تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ابن تيمية في فتح الباري

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,362

    افتراضي ابن تيمية في فتح الباري

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فهذه مقالة في حصر المواضع التي ذكر فيها الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري)، وفيها يظهر اهتمام ابن حجر رحمه الله بالنقل والاستشهاد بأقوال شيخ الإسلام رحمه الله، وابن حجر رحمه الله يذكر شيخ الإسلام بعدة أوصاف فتارة يُسميه الشيخ تقي الدين، وتارة يسميه العلامة ابن تيمية، وتارة يسميه ابن تيمية، وتارة بالنقل عن ابن القيم عن شيخه والمقصود ابن تيمية.وهذه المقالة قد تكون أساسًا لمقالة أطول عن ابن تيمية في كتب الحافظ ابن حجر العسقلاني، لمن أراد استقصاء ذكر ابن تيمية في مؤلفات الحافظ الذي يظهر من خلال هذه المقالة وضوح اطلاع ابن حجر على عدد كبيرٍ من مؤلفات شيخ الإسلام خاصة المطولات منهن.ولا بد من التنبيه أن النقل من الطبعة السلفية طبعة دار الريان للتراث، الطبعة الثانية سنة 1409-1988م.رحم الله ابن تيمية وابن حجر وغفر لهما ورفعهما يوم القيامة مكانًا عليًّا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    1- معنى (في شأنه كله) في حديث عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يعجبه التيمن؛ في تنعُّله، وترجُّله، وطهوره، وفي شأنه كله»؛ (البخاري 168).قال الشيخ تقي الدين: هذا عام مخصوص؛ لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما، يبدأ فيهما باليسار؛ انتهى، ج 1/ 324
    2- حكم قراءة الفاتحة في كل ركعة في حديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»؛ (البخاري 756).
    قال الشيخ تقي الدين: وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدمًا؛ انتهى.
    وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: "وافعل ذلك في صلاتك كلها"، بعد أن أمره بالقراءة، وفي رواية لأحمد وابن حبان: "ثم افعل ذلك في كل ركعة"، ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة، واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر؛ لأن صلاته صلاة حقيقية فتنتفي عند انتفاء القراءة، إلا إن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم، قاله الشيخ تقي الدين؛ ج2/ 283
    3- معنى يطول في الأولى ويقصر في الثانية في حديث عن عبدالله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية»؛ (البخاري 759).
    قوله: (يطول في الأولى ويقصر في الثانية)، قال الشيخ تقي الدين: كان السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر، فناسب التخفيف في الثانية حذرًا من الملل؛ ج2/ 285.
    4- معنى: (أدركتم مَن سبقكم)، في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُون َ، قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ.قوْلُهُ: (أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ)؛ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ الَّذِينَ امْتَازُوا عَلَيْكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَالسَّبْقِيَّة ُ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعْنَوِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ حِسِّيَّةً، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ؛ ج2/ 381.
    5- الطعن في صحة حديث:عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى، فإن كنتُ مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة» (البخاري 1161).
    قوله باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع أشار بهذه الترجمة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها، وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب، وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب، وفائدة ذلك الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وعلى هذا فلا يستحب ذلك إلا للمتهجد وبه جزم بن العربي، ويشهد له ما أخرجه عبدالرزاق أن عائشة كانت تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضطجع لسنة، ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح في إسناده راو لم يسم، وقيل: إن فائدتها الفصل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، وعلى هذا فلا اختصاص، ومن ثم قال الشافعي: تتأدَّى السنة بكل ما يحصل به الفصل من مشي وكلام وغيره، حكاه البيهقي، وقال النووي: المختار أنه سنة لظاهر حديث أبي هريرة، وقد قال أبو هريرة راوي الحديث: إن الفصل بالمشي إلى المسجد لا يكفي، وأفرط بن حزم فقال: يجب على كل أحد، وجعله شرطًا لصحة صلاة الصبح، ورده عليه العلماء بعده، حتى طعن ابن تيمية ومن تبعه في صحة الحديث؛ لتفرُّد عبدالواحد بن زياد به، وفي حفظه مقال، والحق أنه تقوم به الحجة؛ ج3/ 53.
    6- شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى"؛ (البخاري 1189).
    قال الكرماني: وقع في هذه المسألة في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة وصنف فيها رسائل من الطرفين، قلت: يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وما انتصر به الحافظ شمس الدين بن عبدالهادي وغيره لابن تيمية، وهي مشهورة في بلادنا، والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطرفين طول وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبًا لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع، والله الهادي إلى الصواب؛ ج3/ 79.
    7- معنى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه في حديث ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، قال: توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة، وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وإني لجالس بينهما - أو قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي - فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه»؛ (البخاري 1286).
    معنى التعذيب تألُّم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض ومَن تبِعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قَيْلة بنت مَخْرمة - وهي بفتح القاف وسكون التحتانية، وأبوها بفتح الميم وسكون المعجمة ثقفية - قلت: يا رسول الله، قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة، ثم أصابته الحمى، فمات ونزل عليَّ البكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا، وإذا مات استرجع، فوالذي نفس محمد بيده، إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله، لا تعذبوا موتاكم، وهذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد، أخرجه بن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، وأخرج أبو داود والترمذي أطرافًا منه؛ ج3/ 185.
    8- حكم أطفال المشركين في الآخرة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: «الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين»؛ ( البخاري 1384).
    سادسها هم في النار حكاه عياض عن أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه ولا يحفظ عن الإمام أصلًا؛ ج3 / 290.
    9- معنى كل مولود يولد على الفطرة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسِّانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاءَ»؛ (البخاري 1385).
    وفي المسألة أقوال أُخر ذكرها ابن عبدالبر وغيره؛ منها قول ابن المبارك: إن المراد أنه يولد على ما يصير إليه من شقاوة أو سعادة، فمن علم الله أنه يصير مسلمًا ولد على الإسلام، ومَن علم الله أنه يصير كافرًا ولد على الكفر، فكأنه أول الفطرة بالعلم وتعقب بأنه لو كان كذلك، لم يكن لقوله: فأبواه يهودانه...إلخ معنى، لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي وُلد عليها، فينافي في التمثيل بحال البهيمة، ومنها أن المراد أن الله خلق فيهم المعرفة والإنكار، فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعًا: بلى، أما أهل السعادة فقالوها طوعًا، وأما أهل الشقاوة فقالوها كرهًا، وقال محمد بن نصر: سمعت إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى ويرجحه، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح، فإنه لا يعرف هذا التفصيل عند أخذ الميثاق إلا عن السدي ولم يسنده، وكأنه أخذه من الإسرائيليات، حكاه ابن القيم عن شيخه؛ ج3/ 294.
    10- سقوط الكفارة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: «ما لك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟»، قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين»، قال: لا، فقال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا». قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق المكتل - قال: «أين السائل؟» فقال: أنا، قال: «خذها، فتصدق به» فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك»؛ ( البخاري 1936).
    قال الشيخ تقي الدين: وأقوى من ذلك أن يجعل الإعطاء لا على جهة الكفارة، بل على جهة التصدق عليه، وعلى أهله بتلك الصدقة لما ظهر من حاجتهم، وأما الكفارة فلم تسقط بذلك، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذًا من هذا الحديث، وأما ما اعتلوا به من تأخير البيان، فلا دلالة فيه؛ لأن العلم بالوجوب قد تقدم ولم يرد في الحديث ما يدل على الإسقاط؛ لأنه لما أخبره بعجزه، ثم أمره بإخراج العرق دل على أنْ لا سقوط عن العاجز، ولعله أخَّر البيان إلى وقت الحاجة وهو القدرة؛ ج4/ 203.
    11- (تضعيف حديث): وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِي ُّ فِي "الْكَبِيرِ"، وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيّ ُ فِي "الدَّلَائِلِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَمَّا نَامَ عَلَى رُكْبَةِ عَلِيٍّ فَفَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَرُدَّتِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى عَلِيٌّ ثُمَّ غَرَبَتْ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمُعْجِزَةِ وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِيرَادِهِ لَهُ فِي "الْمَوْضُوعا ت ، وَكَذَا ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي "كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الرَّوَافِضِ" فِي زَعْمِ وَضْعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ ج6/ 256.
    12- (تحقيق لفظ الحديث): وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَنَادَى مُنَادٍ ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا وَرَوَى عِيسَى عَنْ رَقَبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ) كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ " وَهِيَ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَةَ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي قَوْلِهِ، "وَهُوَ الْآنَ" إِلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا لَفْظُ "وَلَا شَيْءَ مَعَهُ" فَرِوَايَةُ الْبَابِ بِلَفْظِ "وَلَا شَيْءَ غَيْرُهُ" بِمَعْنَاهَا، وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ نَافِعِ بْنِ زَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ الْمَذْكُورِ "كَانَ اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ" بِغَيْرِ وَاوٍ؛ ج6/ 334.
    13- شمولية الرسالة في حديث مالك، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري، عن أبيه، أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة»، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ( البخاري 3296).
    قال إمام الحرمين في الإرشاد في أثناء الكلام مع العيسوية، وقد علمنا ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم ادعى كونه مبعوثًا إلى الثقلين، وقال ابن تيمية: اتفق على ذلك علماء السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين؛ ج6/ 397.
    14- ( التفضيل بين خديجة وعائشة أمهات المؤمنين رضي الله عنهما): وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: جِهَاتُ الْفَضْلِ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ مُتَقَارِبَةٌ، وَكَأَنَّهُ رَأَى التَّوَقُّفَ؛ ج7/ 136.
    15- (اسم أبي طالب):قوله: (باب قصة أبي طالب)، واسمه عند الجميع عبدمناف، وشذ من قال عمران، بل هو قول باطل نقله ابن تيمية في كتاب الرد على الرافضي أن بعض الروافض زعم أن قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]، أن آل عمران هم آل أبي طالب، وأن اسم أبي طالب عمران، واشتَهر بكنيته؛ ج7/ 233.
    16- (المؤاخاة بين أبي بكر وعمر): وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين، وخصوصًا مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي، قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم ولتأليف قلوب بعضهم، فلا معنى لمؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري، وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة؛ لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى؛ ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا تظهر مؤاخاته - صلى الله عليه وسلم - لعلي؛ لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة؛ لأن زيدًا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين، وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة: إن بنت حمزة بنت أخي، وأخرج الحاكم وابن عبدالبر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن ابن عباس "آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الزبير وابن مسعود"، وهما من المهاجرين.قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني، وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك، وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان - وذكر جماعة قال - فقال علي: يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال: أنا أخوك، وإذا انضم هذا إلى ما تقدم تقوى به، وقد تقدم في "باب الكفالة" قبيل كتاب الوكالة الكلام على حديث لا حلف في الإسلام بما يغني عن الإعادة، وقد سبق كلام السهيلي في حكمة ذلك الميراث، وسيأتي في الفرائض حديث ابن عباس: "كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة"؛ ج7/ 318.
    17- ( بعث أسامة بن زيد): وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْمُطَهَّرِ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا فِي بَعْثِ أُسَامَةَ، وَمُسْتَنَدُ مَا ذَكَرَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ فِي الْمَغَازِي وَذَكَرَهُ ابْنُ سَنَدٍ أَوَاخِرَ التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ الْمَشْهُورَةِ وَلَفْظُهُ بَدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعُهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصْبَحَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَعَقَدَ لِأُسَامَةَ فَقَالَ: اغْزُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسِرْ إِلَى مَوْضِعِ مَقْتَلِ أَبِيكَ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْجَيْشَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا: "لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ إِلَّا انْتُدِبَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَلَمَّا جَهَّزَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ سَأَلَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالْإِقَامَةِ فَأَذِنَ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمُنْتَظِم جَازِمًا بِهِ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ وَسَعْدًا وَسَعِيدًا وَسَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ وَقَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ، وَالَّذِي بَاشَرَ الْقَوْلَ مِمَّنْ نُسِبَ إِلَيْهِمُ الطَّعْنُ فِي إِمَارَتِهِ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَيْضًا أَنَّ عِدَّةَ ذَلِكَ الْجَيْشِ كَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فِيهِمْ مِائَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "كَانَتْ عِدَّةُ الْجَيْشِ سَبْعَمِائَةٍ"؛ ج7/ 759.
    18- ( معنى الحمو الموت): فكأنه قال الحمو الموت؛ أي لا بد منه، ولا يمكن حجبه عنها، كما أنه لا بد من الموت، وأشار إلى هذا الأخير الشيخ تقي الدين في شرح العمدة؛ ج9/ 244.
    19- معنى الرجعة في حديث ابن عمر، قال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ليراجعها» قلت: تحتسب؟ قال: فمه؟ وعن قتادة، عن يونس بن جبير، عن ابن عمر، قال: «مره فليراجعها» قلت: تحتسب؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق؛ (البخاري 5252).
    وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي، وقد وافق ابن حزم على ذلك من المتأخرين ابن تيمية، وله كلام طويل في تقرير ذلك والانتصار له؛ ج9 / 266.
    واحتج ابن القيم لترجيح ما ذهب إليه شيخه بأقيسة ترجع إلى مسألة أن النهي يقتضي الفساد، فقال: الطلاق ينقسم إلى حلال وحرام، فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود، وأيضًا فكما أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد؛ ج9/ 267.
    20- (معنى التسبيح في حديث علي: أن فاطمة عليهما السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم، فقال: «مكانك»، فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم»، وعن شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، قال: «التسبيح أربع وثلاثون»؛ (البخاري 6318).
    وفيه أن من واظب على هذا الذكر عند النوم، لم يصبه إعياء؛ لأن فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها - صلى الله عليه وسلم - على ذلك كذا أفاده ابن تيمية، وفيه نظر ولا يتعين رفع التعب، بل يحتمل أن يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل، ولا يشق عليه، ولو حصل له التعب، والله أعلم؛ ج11/ 129.
    21- ( الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم): وقالت طائفة: لا تجوز مطلقًا استقلالًا، وتجوز تبعًا، فيما ورد به النص أو ألحق به؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63]، ولأنه لَما علَّمهم السلام، قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ولَما علمهم الصلاة، قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته، وهذا القول اختاره القرطبي في "المفهم"، وأبو المعالي من الحنابلة، وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأحزاب هو اختيار ابن تيمية من المتأخرين؛ ج11/ 174.
    22- (أيهما أفضل الغنى أو الفقر):إن السؤال أيهما أفضل لا يستقيم، لاحتمال أن يكون لأحدهما من العمل الصالح ما ليس للآخر، فيكون أفضل، وإنما يقع السؤال عنهما إذا استويَا، بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل الآخر، قال: فعلم أيهما أفضل عند الله؛ انتهى، وكذا قال ابن تيمية، لكن قال: إذا استويَا في التقوى فهما في الفضل سواء؛ ج11/ 279.
    23- (رواية: ولا يرقون في حديث حصين)، قال: كنت عند سعيد بن جبير، فقال: حدثني ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عُرضت علي الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل، هؤلاء أمتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقام إليه عكاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «اللهم اجعله منهم»، ثم قام إليه رجل آخر قال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «سبقك بها عكاشة».قَوْلُهُ: كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ اتَّفَقَ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ مُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْبَعْضِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لَهُ سَقَطَ " وَلَا يَتَطَيَّرُونَ " هَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ اللَّذَيْنِ أَشَرْتُ إِلَيْهِمَا بِنَحْوِ الْأَرْبَعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ " وَلَا يَرْقُونَ " بَدَلَ " وَلَا يَكْتَوُونَ " وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَزَعَمَ أَنَّهَا غَلَطٌ مِنْ رَاوِيهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الرَّاقِيَ يُحْسِنُ إِلَى الَّذِي يَرْقِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ؟ وَأَيْضًا فَقَدْ رَقَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَقَى النَّبِيُّ أَصْحَابَهُ وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الرُّقَى وَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ وَالنَّفْعُ مَطْلُوبٌ قَالَ وَأَمَّا الْمُسْتَرِقِي فَإِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَيَرْجُو نَفْعَهُ وَتَمَامُ التَّوَكُّلِ يُنَافِي ذَلِكَ. قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَصْفُ السَّبْعِينَ بِتَمَامِ التَّوَكُّلِ فَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ وَلَا يَكْوِيَهُمْ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ شَيْءٍ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَافِظٌ وَقَدِ اعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاعْتَمَدَ مُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ وَبِأَنَّ تَغْلِيطَ الرَّاوِي مَعَ إِمْكَانِ تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى التَّغْلِيطِ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَرِقِي لِأَنَّهُ اعْتَلَّ بِأَنَّ الَّذِي لَا يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرْقِيَهُ تَامُّ التَّوَكُّلِ فَكَذَا يُقَالُ لَهُ وَالَّذِي يَفْعَلُ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْهُ لِأَجْلِ تَمَامِ التَّوَكُّلِ وَلَيْسَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ جِبْرِيلَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُدَّعَى وَلَا فِي فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَيْضًا دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّشْرِيعِ وَتَبَيُّنِ الْأَحْكَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا تَرَكَ الْمَذْكُورُونَ الرُّقَى وَالِاسْتِرْقَا ءَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكِلَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَالرُّقْيَةُ فِي ذَاتِهَا لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ شِرْكًا أَوِ احْتَمَلَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ؛ ج11/ 416.
    24- ( تحقيق سبب قوله سبقك بها عكاشة ): قَوْلُهُ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ؛ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارِ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَزَادَ فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ وَقَالَ فِي آخِرِهِ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ وَصَاحِبُهُ أَمَا لَوْ قُلْتُمْ لَقُلْتُ وَلَوْ قُلْتُ لَوَجَبَتْ وَفِي سَنَدِهِ عَطِيَّةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحِكْمَةِ قَوْلُهُ " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " فَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "كَشْفِ الْمُشْكِلِ" مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى الْمَعْرُوفَ بِثَعْلَبٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ مُنَافِقًا وَكَذَا نَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِي ُّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْعَبَّاسِ الْبِرْتِيِّ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَقَالَ: كَانَ الثَّانِي مُنَافِقًا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسْأَلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَعْطَاهُ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ نَحْوَ قَوْلِ ثَعْلَبٍ، وَقَالَ: ابْنُ نَاصِرٍ قَوْلُ ثَعْلَبٍ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ؛ لِأَنَّ سَنَدَهَا وَاهٍ وَاسْتَبْعَدَ السُّهَيْلِيُّ قَوْلَ ثَعْلَبٍ بِمَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ "، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ: سَبَقَكَ؛ "أَيْ إِلَى إِحْرَازِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ التَّوَكُّلُ وَعَدَمُ التَّطَيُّرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ: "لَسْتَ مِنْهُمْ أَوْ لَسْتَ عَلَى أَخْلَاقِهِمْ" تَلَطُّفًا بِأَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُسْنَ أَدَبِهِ مَعَهُمْ.وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: "يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَأَلَ عَنْ صِدْقِ قَلْبٍ فَأُجِيبَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ حَسْمُ الْمَادَّةِ، فَلَوْ قَالَ لِلثَّانِي نَعَمْ لَأَوْشَكَ أَنْ يَقُومَ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَصْلُحُ لِذَلِكَ"، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ مَا كَانَ عِنْدَ عُكَّاشَةَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِذْ لَوْ أَجَابَهُ لَجَازَ أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ حَاضِرًا، فَيَتَسَلْسَلُ فَسَدَّ الْبَابَ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ كَانَ مُنَافِقًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّحَابَةِ عَدَمُ النِّفَاقِ فَلَا يَثْبُتُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَقْلٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ إِلَّا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَيَقِينٍ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ كَيْفَ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِقٍ؟ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ؛ ج11/ 420.
    25- معنى الحد في حديث أبي بردة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله»؛ (البخاري 6848).
    قال ابن دقيق العيد: بلغني أن بعض العصريين قرَّر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بالمقدرات المقدَّم ذكرها، أمر اصطلاحي من الفقهاء، وأن عرف الشرع أول الأمر كان يطلق الحد على كل معصية كبُرت أو صغُرت، وتعقَّبه ابن دقيق العيد أنه خروج عن الظاهر، ويحتاج إلى نقل، والأصل عدمه، قال: ويرد عليه أنا إذا أجزنا في كل حق من حقوق الله أن يزاد على العشر، لم يبق لنا شيء يختص المنع به؛ لأن ما عدا الحرمات التي لا يجوز فيها الزيادة هو ما ليس بمحرم، وأصل التعزير أنه لا يشرع فيما ليس بمحرم، فلا يبقى لخصوص الزيادة معنى، قلت: والعصري المشار إليه أظنه ابن تيمية، وقد تقلَّد صاحبه ابن القيم المقالة المذكورة، فقال: الصواب في الجواب أن المراد بالحدود هنا الحقوق التي هي أوامر الله ونواهيه، وهي المراد بقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]، وفي أخرى: فقد ظلم نفسه، وقال: تلك حدود الله فلا تقربوها، وقال: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا، قال: فلا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية كتأديب الأب ولده الصغير؛ ج12/ 185.
    26- قَوْلُهُ: (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ)، تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ "وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ"، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَانَ اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ بِمَعْنَى كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ وَهِيَ أَصَرْحُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ، وَهِيَ مِنْ مُسْتَشْنَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَوَقَفْتُ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يُرَجِّحُ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى غَيْرِهَا، مَعَ أَنَّ قَضِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْن ِ تَقْتَضِي حَمْلَ هَذِهِ عَلَى الَّتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لَا الْعَكْسَ، وَالْجَمْعُ يُقَدَّمُ عَلَى التَّرْجِيحِ بِالِاتِّفَاقِ؛ ج13/ 421.
    27- قَوْلُهُ: وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يَتَأَولونه عَنْ غَيْرِ تَأْوِيلِهِ)، فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِي ِّ: "يَتَأَولونه عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ"، قَالَ: شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحُهُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مُخْتَارُهُ - أَيِ الْبُخَارِيُّ - وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ جَوَازَ امْتِهَانِ أَوْرَاقِهِمَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا؛ انْتَهَى، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: "وَلَيْسَ أَحَدٌ" إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ ذَيَّلَ بِهِ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةَ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَأَخِّرِي نَ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنَّهَا بُدِّلَتْ كُلُّهَا وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ بِجَوَازِ الِامْتِهَانِ وَهُوَ إِفْرَاطٌ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ إِطْلَاقِ مَنْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَهِيَ مُكَابَرَةٌ، وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ فِي أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تُبَدَّلْ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157]، وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْ نِ وَفِيهِ وُجُودُ آيَةِ الرَّجْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 93]، ثَانِيهَا: أَنَّ التَّبْدِيلَ وَقَعَ وَلَكِنْ فِي مُعْظَمِهَا وَأَدِلَّتُهُ كَثِيرَةٌ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، ثَالِثُهَا: وَقَعَ فِي الْيَسِيرِ مِنْهَا وَمُعْظَمُهَا بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ الرَّدُّ الصَّحِيحُ عَلَى مَنْ بَدَّلَ دِينَ الْمَسِيحِ؛ ج13/ 533.
    28- وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِلْمُعْتَزِلَة ِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ﴾ [النحل: 70]، يَدْخُلُ فِيهِ ذَاتُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ، وَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ، إِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَلْقَهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ خَلْقُهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ وَبَعْدَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِمْ، فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَفْعَالَهُمُ الْقَائِمَةَ بِهِمْ، وَخَلَقَ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا، وَوَافَقَ عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْحُوتِ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ خَالِقُ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ وَتَقْدِيرُ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ، يَعْنِي إِذَا أُعْرِبَتْ مَصْدَرِيَّةً لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ عِبَادَتِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدِ ارْتَضَى الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِ يُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ وَأَوْضَحَهَا وَنَقَّحَهَا فَقَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهَا اسْتِدْلَالُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا: مَعْنَاهُ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ عَلَى إِعْرَابِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَرَجَّحُوا ذَلِكَ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى حَذْفِ الضَّمِيرِ قَالَ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَخَلَقَ مَعْمُولَكُمْ عَلَى إِعْرَابِهَا مَوْصُولَةً وَيَشْمَلُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ لَمْ يُرِدْ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي هُوَ الْإِيجَادُ بَلِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَادِ وَهُوَ مَا يُشَاهِدُهُ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ: قَالَ وَلِلذُّهُولِ عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ ج13/ 540.
    انتهت وبالله التوفيق.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,564

    افتراضي رد: ابن تيمية في فتح الباري

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,362

    افتراضي رد: ابن تيمية في فتح الباري

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن المطروشى الاثرى مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم
    وجزاكم آمين
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: ابن تيمية في فتح الباري

    بارك الله فيكم، فقد كان رحمه الله متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد الاهتمام بأقواله.

    قال ابن تيمية رحمه الله :
    "فكل من اتبع الرسول - - فإن الله حسبه ; أي كافيه وهاديه وناصره.".

    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,362

    افتراضي رد: ابن تيمية في فتح الباري

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم، فقد كان رحمه الله متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد الاهتمام بأقواله.

    قال ابن تيمية رحمه الله :
    "فكل من اتبع الرسول - - فإن الله حسبه ; أي كافيه وهاديه وناصره.".

    آمين وإياكم
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •