لماذا الفتاة محجوزة لابن عمها جبرًا وقسرًا؟!


هيام الجاسم





من العادات التي سادت عرفا وما زلنا ننتظر أن تبيد وتهلك: حجز الفتاة للزواج من ابن عمها دون إذنها جبرا قسرا، رغبت فيه أم لم ترغب!! ليس المخبر كالمعاين، حينما تسمع حكايات هنا وهناك عن ذلك الإجبار للفتيات قد نحزن نعم، وقد نضرب كفا بكف ألما نعم، ونحوقل، ونسترجع نعم، ولكن حينما تشهد ذلك عيانا وليس إخبارا تعايش حياة فتيات لا يقام وزن لرأيهن في زوج المستقبل ضاربين عرض الحائط بمشاعرهن، فإن ذلك يجعل آلامنا في صدورنا أكبر وأكبر. أنا أحدّث الأم وأقول لها: "إذا أتى نصيب زين لابنتك ومن مواخيذكم لا تردونه، اسألوا عنه وتوكلوا على الله"، وترد الأم "لأ لأ، بنتي أصلا محجوزة لابن عمها!!"، أجيبها معلقة: "طيب وإذا هي رفضت ولد عمها وما تبغيه زوج؟!" تجيبني الأم: "لأ لأ ما يصير آنا إذا ردّيته يزعلون مني الأهل وتصير مشاكل، مستحيل مستحيل!!" أعود بسؤالها مرة أخرى: "طيب جاوبيني وإذا البنت ما تبيه رافضة الزواج منّه شلون يعني غصب السالفة؟!" ترد الأم: "ليش شفيه ما تبيه، لازم تبيه، هو ما عليه قاصر خوش إنسان!!" أعود لسؤالها السؤال نفسه: "حبيبتي تسمعين سؤالي، وإذا بنتج ما تبيه وحصل لها نصيب ثاني ترغب فيه وزين ومحترم شلون؟! يعني تتزوج ولد عمها جبراً قسراً؟! "عندها تهز راسها الأم: "بعد شسوي لازم تاخذ ولد عمها، ما أقدر غير جذي!!".

عزيزي القارئ، أنا أدور في حواري معها حول نفسي وفي حلقة مفرغة، شعرت لحظتها أني أكلم نفسي ومحاولاتي غير مجدية في إقناع الأم!! إنه عرف جبار قاس اخترق العقل والمنطق والدين!! هي وأمثالها كثير، هنّ مستعدات بوصفهن أمهات أن يختزلن تربية بناتهن في زواج مشروط يذبحون معه مشاعر الفتاة ذبحا! بصراحة واضحة وتامة تقول لي الأم: "أنا ما علي من رأي بنتي ولا تهمني مشاعرها، هذا الرجل هو الصالح لها وهو نصيبها، تقصد ابن عمها، استدركت أنا بعد كلامها: "لحظة، لحظة من فضلك وما يدريك أنه هو الصالح لها وهو الذي ستوفق معه دون غيره؟! " أيضا تهز رأسها بلا جواب، أبدا بلا جواب!.

عزيزي القارئ، حقيقة حزنت على بنات جنسي لأنهن مهضومات الحقوق حتى في مشاعرهن، وفي قراراتهن، وفي مصائر حياتهن، ولا مشورة لهن في كثير من الأسر.حدثني عدد منهن متألمات كونها متدينة محافظة وابن عمها الذي جبرا صار زوجها أبعد ما يكون عن التدين بل حتى عن الصلاح، هن متألمات منزعجات ولكن لا يستطعن الخروج عن عرف أسرهن وعوائلهن؛ لذا تجد أن اعتراضاتهن بلسان خفيّ وفي أفواههن ماء لا يقوين على كسر العادات والأعراف التي هي أصلا مخالفة لشرع الله فضلا عن أن فيها مهانة للمرأة عجب والله كيف لا تستشار الشابة في رفيق دربها وبوعيالها إلى الممات؟!

عزيزي القارئ، نحن بلغنا ما بلغنا من الانفتاح العالمي، والمحافظون ينفتحون وفق ثوابت الدين وضوابط الشريعة، والمرأة صارت متعلمة ولها استقلالية في راتبها وفي قيادتها لسيارتها، وحتى بعض الأسر تعطيها الريادة والمسؤولية داخل أسرتها لظروف عجز والديها وهي من هي في فكرها وطموحها وتطلعاتها، ومع هذا ما زالت عليها قيود وحصار ما أنزل الله بهما من سلطان. هي دعوة صادقة لإخواننا الرجال من تلك الأسر والعائلات ممن أعتز حقيقة بأخوتهم لي في الله من المحافظين المتدينين فهم جمهور قارئ لكتاباتي، و متابعون جيدون لأطروحاتي في مقالاتي، وأنا أعلم ذلك يقينا ومنذ سنوات مضت، ويتبين لي ذلك عبر النت ومن خلال التغذية الراجعة التي يوافوني بها دوما حينما أكتب تتابعا مقالاتي في «الفرقان» العزيزة وجريدتي المفضلة «الرؤية»، لهؤلاء الأعزاء من إخواني أدعوهم إلى تصدر تسجيل مواقف جريئة وقفزات إصلاحية كبيرة؛ لزحزحة هذا العرف السائد خطأ في مجتمعاتنا.

وبصراحة أكتب أن هذه المعاناة لا يشعر بمرارتها سوى أخواتنا المحافظات؛ لأن هاجسهن الحقيقي وأقوى أمانيهن أن تحظى الواحدة منهن بزوج متدين يقاسمها شراكة الحياة تحت مظلة الدين والتدين والعيش في أجواء الهداية، إخواننا الرجال قد لا يشعرون بلوعة الأسى نفسها التي هي عند النساء؛ لأنهم هم الرجال وهم الذين يختارون زوجاتهم والإجبار في حقهم أقل شرا وخطرا والاختيار قرار وارد عندهم بقوة؛ لذا أنا آمل وكلي تفاؤل أن يجعل إخواننا الشباب أنفسهم في الصف الأول في إبادة هذه الأعراف التي تولد أوضاعا لا تحمد عقباها من طلاق أو انفصال نفسي داخل البيوت وغيرها من المشكلات المتتابعة.