كيف نحصن أنفسنا وأهلينا من المحرمات والمنكرات؟


وائل رمضان


الناظر في واقع الأمة يجد أن كثيرًا من المعاصي والمحرمات تمكنت منها، لذلك من أهم الواجبات على المسلم أن يحصن نفسه وأهله ونساءه وأولاده حتى لا يقع في مثل هذه المعاصي والمحرمات، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(الت حريم: 6)، وقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}( الشعراء: 214)، وهناك أمور عدة ينبغي على المسلم القيام بها حتى يأمن على نفسه وأهله من الوقوع في حبائل تلك المنكرات.

أولا: التربية الحسنة

إن أول حصن حصين ومانع قوي، هو التربية الحسنة، التربية على الأخلاق والآداب الإسلامية والتربية على معرفة الله، ومعرفة آثار هذه المعاصي السيئة ومعرفة تأثيرها على الطاعات والأعمال الصالحة وعلى المجتمع، فالذي يتربى على الطاعة يألفها ويحبها، والذي يتربى على حب الأعمال الصالحة فإن ذلك يحمله على الاستكثار من العبادات والطاعات، ولا شك أن من أسباب الوقوع في السيئات والمعاصي نقص قَدْرِ الله وعظمته وإجلاله في قلب العبد، فإنه لو كان لقدر الله نصيب في نفسك أيها العاصي لما وقعتَ فيما وقعت فيه من الذنوب والخطايا؛ لأن معرفتك بالله وعظمته وهيبته تمنعك من اقتراف هذه الذنوب، ولو كنت تعلم يقينا أن الله مطلع عليك لما عصيته في أرضه بل وقعت الخشية في قلبك منه.

اختيار الزوجة الصالحة

ومن التربية اختيار الزوجة الصالحة؛ لأن الزوجة الصالحة المحافظة على دينها سوف تسعى جاهدة إلى تربية ابنها التربية الإسلامية وتحافظ عليه ليكون ابنها لبنة صالحة في المجتمع، كما أنها تربت على الطاعة والأعمال الصالحة فكذا تربي أولادها على ذلك، أما المرأة السيئة في خلقها ودينها؛ فإنها عادة تهمل نشأها وتربيه على التلفاز والفيديو، وتربيه على الفساد شعرت بذلك أم لم تشعر، وكما ورد في الحديث: ثلاث من السعادة، وذكر منها الزوجة الصالحة رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني (1047).

ثانيا: المحافظة على الصلوات الخمس

الصلاة وما أدراك ما الصلاة، يقول الله -تعالى-: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (سورة العنكبوت، الآية: 45) والفحشاء هو القول الفاحش، والمنكر وجميع المعاصي المنكرة، فالصلاة سبب رئيسٌ ومهم جدا في حماية الفرد والمجتمع من الوقوع في الذنوب صغيرها وكبيرها، ولكن متى؟!

- إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يوم أن تكون هذه الصلاة لله بخشوع وخضوع قلب، ليس نقرا كنقر الغراب لا يدري ماذا قال فيها.

- إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يوم يتعبد الإنسان لله فيها بأنواع العبادات، يكبره، ويعظمه، ويجله، ويدعوه، ويركع ويسجد، ويقوم ويقعد، كل ذلك لله وحده.

- إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يوم أن يستحضر ذلك المصلي عظمة الله في قلبه، ويعلم أن هذه الصلاة وهذه العبادة هي لله وحده، ويستحضر كبرياءه وأنه مأمور بهذه العبادة حتى يأتيه اليقين.

- إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يوم يعلم العبد أن تركها بالكلية كفر وعقوبتها عظيمة.

إن الصلاة لم تشرع إلا لتهذيب النفوس، ولم تشرع إلا لعبادة الله -تعالى- وحده، فإن تيقن المصلي بهذا كله كانت الصلاة حماية وحجابا عن الوقوع في الذنوب والمعاصي وغيرها.

ثالثا: كثرة ذكر الله -تعالى

إن ذكر الله -تعالى- سبب من أسباب الحماية من هذه المحرمات، بل وسبب مهم قد يتهاون فيه الكثير إلا من رحم ربي، لذلك فقد أمر الله -تعالى- بذكره في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومن ذلك قوله -تعالى-: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (سورة النساء، الآية: 103)؛ وذلك لأن الذي يذكر الله يتذكر أمره ونهيه، فيتذكر أنه أمر بالعبادات، ويتذكر أن في هذه الأذكار أجرا عظيما ، ويتذكر أنه نهي عن المحرمات وأن في تركها أجرا كبيرا ، وأن في تركه للأوامر وفعله المحرمات عقوبة، فيحمله هذا التذكر على أن يتقرب إلى الله بالطاعات، ويترك المحرمات ويبتعد عنها.

رابعا: مجالسة الصالحين

ومن أسباب الحماية مجالسة الصالحين وأهل الخير الذين يذكرون الإنسان إذا غفل، ويعينونه إذا ذكر، ويدعونه، إلى الخير ويحذرونه من الشر. ولكن من الصالحون؟!

- الصالحون هم أولئك الذين أصلحوا أعمالهم، وأصلحوا أقوالهم، واستقامت أحوالهم.

- وهم الذين عرفوا الله حق المعرفة.

- وهم الذين يدعون إلى الخير وينهون عن الشر.

- وهم الذين التزموا أوامر الله واجتنبوا نواهيه.

وإن من تمام مجالسة الصالحين اجتناب أهل المعاصي والبعد عنهم، فإن من جالس الصالحين اجتنب أهل الشر والفساد، ومن جالس أهل الخير هجر أهل الشر وابتعد عنهم، أما أولئك الذين لا يجالسون الصالحين ويصدون عنهم، فكثيرا ما يجتذبهم أهل الفساد ويدعونهم إلى ما يفعلونه، فيزينون لهم ما هم فيه، فلا يأمن أن يقعوا فيما وقعوا فيه.

إن الأشرار ولو اعترفوا بأنهم على الشر، فإنهم يتمنون أن يكون الناس مثلهم حتى لا ينفردوا بالشر وحدهم، فصاحب الدخان لا يعترف بأنه على باطل، ولذلك تجده يزين لكل من رآه ولكل من جالسه أنه على حق، وأن هذا الدخان لا مانع منه، ولا بأس به، حتى يوقع فيه هذا وذاك، فإن شربوه مرة ومرتين وتعودوا عليه، صعب عليهم بعد ذلك التخلص منه، ثم تجدهم يعيبون من ترك الدخان ويقولون إنه بخيل متزمت ومتشدد ونحو ذلك من الألفاظ، وهكذا فإن هؤلاء المفسدين الأشرار يعيبون أهل الدين ويعيبون أهل الصلاة وأهل ترك المحرمات بهذه العيوب التي يلصقونها بهم.

وهذه سنة الله -تعالى- أن كل عاص يدعو إلى معصيته، ولو اعترف بأنه على باطل، ولكن لا بد إذا كان متمكنا في هذه المعصية أن يزين حالته ويبين للناس أنه ليس على باطل حتى يفعلوا مثلما فعل.

اجتناب أهل السوء

فعلى المسلم أن يجتنب أهل السوء ومجالسهم فإنه لا يسلم إلا إذا اجتنبهم وابتعد عنهم، أما من كان معه قدرة على مقاومتهم، وإقناعهم ونصحهم، والرد عليهم وإبطال شبهاتهم، فإنه واجب عليه أن يفعل ذلك، ولا بأس أن يجالسهم في هذه الحالة حتى يرد عليهم، فإذا رأى أنهم تمادوا واستمروا في غيهم ولم تؤثر فيهم كلماته ومواعظه ونصحه فالنجاة النجاة، والبعد البعد، فهو أولى وأسلم.


السلامة من المحرمات

هذه توجيهات في السلامة من هذه المحرمات، وهي على سبيل المثال، وأسباب التحصن والحماية كثيرة وفي الإشارة كفاية، واللبيب تكفيه الإشارة، والإنسان الذي معه فكر وعقل يعلم كيف الطريق إلى السلامة من بقية المحرمات لاجتنابها والحذر من مقاربتها، نسأل الله -تعالى- أن يحمي المسلمين من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، وأن يبصرهم بأنفسهم حتى يجتنبوها، وأن يحمي مجتمعات المسلمين من العصاة والمفسدين.