فتح فارس.. الوعد المبين وشروط التمكين
أحمد الشجاع
موقعة جلولاء
اجتمع الفرس على مفترق الطرق إلى مدائنهم في جلولاء فتذامروا، وقالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبداً، وهذا مكان يفرق بيننا فهلموا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم، فإذا كانت لنا فهو الذي نريد، وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا وأبلينا عذراً. واجتمعوا على قيادة مهران الرازي، وحفروا خندقاً حول مدينتهم وأحاطوا به الحسك من الخشب إلا الطرق التي يعبرون منها، وقد كتب سعد بن أبي وقاص إلى أمير المؤمنين عمر يخبره بذلك، فكتب إلى سعد يأمره ببعث هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى جلولاء في اثني عشر ألفاً، وأن يجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو التميمي، وعلى ميمنته مسعر بن مالك، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة، وعلى ساقته عمر بن مرة الجهني، وسار إليهم هاشم بجيشه فحاصرهم وطاولهم أهل فارس، فكانوا لا يخرجون لهم إلا إذا أرادوا، وزاحفهم المسلمون ثمانين زحفاً. كل ذلك يعطي الله المسلمين عليهم الظفر، وغلبوا المشركين على حسك الخشب التي اتخذوها لإعاقة المسلمين؛ فاتخذ الأعداء حسك الحديد، وجعل هاشم يقوم في الناس ويقول: إن هذا المنزل منزل له ما بعده.
وجعل سعد يمده بالفرسان، حتى إذا طال الأمر وضاق الأعداء من صبر المسلمين اهتموا بهم فخرجوا لقتالهم، فقال: "ابتلوا الله بلاءً حسنا ليتم لكم عليه الأجر والمغنم واعملوا لله". فالتقوا فاقتتلوا، وبعث الله عليهم ريحاً أظلمت عليهم البلاد فلم يستطيعوا إلا المحاجزة، فتهافت فرسانهم في الخندق فلم يجدوا بدّاً من أن يردموا الخندق مما يليهم لتصعد منه خيلهم؛ فأفسدوا حصنهم، فلما بلغ المسلمين ما قام به الأعداء من ردم الخندق قالوا: أننهض إليهم ثانية فندخله عليهم أو نموت دونه؟. فلما نهض المسلمون لقتالهم خرجوا فرَموا حول الخندق مما يلي المسلمين بحسك الحديد لكيلا تقدم عليهم الخيل وتركوا مكاناً يخرجون منه على المسلمين فاقتتلوا قتلاً شديداً لم يقتتلوا مثله إلا ليلة الهرير، وهي من ليالي القادسية، إلا أنه كان أقصر وأعجل.
وانتهى القعقاع بن عمرو في الوجه الذي زاحف فيه إلى باب خندقهم فأخذ به وأمر منادٍ يقول: يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل خندق القوم وأخذ به فاقبلوا إليه ولا يمنعنَّكم من بينكم وبينه من دخوله وإنما أمر بذلك ليقَوِيِّ المسلمين به.
فحمل المسلمون وهم ولا يشكُّون في أن هاشماً فيه فلم يقم لحملتهم شيء حتى انتهوا إلى بابا الخندق فإذا هم بالقعقاع بن عمرو وقد أخذ به. وقتل الله من الفرس يومئذ مائة ألف، فجلَّلت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم.
وبعث سعد بن أبي وقاص زياد بن أُبيه بالحسابات المالية إلى أمير المؤمنين، وكان زياد هو الذي يكتب للناس ويدوِّنهم، فلما قدم على عمر كلمه فيما جاء له ووصف له، فقال عمر: هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل ما كلمتني به؟، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك. فقام في الناس بما أصابوا وبما صنعوا، وبما يستأذنون فيه من الانسياح في البلاد. فقال عمر: هذا الخطيب المصقع، فقال زياد: إن جندنا أطلقوا بالفَعال لساننا.
موقف الخليفة من غنائم جلولاء
انتهت معركة جلولاء بانتصار المسلمين، وقد غنموا فيها مغانم عظيمة أرسلوا بأخماسها إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فقال حين رآه: والله لا يُجنِّه سقف بيت حتى أقسمه. فبات عبد الرحمن بن عوف وعبدالله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عنه جلابيبه ـ وهي الأنطاع ـ فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال له عبد الرحمن: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فو الله إن هذا لموطن شكر، فقال عمر: "والله ما ذاك يبكيني، والله ما أعطى الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقي بأسهم بينهم".
وهذا لون من حساسية الإيمان المرهفة، حيث يدرك المؤمن الراسخ من نتائج الأمور المستقبلية ما لا يخطر على بال غيره، فيحمله الإشفاق على المؤمنين من أن يكدر صفو علاقاتهم الإيمانية شائبة من شوائب الدنيا التي تباعد بين القلوب، يحمله ذلك على التأثر العميق الذي يصل إلى تحدر دموعه أمام الناس وإنه لعجيب أن تنهمر الدموع من عيني رجل بلغ من القوة حداً يخشاه أهل الأرض قاطبة مسلمهم وكافرهم ومنافقهم، ولكنها الرحمة التي حلىَّ بها الله جل وعلا قلوب المؤمنين، فأصبحوا كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{ [الفتح: 29].
فتح رامهرمز
كان الفرس قد بدأو بالتجمع مرة أخرى بتحريض من ملكهم يزْدجرد، فاجتمعوا في رامهرمز بقيادة الهرمزان، وقد كان سعد بن أبي وقاص أخبر أمير المؤمنين بخبر اجتماعهم فأمره بأن يجهز إليهم جيشاً من أهل الكوفة بقيادة النعمان بن مقرن، وأمر أبا موسى الأشعري بأن يجهز جيشاً من البصرة بقيادة سهل بن عدي، وإذا اجتمع الجيشان فعليهم جميعاً أبو سبرة بن أبي رهم، وكل من أتاه فهو مدد له. وخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة، ثم سار نحو "الهرمزان" والهرمزان يومئذ برامهرمز، ولما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره الشَّدةَّ ورجا أن يقتطعه، وقد طمع الهرمزان في نصر أهل فارس، وقد أقبلوا نحوه، ونزلت أوائل إمدادهم تنتشر، فالتقى النعمان والهرمزان بأربك، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم إن الله عز و جل هزم الهرمزان، وأخلى رامهرمز، ولحق بتستر. وأما سهل بن عدي فإنه سار بأهل البصرة يريد رامهرمز فأتتهم المعركة وهم بسوق الأهواز، وأتاهم الخبر بأن الهرمزان قد لحق بتستر، فمالوا إلى تستر، ومال إليها النعمان بأهل الكوفة.
وصل جيش النعمان بن مقرن وجيش سهل بن عدي إلى تستر، واجتمعا تحت قيادة أبي سبرة بن أبي رُهْم، وقد استمد أبو سبرة أمير المومنين فأمدهم بأبي موسى الأشعري؛ فأصبح قائد جيش البصرة، وظل أبو سبرة قائد الجيش كله، وقد بقي المسلمون في حصار تستر عدة شهور قابلوا فيها جيش الأعداء في ثمانين معركة، وظهرت بطولة الأبطال بالمبارزة.
ولما كان أخر لقاء بين المسلمين وأعدائهم، واشتد القتال نادى المسلمون البراء بن مالك، وقالوا: يا براء أقسم على ربك ليهزمنَّهم لنا، فقال: اللهمَّ اهزمهم لنا، واستشهدني.
وقد باشر المسلمون القتال وهزموا أعداءهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم، ولما ضاق الأمر على الفرس واشتد عليهم الحصار اتصل اثنان منهم في جهتين مختلفتين بالمسلمين وأخبراهم بأن فتح المدينة يكون من مخرج الماء، وقد وصل الخبر إلى النعمان بن مقرن، فندب أصحابه كذلك، فالتقى الأبطال من أهل الكوفة والبصرة في ذلك المكان ليلاً، ودخلوا منه بساحة إلى المدينة فكبَّروا وكبر من وقفوا في الخارج، وفتحوا الأبواب، فأبادوا من حولها بعد شيء من المقاومة، وقد استشهد في هذه المعركة البراء بن مالك ومجزأة بن ثور حيث رماهما الهرمزان، وكان استشهادهما بعد انتصار المسلمين في المعركة، ولجأ الهرمزان قائد الفرس إلى القلعة، وأطاف به المسلمون الذين دخلوا من مخرج الماء، فلما عاينوه وأقبلوا قِبلَه قال لهم: ما شئتم، قد ترون ضيق ما أنا فيه وأنتم، ومعي في جعبتي مائة نشَّابه، ووالله ما تصلون إليَّ ما دام معي نشابة، وما يقع لي سهم، وما خير إساري إذا أصبت منكم مائة بين قتيل وجريح، قالوا: فتريد ماذا؟، قال: أن أضع يدي في أيديكم على حكم عمر يصنع بي ما شاء، قالوا: فلك ذلك، فرمى بقوسه وأمكنهم من نفسه، فشدوا وثاقه وأرصدوه ـ أي راقبوه ـ ليبعثوا إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ثم تسلموا ما في البلد من الأموال والحواصل، فاقتسموا أربعة أخماسه، فنال كل فارس ثلاثة آلاف وكل راجل ألف درهم.
وفي غزوةتستر مواقف وعبر، منها:
- قال أنس بن مالك أخو البراء: شهدت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح الله لنا، قال أنس بن مالك الأنصاري: ما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما عليها.
- علّق رسول الله على صدر البراء بن مالك وساماً عظيماً من أوسمة الشرف، وذلك بقوله: (كم من أشعث أغبر ذي طِمْرين لا يُؤبَه له، لو أقسم على الله لأبرَّه، منهم البراء بن مالك). فقد كان البراء مستجاب الدعوة، وعرف الناس عنه ذلك بموجب هذا الحديث؛ ولذلك طلبوا منه في هذه المعركة أن يدعوا الله ليهزم عدوهم.
ومع هذا الثناء العظيم من رسول الله على البراء فإنه لم يَبْطَر ولم يتكبر، بل ظل الرجل المتواضع الذي يقتحم الأهوال، ويأتي بأعظم النتائج، من غير أن تكون له إمرة أو قيادة، وإذا كان قد سأل الله تعالى النصر للمسلمين وهو عزُّ لهم وللإسلام فإنه لم يُغفل نفسه أن يسأل الله تعالى أغلى ما يتمناه المؤمن القوي الإيمان، حيث سأل الله تعالى الشهادة، وقد استجاب الله تعالى دعاءه فهزم الأعداء، ورزقه الشهادة في ذلك اليوم.
قانون النصر والهزيمة
أرسل أبو سَبرة بن أبي رُهم قائد المسلمين في تلك المعارك وفداً إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وأرسل معهم الهرمزان، حتى إذا دخلوا المدينة هيأوا الهرمزان في هيئته، فألبسوه كسوته من الديباج الذي فيه الذهب، ووضعوا على رأسه تاجاً يُدعى الأذين مكللاً بالياقوت وعليه حليته، كيما يراه عمر والمسلمون في هيئته، ثم خرجوا به على الناس يريدون عمر في منزله فلم يجدوه، فسألوا عنه فقيل لهم: جلس في المسجد لوَفد قدموا عليه من الكوفة، فانطلقوا يطلبونه في المسجد، فلم يروه، فلما انصرفوا مرُّوا بغلمان من أهل المدينة يلعبون، فقالوا لهم: ما تلدُّدكم؟، أتريدون أمير المؤمنين؟، فإنه نائم في ميمنة المسجد، متوسداً برنسه.. وكان عمر قد جلس لوفد أهل الكوفة في برنس فلما فرغ من كلامهم وارتفعوا عنه وأخلوه نزع برسنه ثم توسده فنام.
فانطلقوا ومعهم النظارة حتى إذا رأوه جلسوا دونه وليس في المسجد نائم ولا يقظان غيره، والِّدرة في يده معلقة، فقال الهرمزان: أين عمر؟، فقالوا: هو ذا، وجعل الوفد يشير إلى الناس أن اسكتوا عنه، وأصغى الهرمزان إلى الوفد فقال: أين حرسه وحُجَّابه عنه؟، قالوا: ليس له حارس ولا حاجب ولا كاتب ولا ديوان، قال: فينبغي له أن يكون نبياً، فقالوا: بل يعمل عمل الأنبياء.
وكثر الناس فاستيقظ عمر بالجلبة فاستوى جالساً، ثم نظر إلى الهرمزان، فقال: الهرمزان؟، قالوا: نعم. فتأمله وتأمل ما عليه، وقال: أعوذ بالله من النار؟ واستعن الله، وقال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشياعه، يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين، واهتدوا بهدي نبيكم؟، ولا تُبطرنكم الدنيا فإنها غرارة.
فقال الوفد: هذا ملك الأهواز فكَّلمه، فقال: لا، حتى لا يبقى عليه من حليته شيء فُرمي عنه بكل شيء عليه إلا شيئاً يستره، وألبسوه ثوباً صفيقاً، فقال عمر: هيه يا هرمزان، كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟، فقال: يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلىَّ بيننا وبينكم، فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم، فلما كان معكم غلبتمونا، فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا.
ثم قال عمر: ما عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة؟ فقال: أخاف أن تقتلتني قبل أن أخبرك، قال: لا تخف ذلك، واستسقى ماءً، فأُتي به في قدح غليظ، فقال: لو متُّ عطشاً لم أستطع أن أشرب في مثل هذا، فأتي به في إناء يرضاه، فجعلت يده ترجف، وقال إني أخاف أن أُقتل وأنا أشرب الماء، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشربه، فأكفأه، فقال عمر: أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش، فقال: لا حاجة لي في الماء، إنما أردت أن أستأمن به، فقال له عمر: إني قاتلك، قال: قد آمنتني، فقال كذبت،
فقال أنس: صدق يا أمير المؤمنين، قد آمنته، قال ويحك يا أنس أنا أُؤمِّن قاتل مجزأة والبراء، والله لتأتين بمخرج أو لأعاقبنك، قال: قلت له: لا بأس عليك حتى تخبرني، وقلت: لا بأس عليك حتى تشربه، وقال له من حوله مثل ذلك، فأقبل على الهرمزان وقال: خدعتني، والله لا أنخدع إلا لمسلم، فأسلم، ففرض له على ألفين، وأنزله المدينة.
فتح مدينة جُنْدَيْ سابور
لما فرغ أبو سبرة بن أبي رهم من فتح بلاد السوس خرج في جنده حتى نزل على "جندي سابور"، وكان زر بن عبد الله بن كليب محاصرهم، وأقاموا عليها يغادرونهم ويراوحونهم القتال، فمازالوا مقيمين عليها حتى رُمي إليهم بالأمان من المسلمين، وكان فتحها وفتح نهاوند في مقدار شهرين، فلم يفاجأ المسلمون إلا وأبوابها تفتح، ثم خرج السرح، وخرجت الأسواق، وانبثَّ أهلها، فأرسل المسلمون أن مالكم؟، قالوا: رميتم لنا بالأمان فقبلناه، وأقررنا لكم بالجزاء على أن تمنعونا، فقالوا: ما فعلنا، فقالوا:
ما كذبنا فتساءل المسلمون فيما بينهم، فإذا عبد يُدعَى مكنفاً كان أصله منها، هو الذي كتب لهم، فقالوا: إنما هو عبد، فقالوا: لا نعرف حُرَّكم من عبدكم، قد جاء أمان فنحن عليه قد قبلناه، ولم نبدِّل فإن شئتم فاغدروا.
فأمسكوا عنهم، وكتبوا بذلك إلى عمر، فكتب إليهم: "إن الله تعالى عظَّم الوفاء فلا تكونون أوفياء حتى تفوا، ما دمتم في شك أجيزوهم ووَفُوا لهم"، فوفوا لهم وانصرفوا.
وهذا مثال يدل على تفوق المسلمين الشاسع في مجال مكارم الأخلاق على جميع أعدائهم من الكفار، ولا شك أن هذا التفوق الأخلاقي كان من الدوافع الأساسية لدخول الكفار في الإسلام بتلك الكثافة والسرعة المذهلة.
معركة نهاوند (فتح الفتوح)
كان المسلمون قد انتصروا على جيوش الفرس في معارك عديدة متتالية، وأضحوا يطاردون فلول تلك الجيوش دون أن يتركوا لها فرصة لالتقاط أنفاسها، فمنذ انتصارهم الساحق في معركة القادسية بالعراق حتى المعركة الحاسمة في نهاوند، مرت أربع سنوات كان المسلمون ينتقلون خلالها من نصر إلى نصر، وكانت تلك الجيوش تتابع تقدمها لكي تقضي على ما تبقى من فلول جيوش الإمبراطورية الهرمة، لولا أن أوامر الخليفة عمر رضي الله عنه كانت تقضي بالتوقف أمام جبال زاغروس وعدم تجاوزها؛ وذلك بغية إعادة تنظيم الجيوش المنهكة من القتال المستمر، وتنظيم إدارة الأقاليم المفتوحة.
ولقد أثارت الهزائم المتتالية التي ألحقها المسلمون بالفرس - بعد القادسية خاصة - حفيظتهم وخنقهم، ولم تكن كافية على ما يبدو للقضاء نهائياً على مقاومتهم؛ فكتب أمراؤهم وقادتهم إلى ملكهم (يزدجرد) يستنهضونه للقتال من جديد، فعزم عليه، وأخذ يعد العدة للعودة إلى قتال المسلمين فيما تبقى له في بلاده من معاقل ومعتصمات. فكتب إلى أهل الجبال من الباب إلى سجستان فخراسان أن يتحركوا للقاء المسلمين وواعدهم جميعاً نهاوند، وكان قد وقع عليها كمركز أخير للمقاومة، وكميدان للمعركة الحاسمة فهي مدينة منيعة تحيط بها الجبال من كل جانب ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر مسالك وعرة صعبة، وقد تحشَّد الفرس في هذه المدينة واجتمع ليزدجرد فيها مائة وخمسون ألف مقاتل: ثلاثون ألفاً من الباب إلى حلوان، وستون ألفاً من خراسان إلى حلوان، ومثلها من سجستان إلى حلوان، فجعل يزدجرد عليهم الفيرزان قائداً.
كان سعد بن أبي وقاص في الكوفة حين علم بخبر الحشود الفارسية فكتب إلى الخليفة عمر ينبئه بذلك ويستأمره، شارحاً له الوضع من مختلف جوانبه، فجمع عمر الناس واستشارهم، وقال لهم: "هذا يوم له ما بعده، وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل منزلاً وسطاً بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءاً حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب، فإن فتح الله عليهم صبيتهم في بلدانهم".
فقال طلحة بن عبيد الله: "يا أمير المؤمنين قد أحكمتك الأمور، وعجمتك البلابل، واحتنكتك التجارب، وأنت وشأنك ورأيك، لا ننبو في يديك ولا نكل عليك، إليه هذا الأمر، فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب وقدنا ننقد، فإنك ولي هذا الأمر، وقد بلوت وجربت واحتربت فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيارهم".
فعاد عمر، فقام عثمان فقال: "أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم، وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم، ثم تسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين، فإنك إذا سرت قل عندك ما قد تكاثر من عدد القوم وكنت أعز عزاً وأكثر. يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي بعد نفسك من العرب باقية، ولا تمتع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز. إن هذا يوم له ما بعده من الأيام، فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه".
فعاد عمر، فقام إليه علي بن أبي طالب فقال: "أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والغيالات. أقرر هؤلاء في أمصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا ثلاث فرق: فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا، ولتسر فرقةٌ إلى إخوانهم بالكوفة مدداً لهم؛ إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً قالوا: هذا أمير المؤمنين أمير العرب وأصلها، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر".
فقال عمر: هذا هو الرأي، كنت أحب أن أتابع عليه، فأشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر.
فلما قال عمر: أشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر وليكن عراقياً، قالوا: أنت أعلم بجندك وقد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم. فقال: والله لأولين أمرهم رجلاً يكون أول الأسنة إذا لقيها غداً. فقيل: من هو؟ فقال: هو النعمان بن مقرن المزني. فقالوا: هو لها.
وكان النعمان بن مقرن المزني يومئذ عاملاً على كسكر، وكان قد كتب إلى الخليفة كتاباً يقول له فيه: "مَثلي ومثل كسكر كمثل رجل شاب إلى جنبه مومسة تلون له وتعطر، فانشدك الله لما عزلتني عن كسكر وبعثتني إلى جيش من جيوش المسلمين".
وبعد أن استشار الخليفة عمر مجلس شوراه، وتقرر أن يتولى قيادة جيوش المسلمين في نهاوند النعمان بن مقرن، وضع خطة لتعبئة جيش المسلمين على الشكل التالي:
- النعمان بن مقرِّن المزني (والي كسكر)، قائداً عاماً للجيش.
- حذيفة بن اليمان، قائداً لفرقة تعبأ من أهل الكوفة.
- أبو موسى الأشعري (والي البصرة)، قائداً لفرقة تعبأ من أهل البصرة.
- عبد الله بن عمر بن الخطاب، قائداً لفرقة تعبأ من المهاجرين والأنصار.
- سلمى بن القين، وحرملة بن مريطة، وزر بن كليب، والأسود بن ربيعة، وسواهم من قادة المسلمين في الأهوار وباقي بلاد فارس، احتياط ومشاغلة للأعداء.
وكتب عمر إلى الولاة والقادة بتعليماته، واستطاع الفاروق أن يحشد جيشاً مقداره ثلاثين ألف مقاتل.
وتحرك جيش الإسلام بقيادة النعمان بن مقرن إلى نهاوند، ووجدها محصنة تحصيناً قوياً، وحولها خندق عميق وأمام الخندق حسك شائك مربع الأضلاع يثبت منه ضلع في الأرض وتظل الأضلاع الثلاثة الباقية أو اثنان منها على الأقل فوق سطحها؛ لتعيق تقدم المهاجمين أو تؤذي خيالتهم بإحداث ثقوب في حوافر جيادهم؛ مما يمنعها من متابعة الجري.
أما جيش الفرس داخل سور المدينة فكان على تعبئة، وقد انضم إليه بنهاوند كل من غاب عن القادسية، وقد ركز الفيرزان رماته باتجاه محاور التقدم المحتملة للمسلمين كي يطالوا جندهم بنبالهم إذا ما حاولوا التقدم.
لقد اصطدمت خيول المسلمين بالحسك الشائك ثم بالخندق فلم يستطيعوا اجتيازها، بينما تولى رماة الفرس رمي جند المسلمين الذي تمكنوا من الاقتراب من السور، واستمر الأمر كذلك لمدة يومين ورأى النعمان أن يجمع أركان الجيش الإسلامي لتدارس الوضع معه، وخرجوا بنتيجة الاجتماع بالخطة التالية - وكان صاحبها طليحة بن خويلد الأسدي-:
1- تخرج خيول المسلمين فتنشب القتال مع الفرس، وتستفزهم حتى تخرجهم من أسوارهم.
2- إذا خرجوا تقهقرت خيول المسلمين أمامهم فيعتقدون تراجعها ضعفاً ويطمعون بالنصر، فيلحقوا بها وهي تجري أمامهم.
3- تستدرج خيولُ المسلمين - المتظاهرة بالهزيمة - الفرسَ إلى خارج أسوارهم ومواقعهم.
4- يفاجئ المسلمون - الذي يكونون قد كمنوا في أماكن محددة ومموهة - الفرس المتدفقين خلف خيول المسلمين، ويطبقون عليهم وهم بعيدون عن مراكزهم وخنادقهم وأسوارهم.
وشرع النعمان لتنفيذ هذه الخطة ووزع قواته فرقاً على الشكل التالي:
- الفرقة الأولى: خيالة بقيادة القعقاع بن عمرو، ومهمتهما تنفيذ عملية التضليل وفقاً للخطة المرسومة، واقتحام أسوار العدو والاشتباك معه.
- الفرقة الثانية: مشاة بقيادته هو، ومهمتهما التمركز في مواقع ثابتة ومموهة بانتظار وصول الفرس إليها حيث تنشب القتال معها في معركة جبهية.
- الفرقة الثالثة: خيالة، وهي القوة الضاربة في الجيش، ومهمتها التمركز في مواقع ثابتة ومموهة ثم الهجوم على قوات العدو من الجانبين.
وأمر النعمان المسلمين في كمائنهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوهم حتى يأذن لهم، والتزم المسلمون بالأمر ينتظرون إشارة النعمان بالهجوم.
وشرع القعقاع في تنفيذ الخطة ونجح نجاحاً رائعاً، وكانت مفاجأة الفرس مذهلة عندما وجدوا أنفسهم، في آخر المطاف محاصرين بين قوات المسلمين التي شرعت سيوفهم في حصد رقاب المشركين، ولاذ المشركون بالفرار ليتحصنوا بخندقهم وحصونهم إلا أنهم وقعوا في خنادقهم وفي الحسك الشائك، واستمر المسلمون يطاردونهم ويعملون سيوفهم في ظهورهم وأقفيتهم حتى سقط من الفرس ألوف في الخندق، واستطاع القعقاع أن يطارد الفيرزان فلحقه وقضى عليه.
ودخل المسلمون بعد هذه المعركة "نهاوند" ثم همذان، ثم انطلقوا بعد ذلك يستكملون فتح ما تبقى من بلاد فارس دون مقاومة تذكر، ولم يكن للفرس بعد نهاوند اجتماع، وملك المسلمون بلادهم؛ لذلك سميت معركة نهاوند بفتح الفتوح، وكانت سنة 21 للهجرة، وقيل كانت سنة ثماني عشرة، وقيل سنة تسع عشرة.
وقد ظهرت براعة الخليفة الفاروق في معركة نهاوند، ومن ذلك:
- التحشد ومنع العدو من التحشد، حيث لم يكتف الخليفة عمر رضي الله عنه بأن أمر عماله في الكوفة والبصرة والمسلمين في الجزيرة بالتحشد لقتال الفرس، بل أمر قادته في الأهواز وباقي بلاد فارس أن يمنعوا العدو من التحشد، فكلف سلمى بن القين وحرملة بن مريطة وزر بن كليب والأسود بن ربيعة وسواهم أن يقيموا على حدود ما بين فارس والأهواز، وأن يمنعوا الفرس من الانضمام إلى الجيش المتحشد في نهاوند، وهكذا فقد أقام هؤلاء القادة في تخوم أصبهان وفارس وقطعوا الإمداد عن نهاوند.
- تعيينه القادة إن مات قائد الجيوش، أسوة بما فعله رسول الله يوم مؤته (8هـ) عندما أمَّر على المسلمين زيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة على الناس، كذلك فعل عمر الفاروق يوم نهاوند عندما أمَّر النعمان على المسلمين، فإن حدث بالنعمان حدث فعلى الناس حذيفة بن اليمان، فإن حدث بحذيفة حدث فعلى الناس نعيم بن مقرن.
كما تميز النعمان بقيادته الرفيعة في المعركة، مثال ذلك:
أ- الاستطلاع قبل السير للقتال:
كلف النعمان قبل السير بجيشه نحو نهاوند وكان على بعد بضعة وعشرين فرسخاً منها، كلاً من طليحة بن خويلد الأسدي وعمرو بن أبي سلمى العنزي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي بالتقدم نحوها واستطلاع الطريق الموصلة إليها ومعرفة ما إذا كان من عدو بينه وبينها. فسار الثلاثة مقدار يوم وليلة ثم عادوا ليبلغوا القائد العام أن ليس بينه وبين نهاوند شيء يكرهه ولا أحد، فكانت هذه البعثة أشبه بما يعرف في عصرنا بالطليعة "أو المفرزة المتقدمة" التي تسبق أي جيش لاستطلاع الطريق له قبل تقدمه، ومع ذلك أخذ النعمان كل الاحتياطات اللازمة عند تحركه بجيشه فسار "على تعبئة" كما يفترض أن يسير.
ب - عملية التضليل:
كانت "عملية التضليل" التي نفذها المسلمون في نهاوند من أروع المناورات العسكرية التي يمكن أن ينفذها جيش في التاريخ القديم والحديث، فعندما عجز المسلمون عن اقتحام أسوار المدينة المحصنة والمحمية بالخندق المحيط بها وبالحسك الشائك وبالرماة المهرة، وقدروا أن الحصار سوف يستمر طويلاً دون جدوى طالما أن لدى الفرس المحاصرين داخل أسوار المدينة من الذخائر والمؤن ما يكفيهم للمقاومة مدة طويلة، رأوا أن يعمدوا إلى الحيلة في استدراج العدو وإخراجه من "جحوره" ومواقعه، لكي يقاتلوه خارج تلك الأسوار فيكونون قد فرضوا عليه ميدان القتال الذي اختاروه بأنفسهم، وقد تم ما قدَّره المسلمون تماماً ، فاستُدرج العدو إلى مواقع حددها المسلمون للقتال حيث كمنوا له ثم نازلوه في تلك المواقع جبهياً ومن كل جانب، ففوجئ ثم ذعر فاسقط في يده وانهزم.
ج - اختيار ساعة الهجوم:
وقد تكلمت كتب التاريخ عن صبر النعمان بن مقرن وحنكته المتميزة المتناهية في اختيار ساعة الهجوم التي كان رسول الله يحبها عند الزوال، وتفيؤ الأفياء وهبوب الرياح.
ونال النعمان بن مقرن الشهادة في تلك المعركة الحاسمة، ووصل خبر النعمان إلى أمير المؤمنين، فقال: "إنّا لله وإنا إليه راجعون"، وبكى ونشج واشتد حزنه، وسأل عن الشهداء فسمي له أسماء لا يعرفها فقال: أولئك المستضعفون من المسلمين ولكنَّ الذي أكرمهم بالشهادة يعرف وجوههم وأنسابهم وما يصنع أولئك بمعرفة عمر؟.
ومما يستحق الذكر أن المسلمين عثروا في غنائم نهاوند على سفطين مملؤين جوهراً نفيساً من ذخائر كسرى فأرسلهما حذيفة أمير الجيش إلى عمر مع السائب بن الأقرع، فلما أوصلهما له قال: "ضعهما في بيت المال، والحق بجندك".
فركب راحلته ورجع فأرسل عمر وراءه رسولاً يُخِب السيَر في أثره حتى لحقه بالكوفة فأرجعه.
فلما رآه عمر قال: "مالي وللسائب ما هو إلا أن نمت الليلة التي خرجت فيها، فباتت الملائكة تسحبني إلى السفطين يشتعلان ناراً؟ يتوعدوني بالكيِّ إن لم أقسمها فخذهما عني وبعهما في أرزاق المسلمين"، فبيعا بسوق الكوفة.
وبعد انتصار المسلمين في وقعة نهاوند لم يقم للفرس أمرٌ، وانساح المسلمون في بلاد العجم، وأذن لهم عمر في ذلك، فافتتح المسلمون بعد نهاوند مدينة جَيّ ـ وهي مدينة أصْبهان- بعد قتال كثير وأمور طويلة، فصالحوا المسلمين، وكتب لهم عبدالله بن عبدالله كتاب أمان وصلح، وفر منهم ثلاثون نفراً إلى كرْمان لم يصالحوا المسلمين، وفي سنة إحدى وعشرين افتتح أبو موسى قُمَّ وقاشان، وافتتح سهيل بن عدي مدينة كَرْمان.
الخلاصة
[ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا] [النور: 55].
لقد تحقق وعد الله الصادق لعباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربه.. وفي فتوحات بلاد فارس نجد ثقة المسلمين المطلقة بنصر الله تعالى، ويظهر ذلك جلياً في أصعب الظروف وأخطر المواقف كعبور نهر دجلة.
فلم تكن في تحركاتهم مغامرة عمياء ولا جهل بالواقع، بل كانوا على بصيرة تامة في الحال والمآل، وثقة كاملة في الله تعالى، وفي أنفسهم أيضاً.
وكانت ثقة المسلمين بنصر الله تستند إلى ركنين أساسيين، الأول: أن الله لا يخلف وعده، والثاني: أن الله ربط نصره وتمكينه بالإيمان الخالص والعمل الصالح؛ ولهذا حرص الصحابة والمسلمون الفاتحون على الالتزام بشروط النصر الموعود من الله وتطبيقها اعتقاداً وقولا وفعلاً، حيث يلزم من وجود الشرط وجود المشروط.
أما إذا غابت شروط نصر الله فإن عوامل النصر تظل مرتبطة بالقدرات المادية فقط لدى الطرفين المتحاربين.
وفي التاريخ الإسلامي ما يؤكد على ذلك في الحالتين.. وسوء حاضرنا خير شاهد على بؤس حالنا؛ وكل ذلك بسبب عدم تحقق شروط وعد الله بالتمكين الذي لن يتحقق على يد من جعلوا دينهم وراء ظهورهم.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
المصادر
- (في ظلال القرآن)، سيد قطب.
- (تفسير الشعراوي).
- (الكامل في التاريخ)، ابن الأثير.
- (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، د. علي محمد الصلابي.
- موقع (قصة الإسلام).