تذكرت ذنبي فأصابني الهم
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:
♦ الملخص:
شاب تذكر ذنبًا بعد أن تاب منه توبة نصوحًا، فأصابه هم شديد، ويسأل: هل الذنب قد محيَ ولم يعد له وجود إلا في تفكيره؟ وهل يجوز أن يحدثه به ليعرف الحكم؟
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تذكرت ذنبًا اقترفته يداي بعد توبتي منه؛ فأصابني اكتئاب شديد وتوحُّد، وركبني الهم والغم، فهل يجوز أن أنكر الذنب لأنني تبت توبة نصوحًا؟
وهل الذنب لم يعد إلا تفكيرًا فحسب؟
وهل إخبار الشخص بمعصيته بعد أن تاب منها ليعرف حكمه - جائز؟
وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: التوبة النصوح تهدم ما قبلها، ولا يضرك تذكر الذنب بعدها، ما دامت توبتك صادقة مكتملة الشروط، من الندم والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة، وكثرة الصالحات، ورد المظالم إذا تعلق ذنبك بآدمي؛ فإذا تذكرت الذنب بعد التوبة على وجه التأسف والندم، فزادك عملًا صالحًا، فلا بأس، أو تذكرته للسؤال عن الحكم، وما الواجب عليك فعله لتصح توبتك، فحَسَنٌ، أما إذا تذكرته فأحدث لك قنوطًا من رحمة الله، فذاك من وساوس الشيطان ليحزنك ويدخل اليأس إلى قلبك، فلا تسترسل معه وتغافله واستعذ بالله منه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].
فإبليس اللعين لا يحب للمؤمنين أن يفرحوا، وقد بيَّن الله ذلك في كتابه؛ حين قال: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 10].وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الحزن، فكثيرًا ما كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...))؛ [البخاري: (2893)].
وما يصيب المسلم في هذه الدنيا من أحزانٍ، فإنه يكون سببًا في تكفير سيئاته وخطاياه؛ كما ورد في الحديث: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله من خطاياه))؛ [البخاري: (5641)].
أما عن علاج الحزن، فإن الحزن إذا تمكن صار مرضًا، ومن ثَمَّ، فإن له علاجات يمكن الاستفادة منها في دفعه؛ ومنها:
1- العمل على زيادة الإيمان، فكلما قوِيَ إيمان العبد، استسلم لقضاء الله وقدره، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فشكر عند النعمة، وصبر عند المصيبة، فكان خيرًا له.
2- الإكثار من الذكر؛ فالله عز وجل يقول: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
3- تجنب أسباب الغضب، والتحلي بحسن الخلق وسعة الصدر، وتربية النفس على دفع السيئة بالحسنة، والعفو والصفح، والتحلي بمكارم الأخلاق.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.