الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
اعلم أخي - علمني الله وإياك - : أنه من المسائل المهمة التي ينبغي معرفتها ويجهلها كثير من عوام الناس إن لم نقل أغلبهم ، مسألة : (خضب اليدين والرجلين بالحناء للرجال).
علمًا بأن هذه الظاهرة منتشرة في مناطقنا الساحلية بتهامة اليمن بكثرة ، ولربما يستغرب البعض أو يعترض على ما سأذكره ؛ بسبب الاعتياد على هذه الظاهرة حتى صارت عادة وعُرفًا ، وتقاليد شعبيّة ، من التقاليد التي توارثها الآباء عن الأجداد ، ومن ثم انتقلت إلى الأولاد والأحفاد ، ولا زالت الأجيال تتوارثها جيلًا بعد جيل حتى يومنا هذا ، فيخضب الرجل يديه ورجليه في الأعياد ، والأعراس ، وعند السفر والمجيء من السفر ، وفي المناسبات ، وغير ذلك.
وهذه المسألة : محرمة شرعًا عند جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية ومقتضى مذهب الحنابلة ، إلا للضرورة كالتداوي وغيره ، وذهب الحنفية إلى كراهته وبعض الحنابلة في قول.(1)
ومن الأدلة على التحريم ما يلي :
1- ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ رضي الله عنه ، ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﺃﺗﻲ ﺑﻤﺨﻨﺚ ﻗﺪ ﺧﻀﺐ ﻳﺪﻳﻪ ﻭﺭﺟﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ((ﻣﺎ ﺑﺎﻝ ﻫﺬا؟)) ﻓﻘﻴﻞ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ، ﻳﺘﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ، ﻓﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﻨﻔﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﻘﻴﻊ ، ﻓﻘﺎﻟﻮا : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ، ﺃﻻ ﻧﻘﺘﻠﻪ؟ ﻓﻘﺎﻝ : ((ﺇﻧﻲ ﻧﻬﻴﺖ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻤﺼﻠﻴﻦ)) رواه أبو داود وصححه الألباني(2)
2- ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ، ﻗﺎﻟﺖ : ﺃﻭﻣﺖ اﻣﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻭﺭاء ﺳﺘﺮ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ، ﻓﻘﺒﺾ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺪﻩ ، ﻓﻘﺎﻝ : ((ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻳﺪ ﺭﺟﻞ ، ﺃﻡ ﻳﺪ اﻣﺮﺃﺓ؟ ﻗﺎﻟﺖ : ﺑﻞ اﻣﺮﺃﺓ ، ﻗﺎﻝ : ((ﻟﻮ ﻛﻨﺖِ اﻣﺮﺃﺓ ﻟﻐﻴﺮﺕِ ﺃﻇﻔﺎﺭﻙ بالحناء)) رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني(3)
ووجه الاستدلال : أن الحناء من خصائص النساء ، وما كان من خصائص النساء لا يجوز للرجل فعله حتى لا يقع في التشبه بهن ، ولهذا قال اﻟﻨﻮﻭﻱ - رحمه الله - : "ﺃﻣﺎ ﺧﻀﺎﺏ اﻟﻴﺪﻳﻦ ﻭاﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻓﻤﺴﺘﺤﺐ ﻟﻠﻤﺘﺰﻭﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء للأحاديث اﻟﻤﺸﻬﻮﺭﺓ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻫﻮ ﺣﺮاﻡ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﺇﻻ ﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﺘﺪاﻭﻱ ﻭﻧﺤﻮﻩ ، ﻭﻣﻦ اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻤﻪ : ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺢ : ((ﻟﻌﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﺘﺸﺒﻬﻴﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎﻝ)) ، ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻋﻦ أﻧﺲ ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ((ﻧﻬﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﺰﻋﻔﺮ اﻟﺮﺟﻞ)) ﺭﻭاﻩ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻣﺴﻠﻢ ، ﻭﻣﺎ ﺫاﻙ ﺇﻻ ﻟﻠﻮﻧﻪ ﻻ ﻟﺮﻳﺤﻪ ﻓﺈﻥ ﺭﻳﺢ اﻟﻄﻴﺐ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﻭاﻟﺤﻨﺎء ﻓﻲ ﻫﺬا ﻛﺎﻟﺰﻋﻔﺮاﻥ" (4)
قلتُ: وقد اعتبر ابن ﺣﺠﺮ اﻟﻬﻴﺘﻤﻲ - رحمه الله - : ﺧﻀﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺪﻳﻪ ﻭﻗﺪﻣﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﺒﺎﺋﺮ اﻟﺬﻧﻮﺏ.(5) ، وقريبًا من ذلك قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - (6).
ومما ينبغي التنبيه عليه : أن استخدام الحناء للجسم وخضب اللحية جائز بالاتفاق ، وقد جاءت أحاديث صحاح في ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يخضبون لحاهم بالحناء ، وكذلك خضب اليدين والرجلين إذا كان للتداوي ، أما غير ذلك فلا.
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
كتبه / أبو إسحاق الحيقي
ـــــــــــــــ ـــــــــــ
(1)انظر : ﺣﺎﺷﻴﺔ اﺑﻦ ﻋﺎﺑﺪﻳﻦ (5 / 271) ، ﻭﺣﺎﺷﻴﺔ اﻟﻌﺪﻭﻱ (2 / 411) ، ﻭاﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ (ص:442) ، ﻭﻣﻐﻨﻲ اﻟﻤﺤﺘﺎﺝ (4 / 296) ، ﻭﻛﺸﺎﻑ اﻟﻘﻨﺎﻉ (1 / 283)(2 / 239) ، ﻭاﻵﺩاﺏ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ (3 /537) ، ﻭاﻹﻧﺼﺎﻑ (3 /152)
(2) ﺻﺤﻴﺢ ﺳﻨﻦ ﺃﺑﻲ ﺩاﻭﺩ (4928)
(3) صحيح سنن اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ (5089)
(4) اﻟﻤﺠﻤﻮﻉ (1/ 295- 294)
(5) الزواجر (1/ 348)
(6) السيل الجرار (ص:739)