تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: العلاقة بين صلاة الفجر والنصر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,509

    افتراضي العلاقة بين صلاة الفجر والنصر

    العلاقة بين صلاة الفجر والنصر (1)



    أهمية صلاة الفجر:
    صلاة الفجر دليل دامغ على قوة المسلم، فمَن أراد أن يعرف قوته فلينظر في نفسه.

    صلاة الفجر تربِّي الرجال، تمحِّص المذنبين، تبنِي أمة على قواعد متينة، تؤسِّس مجتمعًا طاهر القلب وصافي الفطرة، تجعل المسلم في بصيرة إلى يوم الدين، تجعله فطنًا لكل ما يدور في دنيا تغيِّب العقول، تثبت النفس من زيغ العيون، تغذي القلوب بأنوار الرضا، تقوي العقول بسواعدَ من تُقى، تجعل الصدور مستعدَّة لأقدار الحكيم.

    صلاة الفجر تقضي على شهوات النفس بمحبة الخالق، وتستدعي ذكريات الماضي، وتمحو الذنوب، وتسير مع الحاضر بخلق الصالحين، وتستقبل المستقبل بطمأنينة القنوع.

    صلاة الفجر كانت يومًا على المنافقين دليلاً، إنها عبادة الصادقين، وسبيل المؤمنين، وطريق المخلِصين، إن الرجال لن يكونوا رجالاً إذا كانوا بعيدين عن الفجر، إن رجال الفجر هم الذين يمهِّدون الطريق إلى النصر، إن رجال الفجر يسطِّرون تاريخًا لن ينساه القاصي والداني، إن رجال الفجر يَكتُبون هذا التاريخ بدماءٍ طاهرة ونقية، إن رجال الفجر ينتظرون أمر الجهاد، ينتظرون التضحية بأغلى ما يملكونه، ينتظرون لقاء العدو، ينتظرون إحدى الحسنيين، إما النصر، وإما الشهادة.

    صلاة الفجر طريق المحبين إلى رب العالمين؛ لذلك فإن صلاة الفجر تعتبر من أهم الصلوات وأفضلها؛ فهي الجامعة لكل الفضائل، فقد جاءتْ مع صلاة العصر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلى البَرْدَينِ دخل الجنة»؛ البردان هما صلاة الفجر والعصر، وجاءت مع صلاة العشاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومَن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»، وقال أيضًا: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوهما ولو حبوًا».

    إن صلاة الفجر من أفضل الصلوات؛ فقد أخرج البيهقي بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة»، وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية صلاة الفجر وأفضليتها على سائر الصلوات؛ فهي على حد اجتهادي أمُّ الصلوات، والله أعلم.

    العلاقة بين صلاة الفجر والنصر:
    العلاقة هنا معنوية وحسية، وكلها بشائر للمؤمن في الدنيا والآخرة، وهذه العلاقة تظهر جليًّا من خلال السطور التالية:
    1- الإيمان:
    قال - تعالى -: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، فالله - تعالى - وعد المؤمن بالنصر، وإذا نظرنا لصلاة الفجر وجدنا أنها طريق للنصر؛ لأنها تربِّي الإيمان في القلوب، بل هي مدرسة يتخرَّج فيها المؤمنون، فلو صلَّينا الفجر لأصبحنا مؤمنين، وبالتالي يأتي النصر بموعود الله - تعالى - والدليل على أن صلاة الفجر لا يصلِّيها إلا المؤمن فقط، ما جاء في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوهُما ولو حبوًا»؛ (متفق عليه)، فالمنافقون لا يصلُّون الفجر، بل المؤمنون هم الذين يصلون الفجر، وقد قال عبدالله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: (وما يتخلف عنها إلا المنافق، وما يزال الرجل بخير - ونظن فيه الخير - ما زال مواظبًا على صلاة الفجر، فإذا تخلف دارت حوله الظنون، وحامت حوله الشبهات)، فصلاة الفجر دليل على إيمان المسلم، وعلى ذلك فإن الله - تعالى - ناصره، فلو اجتمعت الأمة على صلاة الفجر لكان الله - تعالى - ناصرهم، وقال عبدالله بن عمر - رضى الله تعالى عنه -: (كنَّا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن)، ومن هنا فإن مَن يصلي الفجر فهو مؤمن حقًّا، ومَن كان مؤمنًا حقًّا وجب على الله - تعالى - نصرُه، فإذا حافظنا على صلاة الفجر وجب على الله - تعالى - نصرنا على أعدائنا، وعلى رأسهم إسرائيل.

    ولن يكون ثواب الفجر الفوز على الأعداء فقط، بل الفوز بالجنة أيضًا؛ فعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن صلى البَرْدَين دخل الجنة»؛ (متفق عليه)، والبَرْدَان هما الصبح والعصر، وعن زهير بن عمارة - رضى الله تعالى عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ يعنى الفجر والعصر؛ (رواه مسلم).

    ومن فضل صلاة الفجر النظرُ إلى الله - تعالى؛ فعن جرير بن عبدالله البجلي - رضى الله تعالى عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألاَّ تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا»؛ (متفق عليه).

    وما أنعم شيئًا أعطاه الله - تعالى - للمؤمن أكثر من النظر إلى وجهه الكريم، وهو شرف أجلُّ من أن يخطر ببال، أو يدور في خيال، فأي نعيم، وأي لذة، وأي فوز، وأي قرة عين؟
    أقسم بالله - تعالى - غير حانث، ما كانت الجنة إلا بهذا، ولا نعيم إلا به، فحب النظر إلى الله - تعالى - يدفع المؤمن إلى مجاهدة النفس والأعداء حتى يأتي النصر.

    2- العمل:
    ومن فضل صلاة الفجر على الأمة أن الوقت الذي يعقب صلاة الفجر أكثر الأوقات بركةً في الرزق.

    عن صخر الغامدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»؛ (رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه)، ولهذا يجب على الأمة أن تغتنم هذا الوقت للعمل، حتى تجني ثمار هذه البركة، فالعمل وكثرة المال والعدة طريقٌ إلى النصر، فالنصر لن يأتي إلا بالعمل والجهد، حتى تُصبِح أمَّتنا في عزة وكرامة، ولا تنظر إلى عطاء دول الكفر والضلال، التي لا ترضى لنا الخير، فلن نحتاج إلى هذه الدول إذا أكثرنا من العمل في الزراعة والصناعة خلال هذا الوقت المبارك الذي يعقب صلاة الفجر، ولا بدَّ من استغلال هذه الفرصة لنغتنمَ ثمار بركة الفجر، فلن نحتاج إلى غيرنا إذا كان طعامنا ودواؤنا، وأسلحتنا وصناعتنا من عمل أيدينا، وهذه البركة في كل شيء، وفي كل الأعمال، في التجارة، والزراعة، والقراءة، والحفظ، والسفر، والجهاد؛ لذلك كان صخر الغامدي (راوي الحديث) إذا بعث سرية أو جيشًا بعثَهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجرًا، كان إذا بعث تجارة بعثها أول النهار، فأثرى وكثُر ماله حتى إنه جاء في رواية أحمد: (أن صخرًا كثُر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه).

    ولو لم يستيقظ الإنسان مبكرًا، قام خبيث النفس كسلان، ولأنه قد انتشر التليفزيون، والفيديو، والقنوات الفضائية، والمقاهي، والأندية، كان السهر الطويل والاستيقاظ المتأخرُ سببًا في ضياع وذَهاب البركة، وقلة الإنتاج، فمَن ترك صلاة الفجر يُضرَب عليه الكسل طوال يومه، ويشعر بضيق في صدره، ويصبح خبيث النفس كسلان، وكان الصحابة والسلف إذا بعثوا تجارة بعثوها أول النهار، فكان يكثر مالهم، وأسلحتهم، وعدتهم؛ مما زادهم فخرًا ونصرًا، ومن هنا كان النصر على الأعداء وأولهم إسرائيل.

    3- الجماعة:
    أعظم ثواب لصلاة الفجر الصلاة في جماعة؛ فعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومَن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»؛ (رواه مسلم)، فالصلاة في جماعة لها أربعة أجور:
    الأول: ثواب قيام الليل كله، وما أعظم قيام الليل كله.

    والثاني: أجر الجماعة؛ فعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة»؛ (رواه البخاري ومسلم).

    الثالث: أن الجماعة تجعل من المسلمين صفًّا واحدًا وإخوة؛ حيث إن كل فرد منهم يكون بجوار أخيه في الصلاة، وبعد الصلاة يسأل كل منهم عن حالة أخيه، فيحدث ودٌّ ومحبة وترابط بينهم، ومن خلال هذا الترابط تأتي القوة، ومن القوة يأتي النصر.

    الأجر الرابع: هو ثواب الذهاب إلى المسجد؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوةً إلا رفعت له بها درجة، وحُطَّت عنه بها خطيئته، فإذا صلى لم تزلِ الملائكة تصلِّي عليه ما دام في مصلاَّه ما لم يُحدِث، تقول: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمْه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة»؛ (البخاري ومسلم)، وهذا أجر عظيم وفضل كبير، لا ينبغي للرجل المؤمن العاقل أن يفرِّط فيه، ومِن المؤسف أن الكثير من الناس تركوا هذا الفضل العظيم.

    ومن أجر الذَّهاب إلى المسجد في صلاة الفجر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ (رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم)، "والنور على قدر الظلمة، فمَن كَثُر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة، عظم نوره، وعم ضياؤه يوم القيامة، والمؤمن يعلم أن مقاساة الظلمة هنا هي ثمن النور هناك، وأن سيره في ظلمة الليل إلى المساجد، إنما يدخر الأنوار له ليوم تضيء فيه الصراط فيَعْبُره إلى الجنة، وليست أنوار المؤمنين يوم القيامة على درجة واحدة من الشدة والقوة، بل تتفاوت بتفاوت الإيمان"[1].

    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم مَن يعطَى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم مَن يعطَى نوره فوق ذلك، ومنهم مَن يعطَى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم مَن يعطَى نوره دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر مَن يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويُطفِئ مرة»؛ (رواه الحاكم).

    "مَن خرج يسعى لصلاة الفجر في جماعة أعطاه الله نورًا يوم الظلمات، فإذا كان يوم القيامة تختفي مصادر النور العادية فتُكوَّر الشمس، وتنكدر النجوم؛ كما قال - سبحانه وتعالى -: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 1، 2]، ويبعث الخلق في ظلمة شديدة، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يدَه لم يَكَدْ يراها، وفي ذلك اليوم العصيب المُظلم، يعطي الله - عز وجل - النور لكل مَن أعلن كلمة الإسلام في دنياه، حتى إذا اقترب الجميع من الصراط أبقى الله - عز وجل - النور للمؤمنين الصادقين؛ قال - تعالى -: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِ مْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12]، ويسلب النور من المنافقين، فيقع المنافقون في رعب شديد، فيلجؤون إلى المؤمنين ليعطوهم شيئًا من النور الذي معهم، فيقولون: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13]، فيشير عليهم المؤمنون أن يعودوا إلى المكان الذي أعطاهم الله - عز وجل - فيه النور يوم القيامة: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]، فيعود المنافقون فلا يجدون شيئًا.

    لكن مِن أين أتى المؤمنون بهذا النور العظيم في ذلك اليوم المُظلم؟
    اقرأ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الطبراني - بإسناد حسن - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله ليضيء للذين يتخلَّلون إلى المساجد في الظلام بنورٍ ساطعٍ يومَ القيامة».

    ولا يخفَى أن أنوار المؤمنين تتفاوت يوم القيامة، فليس كل مؤمن يأخذ نورًا مثل الآخر، إنما يأخذون النور بحسب أعمالهم، وهنا يَبْرُز دَور صلاة الفجر؛ حيث يعطي الله بها نورًا تامًّا للمؤمن يوم القيامة.

    وأخرج الطبراني - بسندٍ صحيح - عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن مشى في ظلمةِ الليل إلى المسجد لقي الله - عز وجل - بنورٍ يوم القيامة»، وعند ابن حبان بلفظ: «مَن مشى في ظلمة الليلِ إلى المساجدِ آتاه الله نورًا يوم القيامة».

    وهذا النور الذي تطلبه من الله يضيء لك بصيرتك، حتى تستطيع أن تميز بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، خصوصًا في زمن الفتن، والتي أخبر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم، فقال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المُظلم».

    وفي هذه الفتن المظلمة يرى المؤمن طريقه، فلا يضل ولا يشقى، ويهديه الله - عز وجل - إلى الحكمة فيَعْلَمها ويعلّمها؛ قال - تعالى -: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122]، ونسأل الله - عز وجل - أن ينوِّر لنا دنيانا، وقبورنا، وآخرتنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه"[2].

    وصلاة الجماعة اختلف فيها العلماء، فقال بعضهم: إنها سنة، وقال آخرون: إنها واجبة، فيجب على الإنسان أن يصلِّي مع الجماعة، فإن لم يفعل فهو آثم وصلاته صحيحة، أما القول الثالث فهو أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، وأنه إذا لم يصلِّ مع الجماعة، فصلاته باطلة، ولا تُقبَل منه.

    وهناك أحاديث يستشهد بها على وجوب الصلاة في جماعة؛ كما في الحديث: "أنه أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخِّص له فيصلِّي في بيته، فرخَّص له، فلما ولَّى دعاه، فقال له: «هل تسمع النداء بالصلاة» ؟))، قال: نعم، قال: «فأَجِب»"؛ (رواه مسلم)، وعن عبدالله - وقيل عمرو بن قيس - المعروف بابن أم مكتوم المؤذِّن - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: (يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوامِّ والسباع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، فحَيَّهَلا»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسى بيده، لقد هممت أن آمرَ بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالفَ إلى رجال فأحرِّقَ عليهم بيوتهم»؛ (رواه البخاري ومسلم)، ففي هذه الأحاديث بيان وجوب الصلاة في جماعة.

    4- القوة:
    المؤمن القوي في بدنه، الصحيح في جسده، لا تأخذه لومة لائم، فوقتُ الفجر فيه من الفوائد على البدن ما لا تجده في وقت غيره؛ حيث إن العلماء قالوا بأن نسبة "الكورتيزون" تكون في الدم أعلى ما يمكن وقت الصباح، وأقل ما يمكن وقت المساء، وأن نسبة الأشعة فوق البنفسجية تكون أعلى ما يمكن عند الفجر، وهذه الأشعة تحرِّض الجلد على صنع "فيتامين (د)"، كما أن للون الأحمر تأثيرًا باعثًا على اليقظة، وتكون أعلى نسبة لغاز "الأوزون" في الجو عند الفجر، وتقل تدريجيًّا حتى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي، ومنشط للعمل الفكري والعضلي، ومن هذا المنطلق فإن جسم الإنسان به من القوة ما يساعده على الأخذ بالأعداءفي وقت الحرب وفي ميدان المعركة؛ مما يثبته على عدم الفرار أمام العدو، ومن هنا يأتي النصر على الأعداء، وأولهم (بنو صهيون).


    [1] صفقات رابحة للدكتور خالد أبو شادي.

    [2] أين صلاة الفجر يا أمة الإسلام؟ للشيخ ندا أبو أحمد.
    ______________________________ __________________________
    الكاتب: فتحي حمادة










    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,509

    افتراضي رد: العلاقة بين صلاة الفجر والنصر

    العلاقة بين صلاة الفجر والنصر (2)


    الصبر:
    ولأن القيام إلى صلاة الفجر ثقيلٌ على الإنسان؛ لأنه وقت راحته، كان على المسلم أن يتسم بصفة الصبر، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على فتوَّته وقوته، والصبر ضرورةٌ دنيوية ودينية، فالنصر في الدنيا وأمام الأعداء لا يكون إلا بالصبر، ولا تتحقق الآمال، ولا تسعد الأجيال، ولا تهون الصعاب إلا بالصبر، فلولا الصابرون ما أتى النصر.

    ويعتبر وقت صلاة الفجر أشد الأوقات على الإنسان؛ لذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوهُما ولو حبوًا»؛ (رواه البخاري ومسلم).

    والصبر على صلاة الفجر فيه شيء من المشقَّة على النفس والبدن، وقد حثَّنا الله - تعالى - على الصبر؛ حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200]، وعدم صبر الإنسان على القيام لصلاة الفجر والنوم عنها يهوي به إلى العذاب في الآخرة، (وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في رؤيا رجلاً مستلقيًا على قفاه، وآخر قائمًا عليه بصخرة يهوي بها على رأسه، فيشدخ رأسه فيتدحرج الحجر، فإذا ذهب ليأخذه فلا يرجع حتى يعود رأسه كما كان، فيفعل به مثلما فعل في المرة الأولى، وقد فسَّر جبريل وميكائيل - عليهما السلام - ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))؛ (رواه البخاري)، فعدم الصبر عذابٌ في الآخرة، وذل وإهانة في الدنيا من الأعداء، لذلك كانت صلاة الفجر سببًا للتعوُّد على الصبر الذي يرجع بالنصر على الأعداء.

