تحت العشرين - بين المؤمن والنَّحلة


مجلة الفرقان

بين المؤمن والنَّحلة



مِنْ أجمل تلك الأمثال النبوية قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسُ ‏مُحَمَّدٍ ‏‏بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ ‏لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ؛ أَكَلَتْ طَيِّباً، وَوَضَعَتْ طَيِّباً، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِدْ» رواه أحمد وصححه الشيخان شاكر والألباني، فالمؤمن الحَقُّ؛ عليه أن يكون كالنَّحلة في صفاتها الجميلة: لا يأكل إلا الحلال الطيب، ولا يبحث إلا عن الزهر والجمال، ولا يحطُّ إلا على الخير، ولكونه يَعرِف مَوَاطِن اللغو والفساد فإنه يتجنبها ولا ينشغل بها عن مُهمته؛ لِذا فهو يُنتج للمجتمع الخير الطيِّب المادِّي والمعنوي؛ كالنحلة: كلُّ ما يخرج منها مفيد وشفاء، العسل والشمع وحبوب اللقاح، وحتى سمُّها له فوائد ويستخدمه الأطباء في الأدوية والعلاج.

المؤمن حيثما حَلَّ نفع

والمؤمن حيثما حَلَّ فإنه يُصلِحُ، ويُعمِّم الخيرَ الذي جَمعه مِن أماكن متعددة، كما أنَّ النحلة في جولتها لِجَنْيِ الرحيق تحمل في قوائمها حُبيبات اللقاح فتلقِّح الأزهار والأشجار التي تتجول بينها، خفيفة الظل دون أن تُفسِدها أو تُخَرِّبها وتَكسِر أغصانَها، وكذا المسلم نَفّاع لنفسه ولغيره، يألَف ويؤلَف.

النحل فَرْد متعاون

وكما أنَّ النحل فَرْد متعاون وعضو اجتماعي في مَملكةٍ يسعى أفرادها لتحقيق أكبر إنتاج وأعظم الإنجازات، ويتقاسمون المهمات، فكلُّ مسلم يجب أن يكون عاملاً ضمن فريق لِخِدمة دينِه ونفسِه وازدهار مجتمعه.

المؤمن لابد له من قيادة

وإنَّ مما يعرفه مربُّو النحل أنه لا يمكن أن يعيش ويستمر بلا قيادة، بل هو لا يَخضعُ إلا لقيادة موحَّدة فيها المؤهلات والموهبة الربانية؛ فالمَلِكة لها غريزة خاصة ألهَمها الله إياها، وخِلْقَةٌ جسدية مميزة. فكذلك المسلم لا بد له من قيادة تتصف بالمؤهلات الإيمانية والشخصية.

الحيوية والهمة

وكلُّ مسلم ينبغي أن يَتنقَّل بِجدٍّ بحثاً عن الرزق والإصلاح والكسب الدعوي، فالنحلة مَضرب الْمَثَل في الحيوية والهِمَّة، تطير يومياً عشرات الكيلومترات سعياً لتحقيق الهدف، وتُخطِّط للمستقبل بغريزتها؛ فتَتْعَب في الصيف بعيدة عن العجز والخمول، استعداداً لموسم معوِّقات الشتاء مِن الأمطار والبرد، وحينها تستريح وتستفيد هي وصغارها وبنو آدم مِن العسل الذي جَنَتْه.

إدارة الوقت

ومِن فاعليتها وإدارتها لوقت فريقها أنها تُفرز على الزهرة التي جَنَت رحيقها مادةً خاصةً فتَعرفُ شريكاتها أنَّ هذه الزهرة منزوعة الرحيق ولا تكرر الجهد! وهي تستعمل كل حواسِّها (الشم والبصر) لتستكشف فِقْه الواقع ولتتعامل معه بدقة.

فهل كُلٌّ منا كالنحلة في الإيجابية والإنجاز والعمل ضمن فريق لتحقيق هدف موحَّد بِجِدٍّ وفاعلية وبحكمة ورَوِيَّة، كما أراد لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟












هو فضيلة الشيخ العلامة الأصولي: أبو يوسف عبد الرحمن بن يوسف بن محمود بن حسين بن علي بن عبد الصمد، ولد -رحمه الله رحمة واسعة- سنة 1927 م في بلدة تدعى: عنبتا شرق طولكرم التابعة لمحافظة نابلس في فلسطين المحتلة، وقد تلقى تعليمه المدرسي في إحدى مدارس بلدته عنبتا، وتخرج فيها ثم هاجر من فلسطين قبل الاحتلال اليهودي، لسورية مروراً بلبنان، فاستقر بمدينة حلب السورية، وذلك سنة 1944 م، وقدم -رحمه الله تعالى- دولة الكويت يوم 21/1/1975 م، وعين إمامًا بوزارة الأوقاف، وانتشر صيته بين الشباب السلفي حتى نقل بعد ذلك لمسجد العوائل بمنطقة الوفرة، وبقي فيها حتى وفاته -رحمه الله- صابراً محتسباً مداوماً على نصرة السنة وأهلها في مجالسه الخاصة والعامة، ولا يكاد بيته يخلو من الطلبة والزائرين.

توفي -رحمه الله تعالى- بمدينة ملبورن بأستراليا، عندما ذهب بدعوة من الجمعية الإسلامية الأسترالية من أجل الدعوة وإقامة دورات شرعية للمسلمين في المهجر، وكان موته بحادث سير، وتوفي مساء الخميس الساعة التاسعة والنصف بتاريخ 17 شوال 1408 هـ الموافق 2/6/1988 م، ودفن هناك، وجاء نعيه من الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، -رحمه الله- في جريدة القبس الكويتية رقم 5914 المؤرخ في 18 ربيع الأول 1409 هـ الموافق 29/10/1988م.


من أخطاء الشباب: جهلهم بأمور دينهم


مِن المؤسف أن نرى كثيرًا مِن الشباب لا يعرف الفرقَ بين أركان الإسلام وأركان الإيمان، ومنهم من لا يعرف إلا القليل عن آداب الطعام والشراب، والنوم، وآداب معاملة الكبير، وأدب الحوار مع الناس، ومِن الشباب مَن لا يعرف آداب تلاوة القرآن الكريم، ولا آداب المساجد واستماع دروس العلم، ولقد حثَّنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - على التفقه في أمور الدين، روى الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهه في الدين» (البخاري حديث 71 /مسلم 1037)، قال الإمام النووي -رحمه الله-: هذا الحديث فيه فضيلةُ العلم والتفقُّه في الدين والحث عليه، وسببه أنه قائدٌ إلى تقوى الله -تعالى. (مسلم بشرح النووي - ج7 - ص 128).

الصحبة


قال الفاروق عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-: «ما أُعطِيَ العبد بعد الإسلام نعمة خيرا من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به»، قال -تعالى-: {وَسِيقَ الذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُم إِلى الجَنَّةِ زُمَرًا} يقول ابن القيم مفسرا هذه الآية: يَأبى الله أن يُدخل الناس الجنة فُرادى، فكل صُحبة يدخلون الجنة سَويًا.

غياب القدوات لدى الشباب


يعيش أغلب الشباب الآن في كثير من البلاد الإسلامية حالة من الانفلات الأخلاقي، والاستخفاف بالقيم والتقاليد، وغياب القدوة أو المَثل الأعلى بكل المجالات في التعليم والثقافة وغيرها؛ مما جعلهم أسرى لمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، وبعض الشباب يتخذ قدوته فنّانًا أو لاعبا أو أديبا فاسقا أو غير ذلك من القدوات الفاسدة، وليس الكثير من أبناء الإسلام الذي يتخذ قدوته رسول الله - صلى الله عليه وسلم ! مع أن الله -عز وجل- يقول في كتابه بوضوح: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21)، ولقد حثَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الاقتِداء به، وبخُلفائِه الراشِدين، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «عليكُم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفاء الراشِدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجِذِ»، ولا شك أن ارتِباطَ الأجيال اللاحِقة والناشِئة المُعاصِرة بسيرة سلَفهم مِن الأئمَّة الحُنَفاء، والقادَة النُّجَبَاء يَسِيرُون بسِيرَتهم، ويقتَفُون أثَرَهم، ويقتَبِسُون مِن نُورِ علمِهم وفضلِهم لهُو مِن أهمِّ القضايَا التي ينبغي أن يهتم بها العُلماء، والآباء، والمُربُّون.


فيا شبابَ الأمة، يا عِمادَ مُستقبَلِها، تمسَّكُوا بقِيَم الدين، ومنهَجِ الأسلافِ الصالِحِين؛ فأمَّتُنا زاخِرة بأهلِ القُدوة والصلاحِ، وكُونُوا على قَدرِ المسؤوليَّة؛ فأنتُم اليومَ تقتَدُون بغيرِكم، وغدًا يُقتَدَى بكم.