رمضان في عيون الصغار


سمية السحيباني



اقتنت أمّ أنس عدداً لا بأس به من كتب الطهي..وطبعت أيضا من الإنترنت عدداً جيداً من الوصفات الشهيّة.. ثمّ بدأ العمل لتعبئة البرّاد من المعجنات والحلويّات الصالحة للتجميد لحين أوانها..

وهذا أنس الابن الأكبر ذو الستة عشر ربيعاً، حاملاً بيده جهاز التحكم، ويغيّر من قناة تلفزيونيّة لأخرى ليرى الإعلان والتنافس الكبير بين هذه القنوات لبثّ ما يجذب أكبر عدد من المشاهدين من مسلسلات وكوميديا وفوازير رمضانية، ويرى موعد بثّها وعسى ألا يتعارض وقت بث إحداها مع الآخر...

وأما الوالد أبو أنس فهو يخطّط منذ فترة بأن تكون إجازته في رمضان كي يتمكّن من النوم وقت الصيام، أما بعد الإفطار فيواصل السهر حتى السحر...


هذا هو الحال في الكثير من البيوت - للأسف - في شهر الخير والغفران..فماذا سيرسخ في أذهان صغارنا عن شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار؟؟!
ربّما سيثبت في الذهن لديهم من العبادات في رمضان الصيام ومصاحبة الأهل لصلاة التراويح والتي يكون فيها اللعب مع الرفاق وأبناء الجيران في المسجد أكثر من أداء الصلاة...وما يثبت في الذهن غالباً شراب الفيمتو والسمبوسة و حلوى الكنافة وغيرها من أصناف الأكل التي تقدّم أكثر في رمضان..
ولن ينسوا بالطبع الفوازير والضحك ومتابعة المسلسلات التي يمتدّ بثّها إلى وجبة السحور.. قبل الإمساك بقليل..
أمّا الاستعداد لعيد الفطر المبارك و شراء الملابس والهدايا والمفرقعات والصواريخ فيأتي وقتها عادة في العشر الأواخر من رمضان لدى جملة من الناس..

هذا هو رمضان في عيون الصغار، وربمّا بعض الكبار أيضا .. فيروه شهراً مختلفاً عن غيره من الشهور، ففيه كسر الروتين من تغيير نظام الأكل والشرب، إلى تنافس القنوات التلفزيونيّة بتقديم أروع المسلسلات والمسابقات المشبوهة والبرامج غير الهادفة..إلى السهر والتسوّق وغير ذلك.

ولكن يجدر بنا أن نغيّر مفهوم أبنائنا عن شهر رمضان.. ونعدهم لاستقباله أحسن استقبال، استقبال يليق بمكانته وتميّزه عن باقي شهور السنة، ولم لا يكون كذلك وهو الشهر الذي نزل فيه القرآن، وفيه ليلة خير من ألف شهر.. فحريّ بنا أن نحسن استقباله، وأن نكون نحن القدوة الحسنة لأبنائنا في الاستعداد لهذا الشهر الكريم استعداداً روحيّاً خاصّاً، وأن نقلّل قدر الإمكان من شراء المستلزمات الخاصّة من أكل وشرب وغيرها .. وأن نحاول اجتناب الأسواق في هذا الشهر، وأن نقوم بالتسوّق و شراء ملابس العيد قبل دخول هذا الشهر..
ومن المناسب أيضاً أن يتّفق الآباء مع الأبناء ويفهموهم بضرورة إغلاق التلفاز في رمضان، وذلك لمن يوجد في بيته قنوات متعدّدة فيها الصالح والطالح..فهذا شهر عبادة وصيام وقيام وذكر وقراءة قرآن..وأن يستبدل ذلك ببرامج رمضانيّة يصنعها الآباء والأبناء ترقى بفكرهم وتنفعهم في دنياهم وآخرتهم في آن واحد

إنّ رمضان فرصة عظيمة لتربية الأطفال وتعويدهم على المعاني الإيمانيّة الرفيعة، وغرسها فيهم.. فرمضان يعلّمهم الصبر من خلال الصيام وتحمّل الجوع والعطش، ومراقبة الذات قبل مراقبة الغير لهم.. فالعبد يصوم لله وحده ولا يشرك معه أحداً..فلا يأكل ولا يشرب لأنّ هناك من يراقبه في السرّ والعلن.
ويتعلّم الأطفال أيضاً حبّ الصلاة من سنن ورواتب وقيامها على أحسن وجه من خلال مصاحبة الأهل لأبنائهم لصلاة القيام في المسجد، وحرص الأهل على عدم التهاون في أدائها.
ومن المهمّ أيضاً أن يحثّ الآباء أبناءهم على الإكثار من قراءة القرآن وحفظه وختمه أكثر من مرّة في الشهر للقادر على ذلك.. وأن يكون هناك دروس وجلسات لتفسير القرآن الكريم.. وأن توضع جوائز وهدايا رمزية لمن يختم القرآن لتحفيز الأبناء وتشجيعهم على قراءته..
ولا ننسى الصدقة والإكثار منها، ومن تفطير الصائمين، وإطعام الطعام، وتعويد الأبناء على التصدّق بأفضل مالديهم من مال - ولو كان قليلا - فهذا يعلّمهم الجود والكرم، ويبعدهم عن البخل والشحّ..
بأفعالنا هذه سنحاول شيئاً فشيئاً تغيير مفهوم رمضان لدى أبنائنا ليعلموا أنّه شهر عبادة، لا شهر أكل وشرب وسهر ومتابعة أفلام.