{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
***
الاستقامة كلمة جامعة، تأخذ بمجامع الدّين والدّنيا،
وتتحقّق بها معالي الأمور،
وأعلى الدّرجات والأجور،
وبها يكمل الإيمان، ويضمن الأمن يوم البعث والنّشور،
وتعمّ الخيرات والبركات، ويسعد الأفراد والمجتمعات،
إنّها خصلة من أعظم خصال السّائرين إلى الله تعالى،
وأجلّ مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين،
ينال المرء بها الكرامات،
ويصل إلى أعلى المقامات، ويعيش برد اليقين، ويحوز على مرضاة ربّ العالمين.
إنّها اتّباع الدّين القويم بفعل الطّاعات واجتناب المحرّمات،
ولزوم الصّراط المستقيم في كلّ أمر من أمور الحياة،
والقيام بين يدي الله بما أمر، والالتزام بالصّدق في القول والعمل،
فالإسلام إيمان بالله وحده دون سواه، ثمّ استقامة على منهج الله وشرعه من غير تغيير أو تبديل أو تقصير؛ قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأحقاف:13-14).
*************

أصل الاستقامة:هو استقامة القلب على التوحيد، كما فسَّر أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- وغيره قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره، وأنهم استقاموا على أنَّ الله ربُّهم.
فإذا استقام القلب على توحيد الله تعالى وخشيته،
وإجلاله ومهابته،
ورجائه ودعائه ومحبته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والتسليم له،
والإقبال عليه، والإعراض عما سواه،
فإن سائر الجوارح-عندئذ- تستقيم على طاعته، بأداء فرائضه، واجتناب نواهيه،
والتقرب إليه بالنوافل؛
لأن القلب بمنزلة الملك للجوارح، فإذا استقام استقامت، كما جاء في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير-رضي الله عنهما- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب
************
الاستقامة : هي سلوك الطريق المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة و لا يسرة، و يشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة و الباطنة و ترك المنهيات كلها كذلك "
[ انظر جامع العلوم و الحكم لابن رجب ص (193) ] .
***********

قال ابن القيم رحمه الله - : " فالاستقامة كلمة جامعة، آخذة بمجامع الدين، و هي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق و الوفاء ".
[انظر تهذيب مدارج السالكين ص (529)].
*******

قال ابن القيم رحمه الله : " و الاستقامة تتعلق بالأقوال و الأفعال والأحوال والنِّيَّات، فالاستقامة فيها وقوعها لله و بالله و على أمر الله. قال بعضهم:كن صاحب الاستقامة لا طالب الكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، و ربك يطالبك بالاستقامة، فالاستقامة للحال بمنزلة الروح من البدن، فكما أن البدن إذا خلا عن الروح فهو ميت فكذلك إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد...و سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"
[انظر مدارج السالكين (2/103)
******

قال ابن رجب – رحمه الله - : " أصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد... فمتى استقام القلب على معرفة الله و على خشيته و إجلاله و مهابته و محبته و إرادته ورجائه و دعائه و التوكل عليه و الإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعته، فإن القلب هو ملك الأعضاء، و هي جنوده فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، و أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه".
[ انظر جامع العلوم و الحكم (193) بتصرف ].
*********

قال ابن رجب-رحمه الله - : "و في قوله عز وجل : { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ } إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيُجبَر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة و الرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ رضي الله عنه : (( اتق الله حيثما كنت، و أتبع السيئة الحسنة تمحها )) و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا الاستقامة حق الاستقامة فقال عليه الصلاة و السلام : ((استقيموا و لن تحصوا، و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) و في رواية للإمام أحمد – رحمه الله - (( سددوا و قاربوا، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) و في الصحيحين: (( سددوا و قاربوا )) فالسداد : هو حقيقة الاستقامة، و هو الإصابة في جميع الأقوال و الأعمال و المقاصد... والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، و لكن بشرط أن يكون مصمماً على قصد السداد و إصابة الغرض".[ انظر جامع العلوم و الحكم (1/510)
****

سئل صدِّيق الأمة وأعظمُها استقامة - أبو بكر رضي الله عنه - عن الاستقامة؟ فقال: (أن لا تشرك بالله شيئًا)؛
يريد الاستقامة على محض التوحيد..
فإن مَن استقام على محض التوحيد.. استقام في كل شأنه على الصراط المستقيم.. فاستقام له كل عمل وكل حال؛ "أي: استقام على التوحيد في حركاته وسكناته.. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب). وقريب مِن ذلك ما قاله ابن تيميه رحمه الله؛ حيث قال: أي " أخلَصوا في عبودية الله ومحبَّته، فلم يلتفتوا يمنة، ولا يسرة".
******

قال ابن القيم -رحمه الله-:
فاستقامة القلب بشيئين:

1. أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب، فإذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره، سبق حب الله تعالى حب ما سواه، وما أسهل هذه بالدعوى، وما أصعبه بالفعل، فعند الأمتحان يكرم للمرء أو يهان.
2. تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشيء عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه، وقال تعالى: ﴿ما لكم لا ترجون لله وقارا﴾ [نوح: ١٣]
[الوابل الصيب من الكلم الطيب 11 ]

****

قال الشيخ صالح الفوزان
الاستقامة: هي الاعتدال بين التشدد والغلو، وبين التساهل والضياع، هي الاعتدال على أمر الله سبحانه وتعالى، وأيضا الاستقامة تعني أن الإنسان يستقيم على دين الإسلام لا ينحرف عنه يمنة ولا يسرة: (قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) وأولى ذلك وأوله التوحيد: استقاموا على التوحيد فلم يشركوا بالله شيئا، لا الشرك الأكبر ولا الشرك الأصغر(قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) بأداء الواجبات والفرائض، وترك المحرمات والمنهيات، وكذلك أدووا المستحبات تجنبوا المكروهات، حافظوا على دينهم.

*******