تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    قال ابن ابى العز فى شرح الطحاوية فى الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد
    أَنْوَاعَ الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ قِسْمَانِ :
    اخْتِلَافُ تَنَوُّعٍ ،
    وَاخْتِلَافُ تَضَادٍّ :

    وَاخْتِلَافُ التَّنَوُّعِ عَلَى وُجُوهٍ :
    مِ
    نْهُ مَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْفِعْلَيْنِ حَقًّا مَشْرُوعًا ،
    كَمَا فِي الْقِرَاءَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، حَتَّى زَجَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
    وَقَالَ : " كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ " ،
    وَمِثْلُهُ اخْتِلَافُ الْأَنْوَاعِ فِي صِفَةِ الْأَذَانِ ، وَالْإِقَامَةِ ، وَالِاسْتِفْتَا حِ ، وَمَحَلِّ سُجُودِ السَّهْوِ ، وَالتَّشَهُّدِ ، وَصَلَاةِ الْخَوْفِ ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، مِمَّا قَدْ شُرِعَ جَمِيعُهُ ،
    وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ أَرْجَحَ أَوْ أَفْضَلَ .
    ثُمَّ تَجِدُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ مَا أَوْجَبَ اقْتِتَالَ طَوَائِفَ مِنْهُمْ عَلَى شَفْعِ الْإِقَامَةِ وَإِيتَارِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ !
    وَهَذَا عَيْنُ الْمُحَرَّمِ .
    وَكَذَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْهَوَى لِأَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْآخَرِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ - : مَا دَخَلَ بِهِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ فِي الْمَعْنَى الْقَوْلَ الْآخَرَ ، لَكِنِ الْعِبَارَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ ،
    كَمَا قَدْ يَخْتَلِفُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَلْفَاظِ الْحُدُودِ ، وَصَوْغِ الْأَدِلَّةِ ، وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الْمُسَمَّيَاتِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
    ثُمَّ الْجَهْلُ أَوِ الظُّلْمُ يَحْمِلُ عَلَى حَمْدِ إِحْدَى الْمَقَالَتَيْن ِ وَذَمِّ الْأُخْرَى وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى قَائِلِهَا ! وَنَحْوِ ذَلِكَ .

    وَأَمَّا اخْتِلَافُ التَّضَادِّ ،
    فَهُوَ الْقَوْلَانِ الْمُتَنَافِيَا ن إمَّا فيِ الْأُصُول وَ إِمَّا فى الفُرُوع
    عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْمُصِيبُ وَاحِدٌ . وَالْخَطْبُ فِي هَذَا أَشَدُّ ، لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ يَتَنَافَيَانِ ، لَكِنْ نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ
    قَدْ يَكُونُ الْقَوْلُ الْبَاطِلُ الَّذِي مَعَ مُنَازِعِهِ فِيهِ حَقٌّ مَا ، أَوْ مَعَهُ دَلِيلٌ يَقْتَضِي حَقًّا مَا ،
    فَيَرُدُّ الْحَقَّ مَعَ الْبَاطِلِ ، حَتَّى يَبْقَى هَذَا مُبْطِلًا فِي الْبَعْضِ ، كَمَا كَانَ الْأَوَّلُ مُبْطِلًا فِي الْأَصْلِ ، وَهَذَا يَجْرِي كَثِيرًا لِأَهْلِ السُّنَّةِ .
    وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ ، فَالْأَمْرُ فِيهِمْ ظَاهِرٌ .
    وَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ هِدَايَةً وَنُورًا
    رَأَى مِنْ هَذَا مَا يُبَيِّنُ لَهُ مَنْفَعَةَ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْقُلُوبُ الصَّحِيحَةُ تُنْكِرُ هَذَا ، لَكِنْ نُورٌ عَلَى نُورٍ .

    وَالِاخْتِلَافُ الْأَوَّلُ ، الَّذِي هُوَ اخْتِلَافُ التَّنَوُّعِ ، الذَّمُّ فِيهِ وَاقِعٌ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَى الْآخَرِ فِيهِ .وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى حَمْدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْن ِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، إِذَا لَمْ يَحْصُلْ بَغْيٌ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ }.
    وَقَدْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ الْأَشْجَارِ ، فَقَطَعَ قَوْمٌ ، وَتَرَكَ آخَرُونَ .
    وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ .

    وَكَمَا فِي إِقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا ، وَلِمَنْ أَخَّرَهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ .
    وَكَمَا فِي قَوْلِهِ : « إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » .
    وَالِاخْتِلَافُ الثَّانِي ، هُوَ مَا حُمِدَ فِيهِ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ ، وَذُمَّتِ الْأُخْرَى ،
    كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } .
    وَقَوْلِهِ تَعَالَى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ }

    وَأَكْثَرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَئُولُ إِلَى الْأَهْوَاءِ بَيْنَ الْأُمَّةِ - مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ،
    وَكَذَلِكَ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَاسْتِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ .
    لِأَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ لَا تَعْتَرِفُ لِلْأُخْرَى بِمَا مَعَهَا مِنَ الْحَقِّ ، وَلَا تُنْصِفُهَا ،
    بَلْ تَزِيدُ عَلَى مَا مَعَ نَفْسِهَا مِنَ الْحَقِّ زِيَادَاتٍ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَالْأُخْرَى كَذَلِكَ .
    وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ مَصْدَرَهُ الْبَغْيَ فِي قَوْلِهِ :
    { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } .
    لِأَنَّ الْبَغْيَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَذُكِرَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ لِيَكُونَ عِبْرَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ .
    شرح الطحاوية لابن ابى العز -للشيخ احمد شاكر

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    هل مسائل الخلاف لا إنكار فيها ؟
    هذه القاعدة التي يقولها بعض الناس : ( لا إنكار في مسائل الخلاف ) غير صحيحة ، والصواب أن يقال : ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) وبيان ذلك :
    أن المسائل التي اختلف العلماء فيها نوعان :
    الأول : مسائل ورد في بيان حكمها نص صريح من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة ، ولا معارض له ، أو نقل فيها إجماع ، ثم شذ بعض المتأخرين وخالف الإجماع ، أو دل على حكمها القياس الجلي الواضح . فهذه المسائل ينكر فيها على من خالف الدليل .
    ولهذا النوع من المسائل أمثلة كثيرة ، منها :
    1- إنكار صفات الله تعالى التي مدح بها نفسه ، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم تحت مسمى : "التأويل" وهو في الحقيقة تحريف لنصوص الكتاب والسنة .
    2- إنكار بعض الحقائق التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم مما سيحدث يوم القيامة كالميزان والصراط .
    3- ما قاله بعض المعاصرين من جواز أخذ الفائدة على الأموال المودعة في البنوك ، مع أن هذا هو عين الربا الذي حرم الله ورسوله .
    4- القول بجواز نكاح التحليل ، فإنه قول باطل مخالف للعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
    5- القول بإباحة سماع آلات الموسيقى والمعازف ، فإنه قول منكر ، دل على بطلانه كثير من الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف ولذلك اتفقت كلمة الأئمة الأربعة على تحريمها .
    6- القول بأن الداخل إلى المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب يجلس ليستمع الخطبة ولا يصلي تحية المسجد .
    7- القول بعدم استحباب رفع الأيدي في الصلاة مع تكبيرة الركوع والرفع منه والقيام إلى الركعة الثالثة .
    8- القول بعدم استحباب صلاة الاستسقاء . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها جماعة مع أصحابه .
    9- القول بعدم استحباب صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان .
    فهذه المسائل وأمثالها مما وردت نصوص ببيان حكمها ينكر فيها على المخالف ، ولم يزل الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ينكرون على من خالف دليلاً صحيحا، ولو كان مجتهداً .
    النوع الثاني : مسائل لم يرد ببيان حكمها دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي .
    أو ورد بحكمها دليل من السنة ، ولكنه مختلف في تصحيحه ، أو ليس صريحاً في بيان الحكم ، بل يكون محتملاً .
    أو ورد فيها نصوص متعارضة في الظاهر .
    فهذه المسائل تحتاج إلى نوع اجتهاد ونظر وتأمل لمعرفة حكمها ، ومن أمثلة هذا النوع :
    1- الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا .
    2- الخلاف في سماع الموتى لكلام الأحياء .
    3- نقض الوضوء بمس الذكر ، أو مس المرأة ، أو أكل لحم الإبل .
    4- القنوت في صلاة الفجر كل يوم .
    5- القنوت في صلاة الوتر ، هل يكون قبل الركوع أم بعده ؟
    فهذه المسائل وأمثالها مما لم ترد نصوص صريحة ببيان حكمها هي التي لا ينكر فيها على المخالف ، ما دام متبعاً لإمام من الأئمة وهو يظن أن قوله هو الصواب ، ولكن لا يجوز لأحد أن يأخذ من أقوال الأئمة ما يتوافق مع هواه ، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله .
    وعدم الإنكار على المخالف في هذه المسائل ونحوها ، لا يعني عدم التباحث فيها ، أو عدم التناظر وبيان القول الراجح بدليله ، بل لم يزل العلماء قديماً وحديثاً تعقد بينهم اللقاءات والمناظرات للتباحث في مثل هذه المسائل ، ومن ظهر له الحق وجب عليه الرجوع إليه .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    "... إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين: تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/80) .
    وهذه أقوال لبعض العلماء تؤيد ما سبق من التقسيم :
    - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    "وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح ، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.
    أمّا الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً. وإن لم يكن كذلك فإنه يُنكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء .
    وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار.
    أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.
    وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً ، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه ، فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة أو لخفاء الأدلة فيها" انتهى باختصار .
    "بيان الدليل على بطلان التحليل" (ص 210-211) .
    وقال أيضاً :
    " مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/207) .
    - وقال ابن القيم رحمه الله :
    "وقولهم : "إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها" ليس بصحيح . . . ثم ذكر كلام شيخ الإسلام المتقدم ، ثم قال :
    وكيف يقول فقيه : لا إنكار في المسائل المختلف فيها ، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟! وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مَسَاغ لم تنكر على مَنْ عمل بها مجتهداً أو مقلداً . . .
    والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها كثير، مثل كون الحامل تعتد بوضع الحمل، وأن إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول، وأن الغسل يجب بمجرد الإيلاج وإن لم ينـزل، وأن ربا الفضل حرام ، وأن المتعة حرام، وأن النبيذ المسكر حرام، وأن المسلم لا يُقتل بكافر، وأن المسح على الخفين جائز حضراً وسفرا، وأن السنة في الركوع وضع اليدين على الركبتين دون التطبيق، وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة، وأن الشفعة ثابتة في الأرض والعقار، وأن الوقف صحيح لازم، وأن دية الأصابع سواء، وأن يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم، وأن الخاتم من حديد يجوز أن يكون صَدَاقاً، وأن التيمم إلى الكوعين (مفصل الكف) بضربة واحدة جائز، وأن صيام الولي عن الميت يجزئ عنه، وأن الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، وأن المحرم له استدامة الطيب دون ابتدائه، وأن السنة أن يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأن خيار المجلس ثابت في البيع، وأن المصَراة يرد معها عوض اللبن صاعاً من تمر، وأن صلاة الكسوف بركوعين في كل ركعة، وأن القضاء جائز بشاهد ويمين، إلى أضعاف ذلك من المسائل، ولهذا صرح الأئمة بنقض حكم مَنْ حكم بخلاف كثير من هذه المسائل، من غير طعن منهم على من قال بها.
    وعلى كل حال فلا عذر عند الله يوم القيامة لمن بلغه ما في المسألة من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها إذا نَبَذَها وراء ظهره" انتهى .
    "إعلام الموقعين" (3/ 300-301).
    - وقال ابن قدامة المقدسي: " لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه، فإنه لا إنكار على المجتهدات " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/186) .
    - قال النووي في "شرح مسلم" :
    " قال العلماء : لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِض عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِذَا لَمْ يُخَالِف نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا " انتهى .
    - وقال الشوكاني :
    "هذه المقالة –أي لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سدّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما بالمثابة التي عرفناك، والمنـزلة التي بيّناها لك، وقد وجب بإيجاب الله عز وجل، وبإيجاب رسوله صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفاً، وينهى عما هو فيهما أو في أحدهما منكراً.
    وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك، فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولاً، ثم على العامل به ثانياً.
    وهذه الشريعة الشريفة التي أُمِرْنا بالأمر بمعروفها، والنهي عن منكرها، هي هذه الموجودة في الكتاب والسنة" انتهى من "السيل الجرّار" (4/588).
    - وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ردًا على من قال: "المسائل الخلافية لا إنكار فيها" .
    " لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق ، ذهب الدين كلّه حين تتبع الرخص لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس . . .
    المسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين؛ قسم : مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى أن الخلاف ثابت حقاً وله حظ من النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد، أما عامة الناس، فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم، لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي : أي قول يمرُّ عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة ، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : "العوام على مذهب علمائهم" . . .
    القسم الثاني من قسمي الخلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه لأنه لا عذر له" انتهى باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (49/192-193) .
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    قال الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب:
    "فإن أراد القائل مسائل الخلاف ، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة،
    فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائناً من كان ،
    ولو كان أعلم الناس وأتقاهم،
    وإذا كان الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه، وترك ما خالفه؛
    فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه،
    وإن أريد بمسائل الاجتهاد :
    مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب فهذا كلام صحيح،
    ولا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه أو لعادة الناس،
    فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم ، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم ،
    وهذا كله داخل في قوله تعالى :
    (ولا تقف ما ليس لك به علم)
    " انتهى من "الدرر السنية" (4/8).

