بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله باعث الهمم ومجلي الهم والحزن .. ورازق الفقه في الدين وموزع الأقسام في الأمم .. والصلاة والسلام على من نحن له تبع .. محمد بن عبدالله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه أفضل صلاة وأزكى تسليم ... أما بعد ...:
فمع قرب دخول شهر رمضان .. أنعم الله علينا ببلوغه .. ورزقنا القيام بحقوقه.. امتن الله على عبده الضعيف أن يشرع في شرح مختصر لكتاب الصيام من كتاب التسهيل في فقه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله مجردة وسيلحق بها ملف آخر يحوي على المسائل والواقعات وهو "المرجان في أهم مسائل رمضان" .. رغبة وإسهاما في نفع إخوانه في الشبكة ونشر العلم بينهم .. لعل دعوة من أحدهم في الشهر الفضيل تنجيه .. وتغسل حوبته .. وأداء لزكاة علم منحه الله إياه .. لا بجود منه إنما ابتلاء من الله له أيشكر أم يكفر .. فلك اللهم الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ..**
****
قال المصنف رحمه الله " كتاب الصيام "
كتاب : بمعنى مكتوب أي مجموع ومنه قول الشاعر :
لا تأمنن فزاريا خلوت به ** على قلوصك واكتبها بأسيار .
أي اجمعها بـأسيار .
وسمي الكتاب كتابا لجمعه الحروف والكلمات والجمل .
*الصيام في اللغة : الإمساك عن الشيء والكف عنه.
تقول صامت الخيل أي أمسكت عن الصهيل . ومنه قول الشاعر :
خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما .
ومنه قول الله تعالى في سورة مريم ( فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً ).. الآية 26.
وفي الشرع : الإمساك بنية تعبدا لله عزوجل عن كل ما يفطر في زمن معين من شخص مخصوص.
* فرضه الله جل جلاله في السنة الثانية, فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات .. وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على فرضيته, فمن الكتاب قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة: 183 .
وقوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سورة البقرة الآية 185.
والأمر للوجوب , ومن السنة حديث ابن عمر رضي الله عنه في الصحيح .. قال رسول الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس ..." وذكر منها " صوم رمضان ".
والإجماع قائم على فرضيته وأن من أنكر وجوبه فقد كفر.
* والصيام معروف قبل الإسلام يدل لذلك الآية السابقة في قوله ..( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ).
وما ورد في صحيح مسلم [2695] عَنْ عَائِشَةَ، - رضي الله عنها - أَنَّ يَوْمَ، عَاشُورَاءَ كَانَ يُصَامُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ .
* وكان الإنسان في أول الأمر مخير بين الصيام أو الإطعام كما قال تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) سورة البقرة: 184 .
ثم نسخ التخيير إلى الوجوب على كل مستطيع كما قال تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ). كما روى مسلم في صحيحه [2742] عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، - رضي الله عنه - اَنَّهُ قَالَ كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ اَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )
*****
يقول المصنف رحمه الله " يجب برؤية الهلال أو كمال شعبان, أو إحالة غيم أو قتر دونه ليلة الثلاثين..".
أورد المصنف رحمه الله تعالى جواب مسألة وهي: بما يجب أو يثبت صيام شهر رمضان فقال رحمه الله " يجب برؤية الهلال" يدل لذلك ما ورد عند مسلم [2550] عَنِ ابْنِ عُمَرَ، - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ " لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ " .
فعلّق الصيام بالرؤية ومنه يعلم أن دخول رمضان لا علاقة له بالحسابات الفلكية الجارية اليوم مهما تقدمت لأمور منها:
1/ أن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الصيام والفطر به.
2/ أنه سبق في علم الله تعالى تقدم أهل الفلك في حسابهم ومع ذلك لم يشر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ولو كان سيعهد إليها لكان أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرنا بذلك صلى الله عليه وسلم.
3/ أن هذا الآلات لا يدركها كل أحد ولا تحصل في كل بلد .. بخلاف الرؤية.
وهناك من العلماء من يقول يعتمد على الحساب الفلكي في النفي دون الإثبات وهو قول معالي فضيلة الشيخ ابن منيع - أطال الله في عمره على طاعته -
****
ثم ذكر رحمه الله ثاني ما يجب أو يعرف به دخول شهر رمضان فقال" أو كمال شعبان".
وهو أن تكتمل عدة الشهر فإن الشهر لا يزيد عن ثلاثين يوما فمتى ما تمت العدة ابتدأ الشهر الذي يليه ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما عند مسلم[ 2563] وغيره ( إِنَّا اُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ - وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا )" . يَعْنِي تَمَامَ ثَلاَثِينَ .
****
ثم قال رحمه الله " أو إحالة غيم أو قتر دونه ليلة الثلاثين.."
ما سبق متفق عليه ؛ أما هذا السبب ففيه خلاف وهو ثالث ما يجب به الصيام على قول المصنف, وهو أن يحول دون رؤية الهلال غيم أو قتر فإنه في هذه الحالة يجب الصيام واستدلوا بما أورد الإمام أحمد في مسنده [4258] عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَاِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ قَالَ نَافِعٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَاِنْ رُئِيَ فَذَاكَ وَاِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَاِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا.
هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى فإنهم فسروا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( فاقدروا له ) أي ضيقوا عليه أخذا من قوله تعالى في سورة الأنبياء ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) سورة الأنبياء الآية 87 .
أي نضيق عليه..
والصحيح خلافه وهو قول الجمهور واختيار ابن تيمية رحمه الله فإنه لا يجب صيامه بل يجب عند عدم رؤية الهلال إتمام شعبان ثلاثين لما روى البخاري [1909] ومسلم [1081] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ).
* ويجاب عن استدلال من أخذ بقول المصنف رحمه الله تعالى:
1/ أن ابن عمر رضي الله عنه لم يوجبه على غيره ومعلوم أن ابن عمر له اجتهادات تفرد بها عن غيره من الصحابة كغَسْلِ داخل عينيه في الوضوء, وتتبع ما مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
2/ إن اجتهاد ابن عمر رضي الله عنهما مقابل باجتهاد غيره من الصحابة وفعلهم والأحاديث التي تدل على وجوب الصيام في مثل هذه الحالة ومنها :
* حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عند النسائي [2200] مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم .
* أن الأصل بقاء الشيء على ما كان وأن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين, فنبقى على الأصل وهو بقاء شعر شعبان حتى نتيقن دخول شهر رمضان.
* ويجاب عن تفسيرهم للفظ الحديث " فاقدروا له " أن المراد أبلغوه قدره وتمامه لا التضييق عليه , كما تدل عليه الأحاديث الأخرى كحديث أبي هريرة السابق وما روى مسلم [2570] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ".
****
ثم قال المصنف رحمه الله " وإنما يقبل عدل في رمضان "
شرع المصنف رحمه الله في بيان شرط قبول الرائي وهو أن يكون عدلا ولم يفرق بين الذكر والأنثى ولم يشترط التعدد في العدد بل يكفي أن يرى الهلال واحد.
* والعدل: هو من استقام دينه ومروءته, وكان موثوقا بخبره.
ويمكن أن نجمل الصفات المطلوبة في الرائي على نحو ما يلي:
1/ استقامة الدين استقامة تجعله موثوقا بخبره.
2/ أن تكون له مروءة تمنعه من التسرع والوقوع فيما لا يحمد.
3/ قوة الحواس كالعقل والبصر.
****
ثم قال المصنف رحمه الله " ورؤيته نهارا للمقبلة "
يريد المصنف رحمه الله بهذا بيان حال من خفي عليهم رؤية الهلال فرأوه نهار الثلاثين هل يلزمهم الإمساك بناء على أن الهلال لليلة الماضية أم لا يلزمهم بناء على أنه لليلة المقبلة؟
المصنف بيّن هنا أنه هنا لليلة المقبلة ذكر هذا ليرد على من قال بأنها لليلة الماضية لأن الرؤية لا عبرة بها قبل الغروب ويدل لذلك ما أورده الدارقطني[ 2/168] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله " إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا, إلا أن يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس عشية ".
****
ثم قال رحمه الله " ورؤية بلد لجميع الناس .."
أي إذا رؤي الهلال في بلد فإنه يلزم الناس كلهم الصيام.
والقول الثاني في هذه المسألة وهو الصحيح أنهم لا يلزم الناس كلهم بل يلزم أهل البلد وحدهم, ولا يعني هذا تفرقة الأمة وتشتيتها كما يدعي البعض قول هذا.. ويريد توحيد بداية الشهر والحسابات الفلكية .. فإن بداية شهر رمضان ونهايته تختلف باختلاف المطالع تماما كاختلاف أوقات الصلوات من بلد إلى بلد.
**
نكتفي بهذا ونكمل في وقت لاحق ..,,
ـــــــــــ
** هذا الشرح كتب قبل سنة ونشر في وقته وأعيد نشره دون تعديل ابتغاء نفعه .. والله الموفق ,,,
ما خط بهذا اللون فهي مضافة ليست في السابق ,,