صبراً.. صبراً









كتبه/ سعيد السواح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

لقد اعتدنا في الأزمات أن تـُقبل القلوب على خالقها وتلتفت إلى أعلى (وَظَنُّواْ أَن لاّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ)(التوبة: 118).

فكم نحتاج إلى إيقاظ الأمة، إلى نفض بقايا النوم، إلى إحياء الأموات، وبعث الجماد من الرقاد!!

كم نحتاج إلى نبذ هذه الهزيمة النفسية التي اعتلت قلوب أبناء الإسلام ووجوههم نتيجة لعدم قراءتهم سنن ربهم الكونية!!

يقول -تعالى-: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(آل عمران: 139)، ويقول -سبحانه-: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)(محمد: 35).

فإن تأخر النصر والتمكين فلا بد أن نبحث، أين الخلل؟ وأين الطريق؟ ومن أين نبدأ ونسلك؟

ونقرأ في هذه السنن الكونية من كتاب ربنا ما نثبت به على طريق الله المستقيم. يقول -تعالى-: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )(هود: 120)، ويقول -سبحانه-: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)(يوسف: 110).

فنقول: صبراً صبراً، فالعاقبة للمتقين، يقول -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)( الصف: 9).

ولنعلم أن وعد الله حق، وأن وعد الله لا يتخلف أبداً (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور: 55).

ونقول: أبشروا فلكم البشرى، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب)(رواه أحمد وابن حبان والبيهقي وصححه الألباني).

أيها المسلمون،

ما ظنكم بربكم العالمين؟

(ألَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)(الزمر: 36).

فأين تذهبون؟

(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِير مُّبِينٌ)(الذاري ات: 50).

بمن تعتصمون؟

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)(آل عمران: 103)، ويقول -تعالى-: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(آل عمران: 101).

وقد بين الله -تعالى- لنا في كتابه الأدوات المعينة على قطع ذلك الطريق، يقول -تعالى-: (وَاسْتَعينوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة: 45- 46).

(وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)(آل عمران: 120).

وبين الله -سبحانه- أن العون والمدد من الله -تعالى- يأتي لمن استمسك بهذه الأدوات (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(آل عمران: 125).

ولنعلم أن النصر من عند الله:

(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)(غافر: 51)، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)( الروم: 47)، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)(الصافات: 171- 173).

ولكن يجب إذا تأخر النصر والتمكين أن ننظر في أنفسنا ونقول: هل تأهلنا بالمؤهلات التي تؤهلنا إلى التمكين؟

ومؤهلات التمكين تتمثل فيما يأتي:

1- التجرد لله والإخلاص له: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام: 162- 163).

2- الثبات على الطريق حتى نلقى الله والالتزام التام بالطريق المستقيم:

(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(ال زخرف: 43)، (وَمَن يُسْلِمْ وجهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(لقمان: 22).

3- الصبر وعدم اليأس، والإيقان الجازم بوعد الله ونصره لعباده:

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).

4- السير على طريق الله المستقيم (سلامة المنهج): (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(الأنعام: 153).

ونقول:

ليست العبرة بكثرة المستجيبين والسالكين، وإنما في المنهج الذي يحمله أولئك سواء كانوا قلة أو كثرة.

ولنعلم أن مقومات هذا الطريق تكمن في:

1- إدراك الإنسان للحق والإيمان به.

2- سلوك طريق الخير والصلاح والهدى والرشاد.

ونقول: إنه مع الصبر يأتي النصر والفرج: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ)(الأعراف: 137)، ويقول -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)(السجدة: 24).

وختاماً نقول:

ما أحوجنا إلى قراءة واعية متأنية لكتاب ربنا، لنقف عند السنن الكونية التي لو عقلناها ما كان هناك مجال لكي نُصاب بهزيمة نفسية كالحال المقروء على وجوه كثير من الملتزمين! فإنهم ليشعرون أنهم قلة، وما علموا أنهم كثرة بتمسكهم بشريعة ربهم وبطريق نبيهم.

وفي الصفحات التالية نستعرض جانباً من هذا القصص القرآني المتمثل في أحوال الأنبياء مع قومهم، وكيف كانوا يجابهون الدعوة لدين الله، ويتصدون لها بكل قوة، ولا يبخلون بوقتهم وأموالهم، بل يحشرون ما استطاعوا من جندهم من أجل إيقاف هذا الحق حتى لا يصل إلى الناس، ولكن يأبى الله إلا أن ينصر دينه، يقول -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَه َا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)(الأنفال: 36).

ولكن لماذا القصص القرآني؟ يقول الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(يوسف: 111).

وقصص الأنبياء صور متكررة، فهي بيان أنهم يسيرون في طريق شاق وعر المسالك، ويتعرضون منذ فجر حياتهم للصعاب، ويمسهم الأذى من أهلهم وعشيرتهم، فيقابلون الأذى والعدوان بالصبر الجميل والصفح والغفران، ولا يكلون ولا يملون من القيام بواجب الدعوة، ولا يفت في عضدهم قلة السالكين المهتدين، ثم يأذن الله بعد ذلك بانتصار الحق على الباطل، ويمكن الله الأنبياء من قومهم، فلا يستبد بهم الغرور والكبرياء، بل يزدادون تواضعاً لله ورحمة للضعفاء.


وبعد هذه الرحلة الطويلة في صعاب الحياة وهمومها الثقيلة يكون التمكين في الأرض، فوعد الله الذي لا يتخلف أبداً، إذ قال -سبحانه وتعالى-: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(القصص: 83).