تأمل الكلمة النبوية (يستحلون)


د.بسام خضر الشطي


اليهود والنصارى عندما حّرفوا التوراة والإنجيل، وكانوا يلوون ألسنتهم ليحسب السامع أنه من الكتاب وما هو من الكتاب، ولكنهم كانوا يفترون على الله الكذب فلحقوا بالمعازف والموسيقى داخل دور عباداتهم، قال تعالى: {الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا}. وأيضاً الجاهلية الأولى كانت صلاتهم حول البيت الحرام تصفيراً وتصفيقاً قال سبحانه: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية}.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (تركت بالعراق شيئاً يقال له التغيير أحدثته الزنادقة يصدون الناس عن القرآن) وهو شعر في الزهد مصحوب بالطرب والغناء.

والطرب والغناء تأباه الفطرة السليمة ولذلك عندما انشأوا المعاهد الموسيقية لم يتقدم إليهم إلا القلة النادرة فزادوا من المكافآة المالية، ولما رفض أولياء الأمور أجبروا الطلاب على حضوره مرتين، مثل مقرر التربية الإسلامية، ولاتكاد تخلو صحيفة أو مجلة أو قناة مرئية أو مسموعة إلا وبها صور المغنيين والمغنيات والمطربين والمطربات الأحياء منهم والأموات لترويج بضاعتهم المتدنية الخبيثة وأصبح لديهم مشجعون من الذكور والإناث.

إن الغناء من الأمور التي تصد عن ذكر الله وتفسد القلب وتسبب في ضعف الإيمان. قال القرطبي: (الغناء يحرك الساكن ويبعث الكامن وفيه وصف والنساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة ولا يختلف في تحريمه العقلاء).

والذي حرمها هو الله تبارك وتعالى الذي يعلم ما يفيد ويفسد البشرية قال تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا آولئك لهم عذاب مهين، وإذا تتلى عليه آياتنا ولي مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب آليم}.

وفي صحيح البخاري حرّم رسولنا [ الغناء والمعازف وبيّن أنه سيأتي زمان يسعى الناس لجعلها حلالاً، فقال: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون السحر والحرير والخمر والمعازف». ولاحظ لفظ يستحلون: فعل مضارع يدل على الاستمرارية، وحرف السين والتاء تدل على الطلب، أي يبذلون جهدهم بالأدلة العقلية والعاطفية والاستدلال الشاذ والاستشهادات الباطلة لتغيير حكمها.

وقد توعدهم الرسول بالخسف والمسخ، مما يدل على شناعة استباحة المعازف ومن أراد الزيادة حول الحكم الشرعي والآثار المدمرة فليقرأ كتاب (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) لابن القيم، وكتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي.

لقد أقسم عبدالله بن مسعود رضي الله ثلاثاً على أن لهو الحديث المذكور في الآية السابقة هو الغناء، وبه قال أغلب المفسرين.

وقال أيضاً: «الغناء ينبت النفاق في القلب» وقال ابن عباس: «الغناء رقية الزنا» وقال ابن عمر: «هو بريد الشيطان».

وأخرج البزار مرفوعاً: «صوتان معلونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة» وقال ابن القيم: «إن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً، لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفس، وأسباب الغي وينهى عن أتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله».

قال الشاعر الناظم للوضع المؤسف في استحلال ما حرم الله بطرح شبهات:

تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا

بظواهر الجهّال والضّلّال

جعلوا المرا فتحاً وألفاظ الخنا

شطأ وصالوا صولة الإدلال

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم

نبذ المسافر فضلة الأكال

جعلوا السماع مطية لهواهم

وغلوا فقالوا فيه كل محال

هو طاعة، هو قربة، هو سنة

صدقوا لذاك الشيخ ذي الإضلال

شيخ قديم صاد بتحّيل


حتى أجابوا دعوة المحتال

هجروا له القرآن والأخبار والآثار

إذ شهدت لهم بضلال

تالله ما ظفر العدو بمثلها

من مثلهم واخيبة الآمال