    فقيام الرجل من نومه في وقت يصعب على النفس؛ حيث إنه وقت الراحة، ووقت يكون الإنسان فيه ضعيفًا ساكنًا جسديًّا وروحيًّا - يعد جهادًا ضد النفس والبدن، والتغلب عليهما نصر، والقيام لصلاة الفجر مجاهدةٌ للشيطان، خاصة وأنه يعقد على قافية رأس الإنسان ثلاث عُقَد؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يعقد الشيطانُ على قافية رأس أحدِكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقدْ، فإن استيقظَ فذكر الله - تعالى - انحلَّت عقدة، فإن توضَّأ انحلت عقدة، فإن صلَّى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإن لا أصبح خبيث النفس كسلان»؛ (رواه البخاري ومسلم)، فانتصار المؤمن على النفس والشيطان طريق للنصر على الأعداء، وعلى رأسهم إسرائيل.

    إن النصر لن يأتي إلا إذا كان عدد المسلمين في صلاة الفجر كعدد المسلمين في صلاة الجمعة؛ لذلك قالت جولدا مائير - رئيسة وزراء إسرائيل -: سننتصر على المسلمين ما دام عدد المصلِّين في صلاة الفجر ليس كعدد المصلين في صلاة الجمعة، فيا مسلمون، ألم يأنِ لكم أن تعلموا أن النصر لن يأتي إلا من صلاة الفجر؟

    وأعجبني ما قاله الشيخ ندا أبو أحمد في (أين صلاة الفجر يا أمة الإسلام؟)، واقرؤوا معي ما كتبه بإخلاص: (عظَّم الله - عز وجل - وقت الصبح في كتابه، فأقسم به - سبحانه - في كتابه، وإذا أقسم العظيم بأمرٍ، فاعلم أن هذا الأمر مُعظم، قال - تعالى -: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، وأخذ الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يبيِّن فضائل صلاة الفجر إلى درجة أنه قال: إن لم تستطع أن تأتي الفجر إلا زحفًا على الرُّكَب فافعل، فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير ( (التبكير) ) لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمة ( (العشاء) ) والصبح لأَتَوهُما ولو حبوًا».

    وأخرج الطبراني بسندٍ حسن أن أبا الدرداء قال حين حضرته الوفاة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اعبُدِ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وَاعْدُدْ نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم فإنها تُستجابُ، ومَن استطاع منكم أن يشهدَ الصلاتين العشاء والصبح ولو حَبوًا فليفعل».

    آه لو يعلم النُّوام عن صلاة الفجر ما فيها من فضائل لأَتَوها ولو زحفًا على الرُّكَب، وما تخلَّفوا عنها أبدًا.

    وإن الله يباهي الملائكة بمَن ترك فراشه وقام لصلاته؛ فقد أخرج الإمام أحمد بسندٍ حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عَجِبَ ربُّنا - عز وجل - من رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيِّه إلى صلاته، فيقول ربنا: أيا ملائكتي، انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووِطائه ومن بين حيِّه وأهله إلى صلاته، رغبةً فيما عندي وشفقة مما عندي».

    إنها صورة من عباد الله الصالحين، صورة للمنتصرين على أنفسهم وشهواتهم، فهنيئًا لكم، فقد عَجِب الرحمن من صنيعكم، خرجوا إلى صلاتهم، ولسان حالهم يقول: اللهم ربنا لم نخرج رياءً ولا سمعة، لكننا خرجنا اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، خرجنا استجابة لدعوتك، ورجاء رحمتك...، فيُجِيب الكريم: قد أعطيتُكم ما قد رجوتم، وأمنتكم مما تخافون.

    قاموا عن الفُرُش الوثيرة وعن الزوجة الجميلة يرددون: مهما تعالت أمواج الشهوات، مهما كانت المُغرِيات، مهما تنوَّعت برامج الفضائيات والسهرات، فجنة قلوبنا الصلوات، وأُنس أرواحنا تلك اللحظات في النسمات.

    كيف يعيش في البستان غرس
    إذا ما عُطلت عنه السواقي؟

    إن صلاة الفجر مددٌ لأرواحنا وموعد اللقاء بمحبوبنا.

    إنها قرَّة أعيننا، وملاذ همومنا، وراحة نفوسنا وقلوبنا.

    ركعتا الفجر (سنة الفجر) خيرٌ من الدنيا وما فيها؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها»، فيا مَن تركتم الفجر من أجل الدنيا، سنة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها من كنوز وأموال، ومناصب وأعمال، ومُغرِيات وملهيات.

    فالذي ترك الدنيا واستيقظ قبل ميعاد صلاة الصبح، نجح في الاختبار، وكما ترك الدنيا من أجل هذه الصلاة، فإن الله يعطيه أجرًا أكبر من الدنيا جميعًا بهذه الصلاة؛ لذا تجدُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتركها في سفر ولا في حضر، تقول عائشة - رضي الله عنها - كما عند البخاري: (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - علي شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر).

    وذكر ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري): لم يُحفَظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر؛ ولذلك كان يقول كما عند أبي داود وأحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «لا تدَعوا ركعتي الفجر، وإن طردتكم الخيل»، ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا فات موعدها (قبل الصلاة) صلاَّها بعد صلاة الصبح، وكل هذا التعظيم لهذه النافلة يُعطِيك التفخيم والتعظيم للفرض، (وهو صلاة الفجر)، فإذا كانت النافلة خيرًا من الدنيا وما فيها، فما تقول في الفرض؟

    وبعد الانتهاء من الصلاة أنتَ كُتِبت من الأبرار ومن وفد الرحمن:
    أخرج الطبراني - بسندٍ حسن، حسَّنه الألباني - من حديث أبي أُمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن توضَّأ في بيته ثم أتى المسجد فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يصلي الفجر، ثم خرج من المسجد كُتِبت صلاته يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفد الرحمن»، والوفد هم الذين يُحشرون ركبًا حين يمشي الناس، يشبعون حين يجوعُ الناس، يَرْتَوون حين يعطش الناس، يَثْبُتون حين يزلزل الناس، آمنون حين يخاف الناس؛ فاللهم اجعلنا منهم.

    وبعد الانتهاء من الصلاة أنتَ في حمايةِ وحفظ الله:
    أخرج الطبراني - بسندٍ حسن - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن صلى الصبح كان في جوار الله يومه»، وأخرج الإمام مسلم من حديث جندب بن سفيان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن صلَّى صلاة الصبح فهو في ذمة الله حتى يُمسي»؛ أي: في حماية الله، وفي ضمان الله - عز وجل، وعند ابن ماجه بلفظ: «فلا تُخفِروا الله في عهده»، ثم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه».

    والذي ينام عن صلاة الفجر، فقد استحوذ عليه الشيطان واستهزأ به؛ فقد أخرج البخاري من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذُكِر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: «بال الشيطانُ في أذنه»، والصلاة المذكورة هي الفجر، يؤيد ذلك رواية ابن حبان: نام عن الفريضة، ومعنى «بال الشيطانُ في أُذنه»؛ قيل: إن الشيطان استولَى عليه، واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المُعَد للبول؛ إذ من عادة المستخفِّ بالشيء أن يبول عليه، فمَن سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، ولم تؤثِّر في قلبه، فآثر لذة الدنيا على نعيم الآخرة، فإنه يعاقب بأن يبول الشيطانُ في أذنيه، ويصبح خبيث النفس كسلان.

    يا نائمًا مستغرقًا في المنام قُمْ واذكر الحيَّ الذي لا ينام
    مولاك يدعوك إلى ذكــــرهِ وأنت مشغول بطيب المنام

    الصلاة يا مؤمنون الصلاة، الصلاة خيرٌ من النوم.

    فمَن آثر لذَّة الوسادة على لذَّة العبادة، فقد السعادة، فيا غافلاً، متى تستيقظ من غفلتك، هل تستيقظ عند السكرات وعند القبر والظلمات؟!

    فهيا هيا، لا تحرموا أنفسكم تلك الخيرات، فكل شيء يهون إلا ترك الصلوات.

    إن لذة الدقائق التي تنامها وقت الفجر لا تعدل ضمةً من ضمات القبر، أو زفرة من زفرات النار، يَعَضُّ المرءُ بعدها أصابعه ندمًا أبدَ الدهر، يقول - تعالى -:: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]؛ فتبًّا لِلَذة تعقُب ندمًا، وراحةٍ تجلب ألمًا، فوالله لو صحَّت أجسامكم، ومرضت قلوبكم، لهُنتُم على ربكم.

    انظر إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه - كان يبكي كلما تذكَّر فتح (تُسْتَر)، أتدري لماذا؟ لأنه فتح باب حصن (تُستَر) قبيل ساعات الفجر بقليل، و(تُسْتَر) هذه مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفًا بالكامل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن، ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف مسلم، ومائة وخمسين ألف من فارس، وكان قتالاً في منتهى الضراوة، وفي النهاية كان النصر بفضل الله للمسلمين، ثم يبكي أنس بن مالك - رضي الله عنه - لضياع صلاة الصبح مرَّة واحدة في حياته، يبكي وهو معذور، لكن الذي ضاع منه عظيم، يقول أنس - رضي الله عنه -: وما تُستَر؟ لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أن لي الدنيا جميعًا بهذه الصلاة، وهنا نفهم لماذا كان يُنصر هؤلاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

    وانظر إلى يحيى بن عبدالرحمن بن مهدي، يُحكَى عن أبيه أنه قام ليلة، وكان يُحْيِي الليل، فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمسُ، ولم يصلِّ الصبح، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض شيئًا شهرين فقرح فخذاه... سبحان الله! مجرَّد غَفْوة بعد تعبٍ من قيام الليل، ومع ذلك عاهد نفسه ألا ينام على فراش حتى تقرَّحت فخذاه لكيلا تفوتَه صلاة الفجر مرة أخرى.

    وانظر إلى سعيد التنوخي، إذا فاتته صلاة الجماعة بكى، أتعلم ما معنى أنه يبكي؟ أي: حرقة في القلب، أسى في النفس، دمعة في العين، فهل تجد ذلك - أيها المُحب - عند ضياع صلاة الفجر؟

    بل انظر إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أخرج الإمام مالك في موطئه (أن المِسْوَر بن مَخْرَمة دخل على عمر بن الخطاب في الليلة التي طُعِن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح وعمر مطعون طعنة قاتلة، والظرف صعب جدًّا، لكن صلاة الصبح لا تُؤخَّر، فماذا قال عمر عندما أيقظه المِسْوَر بن مخرمة! قال: نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجُرْحُه يثعب دمًا!.

    يا الله، كم كانت صلاة الصبح معظَّمة في قلوب هؤلاء، ولذلك تجد الصالحين من هذه الأمة حريصين على بَدْء القتال دائمًا بعد صلاة الصبح، (وليس قبلها)؛ حتى لا تضيع عليهم الصلاة.

    ها هو خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لم يكن يبدأُ قتاله إلا بعد صلاة الصبح، وكذلك يوسف بن تاشفين - رحمه الله - زعيم دولة المُرَابِطين، وقائد من أعظم قادة المسلمين، لم يَخُضْ موقعةَ (الزلاقة) المشهورة إلا بعد أن صلى الفجر بجيش المسلمين، ثم بدأ القتال.

    قطز - رحمه الله - بدأ القتال في موقعة (عين جالوت) المشهورة ضد التتار بعد صلاة الصبح مباشرة.

    تخيَّل لو أن رجلاً من الأغنياء وَعَدك بأنه سيُعطِيك ألفًا من الجنيهات في وقت الفجر، هل ستتخلَّف عن القيام، وتتعلل بأنك نِمْتَ متأخرًا، أم ستقوم في جد ونشاط؛ لتحصيل الألف جنيه؟ فما بالك وأن صلاة الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها، وهل تحب أن يكون معك مال الدنيا في قبرك، وليس معك صلاة الفجر، أم يكون معك صلاة الفجر وليس معك جنيه واحد؟ أجب بصراحة! ولو أن رجلاً ذا مركزٍ مرموق طلب منك الحضور قبل صلاة الفجر، هل ستتخلف؟ ما أظن أن تتخلف.

    اعلم أيها الغافل، يا مَن أضعت صلاة الفجر، أن أعداء الإسلام يعترفون أن النصر والتمكين للأمة الإسلامية سيكون على أيدي رجال الفجر.

    يقول اليهود: لن تستطيعوا أن تنتصروا علينا حتى يكون عدد المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة، نعم إن كل عاقل يُدرِك يقينًا أن نصرَ هذه الأمة ورِفْعَتها سيكون ولا شك على أيدي رجالِ الفجر، فصلاة الفجر مُلتقى الأبرار، وزاد الأبطال، وسر العظمة والرفعة، وهي أهم أدوات النصر.

    فها هو صلاح الدين الأيوبي: يُربِّي جيشه ويحفزه على الصلاة، وخصوصًا قيام الليل وصلاة الفجر، وكلما مرَّ على قوم يصلُّون يقول: من هنا يأتي النصر، وكلما مرَّ على قومٍ نائمين يقول: مِن هنا تأتي الهزيمة... فلما نصَرَ اللهَ - وذلك بامتثال ما أمر والانتهاء عما نهى عنه زجر - كان النصر حليفه، وصدق ربُّنا حيث قال: {وَلَيَنصرن اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]؛ فكيف ينصر الله المسلمين وهم يضيعون فرضًا من فروضه؟

    وكيف ينامُ المسلمون عن صلاة الفجر، ثم يرفعون أيديَهم يطلبون النصر والتمكين؟! وهل تنشأ يقظة من غفلة؟ أو نهضة من رقود؟

    إن الطريق إلى الفلاح والتمكين يبدأ من المحراب، مرَّ معنا كيف كان القادة يسيِّرون الجيش بعد صلاة الفجر، ويكون النصر حليفهم في الصباح، ويتبدل الحال، فيا غافلاً عن أشرف الأوقات، اعلم أن وقت الصبح هو وقت التغير من الظلم إلى العدل، ومن الفساد إلى الصلاح.. انظر متى كان هلاك قوم لوط، قال - تعالى -: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]؛ فكان هذا التغير في هذا التوقيت؛ لأنه أول لحظات النور بعد الظلام، وأول لحظات العدل بعد الظلم، والصلاح بعد الفساد.

    حتى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان التغيير في وقت الصباح، حتى إنه كان يقول: «إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباحُ المُنذَرين»؛ فهذا هو وقت التغيير، ووقت الجهاد، ووقت التمكين.

    وعندما أقسم الله بالخيول التي تُجَاهدُ في سبيلِ الله - عز وجل - أقسم بالخيول التي تُغيرُ على الأعداء في وقت الصباح، قال - سبحانه -: {وَالْعاديات ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات: 1 - 3]، وسيظلُّ هذا التغيير في هذا التوقيت إلى يوم القيامة، ففي اللحظاتِ الأخيرة من عمر الأرض سيكون التغيير والإصلاح والتمكين لأولئك الذين يحافظون على صلاة الفجر في جماعة، فنزول المسيح - عليه السلام - إلى الأرض، واستقرار العدل في الأرض سيكون في صلاة الفجر.

    والجيلُ الذي يستحق استقبال المسيح - عليه السلام - جيل يحافظ على صلاة الفجر؛ أخرج ابن ماجه عن أبي أُمامة الباهلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه لم تكنْ فتنةٌ في الأرض منذ ذرأ الله ذريَّة آدم أعظم من فتنة الدجَّال، وإن الله لم يبعث نبيًّا إلا حذَّر أُمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة»، ثم بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحدث عن صفات الدجَّال، وعن الأحداث المُصاحبة له، وعن يأجوج ومأجوج، ثم بدأ يتحدَّث عن اللحظات الأخيرة في الأرض، فتحدَّث عن طائفة المؤمنين التي سينزل فيها المسيح - عليه السلام - ليُقِيم العدل في الأرض من جديد، بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال: «وجُلُّهم ببيت المقدس»؛ أي: جُلُّ المؤمنين آنذاك ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يُصلي بهم الصبح؛ إذ نزل فيهم عيسى ابن مريم الصبح، فيرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القَهْقَرى؛ ليتقدم عيسى يصلِّي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول: تقدَّم فصلِّ؛ فإنها لك أُقِيمت، فيُصلي بهم إمامهم؛ انتهى كلام الشيخ ندا أبو أحمد.

    ______________________________ _________________
    الكاتب:فتحي حمادة









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •