هل ظلم الإسلام المرأة؟
هل ظلم الإسلام المرأة؟
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال


♦ الملخص:

فتاة ترى أن الإسلام ظلم وأهان المرأة وفضَّل عليها الرجل، بما جاء من الأحاديث، وتريد الانتحار، وتريد جوابًا عن ذلك.



♦ تفاصيل السؤال:

أريد الانتحار، أعلم أن الله غير راضٍ عني.



كل أمر يفعله الله عز وجل يكون لحكمةٍ يقتضيها العدل، فهل من العدل أن يكون الذكر أفضل من الأنثى؟ ولماذا لا يَرِدُ أمر التفضيل إلا في أذهان النساء، فيسألنَ أنفسهن دائمًا: لماذا ظلمنا الإسلام؟ ولا يَرِدُ مثل هذا التصور على أذهان الرجال، الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، ثم يخصص الرجال بالجهاد بما له من الثواب العظيم، وصلاة الجمعة وصلاة الجنائز، والجماعات، فصلاة الرجل لا تساوي صلاة المرأة؛ فالرجل يُفضَّل بالجماعات، بينما المرأة ينتقص منها أيام الحيض، والأحاديث التي تتحدث عن تضييع حقوق الزوج فيها ترهيب شديد، أما حقوق الزوجة، فلا يوجد ترهيب من تضييعها، والأحاديث التي تذم وتهين النساء كثيرة كحديث أكثر أهل النار، ونقصان العقل والدين، في حين أن ثمة أحاديث تعظم الرجل حدَّ السجود له، وتحافظ على مشاعره (أعوذ بالله من قهر الرجال)، ولما سألتُ عن حديث: (الشؤم في ثلاثة: الدار والمرأة والفَرَس)، قيل لي: لأن المرأة تلازم الرجل، فلمَ لا يكون الشؤم في الرجل؛ فهو أيضًا ملازم للمرأة؟ وثمة حديث يقول: إن الحور العين تشتم المرأة التي تؤذي زوجها، وتقول لها: نحن أهله الحقيقيون، فبعد الطاعة والخضوع له، لسنا أهله الحقيقيين، وإذا ما رغَّبتُم رجلًا في الجنة، تشتمون المرأة بأن بها بولًا وغائطًا ودمَ حيضٍ وبأنها عجوز، مع أننا لم نُخلق بالحيض، وهل الرجال طاهرون فلا يجري عليهم البول ولا الغائط؟ كما أن الإسلام احترم رغبة الرجل في الدنيا والآخرة، فتلعنها الملائكة إذا رفضت تلبية رغبة زوجها، وفي الجنة يكون تكون له قوة مائة رجل في الجماع، أما الرجل فليس عليه أن يقضي وطر زوجته إذا احتاجت ذلك؛ لأن رغبة المرأة لا تتحقق إلا بانتصاب الرجل، كأن الله جعل أمرها في يده ولا يريد أن يكلفه شيئًا من أمرها، وفي الآخرة ليس لها شهوة كبيرة مثله، وهي تغني له في الجنة كأنه هو المكلَّف وحده، وصاحب الجنة وحده، لا أريد امرأة تجيب عني، فلا أثق في النساء بعد الآن.



الجواب


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.



ثانيًا: تظل المرأة محور تشكيكِ عند أعداء الإسلام حتى صارت قضية كبيرة ومتشعبة، ومستعصية ومفتعلة ومتكلفة، حتى تسلل هذا المعنى بكل أسف إلى الكثير من أبناء جلدتنا، وانشغلت بها المسلمات عن كسب المعالي، وصار عقد المقارنات بين الرجال والنساء شغلهنَّ الشاغل، وأصبحت التساؤلات والاستفسارات عن وضع المرأة، فقد قلدنا الغرب وجلعنا المرأة قضية، وكأن المرأة في الإسلام ليس لها وجود؛ فدعوى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء وبلا استثناء دعوى منكرة، ومصادمة للفطرة، ومناقضة للشرع، وقد تولَّى كِبرَها بعض أبناء جلدتنا ممن رضعوا ثقافة أعدائنا، أو انهزموا أمام المدنية الغربية، واغتروا بزيفها فزعموا - وكذبوا - أن دافعهم هو إنصاف المرأة وتحريرها من الظلم، وفكُّها من القيود.



لذا سوف يرتكز كلامي هنا على ما فضَّل الله به النساء على الرجال، فالردود على مثل هذه الشبهات والافتراءات لا تخفى والجهود لا تنكر؛ منها:

1- الخطب والمحاضرات والندوات عن مدى اهتمام الإسلام بالمرأة، ومكانتها وفضلها.



2- الكتب التي تبحث أمور النساء، وتبيِّن حقها، وتدحض الشبهات المتعلقة بهنَّ.



ولا شكَّ أن هناك ممارسات خاطئة في المعاملة مع المرأة، سواء بفهم نصوص القوامة والتفضيل، أو التطبيق بالسلوك المنحرف لهذه القوامة، مما جعل النساء ينقسمن إلى فئات:

1- فئة تمردت على الوضع وقابلت الخطأ بمثله؛ فنزعت الحجاب، ورفضت الالتزام، وحقدت على الرجال، وحاولن منافستهم وتقليدهم في كل أمر، وترفعت عن واجباتها، ورفضت القيام بأعبائها من خدمة وتربية، ونحوه.



2- فئة مستسلمة للوضع، وراضية بالاتهام ولكن صبرها صبر العاجز.



3- فئة تشككت واحتارت، ونسبن كلَّ سلوك خاطئ، وفهم أعوجَ للإسلام، وترسخ لديهنَّ أن: (الإسلام يحابي الرجال على حساب المرأة)، وهذا ما طفحت به رسالتكِ.

4- فئة ظلَّت على المحجَّة البيضاء، فلم تتشكك ولم تنسب ظلم الممارسات للإسلام، وإنما تلقت الأمر بالرضا والانقياد، فأدَّت ما عليها من واجبات، ورضيت بما لها من حقوق.



والحق الذي لا محيدَ عنه أن الله فضَّل المرأة بأمور، والرجال بأمور، وجاء النهي الصريح بعدم تمني ما للرجال من خصائص وفضائل، وما للنساء من خصائص وفضائل؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾[النساء: 32].



فلا يجوز تمنِّي جنس ما خص الله به الجنس الآخر في أمور الدنيا؛ لأنه من المستحيل، ومساواة الجنسين مساواة مطلقة هي الظلم لهما عند العقلاء وأصحاب الفِطَرِ السليمة، والعقل والفطرة يجزمان بأن لكلٍّ من المرأة والرجل خصائصه المبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافًا واضحًا عن الطرف الآخر، فهل يُعقَل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف، أم أن العقل والفطرة والعدل والقسط كلها تجزم بأن يكلَّف كل منهما من الواجبات ما يقدر عليه، ويُعطَى من الحقوق ما يستحقه، ويُسنَد إليه من الوظائف ما يلائمه ويناسبه؟ وهذا هو الذي جاء به الشرع وقرره قسطًا وعدلًا، ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]؟



وإذا نظرنا إلى الأسباب التي دعت النسوة لهذا التمني، نجدها تنحصر في:

1- بعضهنَّ مَقَتْنَ الأنوثة وأردن التخلص منها؛ لأنهنَّ ظننَّ أفضلية الرجولة مطلقًا.



2- بعضهنَّ تمنَّينَ الذكورة؛ للتخلص من القوامة والولاية؛ رغبةً في الحرية التامة.



3- بعضهنَّ أردن التساوي بين الرجال في قضايا الميراث والشهادة والطلاق.



4- بعضهنَّ أردن الآخرة بهذه الأمنية رغبة في أجر الجهاد والجماعات والجُمَعِ، وهو ما ورد في سبب نزول الآية.



فالتفاضل والمفاضلة سنة عامة، وليست محاباة لجنس على حساب جنس؛ وإنما من باب الاختبار والابتلاء، ولا يخفى على أحد التفاضل بين الأنبياء، والتفاضل بين الملائكة، والتفاضل بين الخلق، ونحو ذلك؛ لكن الأهم هل التفاضل بين الرجال والنساء ببعض الصفات يقلل من مكانتها يوم القيامة؟



والجواب: قطعًا لا، فلا دخل لشيء من ذلك التفاضل عند الله تعالى في الثواب والعقاب، فإذا كانت المرأة أتقى لله كان ثوابها أجزل؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 35].



وعند التأمل في قوله تعالى: ﴿ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ [النساء: 32]، نجد أن للنساء أعمالًا خاصة لا يشاركهنَّ في ثوابها الرجال:

أولًا: أعمال تفردت بأجرها النساء:

1- الحجاب.



2- يكتب لهنَّ ثواب الصلاة كاملًا في أيام الحيض والنفاس.



3- ثواب حُسن التبعل للزوج.



4- ثواب الحمل والولادة والإرضاع.



ثانيًا: أمور قُدِّمت فيها النساء:

1- جعل النبي صلى الله عليه وسلم بِرَّ الأم مقدمًا.



2- المهر.



3- النفقة.



وقد جاءت أحاديث صحيحة تبين فضل وأجر بعض النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده؛ ومن ذلك:

فضل المرأة التي تُعِين زوجها على دينه وآخرته؛ فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: ((أفْضَلُه لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه))؛ [رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني].



وفي رواية: ((ليتَّخِذْ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة))؛ [رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني].



كما دعا بالرحمة لمن تقوم تصلي من الليل وتوقظ زوجها حتى يصلي؛ فقال: ((رحِمَ الله امرأة قامت من الليل فصلَّت وأيقظت زوجها فصلَّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء))؛ [رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم، وصححه الألباني].



وكذلك وردت السنة بفضل المرأة التي تموت في النفاس، وأنها من شهداء الآخرة؛ ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والمرأة تموت بجُمْعٍ شهيدة)).



وإذا أحسنت المرأة تربية أولادها اليتامى، وقامت برعايتهم، فإنها تؤجر أجرًا عظيمًا؛ روى أبو يعلى في مسنده، وحسنه الهيثمي في الزواجر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أول من يُفْتَح له باب الجنة، إلا أنه تأتي امرأة تبادرني، فأقول لها: ما لكِ؟ مَن أنتِ؟ فتقول: أنا امرأة قعدتُ على أيتام لي)).



والحاصل أن الإسلام وضع كلًّا من الرجل والمرأة في موضعه المناسب، وكلفه تكليفه الموافق لفطرته وخلقته، وشرع لذلك من الأحكام والتشريعات ما يصلح للجنسين، ويجعلهما متكاملين غير متنافرين، والله أعلم.



هذا، وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz7FLQKOHmb