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    يجبُ على المسلمِ أن يعتصم بحبل الله،
    فيتمسكُ بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في العلم وفي العمل،
    وفي الحكم بين الناس،
    قال تعالى:((إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدٌّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهلِهَا وَإِذَا حَكَمتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحكُمُوا بِالعَدلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)) (النساء: 58).

    وقال تعالى:
    ((وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا)) (الأنعام: من الآية152).

    فالواجب على المسلم أن يعتصم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
    وأن يعدل في حكمه وفي قوله،
    فلا يتعصبُ لرأيهِ الشخصي،
    لا يتعصبُ لرأي إمامٍ, ينتسبُ إليه،
    ولا يتعصبُ لرأي أحدٍ, من الناس كائناً من كان،
    بل عليه أن يعرضَ ما يبدو لهُ من آراء وما يردُ عليه من آراءٍ, وأقوال الناس،
    يُعرضُ ذلك على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -،
    وهذا تطبيقٌ لقوله سبحانه:
    ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ, فَرُدٌّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً))

    إذا فيجبُ على المختلفين أنفسهم أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
    فإنَّ الردَّ إلى كتاب الله: هو الردٌّ إلى القرآن،
    والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يكون إليه في حياته،
    وإلى سنته صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته.

    وكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قائمان إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى،
    وهما حجة الله على عباده،
    يجب الرجوع إليهما عند التنازع،
    قال الله تعالى: ((وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ, فَحُكمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ)) (الشورى: 10).

    وهذا إنما يقدر عليه من له بصر بالكتاب والسنة وعلم بنصوصهما، وفهمٌ لدلالتهما
    ومن لو يتوفر له ذلك فعليه أن يرجع إلى من يثق بعلمه ودينه،
    فيقتدي به ويهتدي ببيانه،
    قال الله تعالى: ((وَمَا أَرسَلنَا قَبلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيهِم فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ)) (الأنبياء: 7).

    إذن الخلاف الذي بين أهل السنة والجماعة وغيرهم
    يجبُ أن يعلم المسلم أنَّ الحق بيّن،
    فالحق هو ما درج عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان،
    وهذه الفرق المخالفة معها حق وباطل،
    فالواجب نحوها قبول ما معها من الحق ورد ما معها من الباطل،
    وقد أوضح ذلك العلماء،
    وهذا من تحقيق العدل والإنصاف
    أن تعترف لخصمك بما معه من الحق، وأن ترد ما معه من الباطل،
    فتنصفه حينئذ وألا تظلمه، ولا تحملهُ ما لا يستحق من الذم والبغض فضلاً عن العقاب،
    فإنَّ العدل واجب في كل الأحوال،
    فيجب العدل في الحكم بين المسلم والكافر،
    وبين السني والمبتدع،
    وبين المطيع والعاصي،
    بقبول الحق ممن أتى به إذا قامت براهينه واتضحت معالمه.

    وكما ذكرت أن كل ما خالفت فيه فرق الأهواء أهل السنة والجماعة فقد عُلِم أنه باطل،
    فإنَّ هذه الفرق توافق أهل السنة في أشياء،
    فما وافقت فيه أهل السنة فهو حق مقبول،
    وما خالفت فيه أهل السنة فهو مردود.

    أما الخلاف الذي يكون بين أهل السنة في المسائل العملية
    فهو جار على ما ذكرت.
    إما أن يكون اختلاف تنوع.
    أو اختلاف تضاد،


    وفي هذه الحال:
    إما أن يكون المصيب معلوماً لقيام الدليل على صحة قوله.

    وإما أن لا يتوفر ذلك،
    وإذا كان هذا الاختلاف من النوع الذي يتبينُ فيه صواب أحد الفريقين
    فإنَّ هذا هو الذي يقولُ فيه أهل العلم: إنَّهُ لا إنكار في مسائل الخلاف،
    فإنَّ من الخلاف ما يتبينُ فيه خطأ أحد القولين وصواب الآخر،
    وحينئذٍ, ينكرُ الخطأ المخالف للدليل ويرد على صاحبه،
    وإن كان هو في نفسهِ معذوراً
    لأن المخالف للدليل والمخالف للحق من المجتهدين، قد يكون له عذر،
    بل هناك أعذار بيّنها أهل العلم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه – في رسالته المشهورة: رفع الملام عن الأئمة الأعلام
    ذكر أنَّ الإمام قد يخالفُ الدليل
    إما لكونه لم يبلغه أصلاً.

    أو بلغه ولكن لم يثبت عنده، لأنَّه وصل إليه من طريقٍ, ضعيف.
    أو ظن معارضة دليل له، ظنهُ ناسخاً له مثلاً،
    فيكون معذوراً لما عرض له من هذه الأعذار

    فواجب المسلم أن يكون دائراً مع الحق،
    طالباً للحق،
    متحرياً للحق،
    متبعاً للهدى لا للهوى،
    لا يتعصب لفلان ولا فلان،
    وإنما يؤتي المختلفون من أهل السنة مثلاً من تعصب بعضهم كما يجري بين المنتسبين للمذاهب الأربعة،
    لا ضير في الانتساب إلى الأئمة والاقتداء بهم والاستنارة بأقوالهم والاستفادة منهم،
    ولا بأس في ذلك بل هذا هو الذي ينبغي أن يستفيد اللاحق من السابق في فهمه ومن بيانه
    ولكن المذموم أن يتعصب التابع للمتبوع،
    وأن يقلد القادر على الاستدلال،
    فيأخذ بقول العالم من غير أن يعرف حجته، مع قدرته على معرفة الدليل.

    فالواجب هو إتباع الدليل، واحترام العلماء.
    والناس في العلماء ثلاثة أقسام:

    * القسم الأول:
    فريق يستخفُ بالعلماء ولا يعرف لهم قدرتهم، ولا ينتفعُ بأقوالهم، ولا يستنيرُ بأفهامهم وبيانهم، بل هو مغرورٌ بنفسه كما حصل ويحصل من بعض المنتسبين لطلب العلم، والمنتسبين مثلاً للأخذ بالدليل، وهذا تفريط منهم وإفراط.

    * القسم الثاني:
    فريق يغلو في العلماء، فكل جماعة تتخذ لها إماماً لا تعرف إلاَّ أقواله، ولا تعتد بأقوال سواه، ولا تنظرُ في كتابٍ, ولا سنة، وهذا إفراطٌ في تعظيم العلماء وتفريط فيما يجب من الاعتصام بالكتاب والسنة.

    * القسم الثالث:
    فريق توسطوا
    فجعلوا الحَكَم هو الكتاب والسنة وجعلوا التحاكم إليهما وآمنوا بأن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -،
    كما أرشد إلى ذلك الأئمة أنفسهم،
    فابن عباس – رضي الله عنهما – ينكر على الذين يتعصبون لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويقول: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر.

    فكيف بمن عارض كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بقول من دون أبي بكر وعمر بكثير كثير.
    فالواجب المسلم أن لا يدين بالإتباع المطلق والطاعة المطلقة إلاَّ للرسول صلى الله عليه وسلم لكن مع معرفة أقدار الصحابة وأقدار العلماء،
    وإنزال كل منزلته،
    مع معرفة الإنسان لقدره،
    وقد قيل: ((رحم الله امرأً عرف قدر نفسه)). منقول

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    قال ابن عثيمين رحمه الله
    الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد: أن اختلاف التضاد لا يمكن الجمع فيه بين القولين؛ لأن الضدين لا يجتمعان.
    واختلاف التنوع يمكن الجمع فيه بين القولين المختلفين؛ لأن كل واحد منهما ذكر نوعاً، والنوع داخل في الجنس، وإذا اتفقا في الجنس فلا اختلاف.
    وعلى ذلك فاختلاف التضاد معناه أنه لا يمكن الجمع بين القولين لا بجنس ولا بنوع، ولا بفرد من باب أولى، واختلاف التنوع معناه أنه يجمع بين القولين في الجنس ويختلفان في النوع ، فيكون الجنس اتفق عليه القائلان ولكن النوع يختلف، وحينئذ لا يكون هذا اختلافاً ؛ لأن كل واحد منهما ذكر نوعاً كأنه على سبيل التمثيل.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    أسباب اختلاف التضاد :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ( مجموع الفتاوى 20/231)
    وجميع الأعذار ثلاثة أصناف :

    أحدها :
    عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله
    والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول
    والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ
    وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع على أسباب متعددة :
    السبب الأول : أن لا يكون الحديث قد بلغه
    والسبب الثاني : أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده
    السبب الثالث : اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره
    السبب الرابع : اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره
    السبب الخامس : أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه ، وهنا يرد في الكتاب والسنة
    السبب السادس : عدم معرفته بدلالة الحديث
    السبب السابع : اعتقاده أن لا دلالة في الحديث والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة ، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست صحيحة
    السبب الثامن : اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل عل أنها ليست مراده
    السبب التاسع : اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله إن كان قابلاً للتأويل بما يصلح أن يكون معارضاً بالاتفاق
    السبب العاشر : معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضاً أو لا يكون في الحقيقة معارضاً راجحاً
    ..... انتهى مختصراً من رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    اختلاف تنوع، واختلاف تضاد
    .اختلاف التنوع المقصود به الاختلاف الذي يتعدد فيه القول والرأي على وجه شرعي،
    الاختلاف الذي كله سائغ،
    الاختلاف في الأمور الاجتهادية التي يسع فيها الخلاف،
    ويتنازع فيها في فهم الأدلة، وتكون فيها الأدلة أو الدلالة الاجتهادية غير واضحة،
    سواء دلالة المفهوم، أو دلالة المنطوق، أو دلالة اللغة، أو التقييد، أو النسخ إلى آخره،
    كل هذه الأمور تسمى اختلاف تنوع،
    أي: أن المسلمين عندما اختلفوا فيها،
    اختلفوا عن اجتهادات لها أصول في الشرع على ضوء الأدلة،
    بخلاف النوع الثاني الذي هو اختلاف التضاد،
    واختلاف التضاد:
    هو الاختلاف في أصول الدين، في قضايا العقيدة، في القطعيات،
    الاختلاف فيما يخالف الدليل القطعي،
    وفيما يخالف الدليل الصريح،
    سواء كان في الفروع فيما يتعلق بالأحكام، إذا كان الخلاف لا يوجد له مبرر،
    أو كان في العقائد وهو الأغلب،
    فأغلب صور اختلاف التنوع الاجتهادية في الأحكام،
    وأغلب صور اختلاف التضاد في العقائد،
    ومع ذلك يوجد اختلاف التضاد في الأحكام،
    مثل: خلاف الشيعة في مسألة المسح على الخفين، وخلافهم في غسل الرجلين،
    حيث قالوا: المشروع مسح الرجلين، هذا داخل في الفروع، لكن أصبح من اختلاف التضاد؛ لأنهم خالفوا النصوص الصريحة، رغم أنه في الفقه.-شرح الطحاوية لناصر العقل

