تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,018

    افتراضي المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

    هذه المراحل بينها الشيخ عبد الله بن غديان :

    طالب العلم في حاجة إلى هذه المراحل العشرة فإذا انتهى منها يبدأ في حفظ الآيات التي درسها على هذا الوجه وهي:
    1-تحديد آيات الموضوع و يستعان فيه ببعض المصاحف الهندية التي تحدد الموضوع
    2-معاني المفردات يستعان بكتب معاني المفردات
    3-معرفة سبب النزول يستعان بكتب أسباب النزول
    4-معرفة الناسخ والمنسوخ يستعان بكتب الناسخ و المنسوخ
    5-معرفة المتشابه اللفظي يستعان بكتب المتشابه اللفظي
    6-معرفة المتشابه المعنوي يستعان بكتب المتشابه المعنوي مثل دفع إيهام الإضطراب
    7-معرفة معاني الجمل حسب علامات الوقف هناك علامات في المصحف و بتفسير ابن جرير
    8-معرف العلاقة بين هذا الجمل يستعان بكتب المناسبة مثل نظم الدرر
    9-معرفة المعنى العام لآيات الموضوع يستعان ببعض التفاسير مثل تفسير السعدي
    10-معرفة الأحكام التي تؤخذ من هذه الآيات يستعان ببعض التفاسير مثل أحكام القرآن لابن العربي و القرطبي

    بعد هذه المراحل العشر يبدأ في حفظ الآيات ولو أنه سلك هذا الطريق سيكون قد جمع بين فهم القرآن ، وعلى المرء إن حفظ القرآن أن يهتم بقراءة ما حفظه غيبا باستمرار وبشكل يومي ، كأن يتابع قراءة ما حفظه في الصلوات السرية، وصلاة النوافل، لأن ذلك يساعده على تثبيت حفظه للقرآن . انتهى

    ملاحظة اعتمدت من الكتب التي لم يذكر ها الشيخ ما يلي :

    1-في معاني المفردات تذكرة الأريب لابن الجوزي
    2-في الناسخ و المنسوخ المصفى بأكف أهل الرسوخ في علم الناسخ و المنسوخ لابن الجوزي
    3-في المتشابه اللفظي أسرار التكرار في القرآن للكرماني

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,018

    افتراضي رد: المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

    سورة البقرة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

    معاني المفردات :

    قوله تعالى ( الم ) كان جماعه من العلماء يرون هذا من المتشابه الذى انفرد الله تعالى بعلمه وفسره اخرون فقالو ا هى حروف من اسماء الله تعالى
    و ( ريب ) الشك

    سبب النزول :

    لم يذكر السيوطي للموضع سبباً في لباب النقول

    الناسخ و المنسوخ :

    الآية الأولى قوله تعالى ( ومما رزقناهم ينفقون ) قال مجاهد هي نفقة النقل وقال آخرون هي الزكاة وتحتمل العموم فالآية محكمة وزعم بعضهم أنها نفقة كانت واجبة قبل الزكاة وزعم أنه كان فرض أن يمسك مما في يده قدر كفاية يومه وليلته ويفرق الباقي على الفقراء ثم نسخ ذلك بآية الزكاة وهو بعيد

    المتشابه اللفظي :

    قوله تعالى : ( ألم ) هذه الآية تتكرر في أوائل ست سور ، فهي من المتشابه لفظاً ، و ذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله ( و أخر متشابهات ) هي هذه الحروف الواقعة في أوائل السور ، فهي أيضاً من المتشابه لفظاً و معنى ، و الموجب لذكره أول البقرة من القسم و غيره ، و هو بعينه الموجب لذكره في أوائل السور المبدوءة به ، و زاد ف يالأعراف صاداً بعده : ( فلا يكن في صدرك حرج منه ) و لهذا قال بعض المفسرين : معنى ( ألمص ) ألم نشرح لك صدرك . و قيل معناه المصور . و زاد في الرعد راء لقوله بعده ( الله الذي رفع السماوات )

    المتشابه المعنوي :

    قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أشار الله تعالى إلى القرآن في هذه الآية إشارة البعيد وقد أشار له في آيات أخر إشارة القريب كقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وكقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} الآية وكقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ}, وكقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}, إلى غير ذلك من الآيات, وللجمع بين هذه الآيات
    أوجه: -الأول-ما حرره بعض علماء البلاغة من أن وجه الإشارة إليه بإشارة الحاضر القريب أن هذا القرآن قريب حاضر في لأسماع والألسنة والقلوب, ووجه الإشارة إليه بإشارة البعيد هو بعد مكانته ومنزلته عن مشابهة كلام الخلق وعما يزعمه الكفار من أنه سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين .

    الوجه الثاني: هو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره من أن ذلك إشارة إلى ما تضمنه قوله: {الم} وأنه إشارة إليه إشارة البعيد لأن الكلام المشار إليه منقض ومعناه في الحقيقة القرب لقرب انقضائه وضرب له مثلا بالرجل يحدث الرجل فيقول له مرة: والله إن ذلك لكما قلت, ومرة يقول: والله إن هذا لكما قلت, فإشارة البعيد نظرا إلى أن الكلام مضى وانقضى وإشارة القريب نظرا إلى قرب انقضائه.

    الوجه الثالث: أن العرب ربما أشارت إلى القريب إشارة البعيد فتكون الآية على أسلوب من أساليب اللغة العربية ونظيره قول خفاف ابن ندبة السلمي لما قتل مالك بن حرملة الفزارى:

    فإن تك خيلى قد أصيب صميمها **** فعمدا على عيني تيممت مالكا

    أقول له والرمح يأطر متنه **** تأمل خفافا إنني أنا ذلكا

    يعني أنا هذا وهذا القول الأخير حكاه البخارى عن معمر بن المثنى أبي عبيدة قاله ابن كثير. وعلى كل حال فعامة المفسرين على أن ذلك الكتاب بمعنى هذا الكتاب.

    قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} هذه نكرة في سياق النفي ركبت مع لا فبنيت على الفتح. والنكرة إذا كانت كذلك فهي نص في العموم كما تقرر في علم الأصول, و {لا} هذه التي هي نص في العموم هي المعروفة عند النحويين بـ (لا) التي لنفى الجنس, أما (لا) العاملة عمل ليس فهي ظاهرة في العموم لا نص فيه, وعليه فالآية نص في نفي كل فرد من أفراد الريب عن هذا القرآن العظيم, وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجود الريب فيه لبعض من الناس كالكفار الشاكين كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} , وكقوله: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}, وكقوله: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}. ووجه الجمع في ذلك أن القرآن بالغ من وضوح الأدلة وظهور المعجزة ما ينفي تطرق أي ريب إليه, وريب الكفار فيه إنما هو لعمى بصائرهم, كما بينه بقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} فصرح بأن من لا يعلم أنه الحق أن ذلك إنما جاءه من قِبل عَماه ومعلوم أن عدم رؤية الأعمى للشمس لا ينافي كونها لا ريب فيها لظهورها:

    إذا لم يكن للمرء عين صحيحة **** فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

    وأجاب بعض العلماء بأن قوله لا ريب فيه خبر أريد به الإنشاء أي لا ترتابوا فيه وعليه فلا إشكال.
    قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}. خصص في هدى هذا الكتاب بالمتقين, وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن هداه عام لجميع الناس, و هي قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ} الآية. ووجه الجمع بينهما أن الهدى يستعمل في القرآن استعمالين أحدهما عام والثاني خاص. أما الهدى العام فمعناه إبانة طريق الحق وإيضاح المحجة سواء سلكها المبين له أم لا ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } أي بينا لهم طريق الحق على لسان نبينا صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مع أنهم لم يسلكوها بدليل قوله عز وجل: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}, ومنه أيضا قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}, أي بينا له طريق الخير والشر بدليل قوله: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}. وأما الهدى الخاص فهو تفضل الله بالتوفيق على العبد ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} الآية. وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}, فإذا علمت ذلك فاعلم أن الهدى الخاص بالمتقين هو الهدى الخاص وهو التفضل بالتوفيق عليهم والهدى العام للناس هو الهدى العام, وهو إبانة الطريق وإيضاح المحجة, وبهذا يرتفع الإشكال أيضا بين قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} مع قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}, لأن الهدى المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص لأن التوفيق بيد الله وحده ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا, والهدى المثبت له هو الهدى العام الذي هو إبانة الطريق وقد بينها صلى الله عليه وسلم حتى تركها محجة بيضاء ليلها كنهارها, والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

    معاني الجمل :

    قال أبو جعفر اختلفت تراجمة القران في تأويل قول الله تعالى ذكره الم فقال بعضهم هو اسم من أسماء القران ، وقال بعضهم هو فواتح يفتح الله بها القرآن ، وقال بعضهم هو اسم للسورة ، وقال بعضهم هو اسم الله الأعظم ، وقال بعضهم هو قسم أقسم الله به وهي من أسمائه ، وقال بعضهم هو حروف مقطعة من أسماء وأفعال كل حرف من ذلك لمعنى غير معنى الحرف الآخر ، وقال بعضهم هي حروف هجاء موضوع ، وقال بعضهم هي حروف يشتمل كل حرف منها على معان شتى مختلفة ، وقال بعضهم هي حروف من حساب الجمل ، وقال بعضهم لكل كتاب سر وسر القرآن فواتحه

    ذلك الكتاب لا . . . . . قال عامة المفسرين تأويل قول الله تعالى ذلك الكتاب هذا الكتاب

    وتأويل قوله لا ريب فيه لا شك فيه

    والهدى في هذا الموضع مصدر من قولك هديت فلانا الطريق إذا أرشدته إليه ودللته عليه وبينته له أهديه هدى وهداية

    وأولى التأويلات بقول الله جل ثناؤه هدى للمتقين تأويل من وصف القوم بأنهم الذين اتقوا الله تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه فتجنبوا معاصيه واتقوه فيما أمرهم به من فرائضه فأطاعوه بأدائها

    والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل

    ...وأولى القولين عندي بالصواب وأشبههما بتأويل الكتاب القول الأول وهو أن الذين وصفهم الله تعالى ذكره بالإيمان بالغيب وما وصفهم به جل ثناؤه في الآيتين الأولتين غير الذين وصفهم بالإيمان بالذي أنزل على محمد والذي أنزل إلى من قبله من الرسل

    القول في تأويل قوله تعالى ( ويقيمون ) إقامتها أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها على ما فرضت عليه

    وأما الصلاة في كلام العرب فإنها الدعاء كما قال الأعشى لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما يعني بذلك دعا لها وكقول الآخر أيضا وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم وأرى أن الصلاة المفروضة سميت صلاة لأن المصلي متعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه فيها من حاجاته تعرض الداعي بدعائه ربه استنجاح حاجاته وسؤله

    القول في تأويل قوله تعالى ( ومما رزقناهم ينفقون ) وأولى التأويلات بالآية وأحقها بصفة القوم أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل وعيال وغيرهم ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك لأن الله جل ثناؤه عم وصفهم إذ وصفهم بالإنفاق مما رزقهم فمدحهم بذلك من صفتهم فكان معلوما أنه إذ لم يخصص مدحهم ووصفهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبها دون نوع

    القول في تأويل قوله تعالى ( وبالآخرة هم يوقنون )
    قال أبو جعفر أما الآخرة فإنها صفة للدار كما قال جل ثناؤه وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون وإنما وصفت بذلك لمصيرها آخرة لأولى كانت قبلها كما تقول للرجل أنعمت عليك مرة بعد أخرى فلم تشكر لي الأولى ولا الآخرة
    وإنما صارت الآخرة آخرة للأولى لتقدم الأولى أمامها فكذلك الدار الآخرة سميت آخرة لتقدم الدار الأولى أمامها فصارت التالية لها آخرة وقد يجوز أن تكون سميت آخرة لتأخرها عن الخلق كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق

    وأما الذي وصف الله جل ثناؤه به المؤمنين بما أنزل إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل إلى من قبله من المرسلين من إيقانهم به من أمر الآخرة فهو إيقانهم بما كان المشركون به جاحدين من البعث والنشر والثواب والعقاب والحساب والميزان وغير ذلك مما أعد الله لخلقه يوم القيامة

    وأولى التأويلات عندي بقوله أولئك على هدى من ربهم ما ذكرت من قول بن مسعود وبن عباس وأن تكون أولئك إشارة إلى الفريقين أعني المتقين والذين يؤمنون بما أنزل إليك

    وأما معنى قوله أولئك على هدى من ربهم فإن معنى ذلك أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم

    وتأويل قوله وأولئك هم المفلحون أي أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله من الفوز بالثواب والخلود في الجنان والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب


    العلاقة بين الجمل :

    ولما كان المعنى ( آلم ) هذا كتاب من جنس حروفكم التي قد وفقتم في التكلم بها سائر الخلق فما عجزتم عن الإتيان بسورة من مثله لأنه كلام الله انتج ذلك كماله , فأشير إليه بأداة البعد ولام الكمال

    في قوله ( ذلك الكتب ) لعلو مقدار بجلالة آثاره وبعد رتبته عن نيل المطرودين .

    ولما علم كماله أشار إلى تعظيمه بالتصريح بما ينتجه ويسلتزمه ذلك التعظيم فقال ( لاريب فيه ) أي في شيء من معناه ولا نظمه في نفس الأمر عند من تحقق بالنظر فالمنفي كونه متعلقاً للريب ومظنة له , ولم يقد الظرف لأنه كان يفيد الاختصاص فيهم أن غيره من الكتب محل الريب وأصله قلق النفس واضراربه , ومنه ريب الزمان لنوائبه المقلقة

    ولما كان ذلك يستلزم الهدى قال : ( هدى ) وخص المنتفعين لن الألد لادواء له والتعنت لايرده شىء

    فقال : ( للمتقين ) أي الذين جلبوا في أصل الخلقة على التقوى ؛ فافهم ذلك أن غيرهم لا يهتدي به بل يرتاب وإن كان ليس موضعا للريب أصلا

    ثم وصفهم بمجامع الأعمال تعريفا لهم فقال ( الذين يؤمنون بالغيب ) أي الأمر الغائب الذي لا نافع في الإيمان غيره , وعبر بالمصدر للمبالغة .

    ( ويقيمون الصلاة ) أي التي هى حضرة المراقبة وأفضل أعمال البدن بالمحافظة عليها وبحفظها في ذاتها وجميع أحوالها .

    ولما ذكر وصلة الخلق بالخالق وكانت النفقة مع أنها من أعظم دعائم الدين صلة بين الخلائق أتبعها بها فقال مقدما للجار ناهيا عن الإسراف ومنبها بالتبغيض على طيب النفقة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وآمرا بالورع وزاجرا عما فيه شبهة [ لأن الرزق يشمل الحلال والحرام والمشتبه ( مما رزقناهم ) أي مكناهم من الانتفاع به على عظمة خزائننا وهو لنا دونهم ( ينفقون ) أي في مرضاتنا مما يلزمهم من الزكاة والحج والغزو وغيرها ومما يتطوعون به من الصدقات وغيرها , والمراد بهذه الأفعال هنا إيجاد حقائقها على الدوام .


    المعنى العام :

    تقدم الكلام على البسملة وأما الحروف المقطعة في أوائل السور فالأسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها [ من غير مستند شرعي ] مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها


    وقوله : ( ذلك الكتاب ) أي : هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين ف ( لا ريب فيه ) ولا شك بوجه من الوجوه ونفي الريب عنه يستلزم ضده إذ ضد الريب والشك اليقين فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب وهذه قاعدة مفيدة أن النفي المقصود به المدح لا بد أن يكون متضمنا لضده وهو الكمال لأن النفي عدم والعدم المحض لا مدح فيه


    فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال : ( هدى للمتقين ) والهدى : ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة وقال : ( هدى ) وحذف المعمول فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية ولا للشيء الفلاني لإرادة العموم وأنه هدى لجميع مصالح الدارين فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية ومبين للحق من الباطل والصحيح من الضعيف ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم في دنياهم وأخراهم


    وقال في موضع آخر : ( هدى للناس ) فعمم وفي هذا الموضع وغيره ( هدى للمتقين ) لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا ولم يقبلوا هدى الله فقامت عليهم به الحجة ولم ينتفعوا به لشقائهم وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر لحصول الهداية وهو التقوى التي حقيقتها : اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فاهتدوا به وانتفعوا غاية الانتفاع قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية والآيات الكونية


    ولأن الهداية نوعان : هداية البيان وهداية التوفيق فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية [ تامة ]


    ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة لتضمن التقوى لذلك فقال : ( الذين يؤمنون بالغيب ) حقيقة الإيمان : هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل المتضمن لانقياد الجوارح وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر إنما الشأن في الإيمان بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده وإنما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر لأنه تصديق مجرد لله ورسله فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به أو أخبر به رسوله سواء شاهده أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله أو لم يهتد إليه عقله وفهمه بخلاف الزنادقة المكذبين للأمور الغيبية ؛ لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم ومرجت أحلامهم وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله


    ويدخل في الإيمان بالغيب [ الإيمان بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة وأحوال الآخرة وحقائق أوصاف الله وكيفيتها [ وما أخبرت به الرسل ذلك ] فيؤمنون بصفات الله ووجودها ويتيقنونها وإن لم يفهموا كيفيتها


    ثم قال : ( ويقيمون الصلاة ) لم يقل : يفعلون الصلاة أو يأتون بالصلاة لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة فإقامة الصلاة إقامتها ظاهرا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها وإقامتها باطنا بإقامة روحها وهو حضور القلب فيها وتدبر ما يقوله ويفعله منها فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) وهي التي يترتب عليها الثواب فلا ثواب للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها


    ثم قال : ( ومما رزقناهم ينفقون ) يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير ولم يذكر المنفق عليه لكثرة أسبابه وتنوع أهله ولأن النفقة من حيث هي قربة إلى الله وأتى ب من الدالة على التبعيض لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم غير ضار لهم ولا مثقل بل ينتفعون هم بإنفاقه وينتفع به إخوانهم


    وفي قوله : ( رزقناهم ) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم وإنما هي رزق الله الذي خولكم وأنعم به عليكم فكما أنعم به عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم وواسوا إخوانكم المعدمين


    وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه فلا إخلاص ولا إحسان


    ثم قال : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) وهو القرآن والسنة قال تعالى : ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ) فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه إما بجحده أو تأويله على غير مراد الله ورسوله كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم بما حاصله عدم التصديق بمعناها وإن صدقوا بلفظها فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا


    وقوله ( وما أنزل من قبلك ) يشمل الإيمان بجميع الكتب السابقة ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه خصوصا التوراة والإنجيل والزبور وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم


    ثم قال : ( وبالآخرة هم يوقنون ) والآخرة : اسم لما يكون بعد الموت وخصه [ بالذكر ] بعد العموم لأن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان ؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل واليقين : هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل


    ( أولئك ) أي : الموصوفون بتلك الصفات الحميدة ( على هدى من ربهم ) أي : على هدى عظيم لأن التنكير للتعظيم وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة وهل الهداية [ الحقيقة ] إلا هدايتهم وما سواها [ مما خالفها ] فهو ضلالة


    وأتى ب على في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء وفي الضلالة يأتي ب في كما في قوله : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى مرتفع به وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر


    ثم قال : ( وأولئك هم المفلحون ) والفلاح [ هو ] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب حصر الفلاح فيهم ؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم وما عدا تلك السبيل فهي سبل الشقاء والهلاك والخسارة التي تفضي بسالكها إلى الهلاك فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم المعاندين للرسول

    الأحكام :

    1- حقيقة الغيب واختلاف العلماء فيه قوله (بالغيب ) وحقيقته ما غاب عن الحواس مما لا يوصل إليه إلا بالخبر دون النظر فافهموه


    وقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال :

    الأول ما ذكرناه كوجوب البعث ووجود الجنة ونعيمها وعذابها والحساب
    الثاني بالقدر
    الثالث بالله تعالى
    الرابع يؤمنون بقلوبهم الغائبة عن الخلق لا بألسنتهم التي يشاهدها الناس معناه ليسوا بمنافقين

    وكلها قوية إلا الثاني والثالث فإنه يدرك بصحيح النظر فلا يكون غيبا حقيقة وهذا الأوسط وإن كان عاما فإن مخرجه على الخصوص ، والأقوى هو الأول أنه الغيب الذي أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدي إليه العقول والإيمان بالقلوب الغائبة عن الخلق ويكون موضع المجرور على هذا رفعا وعلى التقدير الأول يكون نصبا كقولك مررت بزيد ، ويجوز أن يكون الأول مقدرا نصبا كأنه يقول جعلت قلبي محلا للإيمان وذلك الإيمان بالغيب عن الخلق وكل هذه المعاني صحيحة لا يحكم له بالإيمان ولا بحمى الذمار ولا يوجب له الاحترام إلا باجتماع هذه الثلاث فإن أخل بشيء منها لم يكن له حرمة ولا يستحق عصمة

    2- قال علماؤنا في ذكر الصلاة في هذه الآية قولان :

    أحدهما أنها مجملة وأن الصلاة لم تكن معروفة عندهم حتى بينها النبي صلى الله عليه وسلم
    الثاني أنها عامة في متناول الصلاة حتى خصها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله المعلوم في الشريعة
    وقد استوفينا القول في ذلك عند ذكر أصول الفقه و الصحيح عندي أن كل لفظ عربي يرد مورد التكليف في كتاب الله عز وجل مجمل موقوف بيانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون معناه محدودا لا يتطرق إليه اشتراك فإن تطرق إليه اشتراك واستأثر الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم قبل بيانه فإنه يجب طلب ذلك في الشريعة على مجمله فلا بد أن يوجد ولو فرضنا عدمه لارتفع التكليف به وذلك تحقق في موضعه
    وقد قال عمر رضي الله عنه في دون هذا أو مثله ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها عهدا ننتهي إليه الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا
    فتبين من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به وفرض عليه الصلاة ونزل سحرا جاءه جبريل عليه السلام عند صلاة الظهر فصلى به وعلمه ثم وردت الآيات بالأمر بها والحث عليها فكانت واردة بمعلوم على معلوم وسقط ما ظنه هؤلاء من الموهوم

    3- ( ويقيمون ) فيه قولان :

    الأول يديمون فعلها في أوقاتها من قولك شيء قائم أي دائم
    والثاني معناه يقيمونها بإتمام أركانها واستيفاء أقوالها وأفعالها وإلى هذا المعنى أشار عمر بقوله من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع

    4- ( ومما رزقناهم ينفقون ) في اشتقاق النفقة :

    وهي عبارة عن الإتلاف ولتأليف نفق في لسان العرب معان أصحها الإتلاف وهو المراد هاهنا يقال نفق الزاد ينفق إذا فني وأنفقه صاحبه أفناه وأنفق القوم فني زادهم ومنه قوله تعالى (إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ) [ الإسراء 1 ]

    5- في وجه هذا الإتلاف : وذلك يختلف إلا أنه لما اتصل بالمدح تخصص من إجماله جملة ، وبعد ذلك التخصيص

    اختلف العلماء فيه على خمسة أقوال :
    الأول أنه الزكاة المفروضة عن ابن عباس
    الثاني أنه نفقة الرجل على أهله قاله ابن مسعود
    الثالث صدقة التطوع قاله الضحاك
    الرابع إنه وفاء الحقوق الواجبة العارضة في المال باختلاف الأحوال ماعدا الزكاة
    الخامس إن ذلك منسوخ بالزكاة
    التوجيه
    أما وجه من قال إنه الزكاة فنظر إلى أنه قرن بالصلاة والنفقة المقترنة [ في كتاب الله تعالى ] بالصلاة هي الزكاة
    وأما من قال إنه النفقة على عياله فلأنه أفضل النفقة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك وذكر الحديث فبدأ بالأهل بعد النفس وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصدقة على القرابة صدقة وصلة
    وأما من قال إنه صدقة التطوع فنظر إلى أن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة فإذا جاءت بلفظ الصدقة احتملت الفرض والتطوع وإذا جاءت بلفظ الإنفاق لم يكن إلا التطوع
    وأما من قال إنه في الحقوق العارضة في الأموال ما عدا الزكاة فنظر إلى أن الله تعالى لما قرنه بالصلاة كان فرضا ولما عدل عن لفظها كان فرضا سواها
    وأما من قال إنه منسوخ فنظر إلى أنه لما كان بهذا الوجه فرضا سوى الزكاة وجاءت الزكاة المفروضة فنسخت كل صدقة جاءت في القرآن كما نسخ صوم رمضان كل صوم ونسخت الصلاة كل صلاة ونحو هذا جاء في الأثر
    التنقيح : إذا تأمل اللبيب المنصف هذه التوجيهات تحقق أن الصحيح المراد بقوله (يؤمنون بالغيب ) كل غيب أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كائن وقوله ( ويقيمون الصلاة ) عام في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا وقوله ( ومما رزقناهم ينفقون ) عام في كل نفقة وليس في قوة هذا الكلام القضاء بفرضية ذلك كله وإنما علمنا الفرضية في الإيمان والصلاة والنفقة من دليل آخر وهذا القول بمطلقه يقتضي مدح ذلك كله خاصة كيفما كانت صفته

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,018

    افتراضي رد: المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)

    معاني المفردات :

    لم يذكر ابن الجوزي شيئاً

    سبب النزول :

    وأخرج ابن جرير من طريق ابن إسحق عن محمد بن أبي عكرمة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله ( إن الذين كفروا ) الآيتين أنهما نزلتا في يهود المدينة ( ك ) وأخرج عن الربيع بن أنس قال آيتان نزلتا في قتال الأحزاب ( إن الذين كفروا سواء عليهم ) إلى قوله ( ولهم عذاب عظيم )

    الناسخ و المنسوخ :

    لم يذكر ابن الجوزي شيئاً

    المتشابه اللفظي :

    قوله ( سواء عليهم ) و في يس ( و سواء ) بزيادة واو ، لأن مافي البقرة خبر عن اسم إن ، و ما في يس جملة عطفت بالواو على جملة

    المتشابه المعنوي :

    قوله تعالى : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} الآية. هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم مجبورون لأن من ختم على قلبه وجعلت الغشاوة على بصره سلبت منه القدرة على الإيمان. وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن كفرهم واقع بمشيئتهم وإرادتهم كقوله تعالى: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}, وكقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ }, وكقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الآية, وكقوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُم} الآية, وكقوله: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُم} الآية.
    والجواب:أن الختم والطبع والغشاوة المجعولة على أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم, كل ذلك عقاب من الله لهم على مبادرتهم للكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ومشيئتهم, فعاقبهم الله بعدم التوفيق جزاء وفاقا. كما بينه تعالى بقوله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} وبقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وقوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} الآية وقوله: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}, إلى غير ذلك من الآيات.

    معاني الجمل :

    القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون )
    عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس إن الذين كفروا أي بما أنزل إليك من ربك وإن قالوا إنا قد آمنا بما قد جاءنا من قبلك وكان بن عباس يرى أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم توبيخا لهم في جحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به مع علمهم به ومعرفتهم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وإلى الناس كافة
    ...عن بن عباس قوله ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله جل ثناؤه أنه لا يؤمن إلا من سبق من الله السعادة في الذكر الاول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الاول
    ... عن الربيع بن أنس قال آيتان في قادة الاحزاب ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إلى قوله ولهم عذاب عظيم قال وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار قال فهم الذين قتلوا يوم بدر وأولى هذه التأويلات بالآية تأويل بن عباس الذي ذكره محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عنه
    القول في تأويل قوله تعالى ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون )
    وتأويل سواء معتدل مأخوذ من التساوي كقولك متساو هذان الامران عندي وهما عندي سواء أي هما متعادلان عندي
    القول في تأويل قوله تعالى ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم )
    وأصل الختم الطبع والخاتم هو الطابع يقال منه ختمت الكتاب إذا طبعته فإن قال لنا قائل وكيف يختم على القلوب وإنما الختم طبع على الأوعية والظروف والغلف قيل فإن قلوب العباد أوعية لما أودعت من العلوم وظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور فمعنى الختم عليها وعلى الاسماع التي بها تدرك المسموعات ومن قبلها يوصل إلى معرفة حقائق الأنباء عن المغيبات نظير معنى الختم على سائر الأوعية والظروف
    القول في تأويل قوله تعالى ( وعلى أبصارهم غشاوة ) وقوله وعلى أبصارهم غشاوة خبر مبتدأ بعد تمام الخبر عما ختم الله جل ثناؤه عليه من جوارح الكفار الذين مضت قصصهم
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولهم عذاب عظيم ) وتأويل ذلك عندي كما قاله بن عباس وتأوله... ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم قال فهذا في الأحبار من يهود فيما كذبوك به من الحق الذي جاءك من ربك بعد معرفتهم

    العلاقة بين الجمل :

