الإفادة في عدم صحة ما نسبه الذهبي إلى ابن ماجه

هل ما نسَبه الذهبي إلى ابن ماجه في شأن إبهام اسم الواقدي صحيح ومسلَّم له؟
قال الذهبي: "لا شيء للواقدي في الكتب الستة، إلا حديثٌ واحد عند ابن ماجه: حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا شيخ لنا، فما جسر ابن ماجه أن يُفصح به، وما ذاك إلا لوهنِ الواقدي عند العلماء"؛ السير.
وقال: "قال ابن ماجه: حدثنا ابن أبي شيبة: حدثنا شيخ لنا، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، فذكر حديثًا في اللباس يوم الجمعة، وحسبُك أن ابن ماجه لا يجسر أن يسميَه، وهو الواقدي قاضى بغداد"؛ الميزان.
إذا يرى الذهبي أن القائل: حدثنا شيخ لنا، هو الإمام ابن ماجه.
وهذا ليس بصحيحٍ وإليك بيانه مختصرًا:
أولًا: الحديث الذي أشار إليه الذهبي عند ابن ماجه هو الحديث الذي قال ابن ماجه:حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ"، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ فَذَكَرَ ذَلِكَ.
ثانيًا: القائل: حدثنا شيخ لنا، هو الإمام ابن أبي شيبة ولا شكَّ، ورواه ابن ماجه كما سمعه من شيخه ابن أبي شيبة، فالذي لم يصرِّح باسم الواقدي في هذه الرواية هو ابن أبي شيبة، وعبارة السند واضحة وبيِّنة في تعيين القائل: "حدثنا شيخ لنا".
ثالثًا: أن ابن وضاح رحمه الله قد تابَع ابن ماجه في رواية هذا الخبر عن ابن أبي شيبة، كما عند ابن عبدالبر في التمهيد، ولا اختلاف بين روايته ورواية ابن ماجه، وهذا يدل على أن القائل: حدثنا شيخ لنا، هو ابن أبي شيبة.فإن قيل: كيف يقول الذهبي هذا القول بدون دليل؟
يقال: والعلم عند الله أن الذهبي إما أنَّه قد اعتمد على رواية عبد بن حميد في مسنده، فإنه رواه عن ابن أبي شيبة عن محمد بن عمر (الواقدي)، وفي هذه الرواية قد صرح ابن أبي شيبة باسم شيخه، فعندما رأى الذهبي هذه الرواية وقد صرَّح ابن أبي شيبة باسم شيخه، نسب إبهام اسم الواقدي في رواية ابن ماجه إلى ابن ماجه، فإن كان ذلك كذلك، فغير مسلَّم له، وكيف يقال هذا وقد تابعه ابن وضاح رحمه الله على نفس العبارة.
وغاية ما في الأمر أن ابن أبي شيبة قد صرَّح باسم شيخه أحيانًا وأبهمَه أخرى.
وابن أبي شيبة قد أبْهَم اسم بعض مشايخه في المصنف في سبعة مواضع تقريبًا.
وإن كان اعتماده على ما قاله الضياء في المختارة: "رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى.
وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ".

نعم قد أشار الضياء المقدسي هنا إلى رواية ابن ماجه، لكن غير في السند لفظة (شيخ لنا)، بـ(شيخ له)، وظاهر هذه العبارة تدل على أن القائل (شيخ له)، هو ابن ماجه.
فإن كان اعتماده على هذا فغير مسلَّم له من وجهين:
الأولى: عبارة ابن ماجه كما في السنن (شيخ لنا)، وليست (شيخ له)، وقد تابعه ابن وضاح رحمه الله على نفس العبارة.
الثانية: حتى إن قيل بعبارة الضياء في المختارة، فإن الضياء المقدسي نفسه قد فهِم من الرواية على أن القائل هو ابن أبي شيبة.
قال الضياء بعد الإشارة إلى رواية ابن ماجه: قُلْتُ: وَالشَّيْخُ الَّذِي كَنَّى عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ هُوَ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ.

هذا والله أعلموصلى الله وسلَّم على محمد وعلى آله وصحْبهومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين