تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: احفظ رمضانك ليوم حسابك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,509

    افتراضي احفظ رمضانك ليوم حسابك

    احفظ رمضانك ليوم حسابك (1)


    كتبه/ علاء بكر


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فلا شك أن شهر رمضان كان موسمًا رائجًا للكثيرين ممن وفقهم الله -تعالى- بفضله لطاعته، فكانوا يتقلبون في العبادات ليل نهار؛ مِن صيامٍ، وأداء للصلوات المفروضة في المساجد، وقراءة القرآن، وصلاة التراويح، ودعاء وذكر، وحضور مجالس علم.

    وقبْل ذلك وبعده: الكف عن المعاصي والذنوب، مع إخلاص لله وصدق؛ فخرج كلٌّ منهم بالأجر العظيم، والرصيد الكبير مِن العمل الصالح؛ أشبه بالتاجر الذي أحسن استغلال تجارته فحقق في سوقه أرباحًا طائلة في وقتٍ قصيرٍ.

    ولكن ماذا بعد رمضان؟!

    هل سيحفظ هذا التاجر السعيد رأس ماله الذي جناه وينميه أم يضيعه بعد أن تعب فيه، خاصة وأنه مقبل قطعًا عن قريبٍ -وكل آتٍ قريب- على يومٍ للحساب والجزاء؛ يحتاج فيه -وبشدة- لكل جزءٍ -ولو قليل- مِن هذا الرصيد الذي لديه؟!

    وماذا لو كان هذا هو آخر موسم لهذه التجارة الرابحة يشهده؛ ففقد هذا الربح الوفير أو أتلفه ثم احتاج إليه -أو بعضه- أشد الاحتياج فلم يجده؟!

    كيف ستكون حسرته يوم لا يجد أي فرصة لإعادته؟!

    كم سيكون مقدار ندمه وقت لا ينفع الندم؟!

    إن هذا هو حال مَن أسرف على نفسه بعد رمضان، فنسي ما كان عليه مِن الطاعة والعبادة، وعاد أدراجه إلى اتباع نفسه في غيها وهواها؛ فانقطع عما كان متصلاً مِن الطاعات في رمضان، وترك ما داوم عليه العبادات، وغمس نفسه مِن جديدٍ في شهوات الدنيا وملاذها، وهو لا يدري -أو تناسى- أنه يحبط بذلك حسناته التي اكتسبها باجتهاده في العبادة في رمضان.

    وأن الذنوب التي يقترفها في غفلته، ولا يسارع بالتوبة والاستغفار منها: إن كانت مِن الكبائر؛ فلن يغني عنه ما قدَّم في رمضان، فإن رمضان يغفر الذنوب ما اجتنبت الكبائر، وهو بكبيرته مِن أصحاب الوعيد الذين توعدهم الله -تعالى- بدخول النار على كبيرته -أو كبائره- التي يقترفها مِن غيبةٍ أو نميمةٍ، أو بهتانٍ أو كذبٍ، أو غشٍّ للناس، أو رشوة أو أكل مال حرام أو أكل ربا، أو سب مسلم، أو الاستهزاء به والسخرية منه، أو لعنه أو تكفيره أو قذف محصنات.

    وإن كانت مِن الصغائر: فتكاثرتْ عليه انتقصت مِن حسناته التي معه، فربما مع تعاقب الأيام والأسابيع والشهور على ذلك أفنتْ هذه الصغائر حسناته، أشبه بحال المفلس مِن هذه الأمة الذي تأكل سيئاته مع الناس مِن حسناته فتفنيها، فلا يجد عند الحساب والجزاء منها شيئًا، أحوج ما يكون محتاجا إليها -والعياذ بالله-، فإن السيئات تأكل الحسنات كما أن الحسنات تأكل السيئات.


    وقد حذر "القرآن الكريم" مِن ذلك أشد التحذير بمثلٍ بليغٍ ضربه لمَن هذا حاله؛ قال الله -تعالى-: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة:266).

    قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "فصار صاحب هذا المثل الذي عمل لله ثم أبطل عمله بمنافٍ له، يشبه حال صاحب الجنة التي جرى عليها ما جرى حين اشتدت ضرورته إليها" (تفسير السعدي).
    وهذا ما سنبينه -إن شاء الله تعالى- في المقال القادم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,509

    افتراضي رد: احفظ رمضانك ليوم حسابك

    احفظ رمضانك ليوم حسابك (2)


    كتبه/ علاء بكر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما سأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله -تعالى-: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) (البقرة:266)، قال عن الآية: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: "أَيُّ عَمَلٍ؟" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لِعَمَلٍ"، قَالَ عُمَرُ: "لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ" (رواه البخاري).

    قال ابن كثير -رحمه الله-: "وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية، وتبيين ما فيها مِن المثل بعمل مَن أحسن العمل أولاً، ثم بعد ذلك انعكس سيره؛ فبدَّل الحسنات بالسيئات -عياذًا بالله مِن ذلك-، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم مِن الصالح، واحتاج إلى شيءٍ مِن الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء، وخانه أحوج ما كان إليه، ولهذا قال -تعالى-: (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ) وهو الريح الشديد، (فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ): أي أحرق ثمارها، وأباد أشجارها؛ فأي حال يكون حاله؟!" (تفسير ابن كثير).

    فمَن حصَّل في رمضان الحسنات الكثيرة كهذا الغني -الذي ضرب به المثل في الآية- صاحب الجنة ذات النخيل والعنب -وخص النخيل والأعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الأشجار-، وله ذرية صغار ضعفاء مِن البنات والغلمان؛ فكانت معيشته ومعيشة ذريته مِن ذلك البستان، فلما ضيع ما كان معه مِن الحسنات بعمل السيئات التي أضاعتْ عليه ثواب ما كان قدَّم في "رمضان" - كان حاله بذلك كحال صاحب هذا البستان عندما أصاب بستانه ريح فيها نار فأحرقته، فلم يعد يملك شيئًا، ولم يكن عنده قوة -لكبره- على أن يغرس شجره ثانية، ولم يكن عند بنيه خير فيعودون به على أبيهم، فافتقر عند أشد الحاجة للبستان وشجره؛ عند كبر سنه وضعف ذريته.

    وكذلك حال مَن ضيع ثواب "رمضان" العظيم الذي حصَّله باجتهاده في الطاعة في رمضان، ثم أضاعه بعده، فلم يجد هذا الثواب في صحيفة حسناته يوم القيامة أحوج ما تشتد حاجته إليه، فيا له مِن مثل لمَن يعتبر!

    لذا ختم الله -تعالى- الآية بقوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة:266).


    قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني، وتنزلونها على المراد منها، كما قال -تعالى-: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت:43)، وعن ابن عباس قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ): تتفكرون في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها" (تفسير ابن كثير).






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •