يمن الاستقامة وشؤم المعصية


عبد الله بن صالح القصير


خَلَق اللهُ تبارك وتعالى هذا الملكوتَ بجميع عوالِمِه، وأحسَنَه وهيَّأ كلَّ مخلوقٍ لِمَا خُلِق له وهَداه ويَسَّره، ودَبَّر هذا المُلْكَ العظيمَ بأمْره الكونيِّ القَدَريِّ فإنه سبحانه: {إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47].

ونظَّم سبحانه أمْرَ المكلَّفين مِن الجن والإنس بأمره الديني الشرعي الذي أنزله على رُسُله هداية لعباده، ورحمة بهم وإحسانًا، وجَعَل ختامه دينَ الإسلام المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام، فنسخ الله به المِلَل والشرائع السابقة، والأهواء والنِّحَل اللاحقة، وجعَله دينًا كاملًا خالدًا إلى آخر الدهر، وعامًّا لكافة المكلَّفين من الجن والإنس على اختلاف أزمانهم وأوطانهم وأجناسهم ولغاتهم، ومَن يبتغِ غيرَ الإسلام دينًا فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين.


فباستقامتهم عليه؛ فِعلًا للمأمور به، وتركًا للمنهيِّ عنه وإيمانًا بالقضاء والقدَر له تُستنزَل البركاتُ؛ قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وتطيب الحياة؛ قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وتحصل النجاةُ من النار، والفوز بجنات تجري تحتها الأنهار؛ قال الله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ} [الأحقاف: 14،13].

وبالاستقامة على الشرع تُدفع العقوبة، وتُصرف البليَّة، وتُتَّقَى الهلكة، فيُنال اللطفُ في الأمْر الكوني القدري ويُرفع شرُّ ما قضِي وقُدِّر فيه، ويُتوصَّل إلى أحسَن عواقبه قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174،173].

وقال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُم ْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].


وفي الحديث: «لا يَرُدُّ القدَر إلا الدعاءُ، ولا يَزيد في العُمر إلا البِرُّ» وفي الحديث الآخر: «إنَّ الدعاء والبلاء يَعْتَلِجانِ بين السماء والأرض فيَغْلِبُ الدعاءُ البلاءَ» وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن أحبَّ أنْ يُبسَط له في رزقه، ويُنْسَأَ - [أي: يؤخَّر] - له في أثره - [يعني: عُمره] - فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»، وفي الحديث الآخَر؛ أنَّ صِلة الرحِم مَثْراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأثر، وكان صلى الله عليه وسلم يحثُّ أصحابَه على التوبة والاستغفار والدعاء والصدقة عند الكسوف أو القحط؛ مما يدلُّ على عظيمِ أثَر العباداتِ في صَرْف العقوبات، وحُصول الخيرات، وأنها مِن أسباب يُسْر الأمور، وانشراح الصدور، وسعة الأرزاق، والائتلاف والاتفاق. وأن المعاصي والمخالفات من أسباب العقوبات، ونزْع الكُربات، وعُسر الأمور، وضِيق الصدور؛ قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].



وقال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، فبالاستقامة على الشرع، والإيمان بالقدَر يُدفع البلاء، ويَتحقَّق اللطف في القدَر والقضاء، وتُنال سعادة الدنيا والآخرة، وبمخالفة ذلك يَقع المرء في المعصية، ويُبتلى بالمصيبة، ويكُون عُرضة للعقوبة العاجلة والآجلة إلا أن يتداركه الله بعفوٍ أو توبة، ومَن عصى الله بشيء عُذِّب به، ومَن يَظلم منكم نُذقه عذابًا كبيرًا.