من هو فقيه العرب!






زهير محمود حموي






من الكلمات المتردّدة في كتب الأدب، قولهم: قال فقيه العرب، أو سئل فقيه العرب، فمن هو فقيه العرب؟

الجواب: إن فقيه العرب ليس شخصًا بعينه، وإنما يذكر العلماء مسائل فيها ألغاز وملح ينسبونها إلى فتيا فقيه العرب؛ فليس ثمة فتيا، ولا هناك فقيه، ولكنهم سموا هذا النوع من الألغاز بفتيا فقيه العرب تظرّفاً، وتملّحاً؛ قال السيوطي في كتابه «المزهر في علوم اللغة»: «ليس مراد ابن خالويه والحريري بفقيه العرب شخصًا معيناً، إنما يذكرون ألغازًا وملحًا ينسبونها إليه، وهو مجهول لا يعرف، ونكرة لا تتعرّف».

الملاحن والألغاز :

وتدخل فُتيـا فقيه العرب في باب الملاحن والألغاز؛ فالملاحن-كما عرّفها المعجم الوسيط-: مسائل كالألغاز يحتاج في حلها إلى فطنة. وقد عدّ الحموي في شرحه: «للأشباه والنظائر لابن نجيم» للألغاز عدة مسميات فقال: شرحه: «والفقهاء يسمون هذا النوع ألغاز، وأهل الفرائض يسمونه مُعَاياة، والنحاة مُعَمَّىً، واللغويون الأحاجي».

وذكر بعضهم أن هذا النوع يسمى أيضا المغالطات المعنوية، ويقال لها أيضًا المطارحات».قال أبو المعالي الحظيري في مقدمة كتابه "الإعجاز": هذا الفن وأشباهه يسمى: المعاياة، والعويص، واللغز، والرمز، والمحاجاة، وأبيات المعاني، والملاحن، والمرموس، والتأويل، والكناية، والتعريض، والتوجيه، والمعمى، والممثل.

وأقدم من ألف في فن الإلغاز، اللغوي أبو بكر، محمد بن الحسن بن دُرَيد الأزدي (ت: 321هـ) في كتابه: «الملاحن»، الذي قال في أوله: هذا كتاب ألفناه؛ ليفزع إليه المجبَرُ المُضْطَهد على اليمين، المُكْرَه عليها، فيعارِض بما رسمناه، ويضمر خلافَ ما يظهر، ليَسْلَم من عادية الظالم، ويتخلَّص من جَنف الغاشم، وسمّيناه الملاحن، واشتَقَقْنَا له هذا الاسم من اللغة العربية الفصيحة التي لا يشوبُها الكدَر، ولا يستولي عليها التكلّف.

وقد حقق أ. د. عبد الإله نبهان، هذا الكتاب، وتكلم عن الملاحن، فوضح مفهومها، وكشف عن المقصود منها في عدة سياقات، وأبان أن ابن دريد أفاد من ظاهرة المشترك اللفظي في كتاب الملاحن. وقال: إن هذا الفن معروف منذ ما قبل الإسلام، لكن ابن دريد تصدّى للتوسع فيه والتصنيف في مجاله، وذكر البحث بعض من كتبوا في هذا الفن.

ثم ألف فيه أبو الحسين، أحمد بن فارس (ت: 395هـ).

‎ثم احتذى الحريري، أبو محمد، قاسم بن علي (ت: 516 هـ) حذو ابن فارس في مقامته المنعوتة بـ«الطَّيْبيَّة »، التي تقع الثانية والثلاثين في ترتيب المقامات، فضمنها مائة مسألة ملغَّزة من نمط ما سماه ابن فارس فتيا فقيه العرب.

‎ثم فصَّله السيوطي (ت: 911 هـ) وذلك في الباب التاسع والثلاثين من كتاب: « المزهر ، معرفة الملاحن والألغاز وفتيا العرب».

وآخر من كتب في هذا الموضوع في حدود علمي من المتأخرين،، حيث انتخب أكثر من 300 لغز فقهي، جمعها في كتابه : «الدرر البهية في الألغاز الفقهية».

وانظر تكرماً: منهج الألغاز وأثره في الفقه الإسلامي. د. عبد الحق حميش، منشور بمجلة الدراسات الشرعية والإسلامية. جامعة الشارقة.

نماذج من فتيا فقيه العرب :

سئل فقيه العرب، هل يجوز بيع الوقف؟ قال: نعم (الوقف: السوار من عاج).

قيل: أيَجوز للمَعذور أن يُفطِرَ في شهر رمضان? قال: ما رُخّصَ إلا للصّبْيانِ. (المعذور: المختون).


قيل: فإنْ ضحِكَتِ المرأةُ في صومِها? قال: بطَلَ صومُ يومِها. (ضحكت: حاضت).

قيل: ما يجِبُ في مِئَةِ مِصباح? قال: حِقّتانِ يا صاحِ (المصباح : الناقة).

قيل: أيَجوزُ للحاجّ أن يعتَمِرَ? قال: لا ولا أنْ يختَمِرَ (الاعتمار: لبس العمارة، وهي العمامة. والاختمار: لبس الخمار).

وقال فقيه العَرب: مَن سرَّه النَّساء ولا نَساء : أي من سرَّه البقاء ولا بقاء، فلْيُباكِر العَشاء، ولْيُباكِر الغَداء، ولْيُخَفِّف الرداء، ولْيُقِلَّ غِشْيان النِّساء.