**كيف نُعِدُّ أبناءنا لاستقبال شهر رمضان**
هدى محمد نبيه
أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن استقبال شهر رمضان المبارك، بما يحمله لنا من نفحاتٍ ربَّانية كريمة، ولا شكَّ أنَّ لكل أسرةٍ أسلوبٌ في الاستعداد لهذا الشهر الفضيل، فهناك من يعتبرون شهر رمضان شهر المأكولات والبرامج التليفزيونية؛ فتتنوع المأكولات على الموائد، وتكثر العزائم والسهرات، وإذا لم تكن هناك سهراتٌ خارج المنزل؛ فليس هناك ما يمنع من جعلها داخل المنزل، وكيف وقد أعطانا التلفاز كلَّ ما لذَّ وطاب من أفلامٍ ومسلسلاتٍ وبرامج عن المشاهير من فنانين وفنانات.
وهناك أسر أخرى يكون لها استعدادٌ آخر، فبمجرَّد اقتراب الشهر الفضيل يملؤها الحماس، فتعمل على شحذ الهمم لاغتنام الرصيد الأعلى من الحسنات، وجمع القدر الأكبر من الطاعات، وتقسيم الوقت للاستفادة القصوى من كل دقيقة تمر؛ ليكون القسم الأكبر لإقامة الصلاة وقراءة القرءان وسماع الخطب الدينية.
فشتَّان هنا بين هاتين الأسرتين:
الأولى تبتغي الحياة الدنيا بما فيها من متاعٍ زائلٍ.
والأخرى تبتغي رضوان الله ومغفرته؛ أملاً في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.
وأيًّا ما كانت الطريقة التي نستقبل بها شهر رمضان؛ فإننا ننقلها إلى أبنائنا، فما رأيك! هل تريد أنْ تكون مثل الأسرة الأولى بنظْرتها القاصرة، أم تكون مثل الأسرة الثانية التي وضعت نصب أعينها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته؛ إلا حرَّم الله عليه الجنة" متفق عليه.
فإذا كنت من النوع الأول من الأُسَرِ؛ فهل تقبل بالتغيير هذا العام؟!!
وليس هذا لمصلحتك أنت فقط، ولكن لصالح أبنائك، كيف لاوالله سيسألك عن عمرك فيماأفنيته؟ وعن أولادك هل درَّبتهممن الصغر ليكونوا مسئولين عما سيسألهم الله عليه؟!
مما لا شكَّ فيه أنَّ شهر رمضان يُعَدُّ فرصة عظيمة، ومناسبة فريدة يستطيع الأهل من خلالهاأنْ يُعوِّدوا أبناءهم على أداء الصيام خاصة، وتعاليم الإسلام عامة؛ كالصلاة، قراءة القرءان، وحسن الخلق، واحترام الوقت والنظام، ونحو ذلك من الأحكام والآداب الإسلامية، التي ربما لا يُسعف الوقت في غير رمضان لتعليمهاوتلقينها.
فكيف يمكننا إعداد أطفالنا لاستقبال شهر رمضان وتحبيبهم فيه، وتعليمهم فضائل هذا الشهر الكريم؟
** كيف نستعد نحن وأطفالنا لاستقبال شهر رمضان؟
1- تعليق الزينات، فلتقل لطفلك: علينا بتزيين غرف المنزل لاستقبال ضيفنا العزيز الذي سيبقى معنا لثلاثين يوماً، فنقوم بتعليق الزينات التي يكون من المستحبِّ أنْ يقوم الطفل بعملها بنفسه بمساعدة الكبار، ولسوف ترى كيف سيتأثَّر الطفل بما قام به من مجهود في تزيين غُرف المنزل، فيا لها من فرحةٍ وبهجةٍ، كما يمكننا تقديم الهدايا لأطفالنا مثل فانوس رمضان أو مصحف جديد، وبهذا سيرتبط في ذهن الطفل مجئ رمضان بتلك الأجواء من الفرح والسعادة.
2- الجلسات العائلية، بحيث يجتمع أفراد الأسرة من أب وأم وأولاد، والأجداد إن كانوا يُقيمون في نفس الدار؛ ليتحدَّثوا عن فضل شهر رمضان، وكيف أنَّه فرصة لنستزيد من حسناتنا، ونتقرَّب إلى الله، فأبواب الجنة مفتوحة، وأبواب النار مغلقة، والشياطين مقيَّدة، مع التبسُّط في الحديث مع الأولاد؛ حتى تصل لهم المعلومة بسهولة ويسر.
3- ثياب العبادة، فعلى كلِّ أمٍ تجهيز أولادها بالثياب المناسبة لأداء العبادات، فتقوم بتجهيز الفتاة بالزي المناسب، والطرحة المناسبة التي سوف تقوم بالصلاة بها، وتجهيز أحذيةٍ مناسبة للصبيان خالية من الأربطة التي يُمكنها أنْ تُعطِّل الفتى عن دخول المسجد، وتُعطِّل من خلفه من المصلين.
4- ليلة استقبال رمضان نقول عند رؤيتنا الهلال كما علَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم أهلَّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله"، رواه الترمذي والدارمي.
5- ارتياد المساجد: رمضان فرصةٌ لتعويد الأطفال ارتياد المساجد؛ حتى نُعيد للمسجد رسالته ودوره؛ ليأتي لنا بأمثال أطفال الصحابة, لا بُدَّ وأنْ نُمَهِّدَ للأطفال الطريق للوصول إليه، والتعلق به، وأنْ نغرس في نُفوسهم معنى الشابِّ صاحبِ القلب المعلَّقِ بالمسجد، والذي سوف يُظِلُّه الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، مع مراعاة تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة، مثل: أهمية التحرُّز من النجاسة؛ كالبول وغيره، وكيفية الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة جسمه وملابسه، مع شرح علاقة الطهارة بالصلاة.
6- تقسيم الوقت، فنقوم بعمل جدولٍ يوميٍ مُكَوَّنٍ من ثلاثين يوماً، مكون من عدَّة خاناتٍ توضِّح الواجبات اليومية والفروض التي على الطفل أداؤها، مع ترك خانة للتقييم، وجعل كل يوم بعدد محدَّدٍ من الدرجات، نقوم بإعطائها للطفل على أساس ما قام به من واجبات، ويتمُّ التقييم النهائي في آخر الشهر الكريم، فإذا حصل الطفل على عددٍ معينٍ من الدرجات؛ نُحْضِرُ له الهدية التي يُفضِّلها، وتعتبر هديَّة العيد.
7- الطفل الذي يبدأ بالصيام لأول مرة فإنَّنا نجعله يبدأ بصيامِ جزءٍ فقط من النهار يزداد تدريجيًّا ليصل إلى النهار كله، فيبدأ الطفل الذي في عمر خمس سنوات أو أقل بالصيام إلىالظهر، وإذا وَجَدَ الأهل لدى الطفل المقدرة على تحمُّل الجوع والعطش تتمُّ زيادة فترة الصيام إلى العصر،ومن ثمَّ إلى المغرب، ولا نقوم بالتشديد على أبنائنا لكي يصوموا اليوم كله، وفائدة صيام جزء من اليوم تكمن في تشجيع الطفل على الصدق؛ فهو ليس مطالباً بصيام اليوم كاملاً، وهكذا عندما يشعر بالتعب الشديد وخاصة العطش يستطيع أنْ يُنهي صيامه ويشرب أمامالجميع، وذلك بدلاً من أنْ يتظاهربالصيام بينما هو يأكل ويشرب فيالخفاء.
وعندما يتمكن الطفل من صيام يومٍ كاملٍ تُقيمله العائلة احتفالاً صغيراً، يُقدِّمون له الهدايا التي يُحبُّها؛ احتفالاً منهم بصومه اليوم الكامل.
8- السحور: على الآباء تعويد أطفالهم على تناول وجبة السحور مع العائلة, فالطفل قد لا يستطيع الصبر على الجوع, فمرحلة الطفولة هي مرحلة إعدادٍ وتدريبٍ وتعويدٍ للوصول إلى مرحلة التكليف عند البلوغ؛ ليسهل عليه أداء الواجبات والفرائض عند الكبر، وعلى الأم مراعاة أنْ تحتوي وجبة السحور على كمِّيات متوازنة من البروتينات والدهون والسكريات؛ حتى تمدَّه بالطاقة الحرارية اللازمة للاستفادة من اليوم الدراسي، وعلى سبيل المثال: يُمكن أنْ يتناول الطفل وجبةً مكوَّنة من البيض والفول والجبن والقشدة وعسل النحل، وكمِّية كافية من السوائل، مثل: اللبن والعصائر، مع محاولة الحد من المجهود العضلي الشاق للطفل أثناء الصيام؛ لتقليل فقدان السوائل عن طريق العرق وسرعة التنفس, وكذلك السعرات الحرارية.
9- الإفطار: يُفضَّل تقديم وجبة فطور خفيفة سهلة الهضم، فيبدأ الطفل بمشروبٍ يحتوي على السكر أو العسل، أو يتناول التمر في بداية الوجبة؛ لأنَّ التمر يحتوي على سكَّريَّاتٍ سهلةِ الهضم، وذلك لتنبيه المعدة لتبدأ عملها، فلا يصاب الطفل بعُسرِ هضمٍ، ويجب أنْ يحتوي طعام الإفطار على: البروتينات مثل: لحم - دجاج – سمك..
البقوليات والنشويات مثل: الأرز - المكرونة والخضراوات والفاكهة.
ويجب على الأم أنْ تتجنَّب تقديم أطباقٍ كثيرةٍ؛ لأنها تؤدِّي إلى التخمة، وإلى الشعور بالكسل, كما يُفَضَّلُ تحاشي الأطعمة الدسمة والمقليَّة؛ لأنها صعبة الهضم، وبالتالي تحتاج إلى وقت وطاقة كبيرين, مما يؤدِّي إلى الشعور بالتعب والنعاس.
10- صلة الرحم: زيارة الأقارب؛ سواء كان الجد أو الجدة، وكلاً من الأعمام والعمات، أو الأخوال والخالات؛ ليتعوَّد الأبناء على أهمية التواصل مع أهليهم والبر بهم.
11- التجمُّع الأسري، وفيها يتلو أحد الصغار بالمنزل قراءةَ جزءٍ مما حفظه من القرءان، ثم يُعقِّبُ الوالد أو الوالدة على الآيات، مع ربطها بالحياة،أو يطلب من الأولاد أنْ يقرأ كلٌ منهم قصة أحد الصحابة ليحكيها للأسرة.
12- يمكن إشراك البنات والأولاد في إعداد الوجبة الساخنة لإفطار أحد الفقراء يوميًّا من الجيران أو غير القادرين من كبار السن كجارة مسنَّة ووحيدة مثلاً، أو غيرهم من المستحقين، ويمكن أنْ تكون المشاركة ولو بوضع الملح على الطعام أو تغليفه، ثم الذهاب به لصاحبه، فالمهمُّ تأكيدُ مفاهيم المشاركة والتكافل والتراحم والعطف والاستمتاع بالشعور بالقدرة على الفعل.
13- كما يمكن اصطحاب الأطفال في عطلةِ نهايةِ الأسبوع إلى أحد دُورِ رعاية الأيتام للعب مع إخوانهم هناك، والمشاركة في إعطائهم الحلوى والهدايا، وتناول وجبة الإفطار في هذا اليوم معهم، وقراءة الكتب والقصص وغيرها.
14- الأبناء الأكبر سنًّا يمكننا أنْ ندربهم على إدارة ميزانية الأسرة، وهذا لن يجعلهم يطلبون منَّا مطلباً لا تستطيع ميزانية الأسرة أنْتتحمَّله؛ لأنَّه في هذه الحالة سيكون أولمن يعلم حدود طلباته التي يمكن أنْ تلبيها الإمكانية المادية الحقيقية للأسرة، فلا يطلب ما هو أكثر، بل ربما يقترح أنْ يستغني عن بعض طلباته من أجل أخيه أو أخته، أو من أجل أنْ تبدو الأسرة ككل بمظهرٍ لائقٍ إذا فوجئت ببابٍ لم يكن في الحسبان خلال هذا الشهر، مثل المجاملات العائلية المختلفة،فيتعلَّم شيئاً جديداً هو الإيثار، هذابالإضافة إلى أن يتعلَّم -تتعلم- مهارةَ حلِّ الأزمات والتفكير في الخروج من أيِّأزمة، وعدم التقوقع فيها، أو اللجوءإلى الغير لحلِّها، فلا يُصبح الاقتراضهو الطريق السهل أو التلقائي لحلِّأزماتنا المالية، فهو إنْ بدا حلًّاسهلاً، فقد يتحوَّل إلى مرض مزمن لانستطيع التخلُّص منه، والعلاج يكون بأنْنفكِّر نحن في البداية كيف نَخْرُجُ منالمأزق في حدود إمكانيَّاتنا.
15- أما بالنسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فعلينا أن نُساعدهم على اجتياز إعاقتهم، وأنْ نُشعرهم بقرب لغة التفاهم والحوار، وأنْ نجعلهم يشاركوننا فرحة وبهجة المناسبات الدينية، وتفعيل هذه الواجبات في صورةٍ مادِّيةٍ ملموسةٍ؛ فلا يشعر الطفل الخاص أنَّه مختلف أو غريب بين الناس، فعلى أفراد الأسرة بثَّ الثقة فيه، وتأكيد مشاركته للآخرين، وتنشئته في بيئة سليمة طبيعية؛ حتى يكون قادراً على تحدِّي إعاقته، والطفل إذا كانت إعاقته جسديَّةٌ، كأن تكون بصرية أو سمعية أو حركية؛ فهذه الإعاقة لا تحول دون تكليفه بأداء فريضة الصيام، أما إذا كانت الإعاقة ذهنية؛ بحيث يترتَّب عليها أنَّه لا يفهم ولا يدرك أحكام الشرع؛ فإن هذا قد رُفِعَ عنه التكليف.
16- مسابقة الأسرة: كإجراء مسابقةٍ لمن يختم القرءان أكثر عدد مرات في رمضان، وعمل جوائز، أو القيام برحلاتٍ في إجازة العيد أيًّا ما يقترحه الأبناء.
وأخيراً: ولئن نجح أعداء الإسلام في تعويد أجيالٍ من أطفال المسلمين على أنَّ رمضان ما هو إلا أكلٌ وشربٌ وفوانيسَ وفوازيرَ مع النوم، أو التسلية بأي شيء سوى القرءان أو الذكر؛ فإن أمامنا الفرصة سانحة من خلالشهر رمضان نفسه -ذلك المحضن التربوي الكبير- أنْ نبني أبناءنا إيمانيًّا، ونربيهم على خصال الخير التي تكثر وتتجمَّع ميادينها في رمضان..
وأُحِبُّ أنْ أهمس لكل أمٍّ وكلِّ أبٍ أنَّ أمتنا المسلمة أمة مستهدفة؛ ولذا فإنَّ من الجريمة في حق أطفالنا تركهم ضحيَّةً للمحطَّات والقنوات الفضائية، التي تغرس فيهم القيم والسلوكيَّات المنحرفة عن طريق ما تبثُّه من برامج وأفلام وترفيه غير بريء، تحت مُسمَّى قنوات الطفل، فلا تُقَلِّلا من مخاطرِ هذه القنوات التي تعمل على أفسادِ أخلاقِ أطفالنا.