كلمات الله


د. أمير الحداد



صاحبي يسبقني إلى المسجد كل صلاة... ذلك أنه يأتي إلى المسجد قبل الأذان.. يؤدي تحية المسجد.. يجلس على كرسيه في الجانب الأيسر من الصف الأول.. يقرأ في مصحفه.. نسبناه إليه؛ لأنه لا أحد يسبقه إليه.

- ما الفرق بين (كلام الله) و(كلمات الله)؟

- ورد: «كلام الله» في ثلاثة مواضع من كتاب الله.. في البقرة: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} (75)، وفي سورة (براءة): {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} (6)، وفي سورة الفتح: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا} (15).

أما (كلمات الله) فجاءت في سورة لقمان: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} (27).. وفي سورة الأنعام: {لا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين} (34)، وفي سورة يونس: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} (64)، وفي سورة الكهف: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} (109).

قاطعني:

- أولا لنبدأ بالعقيدة.. هذه الآيات جميعا تثبت لله تبارك وتعالى كلاما.. فالله عز وجل يتكلم بما شاء متى شاء كلاما يليق بذاته عز وجل ولا يشبه كلام المخلوقين.. ولقد «كلم الله موسى تكليما».. كلاما سمعه موسى عليه السلام.. فالكلام صفة كمال في حق الله عز وجل.. ويتكلم رب العزة يوم القيامة ينادي.. «أنا الملك أنا الجبار أين ملوك الأرض»؟!.. ويكلم الله عباده بما شاء يوم القيامة، يدني العبد منه فيقول: «عبدي فعلت كذا في يوم كذا...».

فهي صفة ثابتة لله عز وجل.. لا نؤولها ولا نعطلها ولا نشبهها بشيء من صفات المخلوقين.. كما في جميع صفاته عز وجل.. كعلمه عز وجل.. وسمعه.. وبصره.. وقوته.. سبحانه وتعالى.. ولذلك جاء في الحديث: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق».. ولا يجوز الاستعاذة بمخلوق، بل يجب أن تكون بالله أو بإحدى صفاته عز وجل.

- وماذا عن الفرق؟!

- أولا.. (كلام الله) في سورتي البقرة والتوبة.. هو القرآن عموما، وفي سورة الفتح: أمره بألا يتبعهم المخلفون.. وفي سورتي لقمان والكهف: علم الله عز وجل الذي لو تكلم به.. لنفدت البحار كلها ولم ينفد شيء من كلماته التي يتكلم بها بعلمه سبحانه.. أما في سورة الأنعام ويونس: {لا تبديل لكلمات الله} و{لا مبدل لكلمات الله} فهي ما قاله سبحانه بأن النصر والبشارة في الدنيا والآخرة والجنة للأنبياء وأتباعهم.


- أظن أن في اللغة بيانا للفرق.. فـ (كلمات) تستخدم للقلة.. فإن القليل من كلام الله يستوعب كل البحار والأشجار لو كانت مدادا وأقلاما.. فما بالك بـ (الكلام كله).. ولذلك نلاحظ أن المواضع التي وردت فيها (كلمات) تناسب القليل من كلام الله عز وجل.. والقرآن جزء من (كلام الله) .. فهو استخدام الجزء مكان الكل؛ لبيان عظمة هذا الكتاب، أما (كلام الله).. فلا مخلوق يقدره.. كما هي صفاته كلها.. لا نستطيع أن نعرف حقيقتها؛ لأنها صفات الله عز وجل تليق به سبحانه وتعالى..

- أعجبني كلام صاحبي مدرس اللغة العربية.. فقد كان يسألني ليختبرني.