حكم التعطر للنساء


السؤال:
الملخص:
فتاة وضعت معقمًا ذا رائحة طيبة، بعد تناولها الأكل في المواصلات العامة، وتسأل: هل يعد هذا من العطر المُحرَّمِ للنساء؟
تفاصيل السؤال:
أنا فتاة حدث أنني كنت في المواصلات العامة، وأردت أن آكلَ فوضعت معقمًا ذا رائحة طيبة، تدوم لثوانٍ معدودة، ثم تنتهي، فهل هذا المعقم يعد من العطور؟ علمًا بأني كنت أقصد إلى تنظيف يدي فحسب.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: يحرم على المرأة وضع الطيب والعطر، بحيث يشمه الرجال غير المحارم؛ ففي حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا))؛ [مسلم: (443)].
أما إذا كان يغلب على ظنِّها عدم ظهوره للرجال الأجانب؛ كأن تكون في مكان لا يتواجد فيه غير المحارم أو بنات جنسها، أو كان يسيرًا، أو كان غير دائم كما ذكرتِ في هذا المعقم؛ فلا بأس باستخدامه.
والحاصل: أن استعمال المرأة الطيب له حالات مختلفة، ويختلف حكمها بحسبها:
الحالة الأولى: استعماله للزوج:
فهو مستحب مندوب؛ لأنه من حسن المعاشرة بالمعروف، وهو أدعى لزيادة المودة بين الزوجين، وتأكيد المحبة بينهما، وذلك حين يعتني كل منهما بما يحبه الآخر؛ قال المناوي في فيض القدير (3/ 190): "أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب، قال بعض الكبراء: تزيُّنُ المرأة وتطيُّبُها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما، وعدم الكراهة والنفرة؛ لأن العين رائد القلب، فإذا استحسنت منظرًا أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة، وإذا نظرت منظرًا بشعًا أو ما لا يعجبها من زيٍّ أو لباسٍ تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة، ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهنَّ: "إياكِ أن تقع عين زوجكِ على شيء لا يستملحه، أو يشم منكِ ما يستقبحه".
الحالة الثانية:
وضع الطِّيب والخروج به بقصد أن يجد ريحَه الرجالُ الأجانبُ، فهذا محرم، بل من كبائر الذنوب؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا اسْتَعْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا؛ يَعْنِي: زَانِيَةً))؛ [أبو داود: (4173)، والترمذي: (2786)، وصححه ابن دقيق العيد في الاقتراح (126)، الألباني في صحيح الترمذي].

قال في عون المعبود: "((لِيَجِدُوا رِيحهَا)): أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يَشُمُّوا رِيح عِطْرهَا".
وقال المناوي في فيض القدير: (1/ 355): "((فهي زانية))؛ أي: هي بسبب ذلك متعرِّضةٌ للزنا، ساعيةٌ في أسبابه، داعيةٌ إلى طِلابه، فسميت لذلك زانيةً مجازًا... فربما غلبت الشهوة، فوقع الزنا الحقيقي، ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها".
الحالة الثالثة:
أن تصيب من الطيب والعطر وتخرج، ويغلب على ظنها أنها ستمر بمجامع يجد فيها الرجال من طيبها وريحها، فهذا فعلٌ محرم أيضًا وإن لم تقصد فتنة الرجال، أو لم يكن ذلك في نيتها؛ لأن الفعل فتنةٌ في نفسه، وقد جاء في الشرع أيضًا ما يدل على تحريمه والمنع منه؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].

فنهى المرأة عن إبداء زينتها للرجال الأجانب، والطِّيب من زينتها ولا شك، فيدخل في النهي والتحريم.
وعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا))؛ [مسلم: (443)].
فإذا كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن خروج المرأة إلى المسجد بالطِّيب؛ لأن الغالب أن الرجال سيجدون من ريحها بسبب قرب المكان، وعدم الحواجز بين الرجال والنساء، فمن باب أولى أن تُمنَع المرأة التي تخرج إلى الأسواق ومجامع الناس من مسِّ الطِّيب، إلا أنه لا يعد من الكبائر، إنما هو من المحرمات الظاهرة.
قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: (2/ 71، 72): "وينبغي حمله - يعني: الأحاديث التي تعده من الكبائر - على ما إذا تحققت الفتنة، أما مع مجرد خشيتها، فهو مكروه، أو مع ظنها، فهو حرام غير كبيرة كما هو ظاهر".
الحالة الرابعة:
أن تصيب من العطر والطيب ويغلب على ظنها أن طِيبها لن يصل مجامع الناس، ولن يجد شيئًا منه الرجال، كأن تخرج في سيارة زوجها في رحلة في مكان خلاء، أو لزيارة أهلها، أو تخرج في سيارة زوجها لأحد مجامع النساء الخاصة، أو تخرج إلى المسجد في السيارة وتنزل على باب مصلى النساء المفصول كلية عن الرجال، ثم ترجع بسيارة مباشرة دون المرور في الطرقات، ونحو ذلك من الحالات التي لا تتوقع المرأة فيها أبدًا مرورها بشيء من طرقات المسلمين، وكان غرضها من تطيبها هو التنظف العام الذي أمرت به الشريعة، فلا حرج عليها من استعمال الطِّيب حينها، لعدم تحقق علة التحريم التي هي مظنة أن يصيب طيبها الرجال.

والدليل على ذلك:
1- أن علة التحريم الظاهرة من الأدلة السابقة غير متحققة في هذه الحالة، فليس هناك فتنة، وليس هناك إثارة للشهوة.
2- وقد جاء في السنة ما يدل على أن نساء الصحابة كنَّ يستعملْنَ الطيب فيما يغلب على ظنهن عدم انتشاره بين الرجال؛ فعن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ((كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِ الْمُطَيَّبِ - نوع من الطيب - عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَاهَا))؛ [أبو داود: (1830)، وحسنه النووي في المجموع: (7/ 219)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
وهو محمول على الحال المعروفة في الزمان الأول؛ حيث كانت قوافل النساء مفصولة عن الرجال، أو تكون المرأة في هودجها لا تختلط بالرجال ولا تمر في أماكنهم.
وقال ابن باز في مجموع الفتاوى: (10/ 40): "يجوز لها الطِّيب إذا كان خروجها إلى مجمع نسائي لا تمر في الطريق على الرجال".
وجاء في جلسات رمضانية لابن عثيمين: "أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر الريح عنده، وستنزل فورًا إلى محل عملها بدون أن يكون هناك رجال حولها، فهذا لا بأس به؛ لأنه ليس في هذا محذور، فهي في سيارتها كأنها في بيتها، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال، فلا يحل لها أن تتطيب".
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.