مشاعر مضطربة

نسمع في الآونة الأخيرة بظواهر غريبة طرأت على المجتمعات العربية المسلمة، وقد يكون سببها الإنتاج الكبير للأفلام والمسلسلات التي تُدغدغ مشاعر الشباب، وتُزين لهم المنكر، وتسمي الأشياء والمشاعر المحرمة بغير تسمياتها، وهو من جهة غزو فكري، ومن جهة أخرى لتحقيق الأرباح وتحقيق نسبِ مشاهدة كبيرة يستفاد منها العاملون في هذا المجال المربح تجاريًّا، نسمع الكثير من الشكوى والألم والمعاناة نتيجة الاختلاط بين الجنسين، سيدات متوجعات يعترفن بحبهنَّ لزملائهنَّ في العمل رغم أنهن متزوجات، وبعضهنَّ لا يعانين من مشكلة في زواجهن، ولديهن أولاد.
نحن لا نريد أن نناقش الموضوع من ناحية دينية، ونقول بأننا مجتمع مسلم يرفض هذه المشاعر والأحاسيس، ويعتبرها آثمة ويحرِّمها، فذلك أمر مفروغ منه، وكل الأديان السماوية حتى اليهودية والمسيحية، ترفض الاختلاط والإباحية، وتدعو إلى المحافظة على المرأة وحمايتها من كل ما يسيء لها، وتدعو إلى حماية المجتمع من أضرار الاختلاط، وتحذر من الرذيلة، وتحرم الزنا وتعاقب عليه، وتُحذر من الوقوع فيه ومن نتائجه وآثاره على المجتمع وعلى الأشخاص أنفسهم.
ونحن لا نريد أن نتهجم على المرأة وننتقدها، ونظهرها بمظهر يسيء لها ويجرح كرامتها، فهي في النهاية عدمت الحيلة والوسيلة، ولجأت إلى طلب المساعدة، والمفروض أن من لجأت إليه يقدم لها النصيحة والحلول العملية التي تخلِّصها من هذه المشكلة، والمستشار أمين في الحفاظ عليها وعلى سرها.نريد أن نناقش الموضوع من ناحية اجتماعية، ونسلِّط الضوء على هذه المشاعر المستهجنة والخارجة عن السيطرة.
الإنسان بطبيعة الحال اجتماعي يحب الاختلاط بالناس الآخرين، ولا يستطيع العيش منعزلًا عنهم؛ لذلك يكون السجن عقوبة للمذنب، ويحصل نتيجة الاختلاط خاصة بين الجنسين بعض التقارب في الأفكار، وبعض الانسجام وطيب المعشر، وقد يفسِّره البعض على أنه مشاعر حب وميل جنسي للطرف الآخر.فالعمل في مكان واحد وقضاء ساعات طويلة معًا بين الرجال والنساء بحكم طبيعة العمل، وتعقُّد العصر يسمح للعاملين بالتحدث ومناقشة بعض الأمور, وقد تفلت بعض التصرفات من أحد الأشخاص، وتكون غير محسوبة، طبيعة النفوس تختلف، فالبعض يحب الاختلاط بالناس ويستمع لهم باهتمام، والبعض تتضخَّم عنده النظرة والكلمة التي قد تكون غير مقصودة، فيبني عليها قصورًا من الرمال، ويؤِّلها ويفسِّرها على هواه خصوصًا إذا كان هذا الشخص يفتقد الحب والاهتمام، وبعض الناس مشاعره مستقرة وعنده إشباع عاطفي، فلا تعلق هذه الكلمات والنظرات في باله كثيرًا.
الأساس والطبيعي في المرأة المتزوجة أنها تكون محصنة ومحاطة بسور من المحرمات الشرعية والقيود الاجتماعية، وهي تكون مستقرة عاطفيًّا، وتكون قد تعدت مرحلة الميل الجنسي للطرف الآخر، فلا تؤثر فيها النظرة والابتسامة والكلام اللطيف من قِبل الآخرين، غير أن تعتبره مجاملة لا أكثر ولا أقل, ولا يتضخم في رأسها ويخرب طُمأنينتها، وسكنها الأُسري.وسواء كانت المرأة المتزوجة ذات زوج طيب وخلوق، أو غير ذلك، ينبغي أن تضع في بالها أنه غير مسموح لها الارتباط عاطفيًّا مع أي شخص آخر, نعم قد يكون الزوج في بعض الحالات فظًّا وغليظًا، وفي أسوء الحالات قد يكون غلطة العمر، ولكن ماذا تفعلين وقد وقع الفأس على الرأس، ولا مجال للتراجع، والطلاق حل غير مستساغ، ويكون مؤذيًا لجميع الأطراف، ولكن أنت ابنتي العزيزة بذكائك تستطيعين تحويل هذا الألم الكبير الذي تعيشينه إلى أحلى قصة حب، فأنت في النهاية امرأة وجميلة وذكية، وزوجك ملك لك، وأنت تستطيعين تحويله إلى حبيب وزوج حنون.تذكري أن البيوت لا تقوم على الحب فقط، فالإنسان لا يموت إذا فقد الحب، ونحن نتحمل طبيعة الزوج وقسوته ومشاكله، كل ذلك من أجل الأولاد، فنحن أمهات، والأمومة أن نموت من أجل أطفالنا، نحترق في النار؛ ليعيشوا سعداءَ، أطفالنا هم الحب الحقيقي والوحيد الذي يستحق أن نضحي من أجله، فلا ندنِّس أنفسنا بنزوة عابرة وحب أعمى لا نهاية له ولا يدوم، يوسوس به الشيطان لنا ليبعدنا عن مرضاة الله.وهذه زوجة أوس بن الصامت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو له زوجها، فقالت كلامًا حكيمًا اختصرت فيه حال أولادها إذا تم الطلاق، فقالت: إن ضممتُهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا، فالحياة الطبيعية والسوية للأولاد أن يتربوا في أحضان الأب والأم، وإلا فإنهم يضيعون ويَجوعون، والواقع يشهد بذلك.
إن هذا الزميل الذي ملأ قلبك حبًّا ليس ملاكًا، ولا يَملِك كلَّ الصفات التي تحلمين بها، ففي الحقيقة لا وجود لشخص كهذا في الحياة، وفرضًا وُجِدَ ذلك ألا يأتي يوم ويُحزنك أو يرميك ليعبث مع امرأة أخرى، فأنت في النهاية تخليتِ عن زوجكِ وبيتك من أجله، ألَا يتخلى هو عندما يجد أحسن منك أو أجملَ.ماذا تفعلين لو أن امرأة تقربت من زوجك ألا تَحرقين الأخضر واليابس، وتقيمين الدنيا ولا تُقعدينها، وتفضَحينه أمام كل الناس، وتُمسكين الهاتف لساعات وأنت تتحدثين عن فساده وعن إهماله، وعن سوء المرأة التي أغوته وأخَذته من بيته وأولاده، لو جاءت ابنتك إليك بعد سنين طويلة وأخبرتك أنها تريد إنهاء حياتها الزوجية من أجل شخص آخر ألستِ ترين مستقبل هذه العلاقة ببصيرتك، ومن خلال خبرتك تعرفين أن هكذا علاقة محكوم عليها بالفشل والتعاسة، وأنك ستفعلين المستحيل من أجل أن تحافظ ابنتك على حياتها الزوجية المستقرة والهادئة.
تأكدي عزيزتي لو أن هذا الزميل يُحبك حقيقةً، لَما سمح لنفسه بأن يتقرب منك، أو أن يبدي اهتمامه لك, ولخاف عليك حتى من نظراته، ولحاوَل ألا يجتمع معك في مكان واحد، ألا يعرف هذا الزميل من الدين الإسلامي شيئًا ألم يَقرأ كتاب الله؟ ألا يعيش في مجتمع مسلم محافظ مثلما نعيش نحن؟ أين طيبته وأخلاقه وهو يأخذك من زوجك وأولادك؟ وهل يرضى ذلك لأخته أو إحدى قريباته؟ هل لا يوجد في الدنيا كلها أو مكان العمل كله امرأةٌ أخرى تنفع زوجة له غيرك؟!تخلَّصي من هذه المشاعر حتى وإن تأذَّيت، والنسيان سهل إذا عزَمت وتوكلتِ على الله، ابتعدي عن جو العمل قدرَ ما تستطيعين، اهتمي بأولادك وقضاء حاجاتهم ومتطلباتهم، اهرُبي من مشاعرك ولا تستسلمي لها، اشغلي نفسك عن هذا الشخص بأي شيء، وستجدين مع مرور الوقت أنك نسيت الدنيا مع كثرة هذه الأعمال وليس فقط زميلك، وهو في النهاية لن يبق في مكانه، فهو أيضًا سيبحث عن زوجة، وعنده حياة عليه أن يُكملها، وستجدين أنه سينساك أسرع مما تتصورين.تذكَّري ماذا جنى المحبون عبر السنين غير الألم والجنون والبكاء على الأطلال، وماذا جنى الفنانون والشعراء من إثارة الغرائز الجنسية المحرمة غير بضعة دنانير وأطنان من الذنوب والآثام والأوزار التي تُثقل ظهورهم.ابنتي الحبيبة إنها جنة، وإنها نار، فلا تظلمي نفسك وأولادك، طوبى لِمَن زُحزح عن النار، ومن نُجِّيَ يومئذ من العذاب، فقد فاز فوزًا عظيمًا