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    هل مسائل العقيدة فيها خلاف سائغ ؟
    مسائل العقيدة منها ما يسوغ فيه الخلاف، وهو قليل، ويعتبر من فروع العقيدة، ومنها ما لا يسوغ فيه الخلاف، وهو الأصل، وهذا يرجع إلى ظهور أدلة المسائل وخفائها.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يمكن أن نقول: إن جميع مسائل العقيدة يجب فيها اليقين؛ لأن من مسائل العقيدة ما اختلف فيه العلماء رحمهم الله، وما كان مختلفا فيه بين أهل العلم فليس يقينيا؛ لأن اليقين لا يمكن نفيه أبدا.
    فمثلا اختلف العلماء رحمهم الله في عذاب القبر؛ هل هو واقع على البدن أو على الروح؟
    واختلف أيضاً العلماء رحمهم الله أيضاً في الذي يوزن؛ هل هي الأعمال أو صحائف الأعمال أو صاحب العمل؟
    واختلف العلماء رحمهم الله أيضاً في الجنة التي أُسكنها آدم؛ هل هي جنة الخلد أم جنة في الدنيا؟
    واختلف العلماء رحمهم الله أيضاً في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه؛ هل رآه بعينه - يعني في الحياة - أم رآه بقلبه؟
    واختلف العلماء رحمهم الله في النار؛ هل هي مؤبدة أم مؤمدة؟
    وكل هذه المسائل من العقائد، والقول بأن العقيدة ليس فيها خلاف على الإطلاق غير صحيح، فإنه يوجد من مسائل العقيدة ما يعمل فيه الإنسان بالظن.
    فمثلا في قوله تعالى في الحديث القدسي: (من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذارعا) ، لا يجزم الإنسان بأن المراد بالقرب القرب الحسي، فإن الإنسان لا شك أنه ينقدح في ذهنه أن المراد بذلك القرب المعنوي.
    وقوله تعالى: (من أتاني يمشي أتيته هرولة) هذا أيضاً لا يجزم الإنسان بأن الله يمشي مشيا حقيقيا هرولة، فقد ينقدح في الذهن أن المراد الإسراع في إثابته، وأن الله تعالى إلى الإثابة أسرع من الإنسان إلى العمل، ولهذا اختلف علماء أهل السنة في هذه المسألة، بل إنك إذا قلت بهذا أو هذا فلست تتيقنه كما تتيقن نزول الله عز وجل، الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) ، فهذا ليس عند الإنسان شك في أنه نزول حقيقي، وكما في قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه: 5) فلا يشك إنسان أنه استواء حقيقي.
    والحاصل : أن مسائل العقيدة ليست كلها مما لابد فيه من اليقين؛ لأن اليقين أو الظن حسب تجاذب الأدلة، وتجاذب الأدلة حسب فهم الإنسان وعلمه. فقد يكون الدليلان متجاذبين عند شخص، ولكن عند شخص آخر ليس بينهما تجاذب إطلاقا، لأنه قد اتضح عنده أن هذا له وجه وهذا له وجه، فمثل هذا الأخير ليس عنده إشكال في المسألة بل عنده يقين، وأما الأول فيكون عنده إشكال وإذا رجح أحد الطرفين فإنما يرجحه بغلبة الظن.
    ولهذا لا يمكن أن نقول إن جميع مسائل العقيدة مما يتعين فيه الجزم ، ومما لا خلاف فيه؛ لأن الواقع خلاف ذلك، ففي مسائل العقيدة ما فيه خلاف، وفي مسائل العقيدة ما لا يستطيع الإنسان أن يجزم به، لكن يترجح عنده.
    إذا هذه الكلمة التي نسمعها بأن مسائل العقيدة لا خلاف فيها، ليس على إطلاقها؛ لأن الواقع يخالف ذلك" انتهى من "شرح العقيدة السفارينية" (1/ 307).
    وينظر للفائدة : "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (19/204) وما بعدها ، "منهاج السنة النبوية" (5/84) وما بعدها .
    ثانيا:
    ضابط ما يسوغ فيه الخلاف من المسائل العلمية والعملية:
    1. أن لا يكون في المسألة دليل صريح من الكتاب أو السنَّة أو إجماع متحقق .
    وما لم تكن المسألة فيها نص من الوحي أو إجماع منعقد: فستكون مبنية على النظر والاجتهاد ، والعلماء ليسوا سواسية في هذا الباب ، وقد وهب الله تعالى لبعضهم ما لم يهبه لغيره من قوة النظر والقدرة على الاستنباط .
    ولا فرق في هذا بين مسائل العقيدة ومسائل الفقه ، وأكثر ما يقع فيه الخلاف والعفو عنه هو دقيق مسائل العلم ؛ لأنه يندر إجماع العلماء على هذه الدقائق .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمَّة وإن كان ذلك في المسائل العلمية ، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمَّة " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 165 ).
    2. أن تكون المسألة فيها نص صحيح ، لكنه غير صريح في الدلالة على المراد .
    ووقوع الخلاف هنا في الفهم الذي جعله الله تعالى متفاوتاً بين الخلق .
    3. أن تكون المسألة فيها نص صريح في الدلالة لكنه متنازع في صحته، أو يكون له معارض قوي من نصوص أخرى .
    مع التنبيه أن الخلاف السائغ المقبول : هو ما كان صادراً من أهل العلم والدين ، وأما العامة ، وأشباههم ، فلا قيمة لخلافهم ، ولا عبرة بفتواهم أصلا .
    ثالثا:
    من أهل العلم من لا يرى خلافا حقيقيا بين الصحابة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج.
    قال ابن القيم رحمه الله: "وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له : إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك .
    وشيخنا [أي ابن تيمية] يقول: ليس ذلك بخلاف في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه ، وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال: إنه رآه عز وجل ، ولم يقل بعيني رأسه، ولفظ أحمد لفظ ابن عباس رضي الله عنهما.
    ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر رضي الله عنه ، قوله في الحديث الآخر: (حجابه النور) ؛ فهذا النور ، هو - والله أعلم - النور المذكور في حديث أبي ذر رضي الله عنه: (رأيت نورا) " انتهى من اجتماع الجيوش الإسلامية (1/ 12).
    والحاصل :
    أنه لا يصح الإطلاق بأن المسائل العقدية فيها خلاف سائغ، ولا العكس، والصواب أن أكثر المسائل العقدية لا خلاف فيها، وإنما الخلاف في بعض الفروع الدقيقة التي لا نص فيها، أو فيها نص غير صريح. المصدر الاسلام سؤال وجواب

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    الحق واحد ولا يتعدّد:
    فهذه قاعدة من أهم القواعد التي تحفظ الحق؛ لأن أهل الباطل لما فشلوا في طمس الحق، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف: 8]، لم يبقَ أمامهم إلا التلبيس، محاولة خلط الحق بغيره.
    ومن أعظم السبُل الشيطانية القول بإبطال تفرّد الحق، وهذه المسألة الآن في هذا الزمان هي معترك في الحقيقة، عندما يأتي من يقول مثلاً: من قال أنكم على الحق؟، ومن قال أن الحق واحد أصلاً؟
    الحق نسبي؛ يعني: أنت عندك نسبة، وأنا عندي نسبة، وهذا عنده نسبة، وأهل الأرض كل واحد عنده نسبة من الحق، فالحق نسبي، وليس هناك حق واحد كامل.
    وهذه كارثة كبرى؛ لأننا إذا رضينا بهذا الكلام كان اليهود عندهم حق، والنصارى عندهم حق، والبوذيين عندهم حق، والقاديانية عندهم حق، والرافضة عندهم حق، وكل واحد عنده جزء من الحق، وانتهى الأمر، فلا أحد ينكر على أحد، وضاعت القضية.
    ولذلك لا بد من الانتباه إلى المؤامرة الخطيرة في ادعاء أن الحق ليس محصوراً، وأنه ليس واحداً، وليس مجموعاً في شيء واحد، فنحن نقول: إن الحق واحد، وهو صراط الله المستقيم، الذي أُمرنا بالتمسك به، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
    فأفرد الله الصراط، وجمع السبُل، وأمرنا أن نسأله ذلك في كل صلاة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[الفاتحة: 6 - 7] فهو احد، وقال : قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [الحجر: 41].
    قال ابن القيم -رحمه الله-: "والمقصود أن طريق الحق واحد إذ مرده إلى الله الملك الحق، وطرق الباطل متشعبة، ومتعددة" [بدائع الفوائد: 1/127]. انتهى.
    والله  يُفرد الحق، ويجمع الباطل، كما في قوله : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام: 153]، وجمَع السبل؛ لأن طرق الضلال متشعبة، وكثيرة، ولا حصر لها، وأفرد الحق، والصراط؛ لأنه واحدٌ لا يتعدد.

    قال عبد الله بن مسعود  شارحا ذلك بحديث النبي ﷺ:" خط رسول الله ﷺ خطّاً بيده، ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خطّ عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل، وليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأأ النبي ﷺ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، بعد ذلك قال: "ثمّ خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السُبل، وليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [رواه أحمد: 4142، وابن حبان: 7، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان 1/147]. والحديث رواه أحمد، وابن حبان، وهو حديث حسن صحيح.
    وسأل رجل ابن مسعود : ما الصراط المستقيم؟، فقال: تركنا محمد ﷺ في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، جمع جادّة، يعني: الطريق، عن يمينه جواد يعني: طرق، وعن يساره جوادٌ، وثَمَّ رجال يدعون من مرّ بهم، فمن أخذ في تلك الجواد، يعني: الطرق الجانبية هذه انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ هذه الآية، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ. [تفسير الطبري: 9/671].
    فطريق الحق واحد، وهو طريق الله، وهو طريق الهداية، وهو طريق الإسلام، وهو طريق الاستقامة، وسبُل الضلال كثيرة خبيثة، وقد قال تعالى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة: 100].
    وقد يشكل على البعض جمع السُّبل في قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69]، فما هو الجواب؟
    الجواب: أن السبل هنا ليس المقصود بها المنهج، الصراط الأصلي المستقيم، الإسلام، التوحيد، وإنما المقصود بها سبل الخير، يعني: مثل ما نقول: الإيمان بضع وسبعون شعبة [رواه مسلم: 161]، شُعب الإيمان، فإذاً سبل الخير، وشعب الإيمان طبيعي أن تتعدد.
    نقول مثل ذلك: الصلاة سبيلٌ إلى الجنة، والزكاة سبيلٌ، وبر الوالدين سبيلٌ، والإحسان إلى الجار سبيلٌ، والنكاح بالمعروف سبيلٌ، والإصلاح بين المتخاصمين سبيلٌ، والسكوت عن الشر، والسكوت عن قول الباطل، والسكوت عن إيذاء الآخرين سبيلٌ، ويمسك عن الشر، يعني: صدقة، وعدد لك من أنواع المعروف، وطرق الخير.
    فلو قال واحد، يعني: مَن سلك سبيلاً يلتمس فيه علماً [رواه مسلم: 7028]، والسبل إلى التعلم كثيرة، فمنها مثلاً:
    الذهاب إلى العلماء، وثني الركب عندهم، ومنها القراءة في الكتب، ومنها سماع الأشرطة، ومنها السؤال بالهاتف، ونحو ذلك، السبل إلى تعلم العلم كثيرة.
    إذاً، ليس المقصود هنا في حديث: من سلك سبيلاً يلتمس فيه علماً، فالناس تسلك سبلاً للتعلم، أنه هذه تعدد الصراط المستقيم، أو تعدد الحق، لا، الحق المنهج، يعني مثلاً: التوحيد، أن الله واحد، هذا صراط التوحيد واحد وليس هناك غيره.
    الإسلام الذي بعث الله به محمد ﷺ إسلامٌ واحد، وليس إسلامات.
    فإذاً، المنهج الأصل واحد، أما سبُل الخير، وسبُل المعروف، وسبُل التعلم، وسبل الصدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، وإرشاد رجل في أرض الضلال صدقة، وتهدي الأعمى صدقة، وتحمل الرجل متاعه على الدابة صدقة، وتغيث الملهوث صدقة.
    فإذاً، نحن لا نتكلم الآن على سبل المعروف، وسبل الخير، وسبل التعلم، نحن نتكلم الآن على الصراط عند الله المؤدي للجنة، التوحيد، الإسلام، الحق واحد.
    ولا يمكن أن يكون غيره صحيحاً، لا يمكن أن تكون اليهودية حق، والنصرانية حق، والبوذية حق، والهندوسية حق، والشرك بأنواعه الموجود عند الطرق الصوفية، أو عند الرافضة صحيح، والقاديانية، والبهائية، والبابية صحيحة، لا يمكن، هذه أديان وليست سبل معروف، أو طرق خير.
    فإذاً، ما نحن بصدده من ذكر أنه واحد هو الدين، وهو الصراط الموصل إلى الله، وهو منهجه، وسبيله، التوحيد، الإسلام واحد، فالله تعالى هو الإله الحق الواحد، ومن يعبدونه، ويوحدونه هم أهل الحق، والآلهة الأخرى باطلة، وعابدوها على الباطل.

    قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج: 62]، وقال : أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: 39]، ودين الحق واحد، وهو دين الإسلام، وبقية الأديان باطلة، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
    وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ما في إلا واحد دين حق، واحد، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]، والفرقة الناجية أهل السنة والجماعة واحدة، فلا يوجد عدة فرق على الحق، الفرقة الناجية واحدة.
    الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، فرقة واحدة ناجية، والبقية هلكى.
    قال النبي ﷺ: ألا إن من قبلكم مَن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وأن هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة [رواه أبو داود: 4597، وصححه الألباني في السلسلة: 1/404]. رواه أبو داوود وهو حديث صحيح.
    وفي رواية قالوا: "ومن هي يا رسول الله؟، قال: ما أنا عليه وأصحابي [رواه الترمذي: 2641]. رواه الترمذي والحاكم وهو حديث حسن.
    فلو كان الحق متعدداً لما عذَّب الله تلك الفرق، ولما كانت الاثنتين والسبعين في النار، قال عبد الله ابن مسعود : "إنما الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كنتَ وحدك"، [شرح اعتقاد أهل السنة اللالكائي: 1 / 109].
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إن الحق واحد، ولا يخرج عما جاءت به الرسل، وهو الموافق لصريح العقل فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا[منهاج السنة النبوية: 5/190].
    فأهل السنة والجماعة، والطائفة المنصورة واحدة، قال عليه الصلاة والسلام: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس [رواه البخاري: 7460، ومسلم: 5064].
    وقال النبي ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوئهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال[رواه أبو داود: 2484، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 2245]. رواه أبو داود في سننه، وهو حديث صحيح.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص، الخالص عن ماذا؟ قال: عن الشَّوب، يعني: الأخلاط، صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشَّوب، هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون، والشهداء، والصالحون، ومنهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الطائفة المنصورة"، [العقيدة الواسطية: 1/32].
    ولذلك تجد أنت أن منهج ودين، وعقيدة، وطريقة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، والصحابة، وسعيد ابن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وفلان، وفلان واحدة.
    ومنصور، وعلقمة، وإبراهيم النخعي واحدة، والأوزاعي والثوري، وشعبه، واحدة، وأحمد، وإسحاق بن راهوية، والبخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو داوود ابن ماجه واحدة، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي واحدة.

    فلا تجد عندهم اختلاف في العقيدة، فعقيدة أبو بكر الصديق هي عقيدة الأوزاعي، عقيدة الإمام أحمد، هي عقيدة الثوري، عقيدة شُعبة ابن الحجاج هي عقيدة البخاري، عقيدة مالك -رحمه الله-، هي عقيدة من سبقه، من شيخ الإسلام ابن تيمية، الخط واحد، العقيدة واحدة، يختلفون في اجتهادات فقهية، نعم، لكن لا يختلفون في الأصول أبداً، كالإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأركان الإسلام، لا يختلفون في وجوب الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولا يختلفون في مشروعية بر الوالدين، والإحسان إلى الجار، والأخلاق الحسنة ما يختلفون.
    اختلافهم في اجتهادات في مسائل من الفقه من الأحكام لأسباب، منها مثلاً: كما قلنا سابقاً، خفاء الدليل على بعضهم دون بعض، ضعف الدليل عن بعضهم، أو صحة الدليل عند بعضهم دون بعض، طريقة فهم النص عند بعضهم، وطريقة أخرى عند الآخرين، مثلاً: الناسخ والمنسوخ، أيُّ النصين هو الناسخ، وأيُّ النصين هو المنسوخ؟.
    أيُّ النصين هو الخاص، وأيُّ النصين هو العام؟، مثلاً، لكن أصل الدين واحد، موقفهم من صفات الله وأسمائه، واحد، توحيد الألوهية، واحد، ونحو ذلك من الأصول.
    نظريات مبنية على القول بتعدد الحق:
    وهناك نظريات باطلة مبنية على القول بتعدد الحق، وهذه النظريات موجودة من زمان، لكن كل مدة يحيها الأعداء بقوالب وأشكال جديدة، ودعايات جديدة.
    فمن هذه النظريات المبنية على قضية القول بتعدد الحق التي نرفضها رفضاً قاطعاً، ونعتقد بطلانها، وخلافها لدين الله، وكتابه، وسنة نبيه ﷺ.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    هل كل مجتهد مصيب ؟،
    إذا كان قائلها يقصد أن كل مجتهد في الأقوال الفقهية، يعني: في ميدان الاجتهاد الفقهي، يعني: المسائل غير المجمع عليها، غير المحسومة، غير القطعية، أنه كل مجتهد في ميدان، مثلاً: الأحكام غير القطعية، غير المجمع عليها.
    مصيب بمعنى: مأجور، نعم، تصح العبارة، لكن إذا قال واحد: كل مجتهد في أمور العقيد، والأديان، والعبادات، والملل والمحن، ولأقوال، وكل المسائل الفقيه، كل واحد، أي قول خرج به فهو مصيب، فهذه كارثة، وكذبة كبرى، وباطل.
    فإذاً، إذا قصد بها أن الحق يتعدد، وكل مجتهد قد أصاب الحق، اليهود أصابوا الحق في طريقتهم، والنصارى أصابوا الحق في طريقتهم، والمسلمون أصابوا الحق في طريقتهم، والبوذيون أصابوا الحق، كل واحد مصيب، كل مجتهد مصيب للحق، وكل عابد لشيء مصيب للحق!.
    كلهم مصيبون للحق، والفرق هذه كلها؛ كلها الرافضة، القاديانية، التيجانية النقشبندية، الرفاعية كلها مصيب للحق.
    نقول: لا. تساوون الكفر بالإسلام، تساوون الشرك بالتوحيد، تساوون السنة بالبدعة، وحتى على مسالة الأحكام الفقيه، ما هو كل مجتهد مصيب، بمعنى: أن أي مسالة -مثلاً-، بعضهم اجتهد فأباحها، وبعضهم اجتهد فحرمها أنه كلاهما مصيب.
    لا، الحق عند الله واحد، وهذه الأحكام الفقية حتى التي يجتهد فيها العلماء، الحق عند الله واحد، يعني: الله إما أن يكون أباحه، وإما أن يكون حرمه، لا يمكن أن الله يبيح ويحرم الشيء الواحد في وقت واحد، لا يمكن.
    فلو اجتهد العلماء حتى في مسائل الفقه الاجتهادية، فخرجوا بأقوال، ما أبد الحق عند الله واحد، لكن الذي عنده أهلية الاجتهاد، لا يأثم، مأجور لاجتهاده، والذي اجتهد وأصاب له أجران، أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، والذي اجتهد وأخطأ له أجر واحد، أجر الاجتهاد، وإلا فإن الصواب والحق في المسألة عند الله واحد.
    يعني مثلاً: زكاة الحلي عند الله، إما أنها واجبة، أو غير واجبة، لا يوجد قولين غيرهما، حتى في المسائل الاجتهادية عند الله لمس المرأة ينقض الوضوء، ولا لا ينقض الوضوء؟ خلاص مسعى الحق واحد.
    قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية مثلاً، الحق عند الله واحد، إما أنه يجب، أو لا يجب، لكن هذه مسائل الله بحكمته أراد أن يجتهد العلماء، تتفاوت الأنظار، وتدور الأفكار، وكل واحد يحاول إصابة الحق، يتفاوتون في الأجور بناء على ذلك.
    وهذا أصاب الحق في كذا وكذا مسألة، يكون أرفع رتبة عند الله ممن أصاب في مسائل أقل أصاب فيها الحق، يعني: الله يفاوت بين الناس في درجات الجنة، ويفاوت بين العلماء، فإذا إذا كان مراد القائل أن الحق يتعدّد، وأن كل مجتهد قد أصحاب الحق الذي هو حكم الله، فهذا قول باطل؛ لأن هذا يستلزم الجمع بين الضدين.

    وهذا لا يمكن، ولو قال مالك -رحمه الله- في مسألة: أنه مباح، وقال أحمد في مسألة: أنه محرم، أو العكس، ولو قال الشافعي في مسألة النكاح: أنه بلا ولي باطل باطل، وقال أبو حنيفة مثلاً: هو صحيح مثلاً في نكاح الثيب بلا ولي، فعند الله قطعا الحق واحد.
    يا أن يكون النكاح عند الله بلا ولي صحيح، أو يكون باطل، لا يمكن أن يكون صحيح وباطل مع بعض، ما يمكن، ما يمكن، فإما أن يكون الشافعي قد أصاب الحق، الذي هو واحد عند الله, وإما أن يكون أبو حنيفة هو الذي أصابه.
    قال الإمام قدامه -رحمه الله-: "الحق في قول واحد من المجتهدين, ومن عداه مخطئ، سواء كان في فروع الدين, أو أصوله، لكن إن كان من فروع الدين مما ليس فيه دليل قاطع من نص, أو إجماع، فصاحبه معذور من غير إثم، فقط، لكن لا أنه أصاب الحق، معذور من غير إثم, وله أجر على اجتهاده". [روضة الناظر وجنة المناظر: 2/347].
    إذاً، في مسائل الاعتقاد, أو مسائل الدين الأصلية لا يمكن أن يُقبل التعدد، لا يمكن أن يقبل الله التعدد في مسألة هل الله واحد، أولا اثنين؟.
    لا يمكن أن يقبل التعدد في مسألة هل تصرف كل أنواع العبادة لغير الله، ولا يمكن صرف بعضها لغيره؟
    لا يمكن أن تقبل مسألة أن الصلاة واجبة أو غير واجبة، لا يمكن، لا يمكن أن يقبل خلاف في تحريم الزنا، ولا تحريم الربا، فهذه القطعيات، المسائل المجمع عليها، هذه الحق فيها معروف، واضح للجميع، ولا يُقبل الخلاف فيها أبدا، والمخالف فيها لا يُقال: له أجر، ولا مجتهد، يعني: معذور، لا، بل مأزور، ضال.
    المسائل التي يقبل فيه الخلاف، ومع ذلك الحق فيها واحد، مثل: فروع الفقه غير المحسومة في الكتاب والسنة، التي فيها النظر والاجتهاد، زكاة الحلي واجب على المرأة، أم لا؟
    هذه من المستعملات ليس فيها زكاة، لا هذه من المستعملات في زكاة، هذه مسائل اجتهادية، ومع ذلك الحق فيها واحد، ولكن المجتهد فيها دائر بين الأجر و الأجرين، أما أن يكون أصاب الواحد عند الله، أصابه، فهو مأجور، وله أجران؛ أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، وإما أن يكون قد أخطأ الحق عند الله في المسألة، فيكون مأجور باجتهاده أجراً واحدا.
    ماذا نقول في الاجتهاد الناشئ عن اختلاف التنوع؟، يعني مثلا: التحيات وردت بكذا صيغة، دعاء الاستفتاح ورد بكذا صيغة، الصلاة الإبراهيمية وردت بكذا رواية، خلص، المجتهد في هذه كل مصيب، لماذا؟


    لأنهم ما اختاروا إلا ما ورد، وهذا اختلاف تنوّع، مَن اختار هذه الصيغة يُؤجر، ومن اختار هذه الصيغة يُؤجر، ومن اختار هذه الصيغة يؤجر، وهذا ليس موضوعنا أصلاً، ولكن لتكملة القسمة.
    إذاً، ذكرنا أول مثال على القواعد الضالة، أو المناهج الضالة في مسألة الحق والباطل، وحدة الأديان، وثانيا: عبارة كل مجتهد مصيب، وبيناها.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفرق بين اختلاف التنوع والتضاد والتفصيل فى حكم الانكار على المخالف

    سئل ابن عثيمين رحمه الله هل كل مجتهد مصيب ؟
    الصواب ليس كل مجتهد مصيب الصواب أنه ليس كل مجتهد مصيباً قطعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ) وهذا نص صريح في أن المجتهد قد يصيب وقد يخطئ ثم كيف نقول إن كل مجتهد مصيب مع تضاد القولين! وهل هذا إلا جمع بين الضدين لذلك هذا القول أن كل مجتهد مصيب قول باطل في الواقع نعم كل مجتهد مصيب في كونه اجتهد وعمل ما يسعه بإدراك الحق فهو مصيب من هذه الناحية وأما كونه مصيبا للحق الذي عند الله فليس كذلك ليس كل مجتهد مصيبا .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •