خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}


مجلة الفرقان

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 17 من رجب 1443هـ - الموافق 18/2/2022م، بعنوان: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}؛ حيث أكدت الخطبة أنَّنَا لابد أن نحمد رَبَّنَا -جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- عَلَى مَا دَفَعَ عَنَّا مِنَ الوَبَاءِ وَالنِّقَمِ، وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَ الآلَاءِ وَالنِّعَمِ، وَقَدْ أَوْشَكَتِ الحَيَاةُ أَنْ تَعُودَ إِلَى طَبِيعَتِهَا، بَعْدَ أَنْ عَانَتِ البَشَرِيَّةُ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا وَشِدَّتِهَا.

وَلَقَدْ كَانَ لَنَا فِي تِلْكَ الجَائِحَةِ دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ، وَعِبَرٌ وَمَوَاعِظُ لِلْمُتَّعِظِين َ جِدُّ كَبِيرَةٍ، فَإِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ مِنَ البَلَايَا، وَيَخْتَبِرُهُم ْ بِمَا أَرَادَ مِنَ الرَّزَايَا، لَعَلَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ يَرْجِعُونَ، وَمِنْ ذُنُوبِهِمْ وَآثَامِهِمْ يَتُوبُونَ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَبَلَوْنَاهُم بالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الأ عراف:168). وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}(الأحزا ب:17).

حقيقة تلك الابتلاءات

وَبينت الخطبة أن تِلْكَ الِابْتِلَاءَات ُ قَدْ تَكُونُ عَذَابًا عَلَى الجَاحِدِينَ، وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَتَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ الصَّابِرِ المُحْتَسِبِ تَكْفِيرًا لِسَيِّئَاتِهِ، أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

دروس وعبر

لَقَدْ كَانَ لِلْجَائِحَةِ الَّتِي مَرَّتْ بِنَا وَقْعٌ عَظِيمٌ، فَكَانَ مِنْهَا الدُّرُوسُ وَالعِبَرُ، وَالآثَارُ الظَّاهِرَةُ لِكُلِّ مَنِ اعْتَبَرَ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ:

ظُهُور ضَعْفِ الإِنْسَانِ أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا

ظُهُورَ ضَعْفِ الإِنْسَانِ أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَالإِنْسَانُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالعَجْزِ وَالفَقْرِ، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء:24)، وَاللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر:15). وَقَدْ ظَهَرَ لِبَنِي الإِنْسَانِ عِيَانًا أَنَّ القُوَّةَ المَادِّيَّةَ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي، وَأَنَّ الرُّكُونَ إِلَيْهَا مُنْفَرِدَةً نَقْصٌ فِي الإِنْسَانِ وَعَجْزٌ، وَأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- هُوَ المَلْجَأُ عِنْدَ حُلُولِ الكَوَارِثِ وَنُزُولِ البَلِيَّاتِ، وَالرُّكْنُ الرَّكِينُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ فِي الشَّدَائِدِ وَالمُلِمَّاتِ، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}(الذاريا ت: 50).

الأُمُور كُلهَا بِيَدِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ -جَلَّ جَلَالُهُ

وَمِنْهَا: أَنَّ الأُمُورَ كُلَّهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضَرٍّ وَغِنًى وَفَقْرٍ، وَصِحَّةٍ وَسَقَمٍ وَنِعَمٍ وَنِقَمٍ؛ إِنَّمَا هِيَ بِيَدِ اللهِ وَتَقْدِيرِهِ -جَلَّ جَلَالُهُ-، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر:49). وَقَدْ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ ابْتِلَاءَ الإِنْسَانِ بِالسَّرَّاءِ إِكْرَامًا لَهُ لَا امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا، وَيَرَى الِابْتِلَاءَ بِالضَّرَّاءِ انْتِقَامًا وَإِضْرَارًا؛ يَقُولُ اللهُ -سُبْحَانَهُ-: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (الفجر:15-16). وَالحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَبْتَلِي العِبَادَ تَارَةً بَالمَسَارِّ لِيَشْكُرُوا، وَيَخْتَبِرُهُم ْ بَالمَضَارِّ تَارَةً لِيَصْبِرُوا، وَقَدْ تَكُونُ المِنْحَةُ فِي المِحْنَةِ؛ قَالَ تَعَالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(الأ نبياء:35). وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:


قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإنْ عَظُمَتْ

وَيَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ

حاجتنا لمصادرموثوقة للمعلومة

وَمِنْهَا: بُرُوزُ الحَاجَةِ المُلِحَّةِ إِلَى المَصَادِرِ المَوْثُوقَةِ فِي اسْتِقَاءِ المَعْلُومَاتِ فِي المَعْرِفَةِ عَامَّةً، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالجَائِحَةِ مِنَ الجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَذَاتِ الِاخْتِصَاصِ خَاصَّةً، وَضَرَرُ أَخْذِ المَعْلومَاتِ مِنْ غَيْرِ مَصَادِرِهَا الحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّ نَشْرَ الدِّعَايَةِ وَالأَكَاذِيبِ وَالإِشَاعَاتِ المُغْرِضَةِ قَدْ يُحَطِّمُ النُّفُوسَ، وَيُؤَدِّي إِلَى إِثَارَةِ الفَوْضَى وَالبَلْبَلَةِ وَالتَّلَاعُبِ بِعُقُولِ النَّاسِ وَنَفْسِيَّاتِه ِمْ.

اتِّخَاذ الأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ المُبَاحَةِ

وَمِنَ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا: أَنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -تَعَالَى- بِنَا، وَمِنْ عَظِيمِ فَضْلِهِ عَلَيْنَا أَنْ أَمَرَنَا بِاتِّخَاذِ الأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ المُبَاحَةِ؛ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الأَمْرَاضِ وَعِلَاجِهَا بِالأَدْوِيَةِ المَشْرُوعَةِ المُتَاحَةِ؛ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- لَمْ يَضَعْ دَاءً، إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

العَافِيَة لَا ثَمَنَ لَهَا يُرْتَضَى

وبينت تلك الجائحة لِلْعِبَادِ أَنَّ العَافِيَةَ لَا ثَمَنَ لَهَا يُرْتَضَى، وَأَنَّ الصِّحَّةَ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهَا إِلَّا المَرْضَى، وَأَنَّ الأَمْنَ وَالإِيمَانَ أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ عَلَى الإِنْسَانِ؛ فعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).


أَثَر التَّكَاتُفِ وَالتَّعَاوُنِ

وَمِنَ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ : مَا رَأَيْنَاهُ مِنْ أَثَرِ التَّكَاتُفِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ جَمِيعِ الجِهَاتِ وَالمُؤَسَّسَات ِ وَعَلَى مُسْتَوَى الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ.

مَعْرِفَة عَظَمَةِ الإِسْلَامِ

وَمِنْ أَعْظَمِ الدُّرُوسِ المُسْتَفَادَةِ : ازْدِيَادُ مَعْرِفَةِ عَظَمَةِ الإِسْلَامِ فِي تَنْظِيمِ الحَيَاةِ مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهَا، وَعِنَايَتِهِ بِشُؤُونِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَعًا وَبِصِحَّةِ الإِنْسَانِ؛ إِذْ سَبَقَ العَالَمَ وَمُنَظَّمَاتِه ِ الصِّحِّيَّةَ فِي تَشْرِيعِ الحَجْرِ أَوِ العَزْلِ الصِّحِّيِّ، وَأَمَرَ بِالطَّهَارَةِ فِي البَدَنِ وَالثِّيَابِ وَالمَكَانِ وَالأَوَانِي وَغَيْرِهَا. هَذَا وَقَدْ أَوْصَتِ السُّلُطَاتُ الصِّحِّيَّةُ بِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الإِرْشَادَاتِ الَّتِي مِنَ المُهِمِّ الِالْتِزَامُ بِهَا، وَهِيَ لُبْسُ الكِمَامَةِ، وَأَنْ يُحْضِرَ المُصَلِّي سَجَّادَةَ الصَّلَاةِ الخَّاصَّةَ بِهِ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى التَّطْعِيمِ لِسَلَامَتِهِ وَسَلَامَةِ مَنْ حَوْلَهُ وَخَاصَّةً كِبَارَ السِّنِّ، فَقَدْ نَهَى الإِسْلَامُ عَنِ الضَّرَرِ وَالإِضْرَارِ فَلَا يَضُرُّ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).