الصوم


العلامة رشيد رضا
الصوم الذي هو عبادة الشهر فرياضة بدنية، وتأديب للشهوة البهيمية، وإشعار للغني المنعَّم، بحاجة الفقير المعدم، بحيث تتحرك عاطفة الشفقة بالإحسان

إليه، ويعظم في نفسه مقدار نعمة الله عليه؛ لأن الأشياء تدرك قيمتها بفقدها، والأمور تعرف بضدها، فمن غلبته الشهوة على نفسه وملكت عليه أمره فلم يصم،فهو حيواني الطبع يزاحم الخنزير والقرد في خاصيتهما، وإن من الحيوان ما يمسك عن الطعام والشراب لعلة الشرف فيقال: إن الأسد لا يأكل من فريسة غيره.

وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب ولغن فيه

والذي يفطر في رمضان أحد رجلين: إما كافر، لا يدين بالإسلام كبعض الذين قتلت أرواحهم أدواء التمدن الإفرنجي، وإن لنا معهم كلامًا نوجهه إليهم في

وقت آخر. وإما جهول لئيم ليس له من الإنسان إلا صورته ولا من الدين إلا أنه من طائفة يسمون مسلمين.



والصوم الصحيح يهيئ الإنسان للتقوى فتكون مرجوة منه {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: ???) .



ومن أدب الصيام كف الجوارح كلها عن المحرمات، وأي اعتبار للكف عن الشهوات المباحة كالأكل والوقاع في الحل مع الانهماك في الشهوات المحرمة

كالخوض في الباطل من كذب وغيبة وفحش. وفي الحديث الصحيح: (إنما الصوم جُنة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث الرفث محرَّكة: فحش في القول، والجماع ومقدماته - ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم) (أخرجه الشيخان وغيرهما) .


وقد ضرب الإمام الغزالي للصائم المنهمك في المعاصي مثل من يبني قصرًا ويهدم مصرًا قال: فإن الطعام الحلال يضر بكثرته لا بتنوعه، فالصوم لتقليله،

وتارك الاستكثار من الدواء خوفًا من ضرره إذا تعداه إلى تناول السم كان سفيهًا، والحرام مهلك للدين والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره، وقصد الصوم تقليله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) (أخرجه النسائي وابن ماجه) .

ومن سجايا المسلمين المحمودة في رمضان كثرة الصدقات وكثرة التزاور، وهما من أسباب التحابّ والتآلف، ولو أنهم يجعلون حظًّا من سمرهم في ليلهم

المذاكرة في شؤون الأمة والبحث في الأساليب والوسائل التي يمكنهم بها القيام لتربية النشء الجديد في بلادهم وتعليمه ما ينفعه وينفع أمته كلها معه، لأمست منتدياتهم مهبط الفضائل ومبعث روح الحياة العزيزة.