التفويض في العمل التطوعي ... فن إنتاج القيادات






كتبه/ غريب أبو الحسن


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- ‏في بيئة صحراوية جافة طول العام، لكنها تمطر لفترةٍ قصيرةٍ وبكثافة، استطاع مجموعة من البشر بناء خزان مياه ضخم يكفي احتياجاتهم ويزيد، ولكن المفارقة -وحرصًا من المسئول على عدم إهدار المياه- جعل المنفذ الوحيد من الخزان هو مخرج واحد يقف عليه مسئول هذه المجموعة يتابع بنفسه حصة كل فرد في اليوم، فيصرف هو بنفسه حصة كل فرد!

وترتب على ذلك: أن اصطف الناس أمامه على مدِّ البصر في طابور طويل، والمسئول يصدر أمرًا تلو الأمر بصرف الماء لكلِّ فرد! فتخيل مقدار الوقت الضائع، ومقدار الجهد المهدر، بل أصبح معظم يوم الأفراد يضيع في انتظار نصيبهم من الماء! وتخيل حجم السخط وعدم الرضا والضيق، وقلة الإنتاج والتململ، واضمحلال الأهداف بحيث يكون أقصى طموحات الفرد في يومه هو الحصول على نصيبه من الماء، وتأمل كيف تتحول الوسائل إلى غايات، بينما تغيب الغايات وتندثر.

- ‏وفي تجمع مماثلٍ لهم، وفي نفس الظروف: قام المسئول بتركيب عددٍ كافٍ من المخارج، ووضع سياسة لصرف المياه، وشرح هذه السياسة لعددٍ مِن الأفراد المميزين، وقام بتعيين هؤلاء الأفراد، وكلَّف كل واحد منهم بصنبور وفوَّضه في قرار صرف المياه لكلِّ فرد حسب السياسة المتفق عليها، فأصبح هناك سهولة وسرعة في حصول الأفراد على أنصبتهم من الماء ثم الانصراف لأعمالهم ومصالحهم، وهم راضون عن نظام توزيع المياه؛ مما كان له كبير الأثر على حجم إنتاجهم ووضوح أهدافهم، والسعي قدمًا إلى غاياتهم، بينما انشغل المسئول بمتابعة مَن فوضهم ودربهم على توزيع المياه ومراجعة سياسة التوزيع وتقييمها، ورسم سياسة تجمعهم، واستشراف مستقبلهم.

- ‏إن الفرق الدقيق بين نموذجي الإدارة السابقين هو: إتقان مسئول التجمع الثاني لمهارة "التفويض الإداري" وغيابها عند المسئول الأول؛ فوزع المسئول الثاني صلاحياته على مجموعة عمل من الكفاءات، بينما كرَّس المسئول الثاني كل الصلاحيات في يده.

- ‏إن تعدد أنشطة وفروع ومساحات عمل المؤسسات التطوعية يحتِّم على مسئوليها إجادة فن ومهارة "التفويض الإداري" في العمل؛ لأهميته في مشاركة أكبر عددٍ من أفراد المؤسسة في إدارتها، وفي اتخاذ القرار والتصرف في مواردها البشرية والمادية فيما يخدم أهداف المؤسسة ومنطلقاتها.

- ‏ولا أبالغ إن قلتُ: إن الفرقَ بين المدير الناجح والمدير المتعثر هو قدرة الأول على التفويض، كما أن الفرق بين المؤسسة القابلة للتطور والمؤسسة المنكمشة، هو: سريان روح التفويض في الأولى، وغيابه أو ضعفه في الثانية.

- ‏فالمدير الذي يعلِّق كل الاختصاصات والقرارات بعنقه كمثل صاحب المخرج الواحد الذي اصطف الناس أمامه في ضجر، ينتظر جميع مَن في المؤسسة إذنه وموافقته، فلا يكاد الهاتف ينزل من على أذنه من أفرادٍ تطلب الإذن لعملٍ ما، أو آخرين يطلبون تفسيرًا لقرارٍ ما.

وهذه الطلبات تأتي ليس من المستوى الإداري الذي يديره بشكلٍ مباشرٍ، ولكن مِن كلِّ المستويات الإدارية في سُلَّم الإدارة الذي يمثِّل هو أعلاه، بينما هناك مئات الرسائل تنتظر الرد، وجدول الاجتماعات والمقابلات مكتظ، وعدد المشكلات التي تنتظر الحل في زيادة، ولا يكاد يجد وقتًا للراحة؛ فضلًا عن تفقُّد أهله، ثم تُنسَى وتطمر في خِضَم الأعمال المتراكمة أعمال أخرى هي في غاية الأهمية، ولن يقوم بها سواه، مثل: استشراف المستقبل، ورسم سياسات المؤسسة، وضبط المسارات لأفرع العمل، ومتابعة الخطط وتطوير المؤسسة، وتفقد الأفراد المميزين، والعمل على بناء علاقات اجتماعية دافئة داخل مؤسسته، ويترافق هذا غالبًا مع وجود عددٍ مِن الأفراد يعاني من البطالة، وضعف التوظيف.

- إن من أهم واجبات المدير أو المسئول عن العمل التطوعي: إعداد أجيال قادرة على تحمل مسئولية العمل التطوعي، واكتساب الخبرات والمهارات اللازمة لنجاح العمل التطوعي، والترقي المستمر بالعاملين، ولن يتأتى ذلك إلا بنقل جزءٍ من أعماله ليقوم بها الكفاءات من فريق عمله أمام عينه، يخطئون ويصحح لهم، ويصيبون ويشجعهم حتى يستووا على سوقهم، ويكونوا مهيئين لتولي مسئولية العمل كاملًا.

- وتكاد لا توجد وظيفة في العمل التطوعي لا يصلح فيها التفويض، فالعمل التعليمي أو التثقيفي يحتاج؛ لأن يقوم المدرس المتمرس في انتخاب أنجب تلامذته للتدريس، والعمل الخدمي يحتاج لأن ينتخب المدير أنجب العاملين لإدارة بعض الأنشطة والأعمال إدارة كاملة حتى يكتسب مهارة إدارة الأعمال، وإذا رأيت مؤسسة يظل فيها المسئول سنوات عديدة دون أن يبرز إلى جواره العديد من الكفاءات القادرة على تحمل المسئولية، فاعلم أن هناك خللًا كبيرًا في فهم هذا المدير لفلسفة العمل التطوعي، وأهمية تتابع الأجيال، وتوارث العمل.

- كل ما سبق يحتِّم على المدير أن يتعلم مهارة التفويض، ويدرك شروطها، وعوامل النجاح فيها.

- ‏فما "التفويض الإداري"؟ وما أهميته؟ وما شروط التفويض الناجح؟ وما معوقاته؟

- ‏دعونا في السطور القادمة نجاوب عن هذه الأسئلة، واللهَ نسألُ التوفيق والقبول.

‏تعريف التفويض:

- ‏التفويض هو: "أن يقوم المسئول بنقل جزءٍ مِن اختصاصه لأحد مرؤوسيه بما في ذلك سلطة اتخاذ القرار، واستغلال الموارد في نطاق هذا الاختصاص، مع بقاء المسئولية في عنق الرئيس، وذلك لفترة زمنية محددة".

- ‏إذًا فالتفويض هو أن يقوم المسئول بتخفيف العبء الإداري عن نفسه بتوزيع جزءٍ مِن اختصاصه على مَن يرأسهم، وذلك مع تحديد مدة هذا التفويض مع بقاء المسئولية عن العمل في عنق المسئول أمام مؤسسته التطوعية.

- وتحمل كلمة" الاختصاص "معنيين رئيسيين هما: معنى الكفاءة والسلطة؛ الكفاءة حيث إن المختص بأمرٍ ما من الطبيعي أن يكون صاحب كفاءة ومهارة فيه، وهذا ينسحب على مَن يفوضه المسئول، فينبغي أن يكون أيضًا صاحب كفاءة.

‏وكذلك تحمل كلمة "الاختصاص" معنى السلطة، والسلطة في اتخاذ القرار، والسلطة في استغلال الموارد البشرية، والسلطة في استغلال الموارد المالية.

- ‏والتفويض قد يكون مكانيًّا أو زمانيًّا أو موضوعيًّا، بأن يفوِّض المدير أحد الأفراد بإدارة مكان جغرافي ما، أو إدارة نشاط ما، وذلك خلال فترة زمنية محددة.

- المسؤولية هي: الواجب الواقع على عاتق المرؤوس لتنفيذ المهام الموكلة إليه.

- المساءلة هي: مطالبة الموظفين بتقديم التفسيرات عند وجود أي اختلاف بين الأداء الفعلي والأداء المتوقع أو المطلوب.

فما أهمية التفويض الإداري في المؤسسات التطوعية؟ ولماذا ينبغي على المسئول تعلم وممارسة مهارة التفويض؟

- التفويض في العمل التطوعي هو فن إنتاج القيادات المؤهلة لإدارة العمل التطوعي، ولذلك مِن أهم فوائد التفويض أنه يمثِّل تدريب عملي للأفراد على القيادة، وكيفية اتخاذ القرار، والمفاضلة بين البدائل، فمَن تفوضه في عمل جزئي لمدة محددة يوشك مع الوقت أن توكل له إدارة أفرع كاملة من عمل المؤسسة الطوعية.

- ‏ويساهم التفويض أيضًا في تحسين العمل ورفع جودته، وذلك بما يضيفه التفويض من التركيز على بعض أجزاء العمل المهمة بتخصيص مسئول عن هذا الجزء المهم من العمل، فيلقى مزيدًا من الرعاية والاهتمام.

- ‏كذلك يساهم التفويض في العمل التطوعي على تخفيف العبء عن المسئول؛ مما يجعله أقدر على متابعة العمل، سواء متابعة الخطط أو الأفراد، وكذلك يجد متسعًا من الوقت لمهامه الأخرى، والتي لن يقوم بها غيره، مثل رسم سياسات المؤسسة، وضبط مسارات أفرعها، وتوحيد رؤية أبناء المؤسسة.

- ‏كذلك يساهم التفويض في رفع الروح المعنوية للعاملين في حقل العمل التطوعي، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم من خلال الترقي الوظيفي المطرد، وشعورهم أن المؤسسة تثق في قدراتهم، وتوكل لهم المزيد من الأعمال.

- ‏كما يساهم التفويض في إصلاح مؤسسات العمل التطوعي بالمراجعة المستمرة لتوزيع الصلاحيات داخل المؤسسة بما يحسِّن من تناسبها مع حجم المسئوليات الملقاة على عاتق الأفراد.

- ‏كما يساهم التفويض في سرعة إنجاز الأعمال؛ وذلك لتقسيم العبء الملقى على المسئول على مجموعة من المساعدين، فوجود الأفراد المحملين بالكثير مِن الأعباء أعلى السلم الإداري يجعل المؤسسة التطوعية تسير بمعدل سيرهم، والذي سيكون بطبيعة الحال بطيئًا، تمامًا كما تسير عربات القطار وَفْقًا لسرعة جراره.

- ‏كما يعمل التفويض على توفير قدرٍ كبيرٍ من المشاركة في صنع القرار داخل المؤسسة، وكلما زادت مشاركة الأفراد في صنع القرار انسحب ذلك على جودة الأعمال، ومِن ثَمَّ على حماسة أفراد المؤسسة في تنفيذ وتفعيل هذه القرارات.

- ‏كما يعد التفويض من الأدوات المهمة، والتي لا غنى عنها لأي مؤسسة في اكتشاف الكفاءات القادرة على إدارة العمل التطوعي.

- ‏كما يعمل التفويض على التقليل من المركزية المعوقة، ويحسِّن من أداء المؤسسة بزيادة مساحة اللامركزية التي تعطي مجالًا أكبر لإبداع الأفراد.

- ‏كما يساعد التفويض على زيادة الانتماء للمؤسسية، والرغبة في إنجاح العمل، فالمشاركة في اتخاذ القرار وفي تنفيذ الأعمال تعمِّق الانتماء للمؤسسة، وتحفِّز المشاركين لإنجاح الأعمال التي هي مِن بنات أفكارهم جميعًا.

- ‏وكذلك يعمل التفويض على زيادة قوة التواصل بين هيكل العمل؛ وذلك لأن عدالة توزيع أعباء العمل على الجميع يسمح بوجود مساحات من الوقت، ولزيادة فاعلية التواصل والمناقشة، وتبادل الخبرات بين فرق العمل.

- ‏كما يحسن التفويض من القدرة على المساءلة الإدارية؛ وذلك لوضوح الاختصاص، ووجود مستويين من المساءلة: مساءلة المؤسسة للمسئول الأصلي، ثم مساءلة المسئول لمَن فوض له العمل.

‏فما شروط التفويض ليكون تفويضًا ناجحًا؟

- ألا يكون التفويض في رسم سياسات المؤسسة: فالتفويض يكون في جميع أعمال المؤسسة؛ إلا في رسم سياسات المؤسسة، ووضع مبادئها، وتنظير منهجها، ولا في تغيرات كبرى في إجراءات وطرائق العمل؛ لأن رسم السياسات ووضع المبادئ، إنما توكل لأهل الخبرة والكفاءة، ولأصحاب العلم والدراية، ولمن طالت تجربته وممارسته.

- وضوح التفويض: ويكون بالنص الصريح على صلاحيات، وحدود التفويض المكانية والزمانية، وكذلك النص على موضوع التفويض، وما هو جزء الاختصاص الذي سينقله المسئول للمفوض له، ولوازم هذا التفويض.

- ‏التفويض يكون في جزءٍ من الاختصاص: من شروط التفويض أن يكون في جزءٍ مِن صلاحيات المسئول، وليس في صلاحيات المسئول كلها؛ وإلا خرج من مسمى التفويض وسمي إحلالًا باستبدال مسئول مكان مسئول آخر.

- ‏التفويض يكون في السلطة لا المسئولية: كذلك من شروط التفويض أن يكون في السلطة مع بقاء المسئولية في عنق المسئول الأصلي أمام مؤسسته، ثم المسئول الأصلي هو مَن يقوم بمساءلة المفوض له.

- ‏التفويض لا يتم غير مرة واحدة: فالمفوَّض لا يحق له أن يفوِّض العمل لغيره، ولكلِّ قاعدة شواذ إن كان هناك حاجة لذلك، وبعلم المسئول الأصلي.

- أن يكون ‏التفويض مؤقتًا: كذلك من شروط التفويض أن يكون مؤقتًا بمدة زمنية محددة، ولا يصح التفويض الدائم، ولا مانع أن تجدد مدة التفويض إذا كان هناك حاجة لذلك.

- والتفويض قابل للرجوع فيه: لأن مَن يحق له منح التفويض وتوزيع جزء من صلاحياته لتيسير الأعمال وتوزيع الأعباء، فمن حقه التراجع عن التفويض إن وجد مصلحة في ذلك.

- ‏ومن شروط التفويض الناجح: أن المسئول لا يفوض إلا في اختصاصه الأصيل، وليس في عمل مؤقت أو فرعي انتدب له.

- ‏ألا يخرج التفويض عن حدود نظام المؤسسة: فاحترام نظام المؤسسة من بديهيات العمل الإداري، والتفويض الإداري كذلك ينبغي أن ينسج على نفس المنوال.

- ‏ينبغي أن يكون التفويض مكتوبًا: لأن الكتابة أكثر تحديدًا من التفويض الشفوي، وأحرى في الوضوح والفهم لما يترتب على التفويض من نقل صلاحيات ومساءلات.

‏عقبات في طريق التفويض:

- غياب أو ضعف تطبيق الوظائف الإدارية الأساسية: مِن تخطيط وتنظيم، وتوظيف ورقابة عن المؤسسة.

- غياب ثقافة التفويض في المؤسسة أو عند القيادات: إن مِن أهم العقبات التي تعرقل عملية التفويض هي غياب ثقافة التفويض وعدم استيعاب أهمية التفويض لأي مؤسسة تقوم بالعمل التطوعي.

- حرص بعض القيادات على العمل يدفع البعض منهم إلى الرغبة في معرفة كل التفاصيل والمشاركة في كل القرارات مهما صغرت، وهذا الحرص يسحب العمل الجماعي، والذي ينبغي أن يكون ترجمة لاتحاد قوة كل العاملين؛ ليبقى في مساحة طاقة وإنجاز العمل الفردي وَفْق طاقة هذا المسئول الحريص، فأحيانًا قد يؤدي ضعف ثقة المسئول في فريق عمله إلى الخوف من تفويض العمل لهم، وهو تخوُّف مشروع يدفع بحسن الاختيار، وبحسن المتابعة والدعم.

- ‏الرغبة في تركيز السلطة أعلى الهرم الإداري والخوف من كثرة العدد المشارك في اتخاذ القرار، أن ينسحب ذلك على جودة القرار المتخذ، وهنا ينبغي أن نذكر: أن كل القرارات ليست على نفس الدرجة من الأهمية، بل تتفاوت في الأهمية، وما تتطلبه من خبرة ودراية، وهذا التفاوت يسمح للمؤسسة بأن تزيد من مشاركة الأفراد في اتخاذ القرارات واستغلال الموارد بحسب الخبرة التي اكتسبوها من عملهم في المؤسسة.

- عدم رغبة بعض الأفراد العاملين في المستويات الإدارية الوسطى أو الدنيا في تحمل عبء اتخاذ القرار ومشاركة القيادات في اتخاذ القرار: فقد تعاني المؤسسة التطوعية من خمول بعض العاملين وعدم رغبتهم في تبوؤ أي منصب قيادي أو في إدارة الأعمال، وهذا يستلزم من المسئول المعرفة الدقيقة لكفاءات العاملين ثم البحث عن سبب تهرب بعض هذه الكفاءات من المشاركة في اتخاذ القرار: هل العقبة في بيئة العمل؟ هل تتعامل المؤسسة مع المخطئ المبتدئ بقسوة؟ هل هناك خلل في التناسب بين الصلاحية والمسئولية؟ هل يوجد شخصيات قيادية منفرة أو شخصيات حوَّلت بيئة العمل لبيئة تنافسية صراعية؟ ثم محاولة علاج هذه الظاهرة، وتشجيع الكفاءات على المشاركة المتصاعدة في أعمال المؤسسة.

- ضعف المؤسسة إداريًّا وغياب الرؤية حول التطوير والنمو الإداري؛ مما يدفعها دائمًا للخوف من التغير، والخوف من تصعيد الكفاءات، وإن ألبست هذا الجمود ثوب الاستقرار؛ وذلك لأن غيابَ الوظائف الإدارية الأساسية، مثل: التخطيط والتنظيم، والتوظيف والتوجيه، والمتابعة يصعِّب في الحقيقة القيام بالمهارات الإدارية الأخرى؛ فكيف يعلو البنيان بغير أساسٍ مكتملٍ؟!

- ‏الخوف من ضعف التخصص بكثرة المشاركين في اتخاذ القرار، ولكن لو استحضرنا أننا نختار الكفاءات التي نفوضها بعناية، وبقاء إشراف المسئول على مَن فوضه ومتابعته له، وتقديم الدعم الفني المستمر له والمشورة؛ لاستطعنا أن نتغلب على هذه العقبة.

- غالب العقبات أمام عملية التفويض هي عقبات نفسية يمكن التغلب عليها؛ بزيادة عملية التواصل بين المدراء والمرؤوسين، وتثقيف المدراء بأهمية علمية التفويض، وترغيب العاملين في العمل التطوعي في الاحتساب، والصبر على العمل.

خصائص التفويض الفعَّال:

- التفويض الفعَّال هو: التفويض الذي تسبقه المؤسسة بالقيام بالوظائف الإدارية الأساسية، وتطبيق أسس الإدارة السليمة، والتي هي بمثابة الأرض الخصبة لنمو باقي المهارات الإدارية الأخرى.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يكون فيه الرئيس والمرؤوس مستعدًا لقبول ودعم عملية التفويض؛ فيكون الرئيس مدركًا لأهمية التفويض، ويكون المرؤوس مستعدًا ومتحمسًا لعملية التفويض، وعند اختلال هذه الموازنة يعاني الطرف الحريص على التفويض صعوباتٍ كثيرةٍ في إنجاح عملية التفويض.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يحسِّن فيه المسئول معرفة كفاءات فريق عمله، ومِن ثَمَّ يحسن اختيار الاختصاص الذي يناسبه، وهذا أدعى لنجاح عملية التفويض.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يستوعب فيه المدير عملية التفويض، التي تتضمن عملية تعليمية للقيادات الناشئة تستلزم الصبر والمتابعة الدقيقة، وعدم الضجر، وأنه يبني قيادات لمؤسسته التطوعية، فلا يضجر ولا يغضب، ولا يمل، ويعلم أن الأخطاء التي يقوم بها مَن فوَّض له العمل أثناء عملية التفويض وأمام عينه تعني تجنب المؤسسة هذه الأخطاء عندما يصير المرؤوس رئيسًا.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يستطيع المسئول فيه توسعة مدارك مرؤوسيه، ويحرص على أن يتمكنوا من رؤية الصورة الكاملة للمؤسسة، وأصبحوا يستطيعون تقدير المصالح العامة بشكل أفضل، والموازنة بين هذه المصالح.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يمنح فيه من فوض له العمل صلاحيات تتناسب مع حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، ولا يترك ليبذل مجهودًا مضنيًا في انتزاع صلاحياته، بل ينبغي أن يُعَان على أن يكون كل جهده منصب على النجاح في عمله، وتعلم المهارات القيادية الجديدة.

- التفويض الفعَّال هو: التفويض الذي يمتنع المسؤول من تجاوز التفاوض أو التدخل فيه، بل يكون نقل الصلاحيات فيه حقيقيًّا، وليس صوريًّا، ويمنع كذلك محاولة الأفراد مِن تجاوز المفوَّض له، بل ينبغي أن يرد كل مَن يحاول أن يتجاوز المفوض له.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يحرص فيه المسئول على مكافأة مَن يقبل التفويض، ثم مَن يحسن التعاطي مع عملية التفويض، فالتشجيع في العملية الإدارية في غاية الأهمية، وتزداد الأهمية إذا كانت هذه العملية الإدارية تخاطب العمل التطوعي.

- التفويض الفعَّال هو: الذي يعمل فيه المسؤول على عدم تجاوز المفوض له الصلاحيات المسموحة له، وذلك بوجود رقابة متوازنة على من فوض له العمل.

- التفويض الفعَّال هو: التفويض الذي يضع فيه المسؤول معايير يقيس بها مَن فوض لهم الأعمال أداءهم؛ مما يساهم في سرعة تعلمهم.

- التفويض الفعَّال هو: التفويض الذي يثق فيه المسؤول فيمن فوضه فيترك له حرية اتخاذ القرارات الأزمة، ويشجعه على اتخاذ القرار، ولا يلومه إن أخطأ، بل يحلل معه عملية اتخاذ القرار، ويساعده على إدراك أين الخلل؛ ليكون قراره القادم أكثر دقة.

خاتمة:

- إن المتأمل لحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- يدرك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان دائم التفويض لأصحابه -رضوان الله عليهم أجمعين-، فكان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج للغزو جعل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم أو غيره من الصحابة، وكان يعقد اللواء لأصحابه إذا لم يخرج معهم للقتال، كما قال -صلى الله عليه وسلم: (لَأُعْطِيَنَّ *الرَّايَةَ *رَجُلًا *يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، أَوْ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (رواه مسلم).

- وأرسل مصعب بن عمير -رضي الله عنه-، وكان شابًا نبيهًا إلى أهل المدينة؛ ليعلمهم أمور دينهم، وليدعو كافرهم للإسلام.

- وأرسل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى أهل اليمن؛ ليعلمهم، ويحكم فيهم، وكان يرسل القراء لقبائل العرب يقرئونهم القرآن.

- وأرسل عثمان -رضي الله عنه- متحدثًا باسم المسلمين في صلح الحديبية.

- وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يتحدث بين يديه -صلى الله عليه وسلم- في جموع العرب في موسم الحج، توطئة لكلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والمواقف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك يصعب حصرها.

فعلى أي مؤسسة ترغب في زيادة نشاطها وفاعلية أفرادها، وتربية أجيال من القيادات التي تساهم في انتشار العمل التطوعي بكل أنواعه؛ سواء التعليمي، أو الصحي، أو الخدمي، أو التدريبي: أن تهتم أولًا بأسس الإدارة الحديثة، ثم بتطبيق مبدأ التفويض في العمل الإداري في خيرٍ معينٍ على التطوير والنمو الإداري في المؤسسة.