احرص على ما ينفعك









كتبه/ ياسر إبراهيم


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

كان الرعيل الأول من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحرصون على ما ينفعهم في الدنيا، فكانوا مع الجد في الطاعات التي تقربهم إلى الله -تعالى-، ومع الالتزام الكامل بشرع الله -تعالى- في شغل دائم بالسؤال عن أقرب الطرق التي تؤدي بهم إلى رضوان الله والجنة.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:(سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق)(رواه الترمذي وحسنه الألباني).

وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أفضل شيء في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن )( رواه أحمد وصححه الألباني).

فهذان بابان من أبواب الجنة لمن يحرص عليها:

أولاً: تقوى الله:

خير ما يستفيده المؤمن بعد الإيمان بالله، وهي جماع الخير كله، قال -تعالى-: (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(آل عمران179).

وهي خير الوصية التي أوصى الله بها الأولين والآخرين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)(النساء131).

وهي خير ما يتزود لها المؤمن في حياته: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)(البقرة197).

ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد

فتقوى الله خير الزاد ذخــــراً وعند الله للأتقى المزيد

وهي ثمرة العبادات المفروضة التي تعبد الله بها المؤمن (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة:21).

وحقيقة التقوى هي أن يأخذ العبد وقايته من سخط الله -تعالى-، وذلك بامتثال المأمور واجتناب المحظور.

قال طلق بن حبيب معرفاً التقوى: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".

فالمؤمن يجتهد في ترك الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، ويجتهد أيضاً بفعل الطاعات الواجبات منها والمستحبات، فيكون ذلك وقاية للعبد من سخط الله وعقابه، فقد ورد أن عمر -رضي الله عنه- سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له: "أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى. قال: فما عملت؟ شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى.

خل الذنوب كبيرهـــا وصغيرهـــا فهـــو التقــــى

واصنع كماش فــوق أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحــقرن صغيـــرة إن الجبـــال مــــن الحصــا

ثانياً: حسن الخلق:

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، إن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة)(رواه الترمذي وصححه الألباني).

لقد رفع الله من شأن حسن الخلق حين مدح محمداً -صلى الله عليه وسلم-بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم:4)، وقد بُعث -صلى الله عليه وسلم- ليتمم صالح الأخلاق.

وقد سئلت عائشة عن خلقه -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (كان خلقه القرآن )(رواه مسلم). وكان يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)(رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني).

وكان أنس بن مالك يقول: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لي لشيء صنعته: لم صنعته، ولا لشيء تركته: لم تركته، وكان رسول الله من أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله، ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق النبي)(رواه مسلم).

فأين المتأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

فصاحب الخلق الحسن أقرب الناس مجلساً من رسول الله في الجنة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامةأحاسنكمأخلاقا). (رواه الترمذي وصححه الألباني).

وصاحب الخلق الحسن حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال رسول الله: (إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون)(رواه الطبراني وحسنه الألباني).

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال معاذ بن جبل: (يا رسول الله أوصني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: استقم وليحسن خلقك للناس)(رواه الطبراني والحاكم وحسنه الألباني).

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)(رواه الترمذي وحسنه الألباني).

كيف لا، وقد أمر الله عباده بحسن الخلق مع الناس كافة، ولم يستثنى فقال -تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(البقرة: من الآية83)،قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "يعني الناس كلهم"، قال عطاء: "للناس كلهم المشرك وغيره".

وقد أمر الله -عز وجل- موسى وهارون أن يقولا لفرعون أشر الخلق: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً)(طه44)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه".


قال الحسن البصري -رضي الله عنه-: "من ساء خلقه عذب نفسه".

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار)(رواه أحمد وصححه الألباني).