تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عثمان الخياط

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي عثمان الخياط

    عثمان الخياط (1)


    خالد سعد النجار


    بسم الله الرحمن الرحيم
    سعيد بن عثمان بن عياش أبو عثمان الخياط، سمع بالعراق أبي عثمان المازي ومحمد بن المثنى السمسار صاحب بشر بن الحارث، ومحمد بن رزق الله الكلوذاني وسري السقطي، وسمع بدمشق أَحْمَد بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، وببيت المقدس طاهر المقدسي، وبمصر ذي النون المصري، مات في سنة أربع وتسعين ومائتين 294هـ
    وهو غير أبو الحسن عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط شيخ المعتزلة البغداديين الذي صنف كتاب «الاستدلال» ونقض فيه كتاب ابن الراوندي

    ** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: "ثَلَاثَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ التَّوْفِيقِ: الْوُقُوعُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ بِلَا اسْتِعْدَادٍ لَهُ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الذَّنْبِ مَعَ الْمَيْلِ إِلَيْهِ وَقِلَّةُ الْهَرَبِ مِنْهُ، وَاسْتِخْرَاجُ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ .
    وَثَلَاثَةٌ مِنَ عَلَامَاتِ الْخِذْلَانِ: الْوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ مَعَ الْهَرَبِ مِنْهُ، وَالِامْتِنَاعُ مِنَ الْخَيْرِ مَعَ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَانْغِلَاقُ بَابِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ
    قوله: ثَلَاثَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ التَّوْفِيقِ:
    1/ الْوُقُوعُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ بِلَا اسْتِعْدَادٍ لَهُ: أي: دخول أعمال البرّ عليك من غير قصد لها، كأن يولد في أسرة أو مجتمع عامر بالفضلاء والعلماء، أو تتهيأ له صحبة صالحة.
    2/ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الذَّنْبِ مَعَ الْمَيْلِ إِلَيْهِ، وَقِلَّةُ الْهَرَبِ مِنْهُ: أي صرف المعاصي عنك مع شهوة الطلب لها.
    3/ وَاسْتِخْرَاجُ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ : أي فتح باب اللجأ والافتقار إلى اللّه عزّ وجلّ في الشدة والرخاء، فمن الناس من يفتح له في العلم، ومن يفتح له يي العبادة وآخر في الصدقة .. وباب الدعاء والاستغاثة من أجل هذه الأبواب.
    قال تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة:269] ومن يشاء الله تعالى إيتاءه الحكمة هو الذي يخلقه مستعدا إلى ذلك، من سلامة عقله واعتدال قواه، حتى يكون قابلا لفهم الحقائق منقادا إلى الحق إذا لاح له، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا أنفة، ثم ييسر له ذلك من حضور الدعاة وسلامة البقعة من العتاة، فإذا انضم إلى ذلك توجهه إلى الله بأن يزيد أسبابه تيسيرا ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير.
    قوله: وَثَلَاثَةٌ مِنَ عَلَامَاتِ الْخِذْلَانِ:
    1/ الْوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ مَعَ الْهَرَبِ مِنْهُ: أي تيسر المعاصي مع الهرب منها.
    2/ وَالِامْتِنَاعُ مِنَ الْخَيْرِ مَعَ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ: أي تعسر الخيرات عليك مع الطلب لها.
    3/ وَانْغِلَاقُ بَابِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ: أي غلق باب اللجأ والافتقار إلى الله عزّ وجلّ
    وفي هذا المضمار يقول ابن حزم:
    // وجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء، أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره. وأما من طبع على الجور واستسهاله، وعلى الظلم واستخفافه، فلييأس من أن يصلح نفسه أو يُقَوِّم طباعه أبداً، وليعلم أنه لا يفلح في دين، ولا في خلق محمود.
    // ليس بين الفضائل والرذائل، ولا بين الطاعات والمعاصي إلا نفار النفس وأنسها فقط. فالسعيد من أنست نفسه بالفضائل والطاعات، ونفرت من الرذائل والمعاصي، والشقي من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي، ونفرت من الفضائل والطاعات، وليس هاهنا إلا صنع الله تعالى وحفظه.

    ** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: "مَنْ وَثِقَ بِالْمَقَادِيرِ لَمْ يَغْتَمَّ".
    قال تعالى: {وَمَن يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11]، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم.
    فإنه يجب على العبد الرّضا عن الله، بأفعاله وصفاته ومحبة أفعال الله، لأنّ الله تعالى يفعل ما يفعل عن حكمة عظيمة، كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة:46-47]، فالله يقضي بحكمته ما يشاء، وله الحكمة البالغة، لا يُسْألُ عما يفعل وهم يسألون.
    فإذاً تَلَخَّصَ من ذلك أنَّ: ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
    // وعن عثمان الخياط قال سمعت السري يقول سمعت رجلا يسأل الفضيل قال له: يا أبا علي علمني الرضا؟ قال له الفضيل: يا بن أخي ارض عن الله، فرضاك عن الله يهب لك الرضا.
    // يَقُولُ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ السَّخَطَ بِالْقَضَاءِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَعَلَى هَذَا إذَا اُبْتُلِيَ الْإِنْسَانُ بِمَرَضٍ فَتَأَلَّمَ مِنْ الْمَرَضِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَدَمَ رِضَا بِالْقَضَاءِ بَلْ عَدَمُ رِضَا بِالْمَقْضِيِّ، وَنَحْنُ لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ، وَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الْأَرْمَدُ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَرَضِ، بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ وَلَا يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا فَذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}, فَمَنْ لَمْ يَسْتَكِنْ وَلَمْ يَذِلَّ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ مِنْهَا وَيَسْأَلْ رَبَّهُ إقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ .. وَقَدْ حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَوْتِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَرَمْيِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ بِمَا رُمِيَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ; لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ, وَالْأَنْبِيَاء ُ عليهم السلام طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ وَتَتَوَجَّعُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي رد: عثمان الخياط

    عثمان الخياط (2)


    خالد سعد النجار

    {بسم الله الرحمن الرحيم }
    ** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: "وَاللهِ، لَا تَبْلُغُوا ذِرْوَةَ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى لَا يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ".
    // «أصول المحبة» يبين عماد الدين الأموي أصلاً من أصول المحبة ثم يدعمها بحكاية غزلية, فيقول:
    "وأصل حال المحب أن يقطع تشوقه عن كل شيء سوى محبوبه، فمن نظر إلى سواه فهو محجوب من مولاه.
    يُحكى أن بعض الناس رأى امرأة جميلة فاشتغل قلبه بها، فقال لها: كلي بك مشغول، فقالت: إن كان كلّك بكلي مشغول، فكلي لك مبذول، لكن لي أخت لو رأيت حسنها وجمالها لم تذكرني، فقال: أين هي؟
    فقالت: وراءك، فالتفت وراءه، فلطمته لطمة وقالت: يا كذاب، لو كنت صادقاً فيما قلت لم تلتفت إلى غيري"
    // «حب القرآن» يقول سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة بُغض الدنيا، وعلامة بُغض الدنيا ألاَّ يدَّخر منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة.
    ومن علامات محبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «حب القرآن» الذي أتى به، وهدى به واهتدى، وتخلق به حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "إن خلق نبي الله كان القرآن"، أي كان دأبه التمسك به والتأدب بآدابه والعمل بما فيه من مكارم الأخلاق .. فجعلت عائشة -رضي الله عنها- القرآن نفس خلقه، مبالغة في شدة تمسكه به، وأنه صار سجية له وطبيعة كأنه طبع عليها.
    وتمثيل حب القران بكثرة تلاوته له على الوجه المرضي فيها عند أهل الأداء، وليس المراد مطلق القراءة كذا قال الخفاجي، والصواب أن كثرة تلاوته تدل على حب القرآن والشغف به، وقد صح أن من يتعتع في قراءته له أجران فلا وجه لقصر محب القرآن على المقرئين فقط،
    وإضافة إلى كثرة تلاوته ودوام قراءته، العمل بما فيه من أحكام ومواعظ، وتفهمه أي طلب فهمه في مواعظه وقصصه ووعده ووعيده وبيان أحوال أنبيائه وأوليائه وعاقبة أعدائه، وكذا التقيد بفهم معانيه.
    هذا والسنة مليئة بالحث على تعلم القران وإتباعه، فصح عن عثمان -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «(خيركم من تعلم القران وعلمه)» .
    وقال ابن تيمية: "والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟!"
    ولهذا إذا أردت إن تعرف ما عندك وعند غيرك من محبة الله ورسوله فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم، فإنه من المعلوم أن من أحب محبوبا كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه.
    فمن هجر القرآن كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خصمه يوم القيامة قال تعالى: {{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}} [الفرقان:30]

    ** عن عثمان الخياط قال سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعمال المراقبة: إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله، وتصغير ما صغر الله.
    قال: وثلاثة من أعلام الاعتزاز بالله: التكاثر بالحكمة وليس بالعشيرة، والاستعانة بالله وليس بالمخلوقين، والتذلل لأهل الدين في الله وليس لأبناء الدنيا.
    قوله: ثلاثة من أعمال المراقبة:
    1/ إيثار ما أنزل الله. وهذا ثمرة «محبّة التألّه» أي العلم بجمال الربّ وكماله وإنعامه وإحسانه؛ فالقلوب مجبولة على محبّة الكمال، وعلى محبّة من أحسن إليها، فمحبة التأله إذا استقرّت في القلب أورثت أهلها كمال الاتّباع والإيثار، وموافقة الربّ في محبوباته ومكروهاته ظاهرًا وباطنًا
    // وعن عثمان الخياط حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب حدثنا الهيثم بن عمران قال سمعت كلثوم بن عياض القشيري وهو على منبر دمشق ليالي هشام وهو يقول: من آثر الله آثره الله، فرحم الله عبدا استعان بنعمته على طاعته ولم يستعن بنعمته على معصيته، فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو مزاد صنفا من النعيم لا يكون يعرفه، ولا يأتي على صاحب العذاب ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه
    2/ وتعظيم ما عظم الله فالله تَعَالَى شرع تعظيم شعائره، ومنه التكرم بتكريم الله، وأن لا تبذل نفسك إلا في مرضاته، قال تعالى: {{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}} [الإسراء:70]
    قال ابن حزم: لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل، في دعاء إلى حق، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم. وباذل نفسه في عرض دنيا، كبائع الياقوت بالحصى.
    3/ وتصغير ما صغر الله كالكفار والفسقة مهما عظمت أجسامهم وأموالهم وسلطانهم.
    فإلى من يرتدون زى الشيوخ ويترحمون على الطغاة وأهل الضلال والظلم قال لهم أبو الوفاء بن عقيل شيخ الحنابلة: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة"
    فضحتكم مواقفكم ولم تستركم ملابسكم
    قوله: وثلاثة من أعلام الاعتزاز بالله:
    1/ التكاثر بالحكمة وليس بالعشيرة: فالحكمة تنصرك في موضع النصرة بالحق، والعشيرة ربما تنصرك في الحق والباطل.
    والحكمة تقصر عليك طريق الوصول، روى الإمام أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: (مَنْ قَامَ إِذَا اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ [الضحى] فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ فَكَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)» .
    «قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي أَنْ أَسْمَعَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ تُجَاهِي جَالِسًا: أَتَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ، فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ عُمَرُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ)» حديث صحيح
    2/ والاستعانة بالله، وليس بالمخلوقين: والمقصد ألا يتعلق قلبه بمخلوق في تفريج أمره، بل هو لا يعدو كونه سببا، وما زال الخلق يحتاج بعضهم بعضا، ومسخر بعضهم لبعض، قال تعالى: {{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}} [الزخرف32]
    والفرج حقيقة لا يكون إلا من الله تعالي، قال تعالى: {{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} } [الفرقان:58]
    ويقول ابن حزم: من جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه، وإنما يندم عليه في معاده، وغيظاً ينضج كبده، وذلاً ينكس همته، فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم؟ .. والعز والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم، ولكن أجعلهم كالنار تدفأ بها، ولا تخالطها.
    3/ والتذلل لأهل الدين في الله، وليس لأبناء الدنيا: قال تعالى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}} [المائدة:54]
    وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول قبل الصلاة: «(سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلَيِّنُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ)» [أحمد والطبراني].
    // وعن عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، بِمِصْرَ، يَقُولُ: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْإِسْلَامِ: النَّظَرُ لِأَهْلِ الْمِلَّةِ، وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَنْ مُسِيئِهِمْ"
    // يقول د. محمد أبو موسى –شيخ البلاغة-: كن لبنة في بناء ثقافة أمتك، وإلا فلا قيمة لوجودك.

    // وعن سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: "من أعلام الاستغناء بالله: التواضع للفقراء المتذللين، وترك تعظيم الأغنياء المكثرين، وترك المخالطة لأبناء الدنيا المتكبرين"
    // ويقول ابن حزم: ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك، ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك.
    // قال الأَوْزاعي: لا يكون في آخر الزمان شيء أعزُّ من أخ مؤنس، أو كسب درهم من حِلِّه، أو سنة يعمل بها.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي رد: عثمان الخياط

    عثمان الخياط (3)


    خالد سعد النجار

    ** عن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أعَلَام السُّنَّةِ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْمُحَافَظَة ُ عَلَى صَلَوَاتِ الْجُمَعِ، وَحُبُّ السَّلَفِ".
    // «السُّنَّة».. قال تعالى: {{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}} [آل عمران:106] يعني: يوم القيامة، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودّ وجوه أهل البِدْعَة والفرقة، قاله ابن عباس، رضي الله عنهما.
    قال أهل العلم: من علامات التوفيق لمريد الهُدى أن يوفق لعالم من علماء السنة، وأن يجافي أهل البدعة والمذمة، ولئن زلت به القدم فسرعان ما يعاود إلى الحق، فهو طالب حق، لا طالب شهرة ومال.. وهذا الطريق الذي لا يسلكه إلا الرجال.
    1/ «الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ»: أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين من الجلد في السفر والحضر، وقد ألحق بهما جمهور العلماء الجوربين. وقال الشيعة والخوارج: لا يجوز وأنكروه.
    2/ «الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَوَاتِ الْجُمَعِ»: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ. فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَى. وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ. وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» . [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
    3/ «حب السلف»: وإجلالهم، والترحم عليهم، وذكرهم بالجميل، والإشادة بفضلهم وعلو شأنهم.
    ولو قرأت يا أخي المسلم! في حياة السلف كما هو في كتاب (سير أعلام النبلاء) في ترجمة أدنى رجل من أهل العبادة والعلم والعمل وقست نفسك عليه لوجدت نفسك ضائعاً أمام أعمالهم؛ لأن السلف بلغوا المجد في كل باب من أبواب العلم والعمل، والزهد فنحن بجوار السلف لا شيء، وليس لنا من السلف إلا حب السلف، وأما العمل فبيننا وبينهم بون شاسع.
    مع السلف،،،
    // عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ قَالَ: سَمِعْتُ سَرِّيَّ بْنَ الْمُغَلِّسِ يَقُولُ: مُرَّ بِعُتْبَةَ الْعَلَّامِ وَهُوَ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ بِمِلْحِ جَرِيشٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ: "نَعَمْ، حَتَّى نُدْرِكَ الشِّوَى وَالْغُمُوسَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى".
    // وعن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ: "مَا أَذْكُرُ مَتَى ذَهَبْتُ إِلَى الْبَيْتِ لِآكُلَ"
    // وعن أَبي عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، ثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ}} [الحجرات: 3] قَالَ: "ذَهَبَ بِالشَّهَوَاتِ مِنْ قُلُوبِهِمْ"
    // عثمان الخياط عن أحمد بن أبي الْحَوَارِيِّ قال سمعت عوام بن سميع قال كان سليمان الخواص يمر باللحام يأخذ منه لقطة له، فمر به فإذا هو يكلم امرأة. قال تقول له نفسه: يا سليمان من أجل قطة تمسك عن الكلام. فجاء إلى منزله فأخرج القطة فطردها ثم صار من الغد إلى اللحام فوعظه

    ** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ، يَقُولُ: بَلَغَنِي عَنْ جَهْمِ بْنِ حَسَّانٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: يَا أَبَا بَحْرٍ دُلَّنِي عَلَى أَحْمَدِ أَمْرٍ عَاقِبَةً، فَقَالَ لَهُ: "خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، وَكُفَّ عَنِ الْقَبِيحِ"، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَدْوَى الدَّاءِ؟" قَالَ: بَلَى، قَالَ: "اكْتِسَابُ الذَّمِّ بِلَا مَنْفَعَةٍ، وَاللِّسَانُ الْبَذِيءُ، وَالْخُلُقُ الرَّدِيءُ"
    «خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» وكان الإمام أحمد يقول: بر الوالدين كفارة الكبائر.
    «اكْتِسَابُ الذَّمِّ بِلَا مَنْفَعَةٍ» يقول ابن حزم: احرص على أن توصف بسلامة الجانب، وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك، حتى ربما أضر ذلك بك، وربما قتلك.

    ** عن سَعِيدَ بْنَ عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ قال: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: "لَا تَثِقَنَّ بِمَحَبَّةِ مَنْ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مَعْصُومًا"
    // يقول ابن حزم في «مداواة النفوس»: العقل والراحة هو إطراح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل، بل هذا باب العقل والراحة كلها. من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون.
    // ويقول: من حقق النظر، وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه، لأن مدحهم إياه، إن كان بحق وبلغه مدحهم له، أسرى ذلك فيه العُجب، فأفسد بذلك فضائله، وإن كان بباطل فبلغه فسره، فقد صار مسروراً بالكذب، وهذا نقص شديد.
    وأما ذم الناس إياه، فإن كان بحق فبلغه، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه، وهذا حظ عظيم، لا يزهد فيه إلا ناقص، وإن كان بباطل وبلغه فصبر، اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر، وكان مع ذلك غانماً، لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء، أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها، ولا تكلفها، وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون.
    وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه، فكلامهم وسكوتهم سواء، وليس كذلك ذمهم إياه، لأنه غانم للأجر على كل حال، بلغه ذمهم أو لم يبلغه. ولولا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الثناء الحسن: (ذلك عاجل بشرى المؤمن) لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل، أكثر من رغبته في المدح بالحق، ولكن إذا جاء هذا القول، فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح.
    ويقول أيضا: من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة، والبر، والصدق، وكرم العشيرة، والصبر، والوفاء، والأمانة، والحلم، وصفاء الضمائر، وصحة المودة.

    ومن طلب الجاه والمال واللذات، لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة، والثعالب الخلبة، ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد، خبيث الطبيعة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي رد: عثمان الخياط

    عثمان الخياط (4)


    خالد سعد النجار

    {بسم الله الرحمن الرحيم }
    ** عن سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: إذا لم يكن في عملك حب حمد المخلوقين ولا مخافة ذمهم فأنت حكيم مخلص إن شاء الله.
    قال: وسمعت ذا النون يقول: اعلموا أنه لا يصفوا لعامل عمل إلا بإخراج الخلق من القلب في عمله، وهو الإخلاص فمن أخلص لله لم يرج غير الله فكن على علم أنه لا قبول لعمل يراد به غير الله.
    فحب الشهرة يدمر الإخلاص، ولا فكاك للعبد إلا بتجريد العمل لله .. قال الإمام سفيان الثوري: كنتُ إذا رأيتُ الرجالَ يَجتمعون إلى أحدٍ غَبِطْتُهُ. فلما ابْتُلِيتُ بها وَدِدْتُ أنِّي نَجَوْتُ منها كَفَافًا؛ لا عَلَيَّ ولا لِيَ. [حلية الأولياء، وسنده حسن]
    ** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ قَالَ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ، يَقُولُ: «مَنِ اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ أَوْرَثَتْهُ حَلَاوَةُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مرَارَةَ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ»
    // وعن سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: "ثلاثة من أعلام موت القلب: الأنس مع الخلق، والوحشة في الخلوة مع الله، وافتقاد حلاوة الذكر للقسوة"
    // ففي كل معصية يقوم الشيطان بأربعة أمور:
    1/ إخفاء ما في المعصية من قبح ومفاسد.
    2/ مضاعفة الوهم في اللذّة المرجوّة. فإذا ما باشرها وذاقها وجدها أدنى بكثير مما كان يتصور.
    3/ إخفاء العاقبة الأليمة للمعصية والعقوبة المترتبة عليها في الدنيا والآخرة.
    4/ تمْنية النفس بالتوبة قبل الموت. وهو أمر غير مضمون؛ فلا العمر مضمون، ولا القلب مضمون أن يبقى يريد التوبة.
    // وعن عُثْمَانَ الْخَيَّاطِ، عن إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، عن وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْحَسَنِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَقُولُ فِي الْعَبْدِ يُذْنِبُ الذَّنْبَ ثُمَّ يَتُوبُ؟، قَالَ: لَمْ يَزْدَدْ بِتَوْبَتِهِ مِنَ اللهِ إِلَّا دُنُوًّا، قَالَ: ثُمَّ عَادَ فِي ذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ؟، قَالَ: لَمْ يَزْدَدْ بِتَوْبَتِهِ إِلَّا شَرَفًا عِنْدَ اللهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟، قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟، قَالَ: ( «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ السُّنْبُلَةِ، تَمِيلُ أَحْيَانًا، وَتَسْتَقِيمُ أَحْيَانًا، وَفِي ذَلِكَ تَكْبُرُ، فَإِذَا حَصَدَهَا صَاحِبُهَا حَمِدَ أَمْرَهُ كَمَا حَمِدَ صَاحِبُ السُّنْبُلَةِ بِرَّهُ ثُمَّ قَرَأَ» : {{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}} [الأعراف: 201] " الْآيَةَ
    ** عن عثمان الخياط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الورع: ترك الشبهة باحتمال المضرة في المال والبدن، وبذل الفضل خوفا من دخول الخلل في الفريضة، والكف عن الفضول خشية فساد القلب.
    ** عن عثمان سعيد بن عثمان الخياط قال سمعت ذا النون يقول: لا يزال العارف ما دام في الدنيا مترددا بين الفقر والفخر، فإذا ذكر الله افتخر، وإذا ذكر نفسه افتقر.
    ** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْهُدَى: الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالِاسْتِكَانَ ةُ عِنْدَ النِّعْمَةِ، وَنَفْيُ الِامْتِنَانِ عِنْدَ الْعَطِيَّةِ"
    قوله: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْهُدَى:
    1/ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
    قال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: ما أبالي على أي حال أصبحت، على ما أحب أم على ما أكره، ذلك بأني لا أدري الخيرة فيما أُحب أم فيما أكره.
    2/ وَالِاسْتِكَانَ ةُ عِنْدَ النِّعْمَةِ
    روى الإمام أحمد عَنِ يزيد بْنِ عبد الله بن عُمَرَ عن أبيه عَنْ عُمَرَ - قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ- قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ تَوَاضَعَ لِي هَكَذَا -وَجَعَلَ يَزِيدُ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَدْنَاهَا إِلَى الْأَرْضِ- رَفَعْتُهُ هَكَذَا -وَجَعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَرَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ-"
    فيه: التعليم بالجارحة. البداية عندك والنهاية عند ربك. تواضعك له نهاية، ورفعة الله لك لا نهاية لها، فقرب الأرض في التواضع لا يساوي بعد السماء في الرفعة.
    وقالوا: «النِّعم إذا شُكرت قرَّت، وإذا كُفِرت فرَّت». والأصل في هذا قوله تعالى: {{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنكَفَرْتُ مْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}} [إبراهيم:7]
    قال ابن تيمية: ومن لبس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله، واستعانة على طاعة الله، كان مأجورا، ومن لبسه فخرا وخيلاء كان آثما فإن الله لا يحب كل مختال فخور.
    3/ وَنَفْيُ الِامْتِنَانِ عِنْدَ الْعَطِيَّةِ"
    قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي [أي غيره] شيئا إلا منه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)»
    قوله (والمنان) أي الذي يكثر المنة على غيره لإحسانه إليه، والمنة لا تليق إلا باللّه تعالى إذ هو الملك الحقيقي وغيره يعطي من ملك غيره فلم يجز له المنّ، فإذا منّ كأنه ادّعى لنفسه الملك والحرية وانتفى من العبودية ونازع اللّه صفات رب البرية فلا ينظر إليه نظر رحمانية.
    قال الطيبي: جمع الثلاثة في قرن لأن المسبل إزاره هو المتكبر المرتفع بنفسه على الناس ويحتقرهم، والمنان إنما منّ بعطائه لما رأى من علوه على المعطى له، والحالف البائع يراعي غبطة نفسه وهضم صاحب الحق، والحاصل من المجموع احتقار الغير وإيثار نفسه، ولذلك يجازيه اللّه باحتقاره له وعدم التفاته إليه، كما لوح به: «لا يكلمهم اللّه»، وإنما قدم ذكر الجزاء مع أن رتبته التأخير عن الفعل لتفخيم شأنه وتهويل أمره، ولتذهب النفس كل مذهب ولو قيل المسبل والمنان والمنفق لا يكلمهم لم يقع هذا الموقع.
    ** عن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعمال الكياسة: ترك المراء والجدال في الدين، والإقبال على العمل بيسير العلم، والاشتغال بإصلاح عيوب النفس غافلا عن عيوب الناس.
    يقول ابن الجوزي: إن عزمت فبادر، وإن هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر.

    ويقول علي الطنطاوي: والوقت لا يضيق بعمل إذا عرفنا طريق استغلاله والانتفاع به، ولو أحصى الواحد منا ما يذهب من عمره هدرا في المقاهي وفي الأحاديث الفارغة، ومطالعة الصحف الجوفاء، والمجلات المؤذية، وقدر ما يمكن أن يعمل في مثل هذا الوقت من جليل الأعمال ونافعها لهاله الأمر ورأي شيئا عظيما.
    وقال بعضهم: مطالعة الأخبار محرقة الأعمار
    وقالوا: أنامل المرء في وسائل التواصل صورة من عقله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •