قال الشيخ إسماعيل المقدم :
«ولقد ابتلي الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة، من الكهنة والمنجمين والرمليين وغيرهم، الذين يزعمون أنهم مسلمون، وابتلي الإسلام بأن يصل إليه أمثال هؤلاء المعتدين الظالمين، وهذه الأنواع المفعولة لم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم فيها غير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: (من أتى كاهناً أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد) صلى الله عليه وآله وسلم.
فهؤلاء الذين يسلكون هذه المسالك ويطاوعون الكهنة والمنجمين وغيرهم خطتهم خطة شؤم لا تعود على فاعلها إلا بهذا الوعيد الخطير: (من أتى كاهناً أو منجماً فقد كفر بما أنزل على محمد) صلى الله عليه وآله وسلم،
فالعجب كل العجب حينما يفتح الشيطان باباً من أبواب الأحوال الغيبية حتى على الذين يزعمون أنهم ملتزمون بالدين، بل حتى على الذين يزعمون أنهم ينتسبون للمنهج السلفي ويدعون الناس إلى التوحيد، فظاهرة علاج الجن والكلام معهم لا شك في أنها فتحت باب شر وشؤم ونحس علينا معشر المسلمين،
فقد وجدنا من يستدرجهم الشيطان باسم علاج الناس وباسم الرقية، وهكذا، إلى أن وصل بعضهم إلى ممارسة شيء من هذه الكهانة، ولبست الشياطين عليهم كثيراً من الأعمال، حتى إن بعضهم صار يفعل كما يفعل هؤلاء، فإذا سرق شيء يأتونه ويخبرهم عن الذي سرقه، ويقول: أنا أستعين بالجن! إلى غير ذلك من ضلالات النحس التي انقلب بها هؤلاء الجهلة عن الدعوة الإسلامية، وشوهوا بها دعوة التوحيد.
ولكن نحمد الله تعالى على أن هذه الآن تكاد تخمد، حتى الذين أوغلوا في ذلك وتعمقوا إلى أقصى الحدود أغلبهم الآن قد رجع عن الخوض في هذا الموضوع ولله الحمد، فكفى خوضاً في هذا الطريق والانشغال به، ويكفى العدوان الذي حصل، فعلاج هذه القضية أن لا ننشغل بها ولا يفكر أحد أبداً فيها؛ إذ كم خربت من بيوت! وكم أحدثت من مآسٍ! ففي فترة الانشغال بهذا كان كل إنسان يظن أن الثاني يسلط عليه الجن، فيستعين بالجن ليؤذيه! وهذا من الهراء ومن السخافات التي ما زلنا نعاني بعض آثارها، وإن كان الوضع الآن أخف بكثير مما مضى، ولله الحمد.
فالشاهد من هذا الكلام أننا كنا نحن -معشر السلفيين- أولى الناس بأن نتبرأ من ذلك ونكون محققين لقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [الأنعام:57] وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108]،
لكن بعض الناس -مع الأسف- يلتزمون زوراً، وأغلب هؤلاء لا حظ لهم على الإطلاق من العلم الشريف، فلا تجد الواحد ممن يخوض في هذا الباب ممن ينشغل بالعلم أو يسهر الليالي في حفظ القرآن أو حفظ الأحاديث أو مدارسة دروس الفقه، لكن فتح له عيادة، فأحدهم تجد عنده معمل تحاليل طبية، فأياماً يعالج فيه الجن وأياماً يعمل تحاليل، ويستقبل مرضاه ويوغل في هذه الأشياء! فنحن أولى الناس بأن نبرأ من الانزلاق في هذه الهوة، فالذي سرق منه شيء يجيء ويغلق ما يسمى بالمندل، وفلان حصل له سحر فيقول أولئك الضالون: نريد أن نفك عنه هذا السحر ويبدءون يفكرون في كيفية معرفة السحر حتى يفكوه! ضلالات وهذيانات وانحرافات ما أنزل الله بها من سلطان.
فنحن أولى الناس بأن ندعو الناس إلى التوحيد، ونكون أشد الناس بصيرة بإزالة الشيطان وشركه، وللأسف أنه وقع بعض من ينسبون إلينا في هذه الأشياء! فهذه حقيقة من حقائق عقيدة التوحيد الواضحة الناصعة (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو).
ثم إن هذا الجني الذي يزعم أنه يخبرك بهذه الأشياء التي غابت عنا أنت لا تعرف من هو، وما اسمه، وما شكله، وما دينه، حتى لو قال: إنني مسلم فما أدراك؟! ومن أين تعرف أنه صادق؟! ومن شهد له بذلك؟! ونجد اليوم أن من كانت عنده مشكلة مع زوجته يقول قريبه: هذا مسحور، ونحن نلاحظ بأن في عينيه كذا، وأعتقد أنه مسحور! فدائماً نسمع كلمة (مسحور) فنقول: دعوا هذا الكلام للعجائز، ولا يصح أبداً أن نكون نحن فيه، فما أدراك أنه مسحور؟! يقول: لقد ابتعدت عنه وهو متعلق بها جداً! فهل هذا دليل على أنه فيه سحراً؟! ثم يبدأ ذلك الشخص في العلاج ويفكر في أنه كيف يسلك مسالك السحر حتى يفك به السحر، ونفتح على أنفسنا باب هذه الضلالات وهذا الانحراف، فنأمل أن يسد هذا الباب، وأن نتعامل مع كل الظروف التي تصل إلينا معاملة البشر مع الأسباب التي خلقها الله، فالمريض يذهب للأطباء، ويسلك مسالك البشر الذين هم لحم ودم وعظم يتعاملون مع الأسباب التي سخرها الله سبحانه وتعالى لهم، لا أن تبقى هناك عشرات التخصصات للجن يعملونها! حتى العمليات الجراحية يعملها الجن! ثم نجلس لنقول كلاماً ما رأيناه ولم نعرف صدق من يقوله، ونظل نقول: إنه يوجد متخصص في السرطانات، وآخر في العقم! فالمرأة التي لا تلد يقال عنها: فسبب ذلك جني يمنعها من الإنجاب! فما هذا الخوض الشديد، ولماذا لم تزدهر هذه الطريقة في التفكير إلا في هذه السنوات الأخيرة؟! فليسلك الإنسان المسالك التي سخرها الله له (ما أنزل الله من داء»

«تفسير القرآن الكريم - المقدم» (53/ 2 :