳﺆﺫﻧﻨﻲ ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﻲ ، فأتِ اﻟﻨﺒﻲَّ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﺎﺫﻛﺮ ﺫﻟﻚ ﻟﻪ ، ﻗﺎﻝ : ﻓﺄﺗﻴﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻓﺬﻛﺮﺕ ﺫﻟﻚ ﻟﻪ ﻓﺄﻣﺮﻧﻲ ﺑﻘﺘﻠﻪ" رواه أحمد وقال محققو المسند إسناده صحيح إن ثبت سماع سالم من أبي رافع.

*ســبب الأمر بقـتلـهـا*

وسبب الأمر بقتلها : ما جاء عن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ رضي الله عنهما ﻗﺎﻝ : "ﺃﺧﺒﺮﺗﻨﻲ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ : ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﺻﺒﺢ ﻳﻮﻣًﺎ ﻭاﺟﻤًﺎ ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ، ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻨﻜﺮﺕ ﻫﻴﺌﺘﻚ ﻣﻨﺬ اﻟﻴﻮﻡ ، ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "ﺇﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻛﺎﻥ ﻭﻋﺪﻧﻲ ﺃﻥ ﻳﻠﻘﺎﻧﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻠﻘﻨﻲ ، ﺃﻡ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺧﻠﻔﻨﻲ " ﻗﺎﻝ : "ﻓﻈﻞ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻮﻣﻪ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ، ﺛﻢ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺟﺮﻭ ﻛﻠﺐ ﺗﺤﺖ ﻓﺴﻄﺎﻁ ﻟﻨﺎ ، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﺄﺧﺮﺝ ، ﺛﻢ ﺃﺧﺬ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﺎء ﻓﻨﻀﺢ ﻣﻜﺎﻧﻪ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﻣﺴﻰ ﻟﻘﻴﻪ ﺟﺒﺮﻳﻞ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ : "ﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻭﻋﺪﺗﻨﻲ ﺃﻥ ﺗﻠﻘﺎﻧﻲ اﻟﺒﺎﺭﺣﺔ" ﻗﺎﻝ : "ﺃﺟﻞ ، ﻭﻟﻜﻨﺎ ﻻ ﻧﺪﺧﻞ ﺑﻴﺘًﺎ ﻓﻴﻪ ﻛﻠﺐ ﻭﻻ ﺻﻮﺭﺓ" ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬٍ ؛ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ ، ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ ﻛﻠﺐ اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﺼﻐﻴﺮ ، ﻭﻳﺘﺮﻙ ﻛﻠﺐ اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﻜﺒﻴﺮ" رواه مسلم

*ما استثني من قتل الكلاب*

واستثني من قتل الكلاب : "كلب الصيد ، والماشية ، والزرع" للأدلة الآتية :

1- ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ رضي الله عنهما : "ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﺃﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ ، ﺇﻻ ﻛﻠﺐ ﺻﻴﺪ ، ﺃﻭ ﻛﻠﺐ ﻏﻨﻢ ، ﺃﻭ ماشية" ، ﻓﻘﻴﻞ ﻻﺑﻦ ﻋﻤﺮ : ﺇﻥ ﺃﺑﺎ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻳﻘﻮﻝ : "ﺃﻭ ﻛﻠﺐ ﺯﺭﻉ" ، ﻓﻘﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ : "ﺇﻥ ﻷﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺯﺭﻋًﺎ" رواه مسلم

2- عن ابن عمر رضي الله عنهما - أيضًا - ﻗﺎﻝ : "ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺭاﻓﻌًﺎ ﺻﻮﺗﻪ : ﻳﺄﻣﺮ بقتل اﻟﻜﻼﺏ ، ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻜﻼﺏ ﺗﻘﺘﻞ ، ﺇﻻ ﻛﻠﺐ ﺻﻴﺪ ﺃﻭ ﻣﺎﺷﻴﺔ" رواه النسائي وابن ماجة ، وصححه الألباني في اﻹﺭﻭاء (8 / 181 - 182)

3- عن عبد الله ﺑﻦ اﻟﻤﻐﻔﻞ رضي الله عنه ، ﻗﺎﻝ : "ﺃﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ ....إلى أن قال : "ﺛﻢ ﺭﺧﺺ ﻓﻲ : ﻛﻠﺐ اﻟﺼﻴﺪ ، ﻭﻛﻠﺐ اﻟﻐﻨﻢ" ، وفي لفظ : "ﻭﺭﺧﺺ ﻓﻲ ﻛﻠﺐ اﻟﻐﻨﻢ ، ﻭاﻟﺼﻴﺪ ، ﻭاﻟﺰﺭﻉ" رواه مسلم

قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد (5 /701) : "ﻓﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﺮﺧﺼﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﺐ اﻟﺼﻴﺪ ﻭﻛﻠﺐ اﻟﻐﻨﻢ ، ﻭﻗﻌﺖ ﺑﻌﺪ اﻷﻣﺮ بقتل اﻟﻜﻼﺏ" اهـ

*ما جاء في النهي عن قتلها ، والأمر بقتل الأسود البهيم*

لقد جاءت عدة روايات في النهي عن قتل الكلاب ، وورد الأمر بقتل الأسود البهيم منها ، فمن هذه الروايات ما يلي :

1- عن عبد الله ﺑﻦ اﻟﻤﻐﻔﻞ رضي الله عنه ، ﻗﺎﻝ : "ﺃﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : "ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻭﺑﺎﻝ اﻟﻜﻼﺏ؟" ..الخ رواه مسلم

2- عن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ رضي الله عنه قال : "ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ بقتل اﻟﻜﻼﺏ ، ﺣﺘﻰ ﺇﻥ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺩﻳﺔ ﺑﻜﻠﺒﻬﺎ ﻓﻨﻘﺘﻠﻪ" ﺛﻢ "ﻧﻬﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﻗﺘﻠﻬﺎ" ﻭﻗﺎﻝ : "ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﺎﻷﺳﻮﺩ اﻟﺒﻬﻴﻢ ﺫﻱ اﻟﻨﻘﻄﺘﻴﻦ ، ﻓﺈﻧﻪ ﺷﻴﻄﺎﻥ" رواه مسلم

قال النووي – رحمه الله - في شرح مسلم (10 /237) : "معنى (البهيم) : الخالص السواد ، وأما (النقطتان) : فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه ، وهذا مشاهد معروف"اهـ

3- عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : إني لممن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يخطب فقال : "لولا أن الكلاب أمة من الأمم ؛ لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ، وما من أهل بيت يرتبطون كلبًا إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم" وفي لفظٍ : "ﻷﻣﺮﺕ ﺑﻘﺘﻠﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ" رواه أبو داود والترمذي واللفظ له والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الترغيب : (3102)

قال ابن تيمية - رحمه الله - في شرح العمدة (3 /145 - 146) : "ﻭﻫﺬا ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺃﻣﺔ ؛ ﻭﺻﻒ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ اﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ؛ ﻟﺘﺒﻘﻰ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﺗﻌﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﺗﺴﺒﺤﻪ ، ﻧﻌﻢ ﺧﺺ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻀﺮ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﻭﻳﺸﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻻﺣﺘﺮاﺯ ﻣﻨﻪ ؛ ﻷﻥ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺟﺎﻧﺒﻬﻢ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺟﺎﻧﺒﻪ ، ﻭﻳﺒﻘﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻻﺣﺘﺮاﺯ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮﻡ.
ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬا ﻗﺘﻠﻪ : ﺣﺮاﻡ ، ﺃﻭ ﻣﻜﺮﻭﻩ" اهـ

وقال النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (10 /235 - 236) : قال القاضي عياض – رحمه الله - : " عندي : أنَّ النهيَ أولًا كان نهيًا عامًّا عن اقتناء جميعها ، وأمر بقتل جميعها ، ثم نهى عن قتل ما سوى الأسود ، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية"
قال النووي مُعلقًا : "وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث ، ويكون حديث ابن مغفل مخصوصًا بما سوى الأسود ؛ لأنَّه عام ، فيخص منه الأسود بالحديث الآخر"اهـ

*ومن حجج هؤلاء (القائلين بالنسخ) :*
ما جاء في الصحيحين : "أن رجلًا سقى كلبًا ، ﻓﺸﻜﺮ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ، فغفر له" فقال الصحابة : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭﺇﻥ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻷﺟﺮًا؟ ﻓﻘﺎﻝ: "ﻓﻲ ﻛﻞ ﻛﺒﺪ ﺭﻃﺒﺔ ﺃﺟﺮ"
قالوا : "ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﻗﺘﻠﻪ ﻷﻧﻪ ؛ ﻛﻤﺎ ﻳﺆﺟﺮ اﻟﻤﺮء ﻓﻲ اﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻴﻪ ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺆﺯﺭ ﻓﻲ اﻹﺳﺎءﺓ ﺇﻟﻴﻪ". التمهيد (14 /232)

وقد أجاب عن ذلك اﺑﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ - رحمه الله - فقال : "ﻭﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻛﻮﻧﻪ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ ، ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺑﻌﺪﻩ ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻪ ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻨﺎﺳﺦ ؛ ﻷﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ ﻛﻼﺏ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻻ اﻟﺒﻮاﺩﻱ ، ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻭﺇﻥ ﻭﺟﺐ ﻗﺘﻠﻪ ﻳﺠﺐ ﺳﻘﻴﻪ ﻭﻻ ﻳﺠﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮ اﻟﻌﻄﺶ ﻭاﻟﻤﻮﺕ"اهـ انظر : فيض القدير (4 /406)

*ومن حجج القائلين بجواز قتله ما يلي :*
1- أنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطان.

2- يمنع من دخول الملائكة.

3- أﻥ اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻬﺎ ﻗﺪ ﺟﺎء ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ ، ﻭﻋﻤﺮ ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ ، ﻭﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ - رضي الله عنهم -. انظر : مواهب الجليل (3 /237)

قال ابن عبد البر - رحمه الله - في التمهيد (14 /226) : "ﻓﻬﺬا ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ ، ﻭاﺑﻦ ﻋﻤﺮ ، ﻗﺪ ﻋﻤﻼ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻜﻼﺏ ﺑﻌﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻭﺟﺎء ﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ، ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ ، ﻓﺼﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﺳﻨﺔ ﻣﻌﻤﻮلًا ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻠﻔﺎء ، ﻟﻢ ﻳﻨﺴﺨﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﺷﻲء ، ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬا ﺫﻫﺐ ﻣﺎﻟﻚ بن أنس"اهـ

قلتُ : وقد صحَّح الرِّواية الواردة عن عثمان رضي الله عنه : "أنه أمر بقتل الكلاب ، وذبح الحمام" كثير من أهل العلم منهم : العلامة ابن كثير في : تفسيره (3 /361) ، والشيخ أحمد شاكر في : شرح المسند (1 /521) ، وحسنه الهيثمي في : مجمع الزوائد (4 /42) ، وغيرهم.

4- أنه يوقع الترويع.
قال القرطبي - رحمه الله - في المفهم (4 /510) : "فأي كلب أضر وجب قتله ، وما عداه جائز قتله ؛ لأنه سبع لا منفعة فيه ، وأقل درجاته توقع الترويع ، وأنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطان ، فأما المروع منهن غير المؤذي ، فقتله مندوب إليه".اهـ

قلتُ : وإنما هذا في الكلب الذي لا منفعة فيه ولا ضرر ، أما كلب الصيد ، والماشية ، والزرع ، فلا خلاف في أنه لا يجوز قتله إلا إذا كان عقورًا ، والله أعلم.

*من الكلاب : جن وشياطين*

لقد جاءت الروايات تبين أن الكلاب منهم جن وشياطين ، من هذه الروايات ما يلي :
1- قوله صلى الله عليه وسلم الجن ثلاثة أصناف ، وذكر منهم : "صنف حيات وكلاب" وقد تقدم ذكره عند ذكر الحية.

2- قوله صلى الله عليه وسلم : "عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين ، فإنه شيطان" تقدم.

3- ما جاء في صحيح مسلم من حديث : أبي ذرِّ رضي الله عنه ، مرفوعًا : أنه ﻳﻘﻄﻊ الصلاة اﻟﺤﻤﺎﺭ ، ﻭاﻟﻤﺮﺃﺓ ، ﻭاﻟﻜﻠﺐ اﻷﺳﻮﺩ"
فقيل لأبي ذر : ﻣﺎ ﺑﺎﻝ اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺳﻮﺩ ، ﻣﻦ اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺣﻤﺮ ، ﻣﻦ اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺻﻔﺮ؟ ﻗﺎﻝ : ﺳﺄﻟﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻘﺎﻝ : "اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺳﻮﺩ ﺷﻴﻄﺎﻥ"

*هل يلحق بهذه : "الفواسق" غيرها من الدواب التي تشاركها في المعنى؟ أم لا؟*

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين كالآتي :

*القول الأول :* يلحق بهذه الفواسق غيرها من الدواب التي تشاركها في المعنى ، فيجوز قتلها في الحل والحرم ، وهو مذهب : المالكية ، والشافعية ، والحنابلة.

*القول الثاني :* ينبغي الاقتصار على الخمس ، ولا يلحق بها سوى : الحية ، والذئب ؛ لثبوت الخبر ، وهو مذهب الحنفية. انظر : الموسوعة الفقهية (32 /219)

*واحتج أصحاب القول الأول بعدة حجج منها ما يلي :*
1- التقييد بالخمس ، مفهوم عدد وليس بحجة ، فهو لا يفيد الحصر ، وعلى تقدير اعتباره ، فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولًا ، ثم تبين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم ؛ فقد جاء في بعض الروايات بلفظ : "أربع" ، وفي بعضها بلفظ : "خمس" ، وفي بعضها بلفظ : "ست".
وكذلك جاء في بعض الروايات ﺫﻛﺮ : "اﻟﺤﻴﺔ" ، ﻭﻓﻲ بعضها ﺫﻛﺮ : "اﻟﻌﻘﺮﺏ" ، ﻭﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻭﺫﻛﺮ : "اﻟﺴﺒﻊ اﻟﻌﺎﺩﻱ" ؛ ﻓﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻗﺼﺪ ﺑﻴﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﻤﺲ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﻛﺜﻴﺮًا ﻭﻫﻮ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻭاﺏ . انظر : شرح العمدة لابن تيمية (3 /139) ، فتح الباري (4 /36) بتصرف.

2- المشهور في الرواية : "خَمْسٌ فَوَاسِقُ" بالتنوين ، وهذا يقتضي وصفَ الخمس بالفسق من جهة المعنى ، فالحُكم المرتب على ذلك ؛ وهو القتل معلَّلٌ بما جعل وصفًا ؛ وهو الفسق - فيقتضي ذلك التعميم لكلِّ فاسق من الدواب. انظر : إحكام الأحكام (3 /32-33) بتصرف.

قال ابن تيمية - رحمه الله - في شرح العمدة (3 /139) : ".. ﻭﻋﻠﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻔﺴﻮﻗﻬﺎ ؛ ﻷﻥ ﺗﻌﻠﻴﻖ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻟﻤﺸﺘﻖ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ، ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻣﻨﻪ اﻻﺷﺘﻘﺎﻕ ﻋﻠﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ ، ﻓﺤﻴﺚ ﻣﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﺩاﺑﺔ ﻓﺎﺳﻘﺔ ، ﻭﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺗﺆﺫﻳﻬﻢ ﺟﺎﺯ ﻗﺘﻠﻬﺎ" اهـ

3- ﻧﺺ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﻞ ﺿﺮﺭﻩ ؛ ﻟﻴﻨﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﺯ ﻗﺘﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﺜﺮ ﺿﺮﺭﻩ ، ﻓﻨﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮاﺏ ﻭاﻟﺤﺪﺃﺓ ؛ ﻟﻴﻨﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﺎﺏ ﻭاﻟﺮﺧﻤﺔ ، ﻭﻧﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺄﺭﺓ ؛ ﻟﻴﻨﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺸﺮاﺕ اﻷﺭﺽ ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﺮﺏ ؛ ﻟﻴﻨﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺔ ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮﺭ ؛ ﻟﻴﻨﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺒﻊ ، ﻭاﻟﻔﻬﺪ ، ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ، ﻭﺇﺫا ﺃﻓﺎﺩ اﻟﻨﺺ دليلًا ﻭﺗﻨﺒﻴﻬًﺎ ، ﻛﺎﻥ ﺣﻜﻢ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻣﺴﻘﻄًﺎ ﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﻠﻔﻆ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : {ﻭَﻻَ ﺗَﻘُﻞْ ﻟَﻬُﻤَﺎ ﺃُﻑٍّ} ﻓﻔﻴﻪ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻢ اﻟﻀﺮﺏ ، ﻭﺩﻟﻴﻞ ﻟﻔﻈﻪ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺟﻮاﺯ اﻟﻀﺮﺏ ، ﻓﻘﻀﻰ ﺑﺘﻨﺒﻴﻬﻪ ﻋﻠﻰ ﺩﻟﻴﻠﻪ. انظر : الحاوي للماوردي (4 /342)

*واحتج أصحاب القول الثاني بالآتي :*
1- أن القياس على "الخمس" ممتنع ؛ لما فيه من إبطال العدد الثابت بالنص. انظر : الهداية (1 /168) ، تبيين الحقائق (2 /67)

وأجيب : أن التنصيص باسم الشيء ، لا يدل على النفي فيما عداه ، وإن كان في العدد المحصور ، والحكم في غير المذكور إنما يثبت بدلالة النص لا بالنص ، وذلك لا يوجب إبطال العدد المنصوص. انظر : عمدة القاري (2 /122) ، أصول السرخسي (1 /256)

وقالوا : اﻹﺑﻄﺎﻝ اﻟﻤﻤﻨﻮﻉ ، ﻫﻮ : اﻹﺑﻄﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﻘﺺ ، ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﺑﺎﻟﻌﻠﺔ ﻓﻼ. انظر : فتح القدير لابن الهمام (5/ 7)

2- أن اسم : "الكلب" لا يقع على السبع عرفًا ، فمن ﻗﺎﻝ : "ﻓﻼﻥ ﻳﻘﺘﻨﻲ اﻟﻜﻼﺏ" ﺃﻭ : "ﻓﻲ ﺑﺎﺑﻪ ﻛﻠﺐ" ، ﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﺃﺣﺪ ﺃﻧﻪ اﻟﺴﺒﺎﻉ ، ﻭاﻟﻌﺮﻑ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎﺭ. انظر : تبيين الحقائق (67/2)

وقد يجاب عن ذلك بما يلي :
1- أنه إذا جاز ﻗﺘﻞ اﻟﻜﻠﺐ اﻟﻌﻘﻮﺭ ؛ ﻟﺨﻮﻑ عقره وﺿﺮﺭﻩ ؛ ﻓﺎﻟﺴﺒﻊ اﻟﺬﻯ ﻳﻔﺘﺮﺱ ﻭﻳﻘﺘﻞ ﺃﻋﻈﻢ ﻭﺃﻭﻟﻰ ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻪ ﻣﻊ ﺇباحة ﻗﺘﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺩﻭﻧﻪ. انظر : شرح البخاري لابن بطال (4 /491)

2- قول النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم سلط عليه كلبك" وافترسه الأسد. وقد تقدم ذكر أدلة الجمهور عند ذكر : *"الكلب العقور"* فليراجع.

قال النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (8 /113) : "اتفق جماهير العلماء على : جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام ، واتفقوا على : أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن ..الخ".اهـ

*تتـمَّـة*

ومن الدواب : "الفواسق" التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها : *"الوَزَغُ"*

وهو : ساﻡُّ ﺃﺑﺮَﺹ ، والواحدة : ﻭﺯﻏﺔ ، والجمع : أوزاغ ، ووزغان. انظر : تهذيب اللغة (8 /151) ، مختار الصحاح (1 /373)

وقيل : ﺩاﺑﺔ ﻟﻬﺎ ﻗﻮاﺋﻢ ، ﺗﻌﺪﻭ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ اﻟﺤﺸﻴﺶ ، ﺗﺄﺧﺬ ﺿﺮﻉ اﻟﻨﺎﻗﺔ ﻓﺘﺸﺮﺏ ﻟﺒﻨﻬﺎ. انظر : تحفة الأحوذي (5 /48)

والوزغ : من السحليات الزاحفة الصغيرة ، ذات الجلود الرقيقة ، وهي مختلفة الألوان ، غالبًا ما تعيش في الأماكن المهجورة والقديمة ، وتتواجد على الجدران والأسقف ، تنشط ليلًا وربما تصدر زقزقة للاتصال بواسطتها بالأوزاغ الأخرى ، وعند الإحساس بالخطر ؛ تقوم بفصل ذيلها عن بدنها ، وتتركه يتلوى ؛ ليتلهى به المُطارِد ، وتتمكن من الفرار.

*ما جاء في : الأمر بقتله ، وأنه فاسق*

لقد جاءت روايات متعددة تحث على قتل الوزغ ، وأنه فويسق ، من هذه الروايات ، ما يلي :

1- عن عامر بن سعد ، عن أبيه رضي الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلم : "أمر بقتل الوزغ ، وسمّاه فويسقًا" رواه مسلم

2- ﻋﻦ ﺃﻡ ﺷﺮﻳﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : "ﺃﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ اﻷﻭﺯاﻍ" ﻭﻗﺎﻝ : "ﻛﺎﻥ ﻳﻨﻔﺦ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ" متفق عليه

3- ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻗﺎﻝ : "الوﺯﻍ ﻓﻮﻳﺴﻖ" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان ، وأصله في الصحيحين.

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻭﺯﻏًﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺿﺮﺑﺔ ؛ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﺣﺴﻨﺔ ، ﻭﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ ، ﻭﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ" رواه مسلم

*الوزغ من الحشرات المؤذيات*

قال النووي - رحمه الله - شرح مسلم (14/ 236) : "واتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات ، .. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم : بقتله وحث عليه ورغب فيه ؛ لكونه من المؤذيات" اهـ

ومما يدل على فسقه وفساده وخبثه ، أنه سعى في اشتعال النار التي ألقي فيها خليل الله إبراهيم عليه السلام ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ : "ﺃﻥ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ، ﻟﻤﺎ ﺃﻟﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ ، ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺩاﺑﺔ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﺇﻻ ﺃﻃﻔﺄﺕ اﻟﻨﺎﺭ ﻋﻨﻪ ، ﻏﻴﺮ اﻟﻮﺯﻍ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﻔﺦ ﻋﻠﻴﻪ ؛ ﻓﺄﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻘﺘﻠﻪ" ﺭﻭاﻩ اﺑﻦ ﺣﺒﺎﻥ وغيره وصححه الألباني في : صحيح الترغيب (2979)

فثبتت الخسة لهذا الجنس (الوزغ) إكرامًا لخليل الله إبراهيم عليه السلام.

والوزغ : يقتل ؛ لاستقذاره ونفرة الطبع عنه ، ولأنه من ذوات السموم المؤذية ، فمن ضرره : أنه ينفث السم ، وينقل الأمراض ، ويفسد الطعام ، ويمج في الإناء ، وغير ذلك.

قال القاري - رحمه الله - في مرقاة المفاتيح (7 /2671) : قال ابن الملك : "ﻭﻣﻦ ﺷﻐﻔﻬﺎ ﺇﻓﺴﺎﺩ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﺧﺼﻮﺻًﺎ اﻟﻤﻠﺢ ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺇﺫا ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﻓﺴﺎﺩﻩ ؛ اﺭﺗﻘﺖ اﻟﺴﻘﻒ ﻭﺃﻟﻘﺖ ﺧﺮﺃﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﺤﺎﺫﻳﻪ ، ﻭﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻴﺎﻥ ﺃﻥ ﺟﺒﻠﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﺎءﺓ"اهـ

وذكر العيني - رحمه الله - عمدة القاري (15 /250) أن من ضرره : "ﻳﻤﺞ ﻓﻲ اﻹﻧﺎء ؛ ﻓﻴﻨﺎﻝ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻜﺮﻭﻩ ﻋﻈﻴﻢ ، ﻭﺇﺫا ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺢ ﺗﻤﺮﻍ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻳﺼﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﺎﺩﺓ ﻟﺘﻮﻟﺪ اﻟﺒﺮﺹ"اهـ.

ومما تقدم ذكره يتبين لنا أن العلة من قتله : الأذى والضرر ، وعدواته للإنسان ، وفساده ، فهو مثل : الفأر ، والحية ، والعقرب ، وغيرهم مما أمر بقتله في الحل والحرم.

*هل يقتل الوزغ في الحل والحرم؟*

قال النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (14 /237) : "ﻭﺃﻣﺎ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﻓﻮﻳﺴﻘًﺎ ، ﻓﻨﻈﻴﺮﻩ اﻟﻔﻮاﺳﻖ اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻞ ﻭاﻟﺤﺮﻡ"اهـ

ومثله قال الدميري - رحمه الله - في : حياة الحيوان الكبرى (2/ 546).

ﻭﻧﻘﻞ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ - رحمه الله - : "اﻻﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﺯ ﻗﺘﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻞ ﻭاﻟﺤﺮﻡ" انظر : فتح الباري لابن حجر (4 /41)

وقد يعترض : أنه نقل عن مالك وغيره : "أن المحرم لا يقتل الوزغ" انظر : المصدر السابق.

*فـائـدة:*

جاء في الصحيحين عن ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻠﻮﺯﻍ : "ﻓﻮﻳﺴﻖ" "ﻭﻟﻢ ﺃﺳﻤﻌﻪ ﺃﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻪ"

1- قال ابن حجر - رحمه الله - في : فتح الباري (4 /41) : "ﻭﻛﻮﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﻤﻌﻪ ، ﻻ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻊ ﺫﻟﻚ ، ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻌﻪ ﻏﻴﺮﻫﺎ"اهـ

2- قال العلامة الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (7 /1538) : "ﻭﻗﺪ ﺧﺮﺟﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺭﻭاﻳﺔ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺘﻞ اﻷﻭﺯاﻍ ، ﻓﺈﻥ ﺻﺢ ﺫﻟﻚ ؛ ﻓﺘﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺭﺟﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﻳﺚ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻤﻦ ﺳﻤﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ"اهـ

والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين