هل يضحي الحاج؟
فؤاد بن يحي هاشم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
مسألة أضحية الحاج:
جاءت النصوص صريحة في الحث على الأضحية، كما أنها جاءت كذلك في تعلق النسك بالحاج وأطلق عليه الاسم الشرعي الهدي، ومن هنا يرد السؤال: هل هذا الهدي هو الأضحية، خصوصاً مع اتحاد زمن الذبح، أم أن الأضحية خاصة للحلال (أما الهدي فلا يختص بالحاج ولا بالنعم كما هو قول أصحابنا الحنابلة، وهو الصحيح -إن شاء الله تعالى-، أم أن الهدي غير الأضحية، ومع ذلك يشرع للحاج أن يضحي؟
هذه سؤالات أسأل الله أن يوفقني للإجابة عليها.
أولاً:
ينبغي أن يعلم أن أكثر أهل العلم على أن الحاج لا يضحي، وهؤلاء اختلفوا في سبب ذلك على قولين:
القول الأول:
كونه حاجاً، والحاج إنما يتعلق به نسك هو الهدي، وهذا قال به الإمام مالك، قال في المدونة:
"قُلْتُ: أَفَعَلَى أَهْلِ مِنًى أَنْ يُضَحُّوا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ أُضْحِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ سَاكِنِي مِنًى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَاجًّا. قُلْتُ: فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِمْ الْأَضَاحِيّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا الْحَاجَّ؟ قَالَ: نَعَمْ" (1542) كتاب الأضحية
ونقل أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه آثارا تدل على أن الحاج لا يضحي، قال - رحمه الله -:
"مَنْ رَخَّصَ لِلْحَاجِّ أَنْ لَا يُضَحِّيَ وَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ:
(1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحُجُّ فَلَا يَذْبَحُ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ.
(2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ الْحَكِيمِ قَالَ: قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا ضَحَّيْت بِمَكَّةَ قَطُّ.
(3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَحُجُّونَ وَمَعَهُمْ الْأَوْرَاقُ وَالذَّهَبُ فَمَا يَذْبَحُونَ شَيْئًا، وَكَانُوا يَتْرُكُونَ مَخَافَةَ أَنْ يَشْغَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ.
(4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحُجُّ فَلَا تُضَحِّي عَنْ بَنِي أَخِيهَا.
(5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا يُصَلِّي هَاهُنَا وَمَا يُضَحِّي يَوْمَ النَّحْرِ.
(6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ وَبَرَةَ أَنَّ الْأَسْوَدَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ كَانَا يَحُجَّانِ وَلَا يُضَحِّيَانِ.
(7) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ بَيَانٍ أَنَّ عَلْقَمَةَ كَانَ يَحُجُّ وَلَا يُضَحِّي.
(8) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ قَالَ: اشْتَرُوا بَقَرَةً فَقَدِّرُوهَا لِتُزَوِّدهَا فِي سَفَرِنَا.
(9) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْمُسْتَنِيرِ الْمُسْلِيِّ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ التَّيْمِ قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعْدٍ بِمِنًى فَلَمْ يُضَحِّ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى جِيرَانٍ لَهُ أَطْعِمُونَا مِنْ أُضْحِيَّتِكُمْ (10) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ عَمِّهِ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ بِنَحْوِهِ.
(11) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صَالِحٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَجَجْت ثَلَاثَ حِجَجٍ مَا أَهْرَقْتُ دَمًا.
(12) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ خَالِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَعَ سَالِمٍ فِي الْحَجِّ فَلَا يُضَحِّي بِمِنًى.
(13) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ قَالَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ حَجَّ فَأَهْدَى هَدْيًا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ.
ونصر هذا ابن تيمية فإنه قال في الاختيارات: ولا تضحية بمكة إنما هو الهدي. (178)
القول الثاني:
لا يضحي، والسبب في ذلك كونه مسافراً، فإن من شروط الأضحية أن يكون مقيماً، وهذا مذهب أبي حنيفة - رحمه الله -، فالحاج لا يضحي عند هؤلاء؛ لأنه مسافر إذا كان آفاقياً، أما أهل مكة، فإنهم عند أبي حنيفة لا يعتبرون مسافرين، ولذا فهم لا يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ومزدلفة، وأما الجمع فإنهم يجمعون، والعلة عندهم النسك لا السفر، والذي يظهر لي من هاتين المقدمتين أن الحاج عند أبي حنيفة على قسمين:
1- من كان مسافراً، فإنه لا يضحي.
2- من كان دون مسافة القصر من أهل مكة وغيرهم، فإنهم يضحون.
وهذا ما قرره في درر الحكام:
قال في درر الحكام: " قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ سَوَاءٌ الْإِقَامَةُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْأَحْضَارِ وَالْبَوَادِي لِأَهْلِهَا وَلَيْسَ الْمِصْرُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْحَاجِّ وَأَرَادَ بِالْحَاجِّ الْمُسَافِرَ، وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مَا خَلَا الْحَاجَّ وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الْمُقِيمِينَ وَبِالْحَاجِّ الْمُسَافِرِينَ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا. اهـ قُلْت: فَمَا نَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ا هـ يُحْمَلُ عَلَى إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَيُحْمَلُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ" (1267-266)
قال السرخسي في المبسوط: باب الأضحية
ثم قال - رحمه الله -: وهي واجبة على المياسير والمقيمين عندنا، وشرح ذلك بقوله:
وإنما لا تجب على المسافر لمعنى المشقة، فإن الأداء يختص بأسباب يشق على المسافر استصحاب ذلك في السفر ويفوت بمضي الوقت، فلدفع المشقة لا تلزمه كالجمعة بخلاف سائر العبادات المالية)(1211-12)
قال في الدر المختار في كتاب الأضحية:
(وشرائطها الإسلام والإقامة)
قال ابن عابدين في حاشيته:
فالمسافر لا تجب عليه (93)
قال في الجوهرة النيرة:
"وَلَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ الْمُسَافِرِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ" (78)
قال في درر الأحكام:
قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ) سَوَاءٌ الْإِقَامَةُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْأَحْضَارِ وَالْبَوَادِي لِأَهْلِهَا وَلَيْسَ الْمِصْرُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْحَاجِّ وَأَرَادَ بِالْحَاجِّ الْمُسَافِرَ، وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مَا خَلَا الْحَاجَّ وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الْمُقِيمِينَ وَبِالْحَاجِّ الْمُسَافِرِينَ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا. اهـ، قُلْت: فَمَا نَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. اهـ، يُحْمَلُ عَلَى إطْلَاقِ الْأَصْلِ، وَيُحْمَلُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ، اهـ. وَمَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ، أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُوسِرِ الْمُقِيمِ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْمُسَافِرِ ا هـ لَا يَكُونُ قَيْدًا مُخْرِجًا لِلْمُقِيمِ بِغَيْرِ الْأَمْصَارِ
والأدلة عند هؤلاء جميعاً القائلين أن الحاج أو المسافر لا يضحي على ثلاثة على ثلاثة أضرب:
1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضحي لما حج، إما لأنه حاج على القول لأول أو لأنه مسافر على القول الثاني.
2- الآثار المروية عن الصحابة والتابعين في كون الحاج لا يضحي، واحتجاج أن الأضحية متعلقة بصلاة العيد ولا صلاة عيد على المسافر والحاج.
3- الأحناف بهذا أن سبب ذلك هو السفر لا الحج.
ثانياً:
ذهب جماعة من أهل العلم إلى استحباب الأضحية للحاج، وعلى رأس هؤلاء الشافعي، وابن حزم، قال في الأم في كتاب الضحايا:
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَالْحَاجُّ الْمَكِّيُّ وَالْمُنْتَوِي وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِمَّنْ يَجِدُ ضَحِيَّةً سَوَاءٌ كُلُّهُمْ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ إنْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كَانَ الْحَاجُّ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ وَاجِبَةً لِأَنَّهَا نُسُكٌ وَعَلَيْهِ نُسُكٌ وَغَيْرُهُ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَبَ عَلَى النَّاسِ إلَّا بِحَجَّةٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ إلَّا بِمِثْلِهِمْ.
وصوب هذا القول الإمام النووي في المجموع، فإنه قال:
"(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ التَّضْحِيَةُ لِلْمُسَافِرِ كَالْحَاضِرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَرَوَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ: لَا تُشْرَعُ لِلْمُسَافِرِ بِمِنًى وَمَكَّةَ، دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: " ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِيَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (8405)
قال مقيده عفا الله عنه:
الخلاصة: أن أكثر أهل العلم على أن الحاج لا يضحي إما لكونه حاجاً، أو لأنه مسافر، وعلى هذا التعليل فلو حج أهل مكة، فإن عليهم أن يضحوا، والأدلة في ذلك على ثلاثة أضرب:
1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضحي لما حج وكان مسافراً.
2- أن الأضحية متعلقة بصلاة العيد ولا صلاة عيد على المسافر والحاج.
3- الآثار المروية عن الصحابة والتابعين في أن الحاج لا يضحي.
غير أن الشافعي قال باستحباب الأضحية للحاج وصوبه النووي في المجموع، وذكر الشافعي أنها واجبة على الجميع، ولو وجبت لأحد دون أحد لكان الحاج أولى أن تجب عليه؛ لأنه عليه نسك وغيره لا نسك عليه وذكر أن على من فرق الحجة، وكذا قال ابن حزم واستدل بما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن نسائه بالبقر واستدل بالعموم.
المذاهب:
المالكية: لا أضحية على الحاج.
الحنفية: لا أضحية على المسافر فإن كان الحاج مسافرا فلا أضحية عليه.
الشافعية: استحباب الأضحية للحاج وغيره.
الظاهرية: إن صح نسبة قول ابن حزم إلى الظاهرية فإن قولهم هو قول الشافعية باستحباب الأضحية للحاج كغيره.
الحنابلة: لم أقف على نص للإمام أحمد في هذه المسألة ولم أجدها عند الخرقي في مختصره ولا ابن قدامه في المغني ولا المرداوي في الإنصاف ولا الحجاوي في الإقناع ولا ابن قدامه في المقنع ولا الحجاوي في الزاد ولا البهوتي في الروض ولا ابن القاسم في حاشيته الروض.
سوى مقولة للبهوتي في كشاف القناع:
(وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى مَا يُضَحِّي بِهِ).
غير أنهم لا يذكرون أن من شروط الأضحية ألا يكون حاجا ولا مسافرا ولعل السبب في ذلك عدم ورود نص عن الإمام أحمد في هذه المسألة مع الأخذ في الاعتبار أن جماعة من متأخري الحنابلة ما فتئوا ينقلون عن ابن تيمية أن ما يذبح بمنى إنما هو الهدي، والله - تعالى -أعلم.
قال ابن رجب في القواعد:
اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا تَضْحِيَةَ بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ الْهَدْيُ.
قال ابن مفلح في الفروع:
قال شيخنا (أي ابن تيمية): كل ما ذبح بمكة يسمى هدياً، ثم قال ابن مفلح وما ذبح يوم النحر بالحل أضحية لا هدي.
والذي يظهر لي، والعلم عند الله هو: القول الأول: أن الحاج لا يضحي؛ لقوة ما استدلوا به وسلامتها من المعارض، والله - تعالى -أعلم