العلمانية وحد السرقة والحرية والإرث

أنزل الله عز وجل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله نورًا للعالمين يهتدون به، وهذا القرآن هو دستور للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان، إنه يحتوي على تشريعات مُنَظَّمَةٍ ومُنَظِّمةٍ لجميع العلاقات الاجتماعية والسياسية وغيرها؛ علاقة الآباء بالأبناء، علاقة الفرد مع الجماعة، علاقة المؤمن مع الكافر، وهذا يبيِّن أنه يحترم خصوصيات الناس ويأتي لهم بكل التوجيهات والتشريعات المناسبة.

والقرآن الكريم جاء بحقائق علمية دقيقة لا ينكرها إلا جاحد، كاره له، وإلا فالباحث أو العالم الدقيق في بحثه ينبغي أن يكون صادقًا مع نفسه ويقول كلمة حق تجاهه.

إننا نجد كثيرًا من العلمانيين يضربون في القرآن الكريم ويقولون أنه كتاب تاريخي فقط، استكبارًا وجحودًا عن قول الحق، وكذا أنه قرآن بشري، يقول الدكتور مصطفى باحو بأن "أغلب العلمانيين العرب على أن القرآن بشري المصدر، تشكَّل في الواقع وخرج من الواقع، وليس نصًّا مفارقًا نزل من السماء"[1].

أ*- العلمانية وحد السرقة:
من بين المسائل التي يثيرونها مسألة حد السرقة على سبيل الذكر، وهو واضح في القرآن وجزاء صاحبه هو قطع اليد إلى الرسغ، فلو نظرنا إلى هذا بعين بصيرة نجد أن القائلين بإيقافه نظروا إلى أن العقوبة المتخذة في حق السارق قاسية، ولم ينظروا إلى حال المسروق له، الذي تولى الله عز وجل أمره، فهذا المسروق له قد تشرد نتيجة فقْد ماله، وأُرعب وخُوِّف من طرف السارق، وشَرَّد له زوجه وأبناءه ووالديه الذين يعيلهم، ألا ننظر إلى هؤلاء ونضمن لهم مالهم الذي هو أحد الكليات الخمس، ثم إن معاقبة السارق ستكون عبرة لغيره، فلا يتجرأ على أخذ مال أحد ظلمًا وعدوانًا، وبما أن هذا الفعل يتكرَّر في كثير من المجتمعات، فقد تولى القرآن وضع تشريع يليق به.

وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين لم يطبق الحد على غلمان حاطب بن أبي بلتعة حين سرقوا، عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب أن رقيقًا لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر كُثَير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: إني أراك تجيعهم، والله لأغرمنك غرمًا يشق عليك، ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ قال: أربعمائة درهم، قال عمر: أعطه ثمانمائة درهم[2].

والحق إذا أردنا أن نتحدث عن لفظ السرقة هل تحقق أم لا، نجده لم يتحقق ذلك أن السرقة هي أخذ مال الغير من حرز، فهم أخذوا ما يأكلون من غير حرز، وحفاظًا على أنفسهم وإنقاذًا لها من الهلاك، فالإسلام أحل أكل الميتة للمضطر حتى يحفظ حياته، فما بالك أن تجد شيئًا أمامك وإن لم يكن لك، فلا شك أنك ستحفظ به حياتك، فنظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في النازلة كان نظرًا مقاصديًّا، فحين رأى أن الحد لم تتحقق شروطه لم يطبقه.

أما اليوم فالذين يريدون رفع حد السرقة وإسقاطه، إنما تحدثوا عن السرقة المنتشرة بشكل فظيع في المجتمع؛ حيث يفقد الناس أموالهم بسببها، في حين نجد أن السرقة يدخل فيها أيضًا سرقة أموال العامة، فلو تم تطبيق العقوبة عليهم، لانتهت السرقة وتطورت المجتمعات وشاع الأمن.

وضف إلى السرقة الخاصة التي تدخل الرعب والخوف في نفوس الناس، فهم يعيشون اضطرابًا نفسيًّا، وقد وصل الأمر ببعضهم حين يُسرق منه شيء ما يقول: لو وجدت السارق لقتلته نظرًا لما أصابه، فكَّر في الانتقام بالقتل الذي هو أشد مما شرع في الإسلام السرقة العامة التي أدت إلى تعطيل المصالح والمشاريع التي تخدم البشرية، لذا فما شرعه الله تعالى يعتبر حلًّا لكل المعضلات التي نعيشها في المجتمع، وفي ذلك حماية للأفراد والجماعات من الأضرار التي تلحقهم في كل وقت وحين.

ب- العلمانيون والحرية:
يثير العلمانيون أيضًا مسألة الحرية الشخصية، خصوصًا في جانبها الغرائزي، فيقولون: لا بأس أن تفعل الفتاة ما تشاء برضاها، ومن حقها إن وقع وحملت أن تجهض مولودها، وهذا فيه ضرب في حقوق الإنسان، ذلك أن تشجيع مثل هذه التصرفات يضرب في المرأة بامتياز، فلا يمكن أن نترك امرأة تفعل ما تشاء، وعندما تحمل تتعذب وتعيش الضنك والحيرة، فكم من امرأة وقعت في الحرام وتُركت، فلم تجد من ينفق عليها، ولم تجد من يتابع حملها، فعاشت سيئة الطبع منبوذة من المجتمع، فالقرآن يمنع ذلك كله عن المرأة قبل أن تقع فيه، حتى يحفَظ لها كرامتها، ويحفظ للطفل حقه في الحياة والنسب بطريقة شرعية وقانونية.

إن مسألة الحريات لا بد من تسييجها بسياج شرعي وقانوني محكم، يحفظ للإنسان كرامته ويجعله يعيش كريمًا مميزًا عن غيره من المخلوقات.

ج- العلمانيون والإرث:
ومن المسائل التي يثيرها العلمانيون مسألة الإرث، فهم يدعون إلى المساواة بين الرجل والمرأة فيه، مدعين أن لكل زمان ومكان أحكامه وخصائصه، ولا شك أن نصوص الإرث نصوص قطعية ثابتة عندنا، والله افتتح آية المواريث بفعل يوصيكم؛ لأن الوصية يكون الواجب نحوها هو التنفيذ، ولذا علينا أن ننظر بعين بصيرة إلى أحكام الإرث، وننفذ الوصية كما أمر الله عز وجل.

ولا عيب أن نبحث في فلسفة الإرث حتى نفهم المغزى وراء ذلك التقسيم الرباني، فبالعودة إلى التاريخ نجد أن المرأة كانت محرومة من الإرث بالكلية، ثم جاء الإسلام منصفًا لها، ومقررًا شيئًا من التركة نصيبًا لها، ثم إن المرأة حين ترث، فذلك ليس لأنها اشتغلت وساعدت زوجها أو أباها في بناء التركة، وغير ذلك، بل ترث سواء اشتغلت أم لم تشتغل، فذلك حق مقرر لها؛ لأنها قد تكون صبية لم تعمل قط، وقد تكون معاقة ليس لها طاقة لكسب المال، وترث رغم ذلك، والإسلام قد حدد أكثر من ذلك وهو الجنين الذي صرخ مستهلًّا، فإنه يرث وإن كان غير عاقل ولا عارف بمعنى المال، لكن نظرًا لما سيحتاجه في المستقبل.

رغم ذلك، فالأمر الذي يثيره العلمانيون، ويريدون أن يتحدثوا عنه لكنهم لا يبرزونه جيدًا، هو قضية المرأة أو البنت التي توفي زوجها أو أبوها، وليس لها معصب يعصبها، فيأتي العم ويأخذ من التركة، هنا يقول العلمانيون: ينبغي على الوارثة أخذ المال ولا حق للعم فيه، وهنا ينبغي على الدولة أن تراعي ما بعد تقسيم التركة، كما عليها أن تراعي حق الوارثة الضعيفة، بأن تجبر العم على الإنفاق على بنت أخيه، بأن يكون مسؤولًا عنها إذا لم تجد من يتكفل بها، وذلك حتى تضمن لها حقها في العيش الكريم.

أما قضية مساواة البنت بالابن، فلا يمكن بنص القرآن الذي حدد نصيب كل واحد من الورثة، وهنا نقول: إن ما تأخذه البنت هو مالها الخاص بها، وليس لها أن تنفق فيه إلا على نفسها في ما تراه يخدمها، وعلى أخيها أو وليها أن يوفر لها المأكل والمشرب، وأن ينفق عليها بقوة الشرع، وكذا بقوة القانون.

وجملة القول: إن القرآن الكريم، هو نص خالد، صالح لكل زمان ومكان، يهدف إلى خدمة الإنسان في جميع مراحله، وجميع أحواله، وأجناسه كلها؛ ذكرًا كان أو أنثى، معافًى كان أو سقيمًا، فقيرًا أو غنيًّا أو يتيمًا، حتى يتحقق العدل في الأرض، ويأخذ كل فرد حقه ومستحقَّه، وبذلك يعيش كريمًا مكرمًا، وما على العلمانيين إلا أن يكونوا منصفين تجاه القرآن قائلين كلمة حق فيه دون تعصب، فالكثير منهم يعلم أنه كتاب حق فيه علم دقيق، لكنهم لا يستطيعون قول ذلك نظرًا لتعصُّبهم.

المصادر والمراجع:
العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام، للدكتور مصطفى باحو (ص130)).


[1] (العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام، للدكتور مصطفى باحو(ص130)).
[2] (الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله كتاب الأقضية رقم2905).

______________________________ ________________
الكاتب: عيادي عبدالصمد