تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تنبيهات رمضانية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي تنبيهات رمضانية



    تنبيهات رمضانية (1)

    (تهيئة المساجد لاستقبال شهر رمضان المبارك وجموع المصلين)










    كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فبين يديك -أخي المسلم- تنبيهات وفوائد تمس الحاجة إلى بيانها، تتعلق بمخالفاتٍ للسُّنة تتكرر في شهر رمضان المعظَّم بصورة موسمية، والمؤلم في هذا الأمر أنها تعدت العوام، وتسربت إلى بعض طلبة العلم من أهل السنة، مع أنهم الذين تنعقد عليهم الآمال أن يحرسوا السنة، ويحملوها إلى الأمة نقية خالية مِن أي شائبة.

    ومِن تلك التنبيهات ما هو متعلق بالمساجد التي يتوافد عليها المصلون في شهر رمضان مبارك، وهي جديرة بأن تعد وتهيأ لاستقبال شهر رمضان بما يتناسب مع حال المصلين دون إضرار أو تنفير لأحدٍ منهم.

    البخور في المسجد:

    يضع بعض الناس المجامر أو عيدان البخور لتطييب المسجد، وإنما تُطيَّب المساجد بالخلَوق، والطِّيب الذي يستحسنه أغلب الناس، أما البخور فيُخشَى منه التشبه بعبدة النار، وأصحاب الكنائس، فضلًا عن وقوع المجامر على أسطح خشبية أو أرضية قابلة للاشتعال.

    وقد يستعمل بعضهم عيدان بَخور خانقة رديئة الرائحة، ثم تأت المراوح فتنشرها في المسجد، ويسعل الناس، ويتضرر بعض مَن يعانون حساسية الصدر، وربما أثَّر ذلك على خشوع الناس في الصلاة، وتعجَّل خروجهم من المسجد فرارًا من هذه الرائحة واتقاءً لهذا الأذى.

    مكبرات الصوت نعمة وليست نقمة:

    إن توفر مكبرات الصوت في المساجد نعمة من الله، تعين الناس على طاعة الله تعالى، حتى قال العلَّامة عبد الله بن حميد رحمه الله في شأن مكبرات الصوت: "لو قيل بوجوب اتخاذها في هذا الزمان؛ لكان له وجه"، لكننا نرى في زماننا أناسًا حوَّلوها إلى نقمةٍ يشوشون بها على الناس عبادتهم، فتنسف خشوعهم نسفًا، وتُبطل مقصود الصلاة وقراءة القرآن.

    - ترى المسجد الواسع الفسيح وقد تكاثرت في أرجائه السماعات المكبرة المضخِّمة للصوت، وإذا بأرجاء المسجد تتزلزل بصدى الصوت، بل قلوب الحاضرين تضطرب داخل أقفاصهم الصدرية من شدة الضوضاء، وتَسْتَكُّ آذانهم بالصوت الصاخب المرتفع، وقد لا تسمع ولا تفهم كلمة واحدة من كلام الخطيب أو القارئ من شدة الضوضاء، وتداخل أصداء الصوت! حتى أعرف مَن يظل يتنقل في المسجد من موضع إلى آخر حتى يحمي أذنيه من هذا الصخب، وأعرف مَن يذهب للصلاة وقد وضع في أذنه "السدادة" من الشمع أو مما يستعمله السباحون ليخفف وطأة الصوت المروِّع! وبعضهم يسد أذنيه بأنامله ليحميهما من الضوضاء.

    تأتي الناس إلى المسجد لتتنعم بالقرآن الكريم والذِّكْر؛ لا لتتعذب بهذه الضوضاء التي تكاد تثقب طبلة الأذن، وتقتل أطراف العصب السمعي، حتى لقد صَرَخ فيهم يومًا شيخ طاعن في السن: "لقد أتيت إلى المسجد لأصلي، لا لأصُابَ بالصمم!".

    وترى المسجد الضيِّق المحدود المساحة، وقد بُثَّت فيه السماعات المضخِّمة، فيتضاعف ألم المصلين المساكين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر، ولا ضِرار".

    فينبغي أن تُضبط آلاتُ الصوت على أدنى حجم الصوت الذي يحقق الفائدة المرجوة دون إزعاج للمصلين، وأن يُسندَ هذا الأمر إلى مخُتصٍّ في هذه الأجهزة يضبط صوتها، واتجاهها؛ حتى لا تتداخل الموجات الصوتية، وتشوش على الناس عبادتهم.

    إن شيوع هذه المظاهر السلبية في بيوت الله مع ما حثت عليه الشريعة من آداب كاملة، وأخلاق عالية، وأذواق راقية يدل على أننا معشر المسلمين متخلفون عن الإسلام، لا عن أمم الغرب أو الشرق.

    وعلاج هذا التخلف لا يحتاج إلى تقنية متطورة أو مُكلِّفة، ولكن يحتاج فقط إلى فهم وبصيرة، (وذوق) ورغبة في الإصلاح والتعديل، وعزيمة على الرقي الإسلامي الذي يمحو التخلف الذوقي والجمالي والحضاري.

    إن قراءة القرآن الكريم في المسجد مِن أشرف الوظائف التي تؤدَّى فيه، ومع ذلك فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستعمل قراءة القرآن الكريم في التشويش على مَن هُمْ حول القارئ، "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه".

    - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يُصَان المسجد عما يؤذيه، ويؤذي المصلين فيه، حتى رفع الصبيان أصواتهم فيه، وكذلك توسيخهم لحصره، ونحو ذلك؛ لا سيما إن كان وقت الصلاة، فإن ذلك من عظيم المنكرات".

    ولجيران المسجد حرمة وحق أيضًا:

    إن تشغيل مكبرات الصوت الخارجية المثبَّتة على حافَّات المساجد والمنارة أثناء صلاة التراويح قد يشوِّش على المساجد القريبة، وعلى جيران المسجد الذين يصلون النافلة وحدهم في بيوتهم، والمرضى المحتاجين للنوم، والطلاب الذين يحتاجون الهدوء لمذاكرتهم، وهذا كله يؤذي جيران المسجد، وليس فيه فائدة للمصلين داخل المسجد الذين يستغنون عن ذلك بالسماعات الداخلية!

    - ومما يؤذي جيران المسجد: تجمُّع بعض الشباب أمام أبواب بيوتهم بعد الصلاة بصورةٍ تضيِّق عليهم طريق الدخول والخروج إلى بيوتهم، وتسبب لهم ولنسائهم الحرج والعَنتَ.

    أجهزة التبريد والتدفئة:

    ومِن نعم الله سبحانه علينا توفُّر أجهزة التبريد في الحرِّ، والتدفئة في البرد، لكن بعض القائمين عليها لا يراعون القواعد الصحية للاستخدام الأمثل لها، فيبالغون في ضبط حرارتها، ومضاعفة تبريدها، ثم تسليطها مع المراوح إلى أجساد مَن يتضرر منها مِن المرضى وكبار السن، والقاعدة: أن دفعَ المضار مُقدم على جلب المنافع، والحل هو التوسط الذي يؤدي الغرض بدون أذى، فتوضع في مكانٍ مناسبٍ، وليس في القبلة باتجاه المصلين مباشرة، ولا يتمكَّن مِن تشغيلها سوى القائمين عليها؛ كي لا يعبث بها العابثون.

    مأساة صحية خطيرة:

    يحدث أن تكتظ بعض المساجد بالمصلين، وهي مساجد يحُكم إغلاق نوافذها الزجاجية حتى لا يتسرب الحر إليها، ثم تشغل مكيفات التبريد، فيصبح الجو باردًا يفرح الناس به، ويستروحون له، لكنَّ هواءه فاسد يكاد يخلو من الأكسجين بسبب إهمال التهوية، ولا ينتبه القائمون على المسجد للخطورة الصحية لهذا الوضع، وبخاصة إذا انضم إليه سعال المرضى، فالواجب تجديد الهواء بصفةٍ دائمةٍ؛ دفعًا للضرر الصحي.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تنبيهات رمضانية



    تنبيهات رمضانية حول صلاة التراويح (2)

    مسائل تتعلق بصلاة التراويح









    كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما زال الحديث موصولًا حول بعض الفوائد والتنبيهات الرمضانية التي تمس الحاجة إلى بيانها، مما يتعلَّق بمخالفات للسنة تتكرر في شهر رمضان المعظم بصورة موسمية.

    مسائل تتعلق بصلاة صلاة التراويح:

    الأولى: الإفراط في القراءة من المصحف في التراويح إعلان عن التفريط في حفظ كتاب الله تعالى: إن تناول هذه القضية هنا ليس من منظور جوازها كحكم فقهي فرعي، ولكن من خلال منظور "إستراتيجي" تعليمي تربوي؛ نحن نبدأ من حيث ينتهي بنا الشرع الشريف، فنتجافى في استعمال الرخص، نعم لا حرج أن يقرأ الإمام في المصحف إذا كان لم يحفظ، أو كان حفظه ضعيفًا، لكن ينبغي أن يفهم الجميع أن هذا خلاف الأصل، وأن الأصل أن يؤم الحافظُ لكتاب الله "يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله"، فينبغي التفتيش عن الحفاظ المتقنين، وأن يُقدَّموا للإمامة في القيام، والأوَلى: أن يؤم الناسَ بما يحفظه غَيْبًا، ويكرره ولو كان حزب المفصل.

    لقد ترتَّب على هذه الظاهرة الإفراطُ فيها، والتفريطُ في حفظ القرآن الكريم، وبعد أن كان الناس يضعون حوامل المصحف في المحاريب على استحياء، وعلى سبيل الندرة؛ أدَّى التساهل في الأمر إلى شيوع وضع هذه الحوامل في المحاريب طوال شهر رمضان، بدون أدنى تحرج إعلانًا من مجتمعنا عن تقصيره في الاعتناء بحفظ كتاب الله تعالى.

    وسُئِل أحمد في رجل يؤم في رمضان في المصحف فرخَّص فيه، فقيل له: "ما يؤم في الفريضة؟" قال: "ويكون هذا؟!"، وعنه أيضًا: "وقد سُئِل: هل يؤم في المصحف في رمضان؟ قال: ما يعجبني؛ إلا أن يُضطَّر إلى ذلك. وبه قال إسحاق".

    الثانية: إدمان بعض الأئمة حركة تناول مكبر الصوت قبل التسليم من الصلاة: وهذه حركة يسيرة لا بأس بها إن كانت في مصلحة الصلاة، لكن الناس تمادَوْا فيها حتى صارت لازمة لكلِّ صلاة، وكأنها جزءٌ من هيئتها، ولو لم تكن هناك حاجةٌ إليها، وسيسمع المأمومون تسليم الإمام بدون هذه الحركة، كما أنه يمكن الاستغناء عنها بوضع حامل للميكروفون قريب من الإمام في حال جلوسه.

    الثالثة: أخذ الإمام الأجرة على الإمامة في رمضان: لا يجوز الاستئجار على الإمامة؛ سواء كان ذلك في صلاة الفرض أو النفل ومنه التراويح؛ إلا إذا كان الشخص موظفًا من قِبَل الحاكم؛ فإنه يُعطى رزقًا (مرتبًا) من الأموال العامة. وإذا صلى رجل بالناس التراويح ثم أعطاه أحدٌ شيئًا من غير سؤال أو مشارطة؛ فلا حرج عليه في أخذه، وإنما الحرج إذا كان لا يصلي إلا من أجل المال، وفي هذا جاءت آثار عن بعض السلف، فعن ابن المبارك: "أكره أن يصلي بأجر". وقال: "أخشى أن تجب عليهم الإعادة".

    - وسُئِل أحمد عن إمـامٍ قال لقوم: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهمًا؟ فقال: "أسأل الله العافية، مَن يصلي خلف هذا؟!"، وقال في رواية إسحاق: "لا يُصلَّى خلفه، ولا كرامة"، ويُحمَل هذا على أنه أراد الدنيا مِن إمامته.

    قال البغوي: "ورخَّص فيه مالك، وقال الأوزاعـي: الإجارة مكروهة، ولا بأس بالجُعْل، وكرهه الشافعي، وقال: لو رَزَقَ الإمامُ المؤذنَ من بيت المال ... فلا بأس إذا لم يجد متطوعًا، قال البغوي: وَكَذَلِكَ *لَوْ *رَزَقَهُ *وَاحِدٌ *مِنْ عُرْضِ النَّاسِ، فَلا بَأْسَ" (شرح السنة).

    رابعًا: ضابط التطويل في الصلاة: إن كسبَ قلوب الناس، وجعلهم يحبون التردد على المساجد، ويحافظون على الجماعة، مطلب عظيم لا تخفى على أحدٍ ثمراتُه الطيبة، وضد ذلك مفسدة يجب دفعها، وقطع أسبابها.

    وهذه مسؤولية الإمام الذي أخلص نيته، وفقه سنةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في مراعاة أحوال المصلين؛ بحيث لا يشق عليهم فيطيل بهم، ويفتنهم وينفرهم، فإنه يكون بذلك محُبَّبًا ومؤثِّرًا في الناس ومرغِّبًا لهم في هذا الفضل العظيم.

    ولذا حث النبيُّ صلى الله عليه وسلم على التجوز، وحذَّر في موعظة قوية من التنفير، فقد جاء عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال: "والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلانٍ مما يطيل بنا، قال أبو مسعود: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا منه يومئذٍ، ثم قال: إن منكم منفرين، فأيكم صلَّى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيفَ والكبيرَ وذا الحاجة" (متفق عليه).

    ندرك أن تطويل الصلاة فتنة وتنفير للناس عن الصلاة في جماعة، ولا يخفى ما في هذا من المفاسد، والتسبب في تعطيل الواجب، وحرمان الناس من فضل الجماعة؛ ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا كما في حديث أبي مسعود، ووصف معاذًا بأنه فتان بهذا الصنيع لكي يحذر منه.

    ولا يعني هذا أن يخفف الإمام الصلاة إلى درجة إسقاط الواجب أو التساهل المقيت كما يفعل البعض -هداهم الله- بحجة مراعاة الناس، فإن في هذا مفسدةً أعظم، ولكن الأمر يعني التزام الوسطية في الأمر، والشعور بالمسؤولية وهو يؤدي هذا العمل، ومحاولة كسب الناس، والعمل على أن يحبب لهم القيام بما فرض الله عليهم مع إتمام الصلاة في جميع ما أوجبه الله فيها من القراءة، والطمأنينة، وإتمام الركوع والسجود، والتسبيح والتحميد وسائر ما يجب فيها.

    ونحن نجد أحيانًا مِن بعض الأئمة مَن هو على طرفي نقيض، فنجد مَن يطيل بهم، ويشق على الكبير والضعيف والمريض وذي الحاجة، فينفرهم وينفر غيرهم فلا يصلي وراءه إلا القليل، ونجد آخر يسارع في الصلاة إلى درجة لا يتمكن معها المأموم من أداء الواجب، وكِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأمورِ ذميمُ.


    ومِن هنا نأخذ أن الإمام يقدِّر الأمر بنفسه، فهو أعرف بجماعته، وهنا تقع المسؤولية عليه في تقدير الأحوال، وأخذ الحيطة والحذر أثناء قيامه بهذا العمل الجليل. والله أعلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تنبيهات رمضانية



    تنبيهات رمضانية حول صلاة التراويح (2)

    مسائل تتعلق بصلاة التراويح








    كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما زال الحديث موصولًا حول بعض الفوائد والتنبيهات الرمضانية التي تمس الحاجة إلى بيانها، مما يتعلَّق بمخالفات للسنة تتكرر في شهر رمضان المعظم بصورة موسمية.

    مسائل تتعلق بصلاة صلاة التراويح:

    الأولى: الإفراط في القراءة من المصحف في التراويح إعلان عن التفريط في حفظ كتاب الله تعالى: إن تناول هذه القضية هنا ليس من منظور جوازها كحكم فقهي فرعي، ولكن من خلال منظور "إستراتيجي" تعليمي تربوي؛ نحن نبدأ من حيث ينتهي بنا الشرع الشريف، فنتجافى في استعمال الرخص، نعم لا حرج أن يقرأ الإمام في المصحف إذا كان لم يحفظ، أو كان حفظه ضعيفًا، لكن ينبغي أن يفهم الجميع أن هذا خلاف الأصل، وأن الأصل أن يؤم الحافظُ لكتاب الله "يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله"، فينبغي التفتيش عن الحفاظ المتقنين، وأن يُقدَّموا للإمامة في القيام، والأوَلى: أن يؤم الناسَ بما يحفظه غَيْبًا، ويكرره ولو كان حزب المفصل.

    لقد ترتَّب على هذه الظاهرة الإفراطُ فيها، والتفريطُ في حفظ القرآن الكريم، وبعد أن كان الناس يضعون حوامل المصحف في المحاريب على استحياء، وعلى سبيل الندرة؛ أدَّى التساهل في الأمر إلى شيوع وضع هذه الحوامل في المحاريب طوال شهر رمضان، بدون أدنى تحرج إعلانًا من مجتمعنا عن تقصيره في الاعتناء بحفظ كتاب الله تعالى.

    وسُئِل أحمد في رجل يؤم في رمضان في المصحف فرخَّص فيه، فقيل له: "ما يؤم في الفريضة؟" قال: "ويكون هذا؟!"، وعنه أيضًا: "وقد سُئِل: هل يؤم في المصحف في رمضان؟ قال: ما يعجبني؛ إلا أن يُضطَّر إلى ذلك. وبه قال إسحاق".

    الثانية: إدمان بعض الأئمة حركة تناول مكبر الصوت قبل التسليم من الصلاة: وهذه حركة يسيرة لا بأس بها إن كانت في مصلحة الصلاة، لكن الناس تمادَوْا فيها حتى صارت لازمة لكلِّ صلاة، وكأنها جزءٌ من هيئتها، ولو لم تكن هناك حاجةٌ إليها، وسيسمع المأمومون تسليم الإمام بدون هذه الحركة، كما أنه يمكن الاستغناء عنها بوضع حامل للميكروفون قريب من الإمام في حال جلوسه.

    الثالثة: أخذ الإمام الأجرة على الإمامة في رمضان: لا يجوز الاستئجار على الإمامة؛ سواء كان ذلك في صلاة الفرض أو النفل ومنه التراويح؛ إلا إذا كان الشخص موظفًا من قِبَل الحاكم؛ فإنه يُعطى رزقًا (مرتبًا) من الأموال العامة. وإذا صلى رجل بالناس التراويح ثم أعطاه أحدٌ شيئًا من غير سؤال أو مشارطة؛ فلا حرج عليه في أخذه، وإنما الحرج إذا كان لا يصلي إلا من أجل المال، وفي هذا جاءت آثار عن بعض السلف، فعن ابن المبارك: "أكره أن يصلي بأجر". وقال: "أخشى أن تجب عليهم الإعادة".

    - وسُئِل أحمد عن إمـامٍ قال لقوم: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهمًا؟ فقال: "أسأل الله العافية، مَن يصلي خلف هذا؟!"، وقال في رواية إسحاق: "لا يُصلَّى خلفه، ولا كرامة"، ويُحمَل هذا على أنه أراد الدنيا مِن إمامته.

    قال البغوي: "ورخَّص فيه مالك، وقال الأوزاعـي: الإجارة مكروهة، ولا بأس بالجُعْل، وكرهه الشافعي، وقال: لو رَزَقَ الإمامُ المؤذنَ من بيت المال ... فلا بأس إذا لم يجد متطوعًا، قال البغوي: وَكَذَلِكَ *لَوْ *رَزَقَهُ *وَاحِدٌ *مِنْ عُرْضِ النَّاسِ، فَلا بَأْسَ" (شرح السنة).

    رابعًا: ضابط التطويل في الصلاة: إن كسبَ قلوب الناس، وجعلهم يحبون التردد على المساجد، ويحافظون على الجماعة، مطلب عظيم لا تخفى على أحدٍ ثمراتُه الطيبة، وضد ذلك مفسدة يجب دفعها، وقطع أسبابها.

    وهذه مسؤولية الإمام الذي أخلص نيته، وفقه سنةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في مراعاة أحوال المصلين؛ بحيث لا يشق عليهم فيطيل بهم، ويفتنهم وينفرهم، فإنه يكون بذلك محُبَّبًا ومؤثِّرًا في الناس ومرغِّبًا لهم في هذا الفضل العظيم.

    ولذا حث النبيُّ صلى الله عليه وسلم على التجوز، وحذَّر في موعظة قوية من التنفير، فقد جاء عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال: "والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلانٍ مما يطيل بنا، قال أبو مسعود: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا منه يومئذٍ، ثم قال: إن منكم منفرين، فأيكم صلَّى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيفَ والكبيرَ وذا الحاجة" (متفق عليه).

    ندرك أن تطويل الصلاة فتنة وتنفير للناس عن الصلاة في جماعة، ولا يخفى ما في هذا من المفاسد، والتسبب في تعطيل الواجب، وحرمان الناس من فضل الجماعة؛ ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا كما في حديث أبي مسعود، ووصف معاذًا بأنه فتان بهذا الصنيع لكي يحذر منه.

    ولا يعني هذا أن يخفف الإمام الصلاة إلى درجة إسقاط الواجب أو التساهل المقيت كما يفعل البعض -هداهم الله- بحجة مراعاة الناس، فإن في هذا مفسدةً أعظم، ولكن الأمر يعني التزام الوسطية في الأمر، والشعور بالمسؤولية وهو يؤدي هذا العمل، ومحاولة كسب الناس، والعمل على أن يحبب لهم القيام بما فرض الله عليهم مع إتمام الصلاة في جميع ما أوجبه الله فيها من القراءة، والطمأنينة، وإتمام الركوع والسجود، والتسبيح والتحميد وسائر ما يجب فيها.

    ونحن نجد أحيانًا مِن بعض الأئمة مَن هو على طرفي نقيض، فنجد مَن يطيل بهم، ويشق على الكبير والضعيف والمريض وذي الحاجة، فينفرهم وينفر غيرهم فلا يصلي وراءه إلا القليل، ونجد آخر يسارع في الصلاة إلى درجة لا يتمكن معها المأموم من أداء الواجب، وكِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأمورِ ذميمُ.


    ومِن هنا نأخذ أن الإمام يقدِّر الأمر بنفسه، فهو أعرف بجماعته، وهنا تقع المسؤولية عليه في تقدير الأحوال، وأخذ الحيطة والحذر أثناء قيامه بهذا العمل الجليل. والله أعلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تنبيهات رمضانية

    تنبيهات رمضانية (3)

    فقه البكاء عند تلاوة القرآن

    كتبه/ محمد إسماعيل المقدم


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما زال الحديث موصولًا حول بعض الفوائد والتنبيهات الرمضانية التي تمس الحاجة إلى بيانها، مما يتعلَّق بمخالفات للسنة تتكرر في شهر رمضان المعظم بصورة موسمية، ومن ذلك:

    البكاء عند تلاوة القرآن:

    يستحب البكاء عند تلاوة القرآن المجيد، قال الله تعالى في سياق الثناء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: "إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبُكيًّا"، وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء".

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النارَ رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضَّرْع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم".

    وروى خالد بن معدان عن كعب الأحبار قال: "لأن أبكي من خشية الله أحبُّ إليَّ مِن أن أتصدق بوزني ذهبًا".

    وعن الحسن قال: "إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فَقُهَ الفقهَ الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْرُ وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على ظهر الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في سرٍّ؛ فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت؛ إن كان إلا هَمْسًا بينهم وبين ربهم عز وجل، ذلك أن الله عز وجل يقول: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية"، وذلك أن الله تعالى ذكر عبدًا صالحًا ورضي قوله، فقال: "إذ نادى ربه نداءً خفيًّا".

    وكان إبراهيم التيمي يقول: "المخلص مَن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته"، وقال الحسن البصري: "إن كان الرجل ليجلس المجلس، فتجيئه عبرته فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام".

    وفي قوله تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ"، أي: تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله، وإن كانوا يخافون الله، فهذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته؛ لا كما يفعل جهال العوام، والمبتدعة الطَّغام من الزعيق والزئير، ومن النهاق الذي يشبه نُهاق الحمير!

    فيُقال لمن تعاطى ذلك، وزعم أن ذلك وجدٌ وخشوع: لم تبلغ أن تساويَ حال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا حال أصحابه رضي الله عنهم في المعرفة بالله، والخوف منه، والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله، والبكاء خوفًا من الله؛ ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال: "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"؛ فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم، ومَن لم يكن كذلك، فليس على هديهم، ولا على طريقتهم، فمن كان مُستَنًا فليستن، ومَن تعاطى أحوال المجانين والجنون؛ فهو من أخسهم حالًا، والجنون فنون!

    وروى الترمذي وصححه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوبُ" الحديث، ولم يقل: زعقنا، ولا رقصنا، ولا زَفَنًّا، ولا قُمْنَا" (تفسير القرطبي).

    ولأن الرياء كالزجاج يشف عما وراءه، فسرعان ما يُفْتَضَح المرائي، ويعامَل بنقيض قصده!

    رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "مَن تزين بما ليس فيه، شانه الله".

    التنبيه:

    البكاء عند تلاوة القرآن وسماعه ليس مقصودًا لذاته، ولا هو المراد في الأصل؛ إنما المقصود حضور القلب وتدبره لما يتلو ويسمع، فيُحدث له ذلك إيمانًا ويقينًا، ورغبة ورهبة، ومحبة وشوقًا، وتُوجب له هذه الأمور خضوعًا وخشوعًا، وذلًّا وانكسارًا، يصاحب ذلك رقة وبكاء.

    فهذا البكاء يُمدح ويثنَى على صاحبه، لا البكاء المجرد عن السبب الذي ذكرتُ، العاري عن الخشوع الذي وصفتُ، ولا البكاء المتكلَّف أو الذي يُراد به وجه الخلق.

    وينبغي للقارئ إذا كان مع الناس أن يخفي بكاءه ما استطاع، وإذا كان وحده فليبكِ ما شاء، لكن لا يحَدِّثُ به بعدُ.

    ولقد رأيتُ مِن الأئمة مَن يتجهز للبكاء قبل الصلاة!

    ورأيت مَن يُقدِّم الإمام إلى الصلاة، ويقول له: ابكِ يا شيخ!

    ورأيت مَن يبكي أثناء الفاتحة في الركعة الأولى!

    بل إن بعضهم لتخرج منه تكبيرة الإحرام مخنوقة من البكاء!

    ما هكذا كان السلف! كانوا يبكون في مواضع البكاء، ويبكون غلبة لا تصنعًا، ويبكون لما تحدثه الآياتُ في قلوبهم من الخشوع والرقة، لا يبكون رياءً وسمعة.

    ولقد رأيت من لا تكاد تُفهم قراءته لكثرة بكائه! والله لـو كان هـذا غلبـة لعذرناه إذا أحسن قراءة الفاتحة، لكـن هـو التكلف!

    وصليت مرة خلف بعضهم فناح طوال الصلاة، وبعض من خلفه يبكون، ويتكلمون بالدعاء والنياحة والتأوهات في الصلاة وأثناء القراءة! ويخرجون المناديل من جيوبهم، ويمسحون وجوههم، ويتحركون هكذا وهكذا.

    قال ابن الجوزي رحمه الله: "إن أول الوجد انزعاج في الباطن، فإن كف الإنسان نفسه كي لا يُطَّلَعَ على حاله يئس الشيطان منه، فبعد عنه، كما كان أيوب السختياني إذا تحدث فَرَقَّ قلبُه مسح أنفه، وقال: ما أشد الزكام! وإن أهمل الإنسان نفسه ولم يبالِ بظهور وجده، أو أحب اطلاع الناس على نفسه نفخ فيه الشيطان، فانزعج على قدر نفخه".


    فالحاصل: أنه إذا كان البكاء لقصدٍ صالحٍ، لا لقصد الرياء؛ فلا مانع من ذلك، لكن إذا كان يرى أن ترديده لذلك قد يزعجهم، ويحصل به أصوات مزعجة من البكاء، فترك ذلك أولى حتى لا يحصل تشويش، أما إذا كان ترديد ذلك لا يترتب عليه إلا خشوع وتدبر وإقبال على الصلاة؛ فهذا كله خير.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تنبيهات رمضانية



    تنبيهات رمضانية (4)

    مكان الاعتكاف









    كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فما زال الحديث موصولًا حول بعض الفوائد والتنبيهات الرمضانية التي تمس الحاجة إلى بيانها، مما يتعلَّق بمخالفات للسُّنة تتكرر في شهر رمضان المعظم بصورة موسمية، ومن ذلك:

    مكــان الاعتكـــاف:

    - قال القرطبي: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد؛ لقول الله تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" .

    - وقال الموفق ابن قدامة: "لا يصح الاعتكاف في غير مسجد إذا كان بالمعتكف رجلًا، لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافًا، والأصل في ذلك قوله تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"، فخصَّهَا بذلك، فلو صح الاعتكاف في غيرها لم يختص تحريم المباشرة فيها، فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقًا".

    ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة:

    - قال ابن قدامة رحمه الله: "وإنما اشترط ذلك -أي: كون المسجد مسجد جماعة-"؛ لأن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يُفضي إلى أحد أمرين:

    - إما ترك الجماعة الواجبة.

    - وإما خروجه إليها، فيتكرر ذلك كثيرًا مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ للاعتكاف؛ إذ هو لزوم المعتكَف، والإقامة على طاعة الله فيه".

    ويلزمه الخروج إلى الجمعة، ولا يبطل اعتكافه؛ لأنه خروج بعذر مشروع، ولا يتكرر إلا مرة في الأسبوع.

    - قال الكاساني رحمه الله: "وكذا في الخروج في جمعة ضرورة؛ لأنها فرض عين، ولا يمكن إقامتها في كل مسجد، فيحتاج إلى الخروج إليها كما يحتاج إلى الخروج لحاجة الإنسان، فلم يكن الخروج إليها مبطلًا لاعتكافه".

    - قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب: الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها، لقوله تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد".

    - قال الحافظ في الفتح: "قوله: والاعتكاف في المساجد كلها: أي: مشروطية المسجد له، من غير تخصيصٍ بمسجدٍ دون مسجد".

    - وقال النووي رحمه الله: "وإذا ثبت جوازه في المساجد؛ صح في كل مسجد، ولا يُقبل تخصيصُ مَن خصه إلا بدليل، ولم يصح في التخصيص شيء صريح".

    تنبيهان:

    الأول: الحكمة من الاعتكاف لم شعث القلب بإقباله بالكلية على الله تعالى، ومِن ثَمَّ يِشُرع فيه ما يذهب فضولَ الطعام والشراب، ويستفرغ أخلاط الشهوات التي تعيق القلب عن سيره إلى الله تعالى، وذلك إنما يتم مع الصوم، بل اصطفى له النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أيام الصوم، وهو العشر الأخير من رمضان، وشرع فيه حبس اللسان عن كل ما لا ينفع في الآخرة من فضول الكلام، وشرع فيه قيام الليل اغتنامًا لشرف الوقت، واجتنابًا لفضول النوم، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان، كل هذا: تحصيلًا لمقصود الاعتكاف وروحه عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكَف موضعَ عِشْرَة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم؛ فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون، والله الموفق".


    الثاني: الاعتكاف سنة في كل وقت، وآكده في رمضان، وآكده في العَشر الأخير منه، فإذا تعارض مع فرض كـ"بر الوالدين، أو طاعة الزوج" قُدِّم الفرضُ، كما يُفعل في نظائره عند التعارض، فإن خالف والده واعتكف، قيل فيه: "عصى، وصَحَّتْ"، أي: عصى بارتكاب المحرم أثناء العبادة، وصحت العبادة؛ لانفكاك الجهتين، والله أعلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •