ومضات حول حديث كفارة المجلس:
لا ريب أن هذه الأسطر لن تأتي بجديد، غير أن فيها خلاصات يرجى أن تكون نافعة, فيها جمع متفرق، وفوائد عسى أن تكون مستحسنة، على قدر جهد المقل الضعيف، لعله ينتفع بها من يجدها على الشبكة فينتظم كاتب الأسطر في آخر سلك من دلوا على هدى، أو تصادف بقدر الله من لا صبر له على الذهاب للكتب، ومنهم الكاتب، فيجد فيها ضالة منشودة، هدانا الله لاغتنام كل خير، وتجاوز عنا جميعا.
ومعلوم ما قاله العلماء في الاستغفار أنه في ختام العمل الصالح كالطابع عليه إن كان تاما، أو جابرا للتقصير فيه، ولذا أمر الله به بعد الحج، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار بع المفروضة، وهذه السنة في كفارة المجلس مما يتأكد بها هذا الأمر.
-هل لكفارة المجلس ذكر في القرآن؟!:

جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله (7/40 لقول الله تعالى في سورة الطور, {وسبح بحمد ربك حين تقوم{ ما نصه:
".وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ قَالَ: مِنْ كُلّ.
وقال الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ قَالَ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حدثنا محمد ابن شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرِو الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ يَقُولُ: حِينَ تَقُومُ مِنْ كُلِّ مَجْلِسٍ، إِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ ازْدَدْتَ خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا كَفَّارَةً لَهُ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي جَامِعِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَرِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْفَقِيرِ؛ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ مَجْلِسِهِ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ غَيْرَهُ يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ كَفَّارَةُ الْمَجَالِسِ الْمَجَالِسِ.
وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ مِنْ طُرُقٍ -يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا-بِذَلِك".
ثم ذكر بالأسانيد ما روي من أحاديث مرفوعة.
زاد السيوطي في الدر المنثور (7/637) من مراسيل أبي العالية رحمه الله:
".وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ زِيادِ بْنِ الحُصَيْنِ قالَ: «دَخَلْتُ عَلى أبِي العالِيَةِ، فَلَمّا أرَدْتُ أنْ أخْرُجَ مِن عِنْدِهِ قالَ: ألّا أُزَوِّدُكَ كَلِماتٍ عَلَّمَهُنَّ جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا ﷺ؟ قُلْتُ: بَلى. قالَ: فَإنَّهُ لَمّا كانَ بِآخِرَةٍ كانَ إذا قامَ مِن مَجْلِسِهِ قالَ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إلَيْكَ. فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما هَؤُلاءِ الكَلِماتُ الَّتِي تَقُولُهُنَّ؟ قالَ: هُنَّ كَلِماتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ، كَفّاراتٌ لِما يَكُونُ في المَجْلِسِ»"
وفي سلسلة لقاء الباب المفتوح-163a
تفسير سورة الطور الآيات ( 37- الى نهاية السورة ) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"(( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ )) ((سبح بحمد ربك )) أي قل: سبحان الله وبحمده، حين تقوم من أي شيء ؟ حين تقوم من مجلسك، أو حين تقوم من منامك، المهم هي عامة، ولهذا كان كفارة المجلس أن يقول الإنسان: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ) فينبغي للإنسان كلما قام من مجلس أن يختم مجلسه بهذا: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك )".
ولا يخفاك أيها القارئ الكريم أن سوق هذا الكلام ليس ترجيحا لهذا القول، وإنما هو تنبيه على أن بعض أهل العلم جعل كفارة المجلس مندرجة ضمن تفسير هذه الآية, للآثار المروية عن السلف في تفسيرها.
--ما روي من الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها:
وفيها أربع مسائل:
ولا—الفترة التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على قولها فيها:
جاء في سنن أبي داود، تحقيق شعَيب الأرنؤوط - محَمَّد كامِل قره بللي، (7/223-224)، باب في كفارة المجلس، حديث رقم, 4859، بإسناد أبي داود، { عن أبي برْزَةَ الأسلمي، قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بأخَرَةٍ إذا أرادَ أن يقوم مِن المجلس: "سبحانَكَ اللهُمَّ وبِحمدِكَ، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفِرُك وأتوبُ إليك"، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم -, إنكَ لَتقُولُ قولاً ما كنتَ تقولُه فيما مضَى، فقال: "كفارةٌ لما يكونُ في المجلسِ} .
جاء في هامشالتحقيق:
" إسناده صحيح. أبو هاشم: هو يحيى بن دينار، وأبو العالية: هو رفيع بن مهران.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (10187) من طريق عيسى، عن الحجاج بن دينار، بهذا الإسناد. وهو في "مسند أحمد" (19812).
وانظر ما سلف قبله من حديث أبي هريرة.
وأبو بَرْزَةَ: اسمه نضلة بن عُبيد أسلم قديماً وشهد فتح مكة".
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود (552/15):
" أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه في كفارة المجلس، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في آخر أمره، ويدل هذا على أن ذلك إنما حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم في أواخر أيامه، أو آخر أمره عليه الصلاة والسلام، وأن على الإنسان أن يحرص على اتباع هذا الأمر، وعلى الإتيان بهذا الذكر ليكون كفارة لما يحصل، ويكون زيادة خير فيما إذا كان ليس هناك شيء مكفر وإنما المجالس مجالس خير مثل مجالس ذكر العلم، فيكون ذلك زيادة خير على خير، ونور على نور".
ثانيا—تحديد المواطن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها فيها:
عامة الأحاديث والآثار فيها ذكر المجلس بالعموم، لكن، روى النسائي في السنن الكبرى, (9/123) كتاب عمل اليوم والليلة، تفريع, (§مَا تَخْتِمُ بِهِ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ)، حديث رقم, 10067 ، بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت: { مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قَطُّ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، §مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "}
وفي السنن الكبرى (2/98-99)، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ آخر رقم, 1268: { أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنِ الْكَلِمَاتِ فَقَالَ: «§إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ، سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»}.
ومن سياق اللفظ يظهر أنه اختصار من بعض الرواة للفظ السابق، ومع اختصاره يستفاد أن لفظ الصلاة فيه محفوظ، ولذا أورده النسائي في تفريع بعنوان, (§نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الذِّكْرِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ).
وفي عمل اليوم والليلة له (1/308-309)في تفريع, (مَا يَقُول إِذا جلس فِي مجْلِس كثر فِيهِ لغطه)، حديث رقم, 400، { عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا جلس مَجْلِسا أَو صلى صَلَاة تكلم بِكَلِمَات فَسَأَلت عَائِشَة عَن الْكَلِمَات فَقَالَ
إِن تكلم بِخَير كَانَ طابعاً عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِن تكلم بِغَيْر ذَلِك كَانَ كَفَّارَة لَهُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك}.
والفائدة من إيراد هذا اللفظ الزيادة التي في الدعاء, "سبحانك اللهم وبحمدك"، بدل, "سبحانك وبحمدك".
وفائدة الحديث أنه يشمل المجالس التي يغشاها المرء مع غيره، وإذا جلس يتلو القرآن، أو إذا صلى، فيكون من أوراد ما بعد الصلاة كما فرع النسائي رحمه الله.
ثالثا—هل يقال دعاء كفارة المجلس مرة واحدة؟:
روى أبو داود في سننه, (7/223-224)، بتحقيق, شعَيب الأرنؤوط - محَمَّد كامِل قره بللي، باب في كفَّارةِ المجلس، حديث رقم, 4857: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كلماتٌ لا يتكلَّمُ بهنَّ أحدٌ في مجلسه عندَ قيامه ثلاثَ مراتٍ إلا كُفِّرَ بهنَّ عنهُ، ولا يقولُهن في مجلِسِ خيرٍ ومجلسِ ذكرِ إلا خُتِمَ له بهنَّ عليه، كما يُختم بالخاتِم على الصحيفةِ: سُبحانَكَ اللهم وبحمدِك، لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفِرُك وأتوبُ إليك .
جاء في هامش التحقيق حول هذا الحديث:
" إسناده صحيح. وهو موقوف. ابن وهب: هو عبد الله، وعمرو: هو ابن الحارث بن يعقوب الأنصاري.
وأخرجه ابن حبان في "صحيه" (593)، والمزي في "تهذيب الكمال" 17/ 317 من طريق حرملة بن يحيى، بهذا الإسناد".
قال الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الترغيب والترهيب ص459:
"921 - (3) [منكر موقوف]".
وقال في الهامش:
"قلت: فيه سعيد بن أبي هلال، وكان اختلط كما قال يحيى وأحمد، وفيه زيادة (ثلاث مرات)، وهي منكرة".
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على سنن أبي داود (552/10):
"وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه).
الأحاديث وردت في الإتيان بهذا الذكر مرة واحدة، وهذا الحديث جاء فيه أنه يقولها ثلاث مرات، لكن الأحاديث الكثيرة والروايات المتعددة جاءت بأن الذكر يقال مرة واحدة، وقد صح الحديث بدون ذكر الثلاث، ولم يأت ذكر العدد إلا في هذا الموضع".
ثم قال بعد ذلك (552/11):
"وما ذكره عبد الله بن عمرو هنا ليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي".
وفي سعيد ابن أبي هلال رحمه الله كلام كثير، وتوثيق جليل، وتضعيف يسير، وعلى أي حال فمن اقتصر على الواحدة في نهاية المجلس موافقة لسائر الأحاديث فهو على صراط بين رشيد.
رابعا— في نوع المكفر من ذنوب المجلس:
في صحيح الترغيب والترهيب للشيخ الإلباني رحمه الله } (2/216):
1516 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"من جلس مجلساً كَثُرَ فيه لَغَطُه؛ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)؛ إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك".
رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح غريب".
وفيه أيضا (2/217):
1519 - (4) [صحيح] وعن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"من قال: (سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). فقالها في مجلس ذكرٍ كان كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو كان كفارة له".
رواه النسائي والطبراني ورجالهما رجال "الصحيح"، والحاكم وقال:
"صحيح على شرط مسلم".
ففي هذين الحديثين بيان ما يغفر من الذنوب, فأما الحديث الأول ورد اللفظ بذكر اللغط، وأما في الثاني فورد لفظ اللغو، جاء في تحفة الإحوذي (9/276):
" قَوْلُهُ فَكَثُرَ بِضَمِّ الثَّاءِ لَغَطُهُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تَكَلَّمَ بِمَا فِيهِ إِثْمٌ لِقَوْلِهِ غُفِرَ لَهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ اللَّغَطُ بِالتَّحْرِيكِ الصَّوْتُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْهُزْءُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَكَأَنَّهُ مُجَرَّدُ الصَّوْتِ الْعَرِيِّ عَنِ الْمَعْنَى".
وعلى هذا المعنى تنص قواميس اللغة.
وأما اللغو، فجاء عنه في لسان العرب:
" لغا : اللغو واللغا : السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا على نفع . التهذيب : اللغو واللغا واللغوى ما كان من الكلام غير معقود عليه".
وعلى هذا، فلا تدخل الغيبة ولا النميمة ولا القذف وما أشبهها مما هو في حقوق العباد في هذا الحديث, لأن حقوق العباد مبنية على المشاحة, فلا بد فيها من استحلال صاحبها أو ما يقوم مقام الاستحلال فيما ليس فيه حد على التفصيلات المعلومة في كتب الأحكام، كذلك ما يناقض التوحيد مما يوجب الردة, فقد اشترط العلماء في كفر الردة أنه لا بد أن يصحبه بيان لما وقع فيه من تلبس بشيء من أمور الردة.
في شرح رياض الصالحين-56b، للشيخ ابن عثيمين ورد السؤال التالي:
" السائل : شيخ بارك الله فيك اللغط هذا يشمل الغيبة والنميمة؟
الشيخ : اللغط لا يشمل الغيبة، لأن الغيبة حق آدمي لكن قد ينفعه فيما بينه وبين الله، وأما صاحبه الذي اغتابه فلابد أن يستحل منه يقول له مثلًا إني قلت فيك كذا وكذا حللني، هذا إذا وصله العلم وإذا كان لم يصله فإنك تستغفر له وتثني عليه في المكان الذي أنت اغتبته فيه ويكفر الله عنك بذلك".:
--هل يشمل هذا الحديث من حضر المجلس ساكتا؟:
في فتاوى عبر الهاتف والسيارة-134، للشيخ الألباني:
"الشيخ : على كل حال ما دمت كنت حاضرا في المجلس فالكفارة تشمل الجالسين سواء تكلموا أو أنصتوا ، لأنهم في إنصاتهم هم مشاركون في الخير وفي اللغو ، ويأتي هنا الحديث : " أنه إن كان مجلس خير كان كالخاتم ، وإلا كان - إذا كان هناك لغو -كان كفارة له " ، فإذن يقول كل فرد منا ، لكن مش جماعة ، إي هذه الجماعة تدخل بقى في مسألة كنا بدأنا معك وما أتممناها".
والحاصل أن كفارة المجلس وإن كانت سنة حري بكل عاقل أن يثبتها في أعماله, ليكفر الله بها كما وعد على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من لغوه ولغطه، أشير إليها في القرآن الكريم, {وسبح بحمد ربك حين تقوم}، ووردت فيها أحاديث وآثار كثيرة، أوفى الألفاظ سياقا سياق جبير بن مطعم رضي الله عنه، وتشمل الصلاة واتلاوة القرآن، مع أنهما ليسا لغوا ولا لغطا كما هو معلوم، لكن، تجبر التقصير، أو تكون عليهما كالطابع، وتقال مرة واحدة، وتشمل الجالس المنصت، لأنه كان مشاركا فيه, لتلبسه بسكوت الإقرار، وعدم النصح.ولا تشمل في التكفير للذنوب ما كان في حق العباد، والله أعلم.