    ولما أردف البيان لأوصاف المؤمنين التعريف بأحوال الكافرين وكانوا قد انقسموا على مصارحين ومنافقين وكان المنافقين قسمين جهالا من مشركي العرب وعلماء من كفار بني إسرائيل كان الأنسب ليفرغ من قسم برأسة على عجل البداءة أولا بالمصارحين فذكر ما أراد من أمرهم في ايتين , لأن أمرهم أهون وشأنهم أيسر لقصدهم بما يوهنهم بالكلام أو بالسيف على ان ذكرهم على وجه يعم جميع الأقسام فقال مخاطبا لأعظم المنعم عليهم على وجه التسلية والإعجاز عل في معرض الجواب لسؤال من كأنه قال : هذا حال الكتاب للمؤمنين فما حاله للكافرين ؟ ( إن الذين كفروا ) أي حكم , بكفرهم دائما حكما نفذ ومضى فستروا ما أقيم من الأدلة على الوحدانية عن العقول التى هيئت لإدراكه والفطر الأولى التي خلصت عن مانع يعوقها عن الانقياد له وداموا على ذلك بما دل عليه السابق بالتغير عن أضدادهم بما يدل على تجديد الإيمان على الدوام واللحاق بالختم والعذاب , ولعله عبر بالماضي والموضع للوصف تنفيرا من مجرد إيقاع الكفر ولو للنعمة وليشمل المنافقين وغيرهم ولما دل هذا الحال على أنهم عملوا ضد المؤمنون من الانقياد المعنى ( سواء عليهم أأنذرتهم ) أي إنذار في هذا الوقت بهذا الكتاب ( أم لم تنذرهم ) أي وعدم إنذار فيه وبعده وقد انسلخ عن أم والهمزة معنى الاستفهام , قال سيبوية : جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء في قولك : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة . انتهى ولعله عبر بصورة الاستفهام وقد سلخت عن معناه إفهاما لأنهم توغلوا في الكفر توغل من وصل في الحمق إلى أنه لو شاهد الملك يستفهمك عنه ما آمن .
    ولما كان كأنه قيل في أي شيء استوت حالتهم قبل في أنهم ( لا يؤمنون ) وهي دليل على خصوص كونه هدى للمتقين وعلى وقوع التكليف بالممتنع لغيره فإنه سبحانه كلفهم الإيمان وأراد منهم الكفران , فصار ممتنعا لإرادته عدم وقوعه , والتكليف به جار على سنن الحكمة فإن إرادة عدم إيمانهم لم تخرج إيمانهم عن حيز الممكن فيما يظهر , لعدم العلم بما أراد الله من كل شخص بعينه , فهو على سنن الابتلاء ليظهر في عالم الشهادة المطيع من غيره لإقامة الحجة
    وكل موضع ذكر فيه الكفر فإنما عبر به إشارة إلى أن الأدلة الأصلية في الوضوح بحيث لا تخفى على أحد ولا يخالفها إلا من ستر مرآة عقله إما عنادا وإما بإهمال النظر لا سديد والركون إلى نوع تقليد .
    ولما كان من أعجب العجب كون شيء واحد يكون هدى لناس دون ناس علل ذلك بقوله : ( ختم الله ) اي (على قلوبهم ) أي ختما مستعليا عليها فهي لا تعي حق الوعي , لأن الختم على الشيء يمنع الدخول إليه والخروج منه , وأكد المعنى بإعادة الجار فقال : ( وعلى سمعهم ) فهم لا يسمعون حق السمع , وأفراده لأن التفاوت فيه نادر , قال الحرالي : وشركة في الختم مع القلب لأن أحدا لا يسمع إلا ما عقل . انتهى .
    ( وعلى أبصارهم غشاوة ) فهم لا ينظرون بالكامل . ولما سوى هنا بين الإنذار وعدمه كانت البداءة بالقلوب أنسب تسوية لهم بالبهائم , ولما كان الغبي قد يسمع أو يبصر فيهتدي وكان إلى السمع أضر لعمومه وخصوص البصر بأحوال الضياء نفي السمع ثم البصر تسفيلاً لهم عن حال الهائم , بخلاف ما في الجاثية فإنه لما أخبر فيها بالإضلال وكان الضال أحوج شيء إلى سماع الهادي نفاه , ولما كان الأصم إذا كان افهم أو بصر أمكنت هدايته و لكن الفهم أشرف نفاهما على ذلك الترتيب .
    ولما وصفهم بذلك أخبر بمآلهم فقال : ( ولهم عذاب عظيم ) قال الحرالي : وفي وقوله : ( ولهم ) إعلام بقوة تداعي حالهم لذلك العذاب واستحقاقهم له وتنشؤ ذواتهم إليه حتى يشهد عيان المعرفة به أي العذاب وبهم أنه لهم وكان عذابهم عظيما آخذا في عموم ذواتهم لكونهم لم تلتبس أبدانهم ولا نفوسهم ولا أرواحهم بما يصد عنهم شيئنا من عذابها كما يكون للمعاقبين من مذنبي مؤمني المم حيث يتنكب العذاب عن وجوههم ومواضع وضوئهم ونحو ذلك . انتهى

    المعنى العام :

    يخبر تعالى أن الذين كفروا أي : اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لهم لازما لا يردعهم عنه رادع ولا ينجع فيهم وعظ إنهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون وحقيقة الكفر : هو الجحود لما جاء به الرسول أو جحد بعضه فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة عليهم وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم وأنك لا تأس عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات
    ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) أي : طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان ولا ينفذ فيها فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم
    ( وعلى أبصارهم غشاوة ) أي : غشاء وغطاء وأكنه تمنعها عن النظر الذي ينفعهم وهذه طرق العلم والخير قد سدت عليهم فلا مطمع فيهم ولا خير يرجى عندهم وإنما منعوا ذلك وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعدما تبين لهم الحق كما قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) وهذا عقاب عاجل
    ثم ذكر العقاب الآجل فقال : ( ولهم عذاب عظيم ) وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم

    الأحكام :

    لم يذكر ابن العربي أحكاماً

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,018

    افتراضي رد: المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
    معاني المفردات :
    ( مرض ) الشك
    ( إلى شياطينهم ) رؤوسهم فى الكفر
    ( يستهزئ بهم ) اى يجازيهم على استهزائهم
    ( ويمدهم ) اى يملي لهم
    ( يعمهون ) يتحيرون
    ( اشتروا الضلالة ) استبدلوا الكفر بالايمان
    ( بكم ) الخرس
    ( كصيب ) المطر
    سبب النزول : قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا ) أخرج الوحداي والثعلبي من طريق محمد بن مروان والسدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وأصحابه وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبدالله ابن أبي انظروا كيف أرد عنكم هؤلاء السفهاء فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله ثم أخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ثم افترقوا فقال عبدالله لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيرا فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت هذه الآية هذا الإسناد واه جدا فإن السدي الصغير كذاب وكذا الكلبي وأبو صالح ضعيف
    قوله تعالى ( أو كصيب ) الآية ك أخرج ابن جرير من طريق السدي الكبير عن أبي مالك وأبى صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا فأتيا مكانهما يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما وإذا أضاء لهم مشوا فيه فإذا كثرت أموالهم وولدهم وأصابوا غنيمة أو فتحا مشوا فيه وقالوا إن دين محمد حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهما البرق وإذا أظلم عليهم قاموا وكانوا إذا هلكت أموإلهم وولدهم وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد وارتدوا كفارا كما قال ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما
    الناسخ و المنسوخ : لم يذكر ابن الجوزي شيئاً
    المتشابه اللفظي :
    قوله ( آمنا بالله و اليوم الآخر ) ليس في القرآن غيره تكرار العامل مع حرف العطف لا يكون إلا للتأكيد ، و هذه حكاية كلام المنافقين ، و هم أكدوا كلامهم نفياً للريبة ، و إبعاداً للتهمة ، فكانوا في ذلك كما قيل ( يكاد المريب يقول خذوني ) فنفى الله الإيمان عنهم بأوكد الألفاظ فقال
    ( و ما هم بمؤمنين ) و يكثر مع النفي ، و قد جاء في القرآن في موضعين : في النساء ( و لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر ) و في التوبة ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر )
    المتشابه المعنوي : قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} الآية. أفرد في هذه الآية الضمير في قوله استوقد وفي قوله ما حوله وجمع الضمير في قوله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ}, مع أن مرجع كل هذه الضمائر شيء واحد وهو لفظة الذي من قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي}, والجواب عن هذا أن لفظة الذي مفرد ومعناها عام لكل ما تشمله صلتها, وقد تقرر في علم الأصول أن الأسماء الموصولة كلها من صيغ العموم, فإذا حققت ذلك فاعلم أن إفراد الضمير باعتبار لفظة الذي وجمعه باعتبار معناها, ولهذا المعنى جرى على ألسنة العلماء أن الذي تأتي بمعنى الذين ومن أمثلة ذلك في القرآن هذه الآية الكريمة, فقوله كمثل الذي استوقد أي كمثل الذين استوقدوا بدليل قوله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ} الآية. وقوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وقوله: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} أي كالذين ينفقون بدليل قوله: {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} وقوله: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} بناء على الصحيح من أن الذي فيها موصولة لا مصدرية ونظير هذا من كلام العرب قول الراجز:
    يا رب عبس لا تبارك في أحد **** في قائم منهم ولا في من قعد****إلا الذي قاموا بأطراف المسد
    وقول الشاعر وهو أشهب بن رميلة وأنشده سيبويه لإطلاق الذي وإرادة الذين:
    وأن الذي حانت بفلج دماؤهم **** هم القوم كل القوم يا أم خالد
    وزعم ابن الأنبارى أن لفظة الذي في بيت أشهب جمع الذ بالسكون وأن الذي في الآية مفرد أريد به الجمع وكلام سيبويه يرد عليه وقول هديل بن الفرخ العجلى:
    وبت أساقى القوم إخوتي الذي **** غوايتهم غيي ورشدهم رشدي
    وقال بعضهم المستوقد واحد لجماعة معه ولا يخفى ضعفه.

    قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} الآية هذه الآية يدل ظاهرها على أن المنافقين لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يبصرون, وقد جاء في آيات أخر ما يدل على خلاف ذلك كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } وكقوله: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِم} الآية, أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم, وقوله: {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَاد} إلى غير ذلك من الآيات, ووجه الجمع ظاهر, وهو أنهم بكم عن النطق بالحق وإن رأوا غيره, وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} الآية, لأن مالا يغني شيئا فهو كالمعدوم والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي لا أثر له ومنه قول قعنب بن أم صاحب:
    صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به **** وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
    وقول الشاعر:
    أصم عن الأمر الذي لا أريده ****وأسمع خلق الله حين أريد
    فأصممت عمرا وأعميته **** عن الجود والفخر يوم الفخار
    وكذلك الكلام الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم.
    قال هبيرة بن أبي وهب المخزومى:
    وإن كلام المرء في غير كنهه **** لك النبل تهوي ليس فيها نصالها
    معاني الجمل : ومن الناس من . . . . . أجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق وأن هذه الصفة صفتهم
    يخادعون الله والذين . . . . . قال أبو جعفر وخداع المنافق ربه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول والتصديق خلاف الذي في قلبه من الشك والتكذيب ليدرأ عن نفسه بما أظهر بلسانه حكم الله عز وجل اللازم من كان بمثل حاله من التكذيب لو لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار من القتل والسباء فذلك خداعه ربه وأهل الإيمان بالله

    القول في تأويل قوله تعالى ( وما يخدعون إلا أنفسهم )
    إن قال لنا قائل أو ليس المنافقون قد خدعوا المؤمنين بما أظهروا بألسنتهم من قيل الحق عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم حتى سلمت لهم دنياهم وإن كانوا قد كانوا مخدوعين في أمر آخرتهم قيل خطأ أن يقال إنهم خدعوا المؤمنين لأنا إذا قلنا ذلك أوجبنا لهم حقيقة خدعة جاءت لهم على المؤمنين كما أنا لو قلنا قتل فلان فلانا أوجبنا له حقيقة قتل كان منه لفلان ولكنا نقول خادع المنافقون ربهم والمؤمنين ولم يخدعوهم بل خدعوا أنفسهم كما قال جل ثناؤه دون غيرها نظير ما تقول في رجل قاتل آخر فقتل نفسه ولم يقتل صاحبه قاتل فلان فلانا ولم يقتل إلا نفسه فتوجب له مقاتلة صاحبه وتنفي عنه قتله صاحبه وتوجب له قتل نفسه فكذلك تقول خادع المنافق ربه والمؤمنين ولم يخدع إلا نفسه فتثبت منه مخادعة ربه والمؤمنين وتنفي عنه أن يكون خدع غير نفسه لأن الخادع هو الذي قد صحت له الخديعة ووقع منه فعلها
    القول في تأويل قوله تعالى ( وما يشعرون ) يعني بقوله جل ثناؤه وما يشعرون وما يدرون
    في قلوبهم مرض . . . . . وأصل المرض السقم ثم يقال ذلك في الأجساد والأديان فأخبر الله جل ثناؤه أن في قلوب المنافقين مرضا وإنما عنى تبارك وتعالى بخبره عن مرض قلوبهم الخبر عن مرض ما في قلوبهم من الإعتقاد ولكن لما كان معلوما بالخبر عن مرض القلب أنه معنى به مرض ما هم معتقدوه من الإعتقاد استغنى بالخبر عن القلب بذلك والكناية عن تصريح الخبر عن ضمائرهم واعتقاداتهم
    القول في تأويل قوله تعالى ( فزادهم الله مرضا )
    قد دللنا آنفا على أن تأويل المرض الذي وصف الله جل ثناؤه أنه في قلوب المنافقين هو الشك في اعتقادات قلوبهم وأديانهم وما هم عليه في أمر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر نبوته وما جاء به مقيمون فالمرض الذي أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنه زادهم على مرضهم هو نظير ما كان في قلوبهم من الشك والحيرة قبل الزيادة فزادهم الله بما أحدث من حدوده وفرائضه التي لم يكن فرضها قبل الزيادة التي زادها المنافقين من الشك والحيرة إذ شكوا وارتابوا في الذي أحدث لهم من ذلك إلى المرض والشك الذي كان في قلوبهم في السالف من حدوده وفرائضه التي كان فرضها قبل ذلك كما زاد المؤمنين به إلى إيمانهم الذي كانوا عليه قبل ذلك بالذي أحدث لهم من الفرائض والحدود إذ آمنوا به إلى إيمانهم بالسالف من حدوده وفرائضه إيمانا
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولهم عذاب أليم ) قال أبو جعفر والأليم هو الموجع ومعناه ولهم عذاب مؤلم
    القول في تأويل قوله تعالى ( بما كانو يكذبون ) اختلفت القراءة في قراءة ذلك فقرأه بعضهم بما كانوا يكذبون ... وذلك أن الله عز وجل أنبأ عن المنافقين في أول النبأ عنهم في هذه السورة بأنهم يكذبون بدعواهم الإيمان وإظهارهم ذلك بألسنتهم خداعا لله عز وجل ولرسوله وللمؤمنين
    وإذا قيل لهم . . . . . اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية فروي عن سلمان الفارسي أنه كان يقول لم يجيء هؤلاء بعد
    وقال آخرون ... وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون هم المنافقون
    وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال إن قول الله تبارك اسمه وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون نزلت في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان معنيا بها كل من كان بمثل صفتهم من المنافقين بعدهم إلى يوم القيامة
    والإفساد في الأرض العمل فيها بما نهى الله جل ثناؤه عنه وتضييع ما أمر الله بحفظه
    القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا إنما نحن مصلحون )
    وتأويل ذلك كالذي قاله بن عباس ...إنما نحن مصلحون أي قالوا إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب
    وخالفه في ذلك غيره ...عن مجاهد وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قال إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم لا تفعلوا كذا وكذا قالوا إنما نحن على الهدى مصلحون
    قال أبو جعفر وأي الأمرين كان منهم في ذلك أعنى في دعواهم أنهم مصلحون فهم لا شك أنهم كانوا يحسبون أنهم فيما أتوا من ذلك مصلحون مستبطنون لأنهم كانوا في جميع ذلك من أمرهم عند أنفسهم محسنين وهم عند الله مسيئون ولأمر الله مخالفون
    ألا إنهم هم . . . . . وهذا القول من الله جل ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهم إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم الله عنه قالوا إنما نحن مصلحون لا مفسدون ونحن على رشد وهدى فيما أنكرتموه علينا دونكم لا ضالون
    وإذا قيل لهم . . . . . قال أبو جعفر وتأويل قوله وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس يعني وإذا قيل لهؤلاء الذين وصفهم الله ونعتهم بأنهم يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين صدقوا بمحمد وبما جاء به من عند الله كما صدق به الناس ويعني بالناس المؤمنين الذين آمنوا بمحمد ونبوته وما جاء به من عند الله
    القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ) قال أبو جعفر والسفهاء جمع سفيه كالعلماء جمع عليم والحكماء جمع حكيم والسفيه الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار ولذلك سمى الله عز وجل النساء والصبيان سفهاء
    القول في تأويل قوله تعالى ( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) قال أبو جعفر وهذا خبر من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعته لهم ووصفه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب أنهم هم الجهال في أديانهم الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم من الشك والريب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته وفيما جاء به من عند الله وأمر البعث لإساءتهم إلى أنفسهم بما أتوا من ذلك وهم يحسبون أنهم إليها يحسنون
    وإذا لقوا الذين . . . . . قال أبو جعفر وهذه الآية نظير الآية الأخرى التي أخبر الله جل ثناؤه فيها عن المنافقين بخداعهم الله ورسوله والمؤمنين فقال ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ثم أكذبهم تعالى ذكره بقوله وما هم بمؤمنين وأنهم بقيلهم ذلك يخادعون الله والذين آمنوا
    وكذلك أخبر عنهم في هذه الآية أنهم يقولون للمؤمنين المصدقين بالله وكتابه ورسوله بألسنتهم آمنا وصدقنا بمحمد وبما جاء به من عند الله خداعا عن دمائهم وأموالهم وذراريهم ودرءا لهم عنها وأنهم إذا خلوا إلى مردتهم وأهل العتو والشر والخبث منهم ومن سائر أهل الشرك الذين هم على مثل الذي هم عليه من الكفر بالله وبكتابه ورسوله وهم شياطينهم
    القول في تأويل قوله تعالى ( إنما نحن مستهزء ون ) أجمع أهل التأويل جميعا لا خلاف بينهم على أن معنى قوله إنما نحن مستهزءون إنما نحن ساخرون
    الله يستهزئ بهم . . . . . قال أبو جعفر اختلف في صفة استهزاء الله جل جلاله الذي ذكر أنه فاعله بالمنافقين الذين وصف صفتهم
    فقال بعضهم استهزاؤه بهم كالذي أخبرنا تبارك اسمه أنه فاعل بهم يوم القيامة في قوله تعالى ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ) فهذا وما أشبهه من استهزاء الله جل وعز وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به
    وقال آخرون بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم ولومه لهم على ما ركبوا من معاصي الله والكفر به كما يقال إن فلانا ليهزأ منه اليوم ويسخر منه يراد به توبيخ الناس إياه ولومهم له أو إهلاكه إياهم وتدميره
    وقال آخرون قوله ( إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم ) وقوله ( يخادعون الله وهو خادعهم ) وما أشبه ذلك إخبار من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع
    القول في تأويل قوله تعالى ( ويمدهم )
    قال أبو جعفر اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ويمدهم فقال بعضهم ...عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة عن بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمدهم يملي لهم
    وقال آخرون بقراءة عن مجاهد يمدهم قال يزيدهم
    القول في تأويل قوله تعالى ( في طغيانهم ) قال أبو جعفر والطغيان الفعلان من قولك طغى فلان يطغى طغيانا إذا تجاوز في الأمر حده فبغى
    القول في تأويل قوله تعالى ( يعمهون ) قال أبو جعفر والعمه نفسه الضلال يقال منه عمه فلان يعمه عمهانا وعموها إذا ضل
    أولئك الذين اشتروا . . . . . قال أبو جعفر والذي هو أولى عندي بتأويل الآية ما روينا عن بن عباس وبن مسعود من تأويلهم قوله اشتروا الضلالة بالهدى أخذوا الضلالة وتركوا الهدى وذلك أن كل كافر بالله فإنه مستبدل بالإيمان كفرا باكتسابه الكفر الذي وجد منه بدلا من الإيمان الذي أمر به
    القول في تأويل قوله تعالى فما ( ربحت تجارتهم )
    قال أبو جعفر وتأويل ذلك أن المنافقين بشرائهم الضلالة بالهدى خسروا ولم يربحوا لأن الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به
    القول في تأويل قوله تعالى ( وما كانوا مهتدين ) يعني بقوله جل ثناؤه وما كانوا مهتدين ما كانوا رشداء في اختيارهم الضلالة على الهدى واستبدالهم الكفر بالإيمان واشترائهم النفاق بالتصديق والإقرار
    مثلهم كمثل الذي . . . . . وتأويل ذلك مثل استضاءة المنافقين بما أظهروه من الإقرار بالله وبمحمد وبما جاء به قولا وهم به مكذبون اعتقادا كمثل استضاءة الموقد نارا
    ...عن بن عباس مثلهم كمثل الذي استوقد نارا إلى آخر الآية هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه وتركهم في ظلمات يقول في عذاب
    ...وأولى التأويلات بالآية ما قاله قتادة والضحاك وما رواه علي بن أبي طلحة عن بن عباس وذلك أن الله جل ثناؤه إنما ضرب هذا المثل للمنافقين الذين وصف صفتهم وقص قصصهم من لدن ابتدأ بذكرهم بقوله ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنينأي لا المعلنين بالكفر المجاهدين بالشرك
    صم بكم عمي . . . . . قال أبو جعفر وإذ كان تأويل قول الله جل ثناؤه ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون هو ما وصفنا من أن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عما هو فاعل بالمنافقين في الآخرة عند هتك أستارهم وإظهاره فضائح أسرارهم وسلبه ضياء أنوارهم من تركهم في ظلم أهوال يوم القيامة يترددون وفي حنادسها لا يبصرون فبين أن قوله جل ثناؤه صم بكم عمي فهم لا يرجعون من المؤخر الذي معناه التقديم وأن معنى الكلام أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين صم بكم عمي فهم لا يرجعون مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون أو كمثل صيب من السماء
    القول في تأويل قوله تعالى ( فهم لا يرجعون )
    قال أبو جعفر وقوله فهم لا يرجعون إخبار من الله جل ثناؤه عن هؤلاء المنافقين الذين نعتهم الله باشترائهم الضلالة بالهدى وصممهم عن سماع الخير والحق وبكمهم عن القيل بهما وعماهم عن إبصارهما أنهم لا يرجعون إلى الإقلاع عن ضلالتهم ولا يتوبون إلى الإنابة من نفاقهم فآيس المؤمنين من أن يبصر هؤلاء رشدا ويقولوا حقا أو يسمعوا داعيا إلى الهدى أو أن يذكروا فيتوبوا من ضلالتهم كما آيس من توبة قادة كفار أهل الكتاب والمشركين وأحبارهم الذين وصفهم بأنه قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وغشى على أبصارهم
    أو كصيب من . . . . . قال أبو جعفر والصيب الفيعل من قولك صاب المطر يصوب صوبا إذا انحدر ونزل ...قال أبو جعفر وتأويل ذلك مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر مثل إضاءة موقد النار بضوء ناره على ما وصف جل ثناؤه من صفته أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه
    القول في تأويل قوله تعالى ( فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ) قال أبو جعفر فأما الظلمات فجمع واحدها ظلمة وأما الرعد فإن أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم هو ملك يزجر السحاب ... وقال آخرون إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد فيكون منه ذلك الصوت ...
    فقد علم إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول بن عباس إن معنى الآية أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله بن عباس وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته وإن كان الرعد ما قاله أبو الخلد فلا شيء في قوله فيه ظلمات ورعد متروك لأن معنى الكلام حينئذ فيه ظلمات ورعد الذي هو وما وصفنا صفته
    وأما البرق فإن أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم البرق مخاريق الملائكة ...وقال آخرون هو سوط من نور يزجر به الملك السحاب ...وقال آخرون هو ماء ...وقال آخرون هو مصع ملك
    ...قال أبو جعفر وقد يحتمل أن يكون ما قاله علي بن أبي طالب وبن عباس ومجاهد بمعنى واحد وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر علي رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التي هي من نور التي يزجي بها الملك السحاب كما قال بن عباس ويكون إزجاء الملك السحاب مصعه إياه بها وذاك أن المصاع عند العرب أصله المجالدة بالسيوف
    وأما تأويل الآية فإن أهل التأويل مختلفون فيه ...وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه فإنها وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها متقاربات المعاني لأنها جميعا تنبئ عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلا ومثل ما فيه من ظلمات بضلالته وما فيه من ضياء برق بنور إيمانه واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه بضعف جنانه وتحير فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه وقيامه في الظلام بحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه
    وذلك تأويل قوله جل ثناؤه يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت يعني بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها حذرا على نفسه منها
    يكاد البرق يخطف . . . . .
    ثم عاد جل ذكره إلى نعت إقرار المنافقين بألسنتهم والخبر عنه وعنهم وعن نفاقهم وإتمام المثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم فقال يكاد البرق يعني بالبرق الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم فجعل البرق له مثلا على ما قدمنا صفته يخطف أبصارهم يعني يذهب بها ويستلبها ويلتمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم )
    قال أبو جعفر وإنما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من المنافقين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها في الآيتين أعني قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق وقوله يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه فجرى ذكرها في الآيتين على وجه المثل
    ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم وعيدا من الله لهم كما توعدهم في الآية التي قبلها بقوله والله محيط بالكافرين واصفا بذلك جل ذكره نفسه أنه المقتدر عليهم وعلى جمعهم لإحلال سخطه بهم وإنزال نقمته عليهم ومحذرهم بذلك سطوته ومخوفهم به عقوبته ليتقوا بأسه ويسارعوا إليه بالتوبة
    القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله على كل شي قدير )
    قال أبو جعفر وإنما وصف الله نفسه جل ذكره بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير ثم قال فاتقوني أيها المنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي لا أحل بكم نقمتي فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير ومعنى قدير قادر كما معنى عليم عالم على ما وصفت فيما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيل على فاعل في المدح والذم
    العلاقة بين الجمل : فقال تعالى : ( ومن الناس من يقول ) أي لما أرسلنا رسولنا انقسم الناس إلى قسمين : مؤمن وكافر وانقسم الكافر قسمين : فمنهم من جاهر وقال : لا نؤمن أبدا , ومنهم من يقول , ولعله أظهر ولم يضمر لا نفرادهم عن المجاهرين ببعض الأحكام , أو لأنه سبحانه لما .
    ذكر طرفي الإيمان والكفر وأحوال المؤمنين وأحوال الذين كفروا ذكر المنافقين المترددين بين الاتصاف بالطرفين بلفظ الناس لظهور معنى النوس فيهم لاضطرابهم بين الحالين , لأن النوس هو حركة الشيء اللطيف المعلق في الهواء كالخيط المعلق الذي ليس في طرفه الأسفل ما يثقله فلا يزال مضطربين جهتين , ولم يظهر هذا المعنى في الفريقين لتحيزهم إلى جهة واحده ...فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات وابتدائت قصتهم بالتنبيه على قلة عقولهم وخفة حلومهم من حيث أن محط حالهم أنهم يخادعون من لا يجوز عليه الخداع وان الذي حملهم على ذلك أنهم ليس لهم نوع شعور ولا شيء من إدراك بقوله تعالى جوابا لسؤال من كأنه قال : فما قصدهم بإظهار الإيمان والإخبار عن أنفسهم بغير ما هي متصفة به مع معرفتهم بقبح الكذب وشناعته وفظاعته وبشاعته ؟ ( يخادعونا الله ) أي يبالغون في معاملته هذه المعاملة بإبطان غير ما يظهرون مع ما له من الإحاطة بكل شيء , والخداع أصله الإخفاء والمفاعلة في أصلها للمبالغة لن الفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده ( والذين آمنوا ) أي يعاملونهم تلك المعاملة , وأمر تعالى بإجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا صورته صورة الخدع وكذا امتثال المؤمنين أمره تعالى فيهم .
    ( وما يخدعون ) أي بما يغرون به المؤمنين ( إلا أنفسهم ) يعني أن عقولهم لخباثتها تسمى نفوسا وقراءة الحذف هذه لا تنافي قراءة يخادعون لن المطلق لا يخالف المقيد بالمبالغة , وعبر هنا بصيغة المفاعلة لشعورهم
    ( وما يشعرون ) أي نوع شعور لإفراط جهلهم بأنهم لايضرون غير أنفسهم لأن الله يعلم سرهم كما يعلم جهرهم . وحذف متعلق للتعميم والشعور
    ثم بين سبحان أن سبب الغفلة عن هذا الظاهر كون آلة إدراكهم مريضة , شغلها المرض عن إدراك ما ينفعها فهي لاتجنح الإ إلى ما يؤذيها , كالمريض لا تميل نفسه إلى غير مضارها فقال جوابا لمن كأنه قال : ما سبب فعلهم هذا من الخداع وعدم الشعور ؟ ( في قلوبهم مرض ) أي من اصل الخلقة يوهن قوى الإيمان فيها ويوجب ضعف أفعالهم الإسلامية وخللها , لأن المرض كما قال الحرالي : ضعف في القوى يترتب عليه خلل في الأفعال ( فزادهم الله ) أي بما له من صفات الجلال والإكرام لمخادعتهم بما يون من عدم تأثيرها ( مرضا ) أي سوء اعتقاد بما يزيد من خداعهم وألما في قلوبهم بما يرون من خيبة مطلوبهم , فانسدعليهم باب الفهم والسداد جملة
    ( ولهم ) أي مع ضرر الغباوة في الدنيا المحلقة بالبهائم ( عذاب أليم ) في الآخرة اي شديد الألم وهو الوجع اللازم . قاله الحرالي ( وبما كانوا ) قال الحرالي : من كان الشيء وكان الشيء كذا إذا ظهر وجوده وتمت صورته أو ظهر ذلك الكذا من ذات نفسه . انتهى .
    ( يكذبون ) أي يوقعون الكذب وهو الإخبار عن أنفسهم بالإيمان مع تلبسهم بلكفران , والمعنى على قراءة التشديد يبالغون في الكذب , أو ينسون الصادق إلى الكذب , وذلك أشنع الكذب ولما أخبر تعلى عن بواطنهم أتبعه من الظاهر ما يدل عليه فبين أنهم إذا نهوا عن الفساد العام ادعوا الصلاح العام بقوله : ( وذا قيل لهم ) وبناؤه للمجهول إشارة إلى عصيانهم لكل قائل كائنا من كان ( ولاتفسدوا في الأرض ) أي بما نرى لكم من الأعمال الخبيثة والفساد انتقاض صورة الشيء . قال الحرالي ( قالوا ) قاصرين فعلهم على الصلاح نافين عنه كل فساد مباهتين غير مكترثين ( إنما نحن مصلحون ) والإصلاح تلاقي خلل الشيء . قال الحرالي ولما كان حالهم مبينا على الخداع بإظهار الخير وإبطان الشر وكانوا يرون لإسادهم لما لهم من عكس الإدراك إصلاحا فكانوا يناظرون عليه بأنواع الشبه كان قولهم ربما عر من سمعه من المؤمنين لأن المؤمن غركريم والكافر خب لئيم فقال تعالى محذرا من حالهم مثبتا لهم ما نفوه عن أنفسهم من الفساد وقاصرا له عليهم ( ألانهم هم ) أي خاصة ( المفسدون ) أي الكاملون الإفساد البالغون من العراقة فيه ما يجعل إفساد غيرهم بالنسبة إلى إفساد عدما لما في ذلك من خراب ذات البين وأخذ المؤمن منة المأمن وقال الحرالي : ولما كان حال الطمأنينة بالإيمان إصلاحا وجب أن يكون اضرارهم فيه إفسادا لاسيما مع ظنهم أن كونهم مع هؤلاء تارة ومع هؤلاء تارة من الحكمة والإصلاح وهو عين الإفساد لاسيما مع ظنهم أن كونهم مع هؤلاء تارة من الحكمة والإصلاح ولذلك قيل : ما يصلح المنافق , لأنه لا حبيب مصاف ولا عدو مبائن , فلا يعتقد منه على شيء . انتهى .
    وبما كان هذا الوصف موجبا لعظيم الرهبة اتبعه ما يخففه بقوله : ( ولكن لا يشعرون ) أي هم في غاية الجلافة حتى لا شعور لهم يحسون به الصرف فيما يحاولونه من الفساد الآن بما دلت عليه ما في الآية السابقة الدالة على أن المضارع للحال ولا فيما يستقبل من الزمان لأن لا لا تقارنه إلا وهو بمعنى الاستقبال , فلأجل ذلك لا يؤثر إفساد إلا في أذى أنفسهم , فلا تخافوهم فإني كافيكموهم .
    ولما بين حالهم إذا أمروا بالصلاح العام بين أنهم إذا دعوا إلى الصلاح الخاص الذي هو أس كل صلاح سموه سفها فقال : ( وإذا قيل ) أي من أي قائل كان ( لهم آمنوا ) أي ظاهرا وباطنا ( كما آمن الناس ) أي الذين هم الناس ليظهر عليكم ثمرة ذلك من الزوم الصلاح واجتناب الفساد والإيمان المضاف إلى الناس أدنى مراتب الإيمان قاله الحرالي , وهومفهم لما صرح به قوله : وما هم بمؤمنين ( قالوا أنؤمن ) أي ذلك الإيمان ( كما آمن السفهاء ) أي الذين استدرجتهم إلى استدراجهم ما دخلوا فيه بعد ترك ما كان عليه آباؤهم خفة نشأت عن ضعف العقل , ثم رد سبحانه قولهم بحصر السفه فيهم فقال : ( ألانهم هم السفهاء ) لا غير لجمودهم على رأيهم مع أن بطلانه أظهر من الشمس ليس فيه لبس ( ولكن لا يعلمون ) أي ليس لهم علم أصلا لا بذلك ولا بغيره , ولا يتصور لهم علم لأن جهلهم مركب وهو أسوأ الجهل والعلم .
    ولما كان الفساد يكفي في معرفته والسد غنه أدنى تأمل والسفه لا يكفي في إدراكه والنهي عنه إلا رزانة العلم ختمت كل آية بما يناسب ذلك من الشعور والعلم ولما كان العام جزء الخاص قدم عليه ولما نفاقهم وعلته وسيرتهم عند دعاء الداعي إلي الحق بهذة الآيات بين سيرتهم في أقوالهم في أقوالهم في خداعهم دليلا على إفسادهم بقوله : ( وإذا لقوا ) وللقاء اجتماع بإقبال ( الذين آمنوا ) أي حقا ظاهرا وباطنا , ولكن إيمانهم
    ( قالوا ) خداعا ( آمنا ) معبرين بالجملة الفعلية الماضية التي يكفي في إفادتها لما سقيت له أدنى الحدوث .
    ( وإذا خلوا ) منتهين ( إلى شياطينهم ) الذين هم رؤوسهم من غير أن يكون معهم مؤمن , والشيطان هو الذي الشديد البعد عن محل الخير . قال الحرالي ( قالوا إنا معكم ) معبرين بالأسمة الدالة على الثبات مؤكدين لها دالالة على نشاطهم لهذا الإخبار لمزيد حبهم لما أفاده ودفعالما قد يتوهم من تبدلهم من رأى نفاقهم للمؤمنين ثم استأنفوا في موضع الجواب لمن قال : ما بالكم تلينون للمؤمنين قولهم ؟ ( إنما نحن مسهزئون ) أي طالبون للهزء ثابتون عليه فيما نظهر من الإيمان والهزء إظهار الجد وإخفاء الهزل فيه قاله الحرالي .
    فأجيب من كأنه قال : بماذا جوزوا ؟ بقوله : ( الله يستهزىء بهم ) أي يجازهم على فعلهم بالاستداج بأن يظهر لهم من أمره المرذي لهم ما لا يدركون وجهة فهو يجري عليهم في الدنيا في الدنيا أحكام أهل الإيمان ويذيقهم في الدارين أعلى هوان مجددالهم ذلك بحسب استهزائهم , وذلك أنكمأ من شيء دائم توطن النفس فلذلك عبر بالفعليه دون الاسمية .

    مع أنها تفيد صجحة التوبة لمن تاب دون الاسمية ( ويمدهم ) من المد بما يلبس عليهم .
    ( في طغيانهم ) أي تجاوزهم الحد في الفساد ...
    وهذا المد بالإملاء لهم حال كونهم ( يعمهون ) أي يخبطون خبط الذي لا بصيرة له أصلا .
    فلما تقرر ذلك كله كانت فذلكته من غير توقف ( أولئك ) أي الشديد و البعد من الصواب ( الذين اشتروا ) أي لجوا في هواهم فكلفوا أنفسهم ضد ما فطرها الله عليه مع ما نصب من الأدلة ختى اخذوا ( الضلالة ) أي التي هي أقبح الأشياء ( بالهدى ) الذي هو حيز الأشياء ومدار كل ذي شعور عليه ( فما ) أي فتسبب عن فعلهم هذا أنه ما ( ربحت تجارتهم ) مع ادعائهم أنهم أبصر الناس بها ( وما كانوا ) في نفس جبلاتهم ( مهتدين ) لأنهم مع أنهم لم يربحوا أضاعوا رأس المال , لأنه لم يبق في أيدهم غير الضلال الذي صاحبة في دون رتبة البهائم مع زعمائم أنه لا ميل لهم في الهداية .
    فلما علم ذلك كله وكانت الأمثال ألصق بالبال وأكشف للأحوال مثل حالهم في هداهم الذي باعوه بالضلالة بالأمور المحسوسة , لأن للتمثيل بها شأنا عظيما في إيصال المعاني حتى إلى الأذهان الجامدة وتقريرها فيها بقوله تعالى ( مثلهم ) اي في حالهم هذه التي طلبوا أن يعيشوا بها ( كمثل الذي استوقد نارا ) أي طلب أن توقد له وهي هداه ليسير في نورها , وأصلها من نار إذا نفر لتحركها واضطرابها , فأوقدت وأنارت .
    ( فلما أضاءت ) أي النار , وأفراد الضمير باعتبار لفظ ( الذي ) فقال : ( ما حوله ) وأراد أن ينتفع بها في إبصار ما يريد , وهوكناية عما حصل لهم من الأمنة بما قالوه من كلمة الإسلام من غير اعتقاد ( ذهب الله ) الذي له كمال العلم والقدرة , وجمع الضمير نظرا إلى المعنى لئلا يتوهم أن بعضهم انتفع دون بعض بعد ان أفراد تقليلا للنور وإن كان قويا في أوله لانطفائه في آخر فقال : ( بنورهم ) أي الذي نشأ من تلك النار بإطفائه لها ولا نور لهم سواه ؛ ولم يقل : بضوئهم , لئلا يتوهم أن المذهوب به الزيادة فقط , لأن الضوء أعظم من مطلق النور ، فذهب نورهم وبقيت نارهم ليجتمع عليهم حرها مع حر الفقد لما ينفعهم من النور , وعبر بالإضاءة أو لا إشارة إلى قوة أولهم و انحماق آخرهم لأن محط حالهم الباطل والباطل له صولة ثم تضمحل عند من ثبت لها ليتبين الصادق من الكاذب نوع بر بالذهاب به دون إذهابه ليدل نصفا على أنه سبحانه ليس معهم وحقق ذلك بالتعبير عن صيرتك فقال : ( وتركهم في ظلمات ) أي بالضلالة من قلوبهم وإبصارهم وليهم أي ظلمات لاينفذ فيها بصر , فلذا كانت نتيجة ( لايبصرون ) أي لا إبصار لهم أصلا ببصره ولا بصيرة .
    ولما فرغ من المثل كشف المراد بظلماتهم بأنها ما في آذانهم من الثقل المانع من الانتفاع بالسماع , وما في ألسنتهم من الخرس عن كلام الخير الناشىء عن عدم الإدراك الناشىء عن عمى البصائر وفساد الضمائر والسرائر , وما على أبصارهم من الغشاوة المانعة من الاعتبار وعلى بصارئهم من الأغطية المنافية للادكار فقال : ( صم ) أي عن السماع النافع ( بكم ) عن النطق المفيد لأن قلوبهم مختوم عليها فلا ينبعث منها خير تقذفة إلى الألسنة ( عمي ) في البصر والبصيرة عن الإبصار المرشد لما تقدم من الختم على مشاعرهم , ولما مان في اكن في مقام إجابة الداعي إلي إلى الإيمان قدم السمع لأنه العمدة في ذلك وثنى بالقول لأنه يمكن الأصم الإفصاح عن المراد , وختم بالبصر لإمكان الاهتداء به بالإشارة ؛ وكذا ما يأتي في هذه السورة سواء بخلاف ما في الإسراء ( فهم ) أي فتسبب عن ذلك أنهم ( لا ) ولما كان المراد التعميم في كل رجوع لم يذكر المرجوع عنه فقال : ( يرجعون ) أي عن طغيانهم وضلالهم إلى الهدى الذي باعوه ولا إلى حالهم الذي كانوا عليه ولا ينتقلون عن حالهم الذي عليه ولا ينتقلون عن حالهم هذا أصلا , لأنهم كمن هذا حاله ومن هذا حاله لا يقدر على مفارقة موضعه بتقدم ولا تأخر .
    ( أو ) مثلهم في سماع القرآن الذي فيه التشابه والوعيد والوعد ( كصيب ) أي أصحاب صيب اي مطر عظيم , ومثل القرآن بهذا لمواترة نزوله وعلوه وإحيائه القلوب كما أن الصيب يحي الأرض , ثم أخبر عن حاله بقوله : ( فيه ظلمات ) أي لكثافة السحاب واسوداده ( ورعد ) أي صوت مرعب يرعد سماعه ( وبرق ) أي نور مبهت للمعانه وسرعته قال الحرالي , والظلمات مثل مالم يفهموه , والرعد ما ما ينادي عليهم بالفضيحة والتهديد والبرق ما لم يلوح لهم معناه ويداخلهم رأي في استحسانه .
    ولما تم مثل القرآن استأنف الخبر عن حال ممثل لهم والممثل بهم حقيقة ومجازا فقال : ( يجعلون أصابعهم ) أي بعضها ولو قدروا لحشوا الكل لشدة خوفهم ( في أذانهم من الصواعق ) أي من أجل قوتها , لأن هولها يكاد أن يصم , ثم علل هذا بقوله : ( حذر الموت والله ) أي والحال أن المحيط بكل شيء قدرة وعلما ( محيط بالكافرين ) فلا يغنيهم من قدره حذر , وأظهر موضع الإضمار لإعراضهم عن القرآن وسترهم لأنواره .
    ثم استأنف الحديث عن بقية حالهم فقال : ( يكاد البرق ) أي من قوة لمعه وشعاعه وشدة حركته وإسراعه ( يخطف أبصارهم ) فهم يغضونها عند لمعه وخفضه في ترائبه ورفعه , ولما كان من المعلوم أن البرق ينقضي لمعانه بسرعة كان كأنه قيل : ماذا يصنعون عند ذلك ؟ فقال : ( كلما ) وعبر بها دون إذا دلالة على شدة حرصهم على إيجاد المشي عند الإضاءة ( أضاء لهم مشوا فيه ) مبادرين إلى ذلك حراصا عليه لا يقترون عنه في وقت من أوقات الإضاءة مع أنهم يغضون أبصارهم ولا يمدونها غاية المد خوفا عليهم ووقوفا مع الأسباب ووثوقا بها واعتمادا عليها وغفلة عن رب الأرباب , وهو مثل لما وجدوا من القرآن موافقا لآرائهم , وعطف بإذن لتحقق خفوته بعد خفوته قوله : ( وإذا أظلم عليهم قاموا ) أي أول حين الإظلام لايقدرون على التقدم خطوة واحده إشارة إلى أنه ليست لهم بصائر بها فيما كشف البرق لأبصارهم من الأرض قبل الإظلام بل حال انقطاع اللمعان يقفون لعمى بصائرهم ووحشتهم وجنبهم وغربتهم وشدة جزعهم وحيرتهم , وهكذا حال هؤلاء لا يقسمون ما أشكل عليهم من القرآن على ما فهموه .
    ( ولو شاء الله ) الذي له العظمة الباهة مع شدة حرصهم وتناهي جزعهم , ودل على مفعول شاء بقوله : ( لذهب بسمعهم ) اي بقاصف الرعد ولم يغنهم سدآذانهم ( وأبصارهم ) بخاطف البرق ولم يمنعه غضهم لها , ثم علل ذلك بقوله : ( إن الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال ( على كل شىء ) أي مشيء أي يصح أن تقع عليه المشيئة هذا المراد وإن كان الشيء كما قال سيبوية يقع على كل ما أخبر عنه , وهوأعلم العام كما أناالله أخص الخاص , يجري على الجسم والعرض والقديم والمعدوم والمحال , وقول الأشاعرة : إن المعدوم ليس بشيء , بمعنى أنه ليس بثابت في الأعيان متميز فيها ( قدير ) إعلاما بأن قدرته لا تتقيد بالأسباب
    ولعله سبحانه قدم المثل الأول لأنه مالجزء من الثاني , أولأنه مثل النافقين , جعلت مدة صباهم بنموهم وازدياد عقولهم استيقاد مع جعل الله إياهم على الفطرة القويمة وزمان بلوغهم بتمام العقل الغزيزي إضاءة ؛ والثاني مثل النافقين وهوأبلغ . لأن الضلال فيه أشنع وأفظع . فالصيب القرآن الذي انقادوا له ظاهرا , والضلمات متشابهه , والصواعق وعيده , والبرق وعده , كلما أنذروا بوعيد انقطعت قلوبهم خوفا
    المعنى العام : واعلم أن النفاق هو : إظهار الخير وإبطان الشر ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي والنفاق العملي فالنفاق العملي كالذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وفي رواية : وإذا خاصم فجر
    وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [ من مكة ] إلى المدينة وبعد أن هاجر فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله المؤمنين وأعزهم ذل من في المدينة ممن لم يسلم فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة ولتحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم وفي الحقيقة ليسوا منهم فمن لطف الله بالمؤمنين أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها لئلا يغتر بهم المؤمنون ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم
    الأحكام :
    قوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين )
    المراد بهذه الآية وما بعدها المنافقون الذين أظهروا الإيمان وأسروا الكفر واعتقدوا أنهم يخدعون الله تعالى وهو منزه عن ذلك فإنه لا يخفى عليه شيء وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع وقد تكلمنا عليه في موضعه والحكم المستفاد هاهنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم
    اختلاف العلماء في سبب عدم قتل المنافقين واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال
    الأول أنه لم يقتلهم لأنه لم يعلم حالهم سواه وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه وإن اختلفوا في سائر الأحكام هل يحكم بعلمه أم لا
    الثاني أنه لم يقتلهم لمصلحة وتألف القلوب عليه لئلا تنفر عنه وقد أشار هو صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى فقال أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه
    الثالث قال أصحاب الشافعي إنما لم يقتلهم لأن الزنديق وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإيمان يستتاب ولا يقتل وهذا وهم من علماء أصحابه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتبهم ولا يقول أحد إن استتابة الزنديق غير واجبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم مع علمه بهم فهذا المتأخر من أصحاب الشافعي الذي قال إن استتابة الزنديق جائزة قال ما لم يصح قولا واحدا
    وأما قول من قال إنه لم يقتلهم لأن الحاكم لا يقضي بعلمه في الحدود فقد قتل بالمجذر بن زياد بعلمه الحارث بن سويد بن الصامت لأن المجذر قتل أباه سويدا يوم بعاث فأسلم الحارث وأغفله يوم أحد الحارث فقتله فأخبر به جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقتله به لأن قتله كان غيلة وقتل الغيلة حد من حدود الله عز وجل
    والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعرض عنهم تألفا ومخافة من سوء المقالة الموجبة للتنفير كما سبق من قوله وهذا كما كان يعطي الصدقة للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تألفا لهم أجرى الله سبحانه أحكامه على الفائدة التي سنها إمضاء لقضاياه بالسنة التي لا تبديل لها

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,018

    افتراضي رد: المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)

    معاني المفردات :
    ( أندادا ) الامثال الاشكال وهى الاصنام
    ( وادعوا شهداءكم ) اى استعينوا بالهتكم وسموا شهداء لانهم يشهدونهم ويحضرونهم
    ( الوقود بفتح ) الواو الحطب
    ( تجري من تحتها الأنهار ) اى من تحت شجرها
    ( هذا الذي رزقنا من قبل ) اى رزق الغداة كرزق العشى فهو متشابه المنظر مختلف الطعم
    ( مطهرة ) اى نقيه من الاذى
    سبب النزول : لم يذكر السيوطي شيئاً
    الناسخ و المنسوخ :لم يذكر ابن الجوزي شيئاً
    المتشابه اللفظي :قوله ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) ليس في القرآ، غيره لأن العبادة في الآية التوحيد ، و التوحيد أول ما يلزم العبد من المعارف ، فكان هذا أول خطاب خاطب الله به الناس في القرآن ، فخاطبهم بما ألزمهم أولاً ، ثم ذكر سائر المعارف ، و بنى عليها العبادات فيما بعدها من السور و الآيات .
    المتشابه المعنوي :
    لم يذكر الشنقيطي شيئاً
    معاني الجمل : البقرة : ( 21 ) يا أيها الناس . . . . .
    قال أبو جعفر فأمر جل ثناؤه الفريقين اللذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء عليهم أأنذروا أم لم ينذروا أنهم لا يؤمنون لطبعه على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بما يبدي بلسانه من قيله آمنا بالله واليوم الآخر مع استبطانه خلاف ذلك ومرض قلبه وشكه في حقيقة ما يبدي من ذلك وغيرهم من سائر خلقه المكلفين بالاستكانة والخضوع له بالطاعة وإفراد الربوبية له والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم فقال لهم جل ذكره فالذي خلقكم وخلق آباءكم وأجدادكم وسائر الخلق غيركم وهو يقدر على ضركم ونفعكم أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نفع ولا ضر
    القول في تأويل قوله تعالى ( لعلكم تتقون )
    قال أبو جعفر وتأويل ذلك لعلكم تتقون بعبادتكم ربكم الذي خلقكم وطاعتكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه وإفرادكم له العبادة لتتقوا سخطه وغضبه أن يحل عليكم وتكونوا من المتقين الذين رضي عنهم ربهم
    الذي جعل لكم . . . . . يعني بذلك أنه جعل لكم الأرض مهادا وموطئا وقرارا يستقر عليها
    القول في تأويل قوله تعالى ( والسماء بناء )
    قال أبو جعفر وإنما سميت السماء سماء لعلوها على الأرض وعلى سكانها من خلقه وكل شيء كان فوق شيء آخر فهو لما تحته سماء
    القول في تأويل قوله تعالى ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم )
    يعني بذلك أنه أنزل من السماء مطرا فأخرج بذلك المطر مما أنبتوه في الأرض من زرعهم وغرسهم ثمرات رزقا لهم غذاء و أقواتا
    القول في تأويل قوله تعالى ( فلا تجعلوا لله أندادا )
    قال أبو جعفر والأنداد جمع ند والند العدل والمثل كما قال حسان بن ثابت أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء يعني بقوله ولست له بند لست له بمثل ولا عدل وكل شيء كان نظيرا لشيء وشبيها فهو له ند
    القول في تأويل قوله تعالى ( وأنتم تعلمون )
    اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية فقال بعضهم عني بها جميع المشركين من مشركي العرب وأهل الكتاب وقال بعضهم عني بذلك أهل الكتابين التوراة والإنجيل
    وإن كنتم في . . . . . قال أبو جعفر وهذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله جل ثناؤه إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم وإياهم يخاطب بهذه الآيات وأخبر بأهم نعوتها قال الله جل ثناؤه وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين في شك وهو الريب مما نزلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي وأني الذي أنزلته إليه فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما يقول فأتوا بحجة تدفع حجته لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق ومن حجة محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه وبرهانه على نبوته وأن ما جاء به من عندي عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله وإذا عجزتم عن ذلك وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والدراية فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه وحجته على نبوته من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي فيتقرر حينئذ عندكم أن محمدا لم يتقوله ولم يختلقه لأن ذلك لو كان منه اختلافا وتقولا لم يعجزوا وجميع خلقه عن الإتيان بمثله لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعد أن يكون بشرا مثلكم وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه
    ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله فأتوا بسورة من مثله
    قول مجاهد وقتادة اللذين ذكرنا عنهما أن الله جل ذكره قال لمن حاجه في نبيه صلى الله عليه وسلم من الكفار فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن من كلامكم أيتها العرب كما أتى به محمد بلغاتكم ومعاني منطقكم
    وقد قال قوم آخرون إن معنى قوله فأتوا بسورة من مثله من مثل محمد من البشر لأنه محمدا بشر مثلكم
    قال أبو جعفر والتأويل الأول الذي قاله مجاهد وقتادة هو التأويل الصحيح لأن الله جل ثناؤه قال في سورة أخرى أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ومعلوم أن السورة ليست لمحمد بنظير ولا شبيه فيجوز أن يقال فأتوا بسورة مثل محمد
    واختلف أهل التأويل في تأويل قوله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فقال بن عباس وادعوا شهداءكم من دون الله يعني أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين
    ...عن مجاهد وادعوا شهداءكم ناس يشهدون
    فأولى وجهيه بتأويل الآية ما قاله بن عباس وهو أن يكون معناه واستنصروا على أن تأتوا بسورة من مثله أعوانكم وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسوله

    فإن لم تفعلوا . . . . . قال أبو جعفر يعني تعالى بقوله فإن لم تفعلوا إن لم تأتوا بسورة من مثله وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم فتبين لكم بامتحانكم واختباركم عجزكم وعجز جميع خلقي عنه وعلمتم أنه من عندي ثم أقمتم على التكذيب به وقوله ولن تفعلوا أي لن تأتوا بسورة من مثله أبدا
    القول في تأويل قوله تعالى ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة )
    قال أبو جعفر يعني جل ثناؤه بقوله فاتقوا النار يقول فاتقوا أن تصلوا النار بتكذيبكم رسولي بما جاءكم به من عندي أنه من وحيي وتنزيلي بعد تبينكم أنه كتابي ومن عندي وقيام الحجة عليكم بأنه كلامي ووحيي بعجزكم وعجز جميع خلقي عن أن يأتوا بمثله
    ثم وصف جل ثناؤه النار التي حذرهم صليها فأخبرهم أن الناس وقودها وأن الحجارة وقودها فقال التي وقودها الناس والحجارة يعني بقوله وقودها حطبها والعرب تجعله مصدرا وهو اسم إذا فتحت الواو بمنزلة الحطب فإذا ضمت الواو من الوقود كان مصدرا من قول القائل وقدت النار فهي تقد وقودا وقدة ووقدانا ووقدا يراد بذلك أنها التهبت
    القول في تأويل قوله تعالى ( أعدت للكافرين )
    قد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن الكافر في كلام العرب هو الساتر شيئا بغطاء وأن الله جل ثناؤه إنما سمى الكافر كافرا لجحوده آلاءه عنده وتغطيته نعماءه قبله فمعنى قوله إذا أعدت للكافرين أعدت النار للجاحدين أن الله ربهم المتوحد بخلقهم وخلق الذين من قبلهم الذي جعل لهم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم المشركين معه في عبادته الأنداد والآلهة وهو المتفرد لهم بالإنشاء والمتوحد بالأقوات والأرزاق
    قال أبو جعفر : أما قوله تعالى ( وبشر ) فإنه يعني أخبرهم والبشارة أصلها الخبر بما يسر المخبر به إذا كان سابقا به كل مخبر سواه وهذا أمر من الله نبيه محمدا بإبلاغ بشارته خلقه الذين آمنوا
    والجنات جمع جنة والجنة البستان
    وإنما عنى جل ذكره بذكر الجنة ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها فلذلك قال عز ذكره تجري من تحتها الأنهار لأنه معلوم أنه إنما أراد جل ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنه جار تحت أشجارها وغروسها وثمارها لا أنه جار تحت أرضها لأن الماء إذا كان جاريا تحت الأرض فلا حظ فيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بينها وبينه على أن الذي توصف به أنهار الجنة أنها جارية في غير أخاديد
    القول في تأويل قوله تعالى ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها )
    قال أبو جعفر يعني بقوله كلما رزقوا منها من الجنات والهاء راجعة على الجنات وإنما المعني أشجارها فكأنه قال كلما رزقوا من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل
    ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله هذا الذي رزقنا من قبل فقال بعضهم تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا
    قال أبو جعفر وقال آخرون بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضا ومن علة قائل هذا القول إن ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله
    وقال بعضهم بل قالوا هذا الذي رزقنا من قبل لمشابهته الذي قبله في اللون وإن خالفه في الطعم
    والذي يدل على صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلين إن معنى ذلك هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة
    وقد اختلف أهل التأويل في تأويل المتشابه في ذلك فقال بعضهم تشابهه أن كله خيار لا رذل فيه
    وقال بعضهم تشابهه في اللون وهو مختلف في الطعم وقال بعضهم تشابهه في اللون والطعم
    وقال بعضهم تشابهه تشابه ثمر الجنة وثمر الدنيا في اللون وإن اختلف طعومهما
    وقال بعضهم لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا الأسماء
    وتأويل ذلك وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات فيها أزواج مطهرة
    والأزواج جمع زوج وهي امرأة الرجل يقال فلانة زوج فلان وزوجته
    وأما قوله مطهرة فإن تأويله أنهن طهرن من كل أذى وقذى وريبة مما يكون في نساء أهل الدنيا من الحيض والنفاس والغائط والبول والمخاط والبصاق والمني وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والريب والمكاره
    القول في تأويل قوله تعالى ( وهم فيها خالدون )
    قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره بذلك والذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنات خالدون فالهاء والميم من قوله وهم عائدة على الذين آمنوا وعملوا الصالحات والهاء والألف في فيها على الجنات وخلودهم فيها دوام بقائهم فيها على ما أعطاهم الله فيها من الحبرة والنعيم المقيم
    العلاقة بين الجمل :كان أول ما افتتح له كتابه أن عرفه معنى ما تضمنته ( الم ) ثم فصل من ذلك ثلاثة أحوال المدعوين بهذا الكتاب , وحينئذ شرع في تلقينه الدعوة العامة للناس , فافتتح بعد ذلك الدعوة والنداء والدعوة إلى العبادة يعني بهذه الآية , وتولى الله سبحانه دعوة الخلق في هذه الدعوة العامة التي هي جامعة لكل دعوة في القرآن .
    ... ولما كانت العبادة المختلة بشرك أو غيره ساقطة والازدياد من الصحيحة والاستمرار عليها عبادة جديدة يحسن الأمر بها خاطب الفريقين فقال : ( اعبدوا ربكم ) أي الذي لا رب لكم غيره عبادة هي بحيث يقبلها الغني .
    ثم وصفه بما أشارت إليه صفة الرب من الإحسان تنبيها على وجوده ووجوب العبادة له بوجوب شكر المنعم فقال : ( الذي خلقكم ) , قال الحرالي : ( الذي ) اسم مبهم مدلوله ذات موصوف بوصف يعقب به وهي الصلة اللازمة له , والخلق تقدير أمشاج ما يراد إظهاره بعد الامتزاج والتركيب صورة ( والذين من قبلكم ) القبل ما إذا عاد المتوجه إلى مبدأ وجهته أقبل عليه - انتهى .
    ثم بين نتيجتها بقوله : ( لعلكم تتقون ) أي لتكون حالكم بعبادته لأنها كلها محاسن ولا حسن في غيرها حال من ترجى له التقوى
    وما أحسن الأمر بالعبادة حال الاستدلال على استحقاقها بخلق الأولين والآخرين وما بعده عقب إثبات قدرة الداعي المشيرة إلى الترهيب من سطواته ولقد بدع هذا الاستدلال على التفرد بالاستحقاق عقب أحوال من قرب أنهم في غاية الجمود بأمور مشاهدة يصل إليها كل عاقل بأول وهلة من دحو الأرض وما بعده مما به قوام بقائهم من السكن والرزق في سياق منبه على النعمة محذر من سلبها دال على الإله بعد الدلالة بالأنفس من حيث إن كل أحد يعرف ضرورة أنه وجد بعد أن لم يكن , فلا بد له من موجد غير الناس , لما يشاهد من أن حال الكل كحاله بالدلالة بالآفاق من حيث إنها متغيرة , فهي مفتقرة إلى مغير هو الذي أحدثها ليس بمتغير , لأنه ليس بجسم ولا جسماني في سياق مذكر بالنعم الجسام الموجبة لمحبة المنعم وترك المنازعة وحصول الانقياد
    ( فراشا ) وهي بساط سقفه السماء وهي مستقر الحيوان من الأحياء والأموات , وأصله كما قال الحرالي : بساط يضطجع عليه للراحة ونحو ذلك ( والسماء بناء ) أي خيمة تحيط بصلاح موضع السكن وهو لعمري بناء جليل القدر , محكم الأمر , بهي المنظر , عظيم المخبر .
    ورتبت هذه النعم الدالة على الخالق الداعية إلى شكره أحكم ترتيب , قدم الإنسان لأنه أعرف بنفسه والنعمة عليه أدعى إلى الشكر , وثنى بمن قبله لأنه أعرف بنوعه , وثلث بالأرض لأنها مسكنه الذي لا بد له منه , وربع بالسماء لأنها سقفه , وخمس بالماء لأنه كالأثر والمنفعة الخارجة منها وما يخرج بسببه من الرزق كالنسل المتولد بينهما فقال : ( وأنزل ) قال الحرالي : من الإنزال وهو الإهواء بالأمر من علو إلى سفل - انتهى .
    ( من السماء ) أي بإثارتها الرياح المثيرة للسحاب الحامل للماء ( ماء ) أي جسما لطيفا يبرد غلة العطش , به حياة كل نام .
    وأتي بجمع القلة في الثمر ونكر الرزق مع المشاهدة لأنهما بالغان في الكثرة إلى حد لا يحصى تحقيرا لهما في جنب قدرته إجلالا له فقال : ( به من الثمرات رزقا ) وإخراج الأشياء في حجاب الأسباب أوفق بالتكليف بالإيمان بالغيب , لأنه كما قيل : لولا الأسباب لما ارتاب المرتاب , والثمر كما قال الحرالي : مطعومات النجم والشجر وهي عليها , وعبر بمن لأن ليس كل الثمرات رزقا لما يكون عليه وفيه من العصف والقشر والنوى , وليس أيضا من كل الثمرات رزق فمنه ما هو للمداواة ومنه سموم وغير ذلك .
    وفي قوله : ( لكم ) إشعار بأن في الرزق تكملة لذواتهم ومصيرا إلى أن يعود بالجزاء منهم .
    وقد وصف الرب في هذه الآية بموصولين ذكر صلة الثاني بلفظ الجعل , لأن حال القوام مرتب على حال الخلق ومصير منه , فلا يشك ذو عقل في استحقاق الانقياد لمن تولى خلقه وأقام تركيبه ؛ ولا يشك ذو حس إذا تيقظ من نوم أو غفلة فوجد بساطا قد فرش له وخيمة قد ضربت عليه وعولج له طعام وشراب قدم له أن نفسه تنبعث بذاتها لتعظيم من فعل ذلك بها ولتقلد نعمته وإكباره ؛ فلتنزيل هذه الدعوة إلى هذا البيان الذي يضطر النفس إلى الإذعان ويدخل العلم بمقتضاها في رتبة الضرورة والوجدان كانت هذه الدعوة دعوة عربية جارية على مقتضى أحوال العرب , لأن العرب لا تعدو بأنفسها العلم الضروري وليس من شأنها تكلف الأفكار والتسبب إلى تواني العلوم النظرية المأخوذة من مقتضى الإمارات والأدلة , فعوملت بما جبلت عليه فتنزل لها لتكون نقلتها من فطرة إلى فطرة ومن علم وجداني إلى علم وجداني علي لتحفظ عليها رتبة الإعراب والبيان بأن لا يتسبب لها إلى دخول ريب في علومها , لأن كل علم مكتسب يتكلف التسبب له بآيات وعلامات ودلائل تبعد من الحس وأوائل هجوم العقل تتعارض عليه الأدلة ويعتاده الريب , فحفظت هذه الدعوة العربية عن التكلف وأجريت على ما أحكمه صدر السورة في قوله تعالى : ( لا ريب فيه ) .
    واعلم أن حال المخلوق في رزقه محاذي به حاله في كونه , فيعلم بالاعتبار والتناسب الذي شأنه أن تتعلم من جهته المجهولات أن الماء بزر كون الإنسان كما أن الماء أصل رزقه , ولذلك قال عليه السلام لمن سأله ممن هو فلم يرد أن يعين له نفسه : ( نحن من ماء ) ويعلم كذلك ايضا أن للأرض والسماء مدخلا في أمشاج الإنسان رتب عليه مدخلها في كون رزقه , وفي ذكر الأرض معرفة أخذ للأرض إلى نهايتها وكمالها .
    ولذلك قال عليه السلام : ( من اغتصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين ) وكذلك ذكر السماء أخذ لها إلى نهايتها وكمالها ؛ وقدم الأرض لأن نظر النفوس إلى ما تحتها أسبق لها من نظرها إلى ما علا عليها .
    ثم قال : ولوضوح آية الربوبية تقلدها الأكثر وإنما توقفوا في الرسالة ولذلك وصل ذكر الرسالة بالتهديد - انتهى .
    ولما أمر بعبادته وذكرهم سبحانه بما يعلمون أنه فاعله وحده حسن النهي عن أن يشرك به ما لا أثر له في شيء من ذلك بفاء التسبب عن الأمرين كليهما قال معبرا بالجلالة على ما هو الأليق بالتوبيخ على تأله الغير ( فلا تجعلوا لله ) أي ما إحاطته بصفات الكمال .
    ويجوز أن يكون مسببا عن التقوى المرتجاة فتكون لا نافية والفعل منصوب ( أندادا ) أي على حسب زعمكم أنها تفعل ما تريدون .
    قال الحرالي : جمع ند وهو المقاوم في صفة القيام والدوام , وعبر بالجعل لأن بالجعل والمصير من حال إلى حال أدنى منها ترين الغفلة على القلوب , حتى لا تشهد في النعم والنقم إلا الخلق من ملك أو ذي إمرة أو من أي ذي يد عليا كان , ولما شهدوا ذلك منهم تعلق بهم رجاؤهم وخوفهم وعاقبهم ربهم على ذلك بأيديهم فاشتد داعي رجائهم لهم وسائق خوفهم منهم فتذللوا لهم وخضعوا , فصاروا بذلك عبدة الطاغوت وجعلوهم لله أندادا - انتهى .
    وما أحسن قوله في تأنيبهم وتنبيههم على ما أزروا بأنفسهم ( وأنتم تعلمون ) أي والحال أنكم ذوو علم على ما تزعمون فإنه يلوح إلى أن من أشرك به مع قيام هذه الأدلة لم يكن ممن يصح منه العلم فكان في عداد البهائم .
    وفيه كما قال الحرالي : إعلام بظهور آيات ما يمنع جعل الند لما يشاهد أن جميع الخلق أدناهم وأعلاهم مقامون من السماء وفي الأرض ومن الماء , فمن جعل لله ندا مما حوته السماء والأرض واستمد من الماء فقد خالف العلم الضروري الذي به تقلد التذلل للربوبية في نفسه فإن يحكم بذلك على غيره مما حاله كحاله أحق في العلم - انتهى .
    وفي تعقيبها لما قبلها غاية التبكيت على من ترك هذا القادر على كل شيء وعبد ما لا يقدر على شيء .
    وهذه الآية من المحكم الذي اتفقت عليه الشرائع واجتمعت عليه الكتب , وهو عمود الخشوع , وعليه مدار الذل والخضوع .
    ولما ثبتت هذه الأدلة فوجب امتثال ما دعت إليه ولم يبق لمتعنت شبهة
    ( وإن كنتم في ريب ) أي شك محيط بكم من الكتاب الذي قلت - ومن أصدق مني قيلا - إنه ( لا ريب فيه ) .
    وأشار هنا أيضا إلى عظمته وعظمة المنزل عليه بالنون التفاتا من الغيبة إلى التكلم فقال : ( مما نزلنا ) قال الحرالي : من التنزيل وهو التقريب للفهم بتفصيل وترجمة ونحو ذلك - انتهى .
    و ( على عبدنا ) أي الخالص لنا الذي لم يتعبد لغيرنا قط , فلذلك استحق الاختصاص دون عظماء القريتين وغيرهم , فارتبتم في أنه كلامنا نزل بأمرنا وزعمتم أن عبدنا محمدا أتى به من عنده لتوهمكم أن فيما سمعتم من الكلام شيئا مثله لأجل الإتيان به منجما أو غير ذلك من أحواله .
    ( فأتوا ) أي على سبيل التنجيم أو غيره , قال الحرالي : الآتي بالأمر يكون عن مكنة وقوة ( بسورة ) أي نجم واحد .
    قال الحرالي : السورة تمام جملة من المسموع يحيط بمعنى تام بمنزلة إحاطة السور بالمدينة - انتهى .
    وتفصيل القرآن إلى سور وآيات , لأن الشيء إذا كان جنسا وجعلت له أنواع واشتملت أنواعه على أصناف كان أحسن وأفخم لشأنه وأنبل ولا سيما إذا تلاحقت الأشكال بغرابة الانتظام , وتجاوبت النظائر بحسن الالتيام , وتعانقت الأمثال بالتشابه في تمام الأحكام وجمال الأحكام , وذلك أيضا أنشط للقارش وأعظم عنده لما يأخذه منه مسمى بآيات معدودة أو سورة معلومة وغير ذلك ( من مثله ) أي من الكلام الذي يمكنكم أن تدعوا أنه مثل ما نزلنا
    ولما كانوا يستقبحون الكذب قال : ( وادعوا شهداءكم ) أي من تقدرون على دعائه من الموجودين بحضرتكم في بلدتكم أو ما قاربها , والشهيد كما قال الحرالي من يكثر الحضور لديه واستبصاره فيما حضره - انتهى .
    ( من دون الله ) أي لينظروا بين الكلامين فيشهدوا بما تؤديهم إليه معرفتهم من المماثلة أو المباينة فيزول الريب ويظهر إلى الشهادة الغيب أو ليعينوكم على الإتيان بمثل القطعة المحيطة التي تريدون معارضتها .
    قال الحرالي : والدون منزلة القريب فالقريب من جهة سفل , وقد عقلت العرب أن اسم الله لا يطلق على ما ناله إدراك العقل فكيف بالحس فقد تحققوا أن كل ما أدركته حواسهم ونالته عقولهم فإنه من دون الله - انتهى .
    ففي التعبير به توبيخ لهم بأنهم لم يرضوا بشهادته سبحانه .
    وحكمة الإتيان بمن التبعيضية في هذه السورة دون بقية القرآن أنه سبحانه لما فرض لهم فيها الريب الذي يلزم منه زعمهم أن يكونوا اطلعوا له على مثيل أو سمعوا أن أحدا عثر له على شبيه اقتضى الحال الإتيان بها ليفيد أن المطلوب منهم في التحدي قطعة من ذلك المثل الذي ادعوه حكيمة المعاني متلائمة المباني منتظم أولها بآخرها كسور المدينة في صحة الانتظام وحسن الالتيام والإحاطة بالمباني التي هي كالمعاني والتقاء الطرفين حتى صار بحيث لا يدرى أوله من آخره سواء كانت القطعة المأتي بها تباري آية أو ما فوقها لأن آيات القرآن كسورة يعرف من ابتدائها ختامها ويهدي إلى افتتاحها تمامها , فالتحدي هنا منصرف إلى الآية بالنظر الأول وإلى ما فوقها بالنظر الثاني .
    والمراد بالسورة هنا مفهومها اللغوي , لأنها من المثل المفروض وهو لا وجود له في الخارج حتى يكون لقطعة اصطلاح في الأسماء معروف , ولأن معرفة المعنى الاصطلاحي كانت مخصوصا بالمصدقين ولو أريد التحدي بسورة من القرآن لقيل : فائتوا بمثل سورة منه , ولما كان هذا هو المراد قصرهم في الدعاء على من بحضرتهم من الشهداء وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة يونس عليه السلام وبقية السور المذكورة فيها هذا المعنى ما يتم به هذا الكلام .
    وفي قوله : ( إن كنتم صادقين ) إيماء إلى كذبهم في دعوى الشك فيه , قال الحرالي : والصادق الذي يكون قول لسانه وعمل جوارحه مطابقا لما احتوى عليه قلبه مما له حقيقة ثابتة بحسبه , وقال : اتسقت آية تنزيل الوحي بآية إنزال الرزق لما كان نزول ما نزل على الرسول المخصص بذلك ينبغي اعتباره بمقابلة نزول الرزق , لأنهما رزقان : أحدهما ظاهر يعم الكافر في نزوله , والآخر وهو الوحي رزق باطن يخص الخاصة بنزوله ويتعين له أيهم أتمهم فطرة وأكملهم ذاتا ؛ ولم يصلح ن يعم بنزول هذا الرزق الباطن كعموم الظاهر , فتبطل حكمة الاختصاص في الرزقين , فإن نازعهم ريب في الاختصاص فيفرضون أنه عام فيحاولون معارضته , وكما أنهم يشهدون بتمكنهم من الحس عند محاولته عمومه فكذلك يجب أن يشهدوا بعجزهم عن سورة من مثله تحقق اختصاص من نزل عليه به وأجرى ذكره باسم العبودية إعلاما المماثلة أو المباينة فيزول الريب ويظهر إلى الشهادة الغيب أو ليعينوكم على الإتيان بمثل القطعة المحيطة التي تريدون معارضتها .
    وانتظم النون في ( نزلنا ) من يتنزل بالوحي من روح القدس والروح الأمين ونحو ذلك , لأنها تقتضي الاستتباع , واقتضت النون في لفظ ( عبدنا ) ما يظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الانقياد والاتباع وما اقتضاه خلقه العظيم من خفض الجناح , حتى أنه يوافق من وقع على وجه من الصواب من أمته صلى الله عليه وسلم , وحتى أنه يتصف بأوصاف العبد في أكله كما قال : ( آكل كما يأكل العبد ) انتهى .
    والحاصل أنه لما كان في آيات المنافقين ذكر الأمثال وكانوا قد استغربوا بعض أمثال القرآن وجعلوها موضعا للشك من حيث كانت موضعا لليقين فقالوا : لو كان هذا من عند الله لما ذكر فيه أمثال هذه الأمثال , لأنه أعظم من أن يذكر ما دعاهم إلى المعارضة في هذه السورة المدنية بكل طريق يمكنهم , وأخبرهم بأنهم عاجزون عنها وأن عجزهم دائم تحقيقا لأنهم في ذلك الحال معاندون لا شاكون .
    ولما كان سبحانه عالما بأن الأنفس الأبية والأنوف الشامخة الحمية التي قد لزمتشيئا فمرنت عليه حتى صار لها خلقا يصعب عليها انفكاكها عنه ويعسر خلاصها منه عبر عن هذا الإخبار بالعجز مهددا في سياق ملجئ إلى الإنصاف بالاعتراف أو تفطر القلوب بالعجز عن المطلوب بقوله تعالى : ( فإن لم تفعلوا ) فأتى بأداة الشك تنفيسا لهم وتهكما في نفس الأمر بهم واستجهالا لهم , ثم لم يتمم ذلك التنفيس حتى ضربهم ضربة فضمت ظهورهم وقطعت قلوبهم فقال لتكون الآية كافلة لصحة نسبة النظم والمعنى آيد وآكد لادعائهم المقدرة بقوله تعالى : ( ولن تفعلوا ) فألزمهم الخزي بما حكم عليهم به من العجز , فلم يكن لهم فعل إلا المبادرة إلى تصديقه بالكف , فكانوا كمن ألقم الحجر فلم يسعه إلا السكوت , واستمر ذلك التصديق لهم ولأمثالهم على وجه الدهر في كل عصر ينادي مناديه فتخضع له الرقاب ويصدح مؤذنه فتنكسر الرؤوس , والتعبير بالفعل الأعم من الإتيان أبلغ لأن نفيه نفي الأخص وزيادة .
    فثبت بهذا عجزهم وخرس قطعا إفصاحهم ورمزهم وطأطأ ذلا كبرهم وعزهم , وكيف يمكن المخلوق مع تمكنه في سمات النقص ودركات الافتقار والضعف معارضة من اختص بصفات الكمال وتعالى عن الأنداد والأشباه والأشكال .
    وسيأتي إن شاء الله تعالى في أواخر العنكبوت ما ينفع ها هنا وأشار سبحانه في تهديدهم بقوله : ( فاتقوا النار ) كذا قال الحرالي , وهي جوهر لطيف يفرط لشدة لطافته في تفريط المتجمد بالحر المفرط وفي تجميد المتمتع بالبرد المفرط .
    وقال غيره : جسم لطيف مضيء حار من شأنه الإحراق ( التي وقودها ) أي الشيء الذي يتوقد ويتأجج به ( الناس والحجارة ) التي هي أعم من أصنامهم التي قرنوا بها أنفسهم في الدنيا إلى أنهم لم يقدروا على المعارضة واستمروا على التكذيب , كانوا معاندين ومن عاند استحق النار , وإلى أنهم إذا أحرقوا فيها أوقد عليهم بأصنامهم تعريضا بأنها وإن كانت في الدنيا لا ضرر فيها ولا نفع باعتبار ذواتها فهي في الآخرة ضرر لهم بلا نفع بشفاعة ولا غيرها ؛ وتعريف النار وصلة الموصول لأن أخبار القرآن بعد ثبوت أنه من عند الله معلومة مقطوع بها فهو من باب تنزيل الجاهل منزلة العالم تنبيها على أن ما جهله لم يجهله أحد .
    ...الحرالي ...وقال : ( وقودها ) لأن النار أشد فعلها في وقودها لأن بتوسطه تفعل فيما سواه , فإذا كان وقودها محرقها كانت فيه أشد عملا لتقويها به عليه , ويفهم اعتبارها بنار الدنيا انقداحها من أعمال المجزيين بها ومن كونهم , فهم منها مخلوقون وبها مغتذون إلا أنها منطفية الظاهر في الدنيا متأججة في يوم الجزاء ومثال كل مجزي منها بمقدار ما في كونه من جوهرها .
    ولما تم ذلك وكان ( الناس ) عاما للكافر وغيره كان كأنه قيل : هذه النار لمن ؟ فقيل : ( أعدت ) أي هيئت وأكملت قبل زمن استعمالها وتقاد للمجهول لأن المشتكي إذا جهل فاعله كان أنكأ ( للكافرين ) فبين أنها موجودة مهيأة لهم ولكل من اتصف بوصفهم وهو ستر ما ظهر من آيات الله .
    قال الحرالي : وهي عدة الملك الديان لهم بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا - انتهى .
    ولما ذكر ما لهم ترهيبا اتبعه ما للمؤمنين ترغيبا فقال صارفا وجه الخطاب بالرحمة إلى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم عاطفا على ما تقديره : فأنذرهم بذلك , ولكنه طواه لأن السياق للاستعطاف ( وبشر ) والبشرى قال الحرالي إظهار غيب المسرة بالقول : ( الذين آمنوا ) أي صدقوا الرسل ( وعملوا ) قال الحرالي : من العمل وهو فعل بني على علم أو زعمه ( الصالحات ) من الأقوال والأفعال , قال الحرالي : جمع صالحة , وهو العمل المتحفظ به من مداخل الخلل فيه , وإذا كانت البشرى لهؤلاء فالمؤمنون أحق بما فوق البشرى , وإنما يبشر من يكون على خطر , والمؤمن مطمئن فكيف بما فوق ذلك من رتبة الإحسان إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت , وما لا يناله علم نفس ولا خطر على قلب بشر .
    ولما ذكر المبشر اتبعه المبشر به فقال : ( أن لهم جنات ) أي متعددة , قال الحرالي : لتعدد رتب أفعالهم التي يطابق الجزاء ترتبها وتعددها كما قال عليه الصلاة والسلام للتي سألت عن ابنها : ( إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ) وفي التعبير بلهم إشعار بأن ذلك الذي لهم ينبغي لحاقه بذواتهم ليحصل به من كمال أمرهم وصلاح حالهم نحو مما يحصل بكمال خلقهم وتسويتهم .
    والجنات مبتهجات للنفوس تجمع ملاذ جميع حواسها , تجن المتصرف فيها أي تخفيه وتجن وراء نعيمها مزيدا دائما - انتهى .
    ثم وصفها بأنها ( تجري ) قال الحرالي : من الجري وهو إسراع حركة الشيء ودوامها , و ( من تحتها ) أي من تحت غرفها , والتحت ما دون المستوى , ( الأنهار ) جمع نهر , وهو المجرى الواسع للماء - انتهى .
    فإسناد الجري إليها مجاز , والتعريف لما عهده السامع من الجنس ويحتمل أن يكون المعنى أن أرضها منبع الأنهار , فتحت كل شجرة وغرفة منبع نهر , فهي لا تزال غضة يانعة متصلة الزهر والثمر لا كما يجلب إليه الماء وربما انقطع في وقت فاختل بعض أمره .
    قال الحرالي : وإذا تعرف حال العامل من وصف جزائه علم أن أعمالهم كانت مبنية على الإخلاص الذي هو حظ العاملين من التوليد الذي الماء آيته - انتهى .
    فلما كانت الجنان معروفة بالثمار ساق وصفها بذلك مساق ما لا شك فيه بخلاف جري الأنهار فقال : ( كلما ) وهي كلمة تفهم تكرر الأمر في عموم الأوقات ( رزقوا منها من ثمرة ) أي ثمرة كانت رزقا ( قالوا ) لكونه على صورة ما في الدنيا ( هذا ) أي الجنس لاستحكام الشبه ( الذي رزقنا من قبل ) أي في الدنيا , ولما كان الرزق معلوما ولم يتعلق غرض بمعرفة الآتي بالرزق بنيا للمجهول فقال تعالى عاطفا على ما تقديره لأنا خلقناه على شكل ما كان ليكونوا به أغبط ولمزيته أعرف وله أقبل وإليه أميل موحدا للضمير إشارة إلى أنه لاستحكام الشبه كأنه واحد ( وأتوا به ) أي جيء لهم بهذا الجنس المرزوق لهم في الدارين في الجنة من غير تطلب وتشوق ( متشابها ) في مطلق اللون والجنس ليظن أنه متشابه في الطعم , فيصير فضله في ذلك لاذوق نعمة أخرى والتشابه المراد هنا اشتراك في ظاهر الصورة , والإتيان بأداة التكرار يدل على أن الشبه يزداد عظمة في كل مرة فيزداد العجب وجعل الحرالي هذا خاصا بثمار الجنة فقال : من قبل إعلام بأن أشخاص ثمر الجنة وآحادها لا تتمايز لأنها على أعلى صورتها لا تتفاوت بأعلى وأدنى ولا يتراخى زمان عودها , فهي تتخلف لآن قطفها ولا تتمايز صور المقطوف من الخالف حتى يظن القاطف أن المتخلف عين الأول ؛ فحال ثمر الجنة كحال الماء الذي هو أصله , وبسرعة الخلف من ثمر الجنة وأنه متصل جرية الوجود قال عليه السلام في عنقود من ثمرها : ( لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ) ويشعر ذلك عند اعتبار العمل به بأن نياتهم في الأعمال صالحة ثابتة مرابطة حتى جروا بها هذا الاتصال وكمال الصورة في الرزق ومنه حديث مرفوع أخرجه الطبراني عن سهل بن سعد : ( نية المؤمن خير من عمله ) ( وأتوا به متشابها ) أظهر عذرهم في توهم اتحاد الثمر وعرف بأمنتهم من العنا , لأنه لو تفاوت تبعه الكراهة للأدنى وتكلف للانتقاء للأعلى وذلك إنما هو لائق بكيد الدنيا لا بنعيم الجنة , وقد ذكر بعض العلماء اطراد هذا التشابه في ثمر الجنة وإن اختلفت أصنافه .
    ولما ذكر المسكين الذي هو محل اللذة وأتبعه المطعم المقصود بالذات وكانت لذة الدار لا تكمل إلا بأنس الجار لا سيما المستمتع به قال : ( ولهم فيها ) أي مع ذلك ( أزواج ) ولما كن على خلق واحد لا نقص فيه أشار إليه بتوحيد الصفة , وأكد ذلك بالتعبير بالتفعيل إلماما بأنه عمل فيه عمل ما يبالغ فيه بحيث لا مطمع في الزيادة فقال : ( مطهرة ) .
    قال الحرالي : والزوج ما لا يكمل المقصود من الشيء إلا معه على نحو من الاشتراك والتعاون , والتطهير تكرار إذهاب مجتنب بعد مجتنب عن الشيء ؛ ولما ذكر تعالى الرزق المستثمر من أعمال الذين آمنوا وصل به ذكر الأزواج المستثمرة من حال نفوسهم من حسن أخلاقها وجمال صورتها الباطنة في الدنيا , وكانت المرأة زوج الرجل لما كان لا يستقل أمره في النسل والسكن إلا بها - انتهى . ولما كان خوف الزوال أو الانتقال إلى أدنى منغصا فلا تروق اللذة إلا مع الاستقرار وكان هذا الوصف عاما في جميع الجنان العلى وغيرها قال مقدما للجار إشارة إلى أنهم لا يكونون في جنة إلا وهذه صفتها وأن نعيمهم لا آخر له ( وهم فيها ) ولما أفاد تقديم الظرف تخصيص الكون بها وعدم الكون في غيرها وكان ذلك معنى الخلود وكان قد يطلق على الإقامة بلا نهاية على طول الإقامة وإن كان له آخر صرح به بيانا بأن المراد ما لا آخر له وإلا لم يفد شيئا جديدا فقال : ( خالدون ) والخلود طول الإقامة بالقرار , وسياق الامتنان أغنى عن تقييده بالتأبيد والدوام .
    المعنى العام :
    يا أيها الناس . . . . .هذا أمر لكل الناس بأمر عام وهو العبادة الجامعة لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه وتصديق خبره فأمرهم تعالى بما خلقهم له
    وإن كنتم في . . . . .وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به
    وفي قوله : ) أعدت للكافرين ( ونحوها من الآيات دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة وفيها أيضا أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار لأنه قال : ) أعدت للكافرين ( فلو كان [ عصاة الموحدين ] يخلدون فيها لم تكن معدة للكافرين وحدهم خلافا للخوارج والمعتزلة وفيه دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه وهو الكفر وأنواع المعاصي على اختلافها
    وبشر الذين آمنوا . . . . .لما ذكر جزاء الكافرين ذكر جزاء المؤمنين أهل الأعمال الصالحات على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب ليكون العبد راغبا راهبا خائفا راجيا
    الأحكام :
    قوله تعالى ( الذي جعل لكم الأرض فراشا )
    قال أصحاب الشافعي لو حلف رجل لا يبيت على فراش ولا يستسرج سراجا فبات على الأرض وجلس في الشمس لم يحنث لأن اللفظ لا يرجع إليهما عرفا
    وأما علماؤنا فبنوه على أصلهم في الإيمان أنها محمولة على النية أو السبب أو البساط التي جرت عليه اليمين فإن عدم ذلك فالعرف وبعد أن لم يكن ذلك على مطلق اللفظ في اللغة و ذلك محقق في مسائل الخلاف
    والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى وهذا عام في العبادات والمعاملات وهذا حديث غريب اجتمعت فيه فائدتان
    إحداهما تأسيس القاعدة والثانية عموم اللفظ في كل حكم منوي
    والذي يقول إنه إن حلف ألا يفترش فراشا وقصد بيمينه الاضطجاع أو حلف ألا يستصبح ونوى ألا ينضاف إلى نور عينيه نور يعضده فإنه يحنث بافتراش الأرض والتنور بالشمس وهذا حكم جار على الأصل
    قوله تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا )
    لم تزل هذه الآية مخبوءة تحت أستار المعرفة حتى هتكها الله عز وجل بفضله لنا وقد تعلق كثير من الناس بها في أن أصل الأشياء الإباحة إلا ما قام عليه دليل بالحظر واغتر به بعض المحققين وتابعهم عليه وقد حققناها في أصول الفقه بما الإشارة إليه أن الناس اختلفوا في هذه الآية على ثلاثة أقوال :
    الأول أن الأشياء كلها على الحظر حتى يأتي دليل الإباحة
    الثاني أنها كلها على الإباحة حتى يأتي دليل الحظر
    الثالث أن لا حكم لها حتى يأتي الدليل بأي حكم اقتضى فيها
    والذي يقول بأن أصلها إباحة أو حظر اختلف منزعه في دليل ذلك فبعضهم تعلق فيه بدليل العقل ومنهم من تعلق بالشرع والذي يقول إن طريق ذلك الشرع قال الدليل على الحكم بالإباحة قوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) فهذا سياق القول في المسألة إلى الآية
    فأما سائر الأقسام المقدمة فقد أوضحناها في أصول الفقه وبينا أنه لا حكم للعقل وأن الحكم للشرع ولكن ليس لهذه الآية في الإباحة ودليلها مدخل ولا يتعلق بها محصل
    وتحقيق ذلك أن الله تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الدلالة والتنبيه على طريق العلم والقدرة وتصريف المخلوقات بمقتضى التقدير والإتقان بالعلم وجريانها في التقديم والتأخير بحكم الإرداة .
    قوله تعالى ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات )
    قال علماؤنا البشارة هي الإخبار عن المحبوب والنذارة هي الإخبار بالمكروه وذلك في البشارة يقتضي أول مخبر بالمحبوب ويقتضي في النذارة كل مخبر وترتب على هذا مسألة من الأحكام وذلك كقول المكلف من بشرني من عبيدي بكذا فهو حر
    فاتفق العلماء على أن أول مخبر له به يكون عتيقا دون الثاني
    ولو قال من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر فهل يكون الثاني مثل الأول أم لا
    اختلف الناس فيه فقال أصحاب الشافعي يكون حرا لأن كل واحد منهم مخبر وعند علمائنا لا يكون به حرا لأن الحالف إنما قصد خبرا يكون بشارة وذلك يختص بالأول وهذا معلوم عرفا فوجب صرف اللفظ إليه
    فإن قيل فقد قال الله تعالى ( فبشرهم بعذاب أليم ) فاستعمل البشارة في المكروه
    فالجواب أنهم كانوا يعتقدون أنهم يحسنون وبحسب ذلك كان نظرهم للبشرى فقيل لهم بشارتكم على مقتضى اعتقادكم عذاب أليم فخرج اللفظ على ما كانوا يعتقدون أنهم محسنون وبحسب ذلك كان نظر له على الحقيقة كقوله تعالى ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا )

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    1,018

    افتراضي رد: المراحل العشر لحفظ القرآن الكريم

    سؤال للإخوة هل أحد استفاد من هذا الجمع ؟ أو نتوقف عنه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •