المرأة وهمُّ الدعوة


نهى عزت




مجالسُ النساء وأماكنُ تجمعاتهن واختلاط بعضن في المناسبات العامة والخاصة والأفراح وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، كثيرٌ منها إلا ما رحم ربي تقع فيها بعض المحاذير الشرعية من القيل والقال والغيبة والنميمة ومنكرات من القول والفعل بحُجة التسلية أو الترويح عن النفس.

وللأسف هذه أفعال تقصف جبالًا من الحسنات، وتحمل في رقابهن سيئات، ولكن سؤال مهم يدور في أذهان بعض الفضليات من النساء اللاتي يعلمن حرمة هذه الأمور، هل الأفضل لهن اجتناب هذه التجمعات واعتزالها؟ أم الذهاب والحرص على إنكار المنكر وتقديم النصيحة وتبصيرهن بأمور دينهن؟

مما لاشك فيه أن إنكار المنكر والسعي إلى تغييره من أعظم العبادات، لكن هذا الأمر تجد فيه بعض النساء تخوفًا من تقديم الإرشاد والتوجيه لغيرهن، وهذا الأمر راجع إلى عدة أمور منها: أن إحداهن قد تعلم بحرمة هذا الأمر لكن ليس عندها من العلم الشرعي ما يُعينُها على مواجهة المنكر بالحجج والأدلة الصحيحة.

أو أن بعضهن عندها من الحياء ما يمنعها من أداء مهمتها في إنكار المنكر، وقد يكون هذا من الحياء المذموم إذ إنه يمنع خيرًا عَظيمًا.

وقد يصيب بعضهن اليأس من عدم وجود جدوى أو مَنفعة سوى الاستهزاء أو مقابلة النصيحة بالرفض.

نعم قد تكون هناك أمور أخرى تدعو الداعية إلى إيثار السلامة وعدم الاختلاط بغيرهن وتركهن وما يفعلن، ويقعن فيه من أخطاء تغضب الله سبحانه وتعالى، لكن كل هذه الأمور والأسباب ليست سببًا في ترك الدعوة إلى الله، التي في الحقيقة حين نتركها جميعًا نأثم بل قد تتفاقم وتزيد وتنتشر نتيجة عدم النصح وتقديم العذر إلى الله سبحانه وتعالى.

فمن الأمور المعينة في هذا الباب الذي تجده بعض النساء شاقًا عليها فعله، هي أن تتبع فن الدعوة وتحرص على أن تقدم النصيحة بأسلوب سهل متواضع طيب ممتثلة لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

وأيضًا من أسباب نجاح هذا المهمة هو إخلاص النية لله تعالى، وأن تكون موقنة أن هذا القول لله -سبحانه وتعالى- ابتغاء مرضاته، وخوفًا على من تفعله أن يصيبها غضب من الله أو تقع في محظور يكون سببًا في هلاكها.

كذلك على الداعية إلى الله أن تلتزم وتتقيد في كلامها بالشرع وكتاب الله وسنة نبيه، فهما خير زاد تدعو به إلى الله، وسبيل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن استغلال هذه المجالس في إيصال النصيحة والدعوة إلى الله باب عظيم وفضل من الله يَمُنّ به على من أخلصت نيتها لله واستعانت به، واعتمدت على أن يكون أسلوبها حسنًا طيبًا، بعيدًا عن التعالي أو ذم الفاعل، لها أن تذم الفعل لكن برحمة ولطف مع من تفعل أو تقع في معصية وتضع أمام عينيها قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} وما نحن إلا أسباب فقط.

وخير ما تضعه الداعية إلى الله حين تأمر بالمعروف أو تنهى عن منكر بعد أن تستجلب كل أدوات النصيحة الطيبة وتحرص على نفع غيرها، الخير الذي يعود عليها حتى وإن كانت النتيجة غير باهرة إليها فقد ورد في الحديث الشريف: "لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم" فمجرد أن تنتفع ولو واحدة فقط من كلمتها الطيبة ودعوتها الصادقة وتنتهي عن فعل منكر أو معصية، يكون هذا أجرًا لها لا ينقص من أجر صاحبته شيء.

لذا مسؤولية الدعوة إلى الله والنصيحة ليست حكرًا على طائفة بعينها، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "بلغوا عني ولو آية" طالما تحرت فيها أن تكون صحيحة، وليست داعية إلى بدعة أو ما يخالف كتاب الله وسنة نبيه، مُطبقة ذلك على نفسها ساعية أن يكون قولها دعوة وصمتها دعوة وحضورها وغيابها دعوة إلى الله بحسن أفعالها وطيب كلامها.