حكم تداولات الوقت الثابت

السؤال:

الملخص:
سائل يسأل عن حكم تداولات الوقت الثابت، فهو في حيرة من أمره، فثمة من يرى أنها حلال، وآخرون يرون أنها حرام، وهي تعد مصدر رزقٍ له، ويريد فتوى مفصلة في الأمر. تفاصيل السؤال:
أنا الآن أعمل كمتداوِلٍ في شركة تتداول أصولا كثيرة؛ منها: العملات، والمعادن، وأسهم الشركات، وغيرها، سؤالي هنا حول الحكم الشرعي في تداولات الوقت الثابت أو FIXED TIME TRADES التي أعمل بها في هذه الشركة، وسأوضح لكم طريقة فتح الصفقات في هذه المِنَصَّةِ على النحو الآتي:مثلًا: الدولار مقابل اليورو يساوي الآن 1.201، أنت تحدد مبلغًا معينًا تستثمره مثلًا: 10$، وأمامك خياران؛ الأول: الشراء، والثاني: البيع، فإذا اخترتَ مثلًا أن تشتري اليورو مقابل الدولار بالسعر الحالي 1.201 بمبلغ 10$، بناء على تحليلك ودراستك للسوق، وتوقُّعِك بأن السعر سوف يرتفع في المستقبل خلال مدة معينة يمكن أن تكون من دقيقة إلى يوم كامل، أنت من تحدد هذه المدة، وفي أثناء المدة إذا ارتفع السعر بالفعل، فبإمكانك أن تغلق الصفقة قبل نهاية المدة المحددة بربحٍ، ومقدار الربح يعتمد على مقدار الارتفاع في السعر، والعكس صحيح؛ فإذا انخفض السعر في أثناء المدة، وظننتَ أنه لن يصعد، فبإمكانك أن تغلق الصفقة بخسارة، ومقدارها يعتمد أيضًا على مقدار انخفاض السعر، وبعد المدة إذا اتضح أن الدولار أصبح 1.202؛ أي: ارتفع السعر سواء كان بمقدار نقطة أو أكثر، عندها تحصل على 180% من مبلغ الصفقة؛ أي: 10$ التي دفعتها، ومعها 8$، وهذه النسبة بالطبع تكون محددة ومعلومة قبل دخولك الصفقة، وتتفاوت من عملة لأخرى، أما إذا أصبح السعر 1.200 فإنك تخسر كامل المبلغ، وفي حالة إذا كان السعر 1.201؛ أي: ثابتًا، فإن مبلغ الاستثمار يعود إليك بلا ربح أو خسارة، وطبعًا اختيار الشراء والبيع ليس عشوائيًّا، بل توجد مخططات توضح الارتفاع والانخفاض في المعدل، وهناك دراسة وعلم قبل الدخول في الصفقة، وكم نسبة الأشخاص الذين اشتَرَوا أو باعوا، وهذا يرشد للاختيار الصحيح بنسبة كبيرة جدًّا، وبهذا أظن أنه ينتفي الغَرَرُ وعدم اليقين، كما أن الشراء والبيع يكون حقيقيًّا؛ أي: إنني أكون قد أثَّرت بشكل ما في السوق العالمية، وهذا الكلام بعد سؤالي للشركة عن كونها معاملة حقيقية أم لا، وعن كونها شركة معتمدة وموثَّقة، وبعد إعطائهم لي شهادات الاعتماد والتوثيق، والجوائز التي حصلوا عليها من مصادر عدة، ويعتبر هذا مصدرَ رزقٍ لي بعد أن قضيت عدة شهور في تعلمه، والسؤال هنا: ما الحكم في هذا المال؟ فهناك فتاوى على الإنترنت تحرم هذه المعاملة، ومن حججهم أنها من الغرر، وهذا ليس بصحيح كما بيَّنتُ لكم، وأيضًا هناك فتاوى تُبِيحها منهم الدكتور عبدالله الشبيلي، وأنا لم أعُدْ أدري من أتبع؟ فمن ناحية أكسب مالًا وفيرًا من هذا العمل، ومن ناحية أخرى أخشى أن يكون مالًا حرامًا يهوي بي في نار جهنم عياذًا بالله، لذا أرجو من فضيلتكم إفادتي بفتوى مفصَّلة عن هذا الأمر وافية وكافية، وبها كل الأدلة الشرعية سواء كانت بالإباحة أو التحريم، ولكم جزيل الشكر.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: الطريقة التي سألت عنها في التداول بتجارة الوقت الثابت بغضِّ النظر عن النظام الأساسي الذي تختاره الشركة، فإن الأمر كله يتعلق بالتقدير:
تقدير الارتفاع والانخفاض في فترة زمنية معينة، ومن الصعب تقدير ذلك بالضبط، فالوقت هو أكثر العناصر التي لا يمكن التنبؤ بها، هذه هي فترة التداول للمتاجرة ذات الوقت
الثابت، وهي تعرف بما يسمى بالرافعة المالية، وكذلك عقود الفروقات أو عقود الخيارات، فهي غير جائزة، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمها، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 63 ـ7/1ـ أن عقود الخيارات غير جائزة شرعًا، لأن المعقود عليه ليس مالًا ولا منفعة ولا حقًّا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه، ومثلها عقود المستقبليات والعقد على المؤشر.
ويقول الدكتور سالمي السويلم: "خيارات الأسهم المتداولة في الأسواق العالمية، سواء كانت خيارات شراء (call options)، أو خيارات بيع (put options) هي من عقود الغرر المنهيِّ عنها شرعًا، وبذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1992م برقم 63، والذي جعل هذه العقود من الغرر أن وظيفتها مرهونة بتغير السعر، بحيث لا تسمح بربح كلا طرفي العقد، ففي خيار الشراء يدفع المشتري مبلغًا معينًا (premium)، بحيث يكون له الحق في شراء السهم، أو الأسهم بسعر ثابت طوال مدة الخيار، فإذا ارتفع سعر السوق لهذه الأسهم عند الأجل، نفَّذ المشتري البيع فيربح الفرق بين سعر السوق وسعر التنفيذ (strike price)، وكذلك الحال بالنسبة لخيار البيع، حيث يدفع مالك الأسهم مبلغًا محددًا مقابل أن يكون له الحق في بيع الأسهم بسعر ثابت طوال مدة العقد، فإذا هبط سعر السوق عند الأجل نفَّذ المالك البيع فيربح الفرق بين سعر السوق وسعر التنفيذ، وبطبيعة الحال، فإن هذا الربح بعينه يمثل خسارة للطرف الآخر؛ إذ لو كان اتجاه تغير السعر معلومًا مسبقًا لَما تم العقد؛ لأنه سيمثل خسارة محققة لأحدهما، فالاختيارات من أدوات المجازفة على الأسعار، وهي من ضمن العقود التي جعلت الاقتصادي الفرنسي موريس آليه يصف البورصات العالمية بأنها كازينوهات قمار ضخمة، وذلك أن حقيقة القمار هي أن يربح أحد الطرفين على حساب الآخر، وهذا بالضبط ما يحصل في عقود الاختيارات في الأسواق الدولية، وهذا بخلاف عمليات البيع والشراء العادية للأسهم التي لا تنطوي على محظور شرعي؛ لأن عقد البيع عقد فوري ينتهي بمجرد إبرام الصفقة، فيكون لكل طرف كامل الحرية في التصرف بعد التعاقد، دون أي التزام من أحد الطرفين للآخر، أما عقد الاختيار، فهو عقد مؤجل يلتزم فيه أحد الطرفين للآخر بتحمل مخاطر السعر مدة الخيار، فحقيقة العقد أن مُصدِرَ الخيار يقدم التزامًا أو ضمانًا للطرف الآخر بتنفيذ العقد عند السعر المتفق عليه، فهو عقد معاوضة على ضمان السعر، ولذلك يعد الاختيار من عقود التأمين في واقع الأمر، ولذلك يستخدم للتأمين على المحافظ الاستثمارية (portfolio insurance)، ومعلوم أن عقد التأمين التجاري عقد غَرَرٍ باتفاق المجامع الفقهية، والعلة واحدة في الأمرين، والعلم عند الله تعالى".
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.