المتخصصون: الخمور قمة أنواع الإدمان


حاتم محمد عبد القادر



الإدمان بكل أشكاله وأنواع وظواهره حرام، سواء أكان خمراً أم مخدرات أم سموما بيضاء أم تدخينا وما يستجد من أنواع جديدة؛ فكل ذلك من شأنه أن يذهب العقل ويؤدي بصاحبه للوقوع في المعاصي وشراك السرقة والقتل والاغتصاب وحوادث الطرق وانهيار الأسرة والتأخر في طلب العلم، والأهم من هذا كله خسران الدين والدنيا معاً.


وقد كنا في العقدين الأخيرين نسمع عن ظاهرة الإدمان ونسمع عن أصحابها وكأنه حدث جلل وفريد من نوعه، وذلك كان لقلة المدمنين وارتفاع أسعار تلك السموم، والفئات الثرية القادرة على شراء هذه المخدرات والخمور، ولكن اليوم أصبح الأمر هيناً وسهلاً عن ذي قبل؛ فأذيع صيت الإدمان وجاهر به أصحابه؛ فهم لا يخجلون من المجتمع، وارتكبوا تحت تأثيره أبشع الجرائم وأعظم الكبائر غير عابئين بأوامر دينهم وقوله السديد في ذلك.

يقول تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوه}، ويقول تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}، ويقول [: «الخمر ما خامر العقل» أي غطى العقل وأذهبه.





أصبح الخمر والمخدر في يد كل شاب وفتاة راصدين له ميزانية مالية وصار من مستلزمات الحياة الرئيسة بجانب الطعام والشراب، وأصبح إدمان المخدرات والخمور من العادات التي يباهي الشباب بعضهم بعضاً بها، للحد الذي أصبح معه أن من لا يشرب الخمور إنما يمثل ذلك انتقاصاً من شأنه ، وأنه من طبقة متدنية في المجتمع، وقد ساعد على ذلك المنتجات الإعلامية من المسلسلات والأفلام التي روجت لذلك بفضل من ادعوا أنهم نجوم وقدوة من الممثلين والممثلات، وهذا سلوك الأغلبية العظمى منهم في واقع الحياة، وللأسف فإن شبابنا يقتدي بهم، بدلاً من أن يرى في العالم والداعية القدوة الصالحة.

إن بيع هذه المميتات بأسعار زهيدة وكثرة أنواعها في هذا الزمان زاد من الظاهرة واتساع رقعتها بين شبابنا في وقت نحن فيه لأشد الحاجة إلى بناء الأمة من جديد، ولا يكون ذلك إلاَّ بشبابها والنشء الصاعد، ففي هذه المرحلة الحاسمة نريد للشباب قوتهم التي هي قوة الأمة، يقول تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، ويقول الرسول [: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

إن خطر الإدمان يعود وباله ليس على صاحبه الفرد فحسب، بل على الأمة بأسرها، فما كان للبعض أن يستهين بنا في شرق أو غرب، وما هونَّا على أنفسها إلاَّ بعد أن استهنا بأنفسنا.

إننا في هذا التحقيق السريع نكشف بعضاً من الأمور الجديدة في عالم الإدمان، ناصحين مذكرين، من باب التذكرة والواجب الشرعي راجين أن يصل صداه إلى المؤمنين لينصحوا به من وقعوا فريسة لأهواء الإدمان ليلجؤوا إلى الله وباب توبته المفتوح.

وها هو ذا رمضان فرصة كي يواصل به المسلمون توبتهم وتتواصل أعمالهم الصالحة .

يؤكد د.عز الدين الدنشاري ، أستاذ السموم والأدوية بكلية الصيدلة - جامعة القاهرة:

إن إدمان المخدرات أخطر مشكلات العصر على الإطلاق، وأنه مجموعة متراكبة من المشكلات .

وفي إعلان جديد أكد د. عز الدين الدنشاري أن الكحوليات «الخمور» أيضاً تعد من المخدرات؛ لأن الأغلبية عندما تتحدث عن المخدرات تتجاهل الخمور رغم أنها قمة أنواع الإدمان وأنواع المخدرات، وذلك باعتراف علماء العالم أجمع، وبالتعرف على خصائص الإدمان نجد أن كل خاصية تشكل خطراً نفسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتؤثر هذه المخاطر في مجموعها على الفرد والمجتمع .

وفي تعريف منظمة الصحة العالمية للإدمان نلاحظ أنه أي الإدمان: تسمم مزمن ينتج عن تعاطي الفرد أحد المواد المؤثرة على الجهاز العصبي المركزي (الموجود بالمخ).

ويشرح د.الدنشاري الخصائص المتعلقة بالإدمان فيقول:

إن الارتباط العضوي بالمخدر يقصد به الخلل الوظيفي في أعضاء الجسم نتيجة تعاطي المخدرات وبدء عملية الإدمان، فحينما يبدأ الفرد في تعاطي المخدر فإنه بعد مرور أيام عدة أو أسابيع أو أشهر تبدأ أعضاء الجسم المختلفة وأهمها المخ لا تعمل بالطريقة الوظيفية إلاَّ في وجود المخدر، مثل الجهاز الهضمي مثلاً، وهذا في حد ذاته يحمل ضرراً كبيراً للإنسان.

وأما اعتماد النفس على المخدر فهو ارتباط نفسية المتعاطي بالمخدر ، وهو لا يهدأ ولا يستريح إلاَّ في وجود المخدر ، وهو ما يؤدي بعد ذلك إلى رد فعل عكسي حين يقلع المتعاطي عن المخدر لأي سبب من الأسباب؛ حيث يشكو من أعراض تسمى الحرمان، وهذه الأعراض تأتي رد فعل للخاصية السابقة ( الارتباط العضوي بالمخدر)؛ حيث يشعر المدمن بآلام مبرحة في: العضلات - البطن - العظام - الأعصاب - أعراض نفسية.

فمثلاً مخدر الكوكايين حين يتعاطاه الفرد يشعر بنشوى شديدة، وحين ينقطع عنه يشعر باكتئاب وقد يدفعه إلى الانتحار.



خاصية الاحتمال:

وهي أن يبدأ الفرد بجرعة صغيرة وبعد فترة (طالت أو قصرت) لا تعطيه هذه الجرعة الصغيرة المتعة الكافية فيضطر إلى زيادة الجرعة .

ويضيف د. الدنشاري أن من أهم العوامل التي تؤدي إلى الإدمان ضعف الوازع الديني ولذلك تبدأ دول أوروبا في العلاج الروحي قبل العلاج العضوي، ثم تأتي بعد ذلك الدوافع الأخرى مثل الدوافع الاجتماعية والأسرية والنفسية والحسية .

وعن الأمراض الناتجة عن التعاطي يقول د. الدنشاري إن الأمراض الموجودة في هذا الزمان وأكثرها انتشاراً مثل سرطان الكبد، وأمراض القلب والعظام ونخاع العظام والكلي من أسبابها الرئيسة أيضاً إدمان المخدرات والخمور، وللأسف، فإن الأمراض العضوية الناتجة عن تعاطي المخدرات يشترط لعلاجها كل التخصصات الطبية وهو ما يكشف خطورة هذه المشكلة الكبيرة.

والذين يقللون من أخطار التدخين أقول لهم: إن آخر الإحصائيات أشارت إلى أن معظم مدمني الهيروين من مدخني السجائر ومعظم مدمني الخمور من المدخنين أيضاً، فالتدخين هو بوابة المرور الرئيسة لتعاطي المخدرات والإدمان عليها.

كما نبه د. الدنشاري من خطورة تعاطي المخدرات والكحوليات للسيدات الحوامل، لما أثبتته وأكدته البحوث العلمية عليهن وعلى الأجنة؛ حيث التشوهات الخطيرة سواء في الجسم أم في العقل، وقد يسبب للحامل النزيف أو الإجهاض، وفي الرضاعة بعد ذلك للمولود.

وعن الآثار الاقتصادية فيكفي أن نعرف أن ما ينفق على شراء المخدرات سنوياً يتجاوز 500 مليار دولار وعلى الخمور ضعف هذا المبلغ، فضلاً عن المليارات الأخرى التي تنفق على علاج المدمنين.

إلى جانب عن الآثار الاجتماعية الأخرى التي تتمثل في حدوث الطلاق وخلافات الزوجين، والحوادث، والسرقة، وتشرد الأطفال وتخلفهم في المدارس ... إلخ.



تفتيت شبابنا

وأشار د. عبد الحليم عويس ، الأستاذ بجامعة الأزهر، إلى ضرورة الانتباه إلى آخر الإحصائيات التي أفادت بأن حجم الإنفاق في مصر على التدخين بلغ 10 مليار جنيه ، وأن حجم الإنفاق العالمي على المخدرات بلغ 500 مليار دولار نصيب مصر منها 30 مليار جنيه كما حذر من المخططات الخارجية من قبل أعداء أمتنا للفتك بشبابنا ووقوعه في شباك الإدمان ومخاطره مذكراً بأيام الحكم البريطاني للصين؛ حيث عملت بريطانيا على الفتك بالشعب الصيني بوسيلتين هما انتشار الأفيون والحشيش بين الشعب الصيني وهو ما عرف بـ "حرب الأفيون" والثانية إجبارهم على نزول الترع لإصابتهم بالبلهارسيا.



الأسرة أولاً

أما الدكتور عبدالغفار هلال، الأستاذ بجامعة الأزهر: فأشار إلى أن علاج الإدمان يجب أن ينبع أولاً من الأسرة، لأنه أحد أعضائها والحديث الشريف يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، ثم بعد ذلك يكون دور المدرسة بأن تكون مؤسسة تدفع الطلاب للعلاج وعدم الوقوع في هذه المخاطر، كما يجب أن يكون المجتمع خلية نحل لمواجهة هذا الخطر الداهم، أيضاً النوادي وغيرها من المؤسسات الاجتماعية الأخرى.


أما الدكتور مسعد عويس، أمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية: فقد أشار بإيجاز إلى آخر إصداراته حول هذا الموضوع وعلق بأسف شديد على حال المدارس والجامعات التي أصبحت مرتعاً لترويج المخدرات بين طلابها على حد تعبيره .