زوجتي لا تهتم بنفسها ولا ببيتها




أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال:

الملخص:
رجل متزوج يشكو عدم اهتمام امرأته بنظافتها الشخصية، وعدم قيامها على شؤون بيتها وتربية الأولاد كما يجب، فلا همَّ لها إلا جمع المال وشراء الذهب، ولا تعرف في الحياة سوى أهلها، وقد ملَّ هذا الوضع ويفكِّر في الطلاق، ويسأل: ما النصيحة؟
تفاصيل السؤال:
أنا متزوج منذ اثني عشر عامًا، لديَّ ثلاثة أطفال، وأعيش في الغربة، مشكلتي أن زوجتي لا تهتم بنظافتها الشخصية؛ فلقد مللت رائحة فمها وجسدها الكريهة، ولا تهتم بمظهرها؛ فكثيرًا ما طلبتُ إليها أن تهتم بلباسها لأنها تُمثِّل الإسلام هنا، لكن لا حياة لمن تنادي، ولا تهتم بنظافة بيتها، ولا تقوم على رعايته؛ فهي تعدُّ الطعام مرة كل عشرة أيام، ولا تهتم لأولادها؛ فهي دائمة الشجار معهم، وتتركهم دائمًا للذهاب إلى العمل؛ كل همِّها منذ بداية الزواج جمعُ المال وشراء الذهب، وإخفاؤه عند أهلها، ومع أنني كنت صاحب الفضل عليها في الحصول على الوظيفة، فإنها تحفظ راتبها لنفسها، ولا تشاركني في تحمُّل مشاغل الدنيا، وهي دائمة الصياح والعصبية، وبخيلة بكل ما تحمله الكلمة من معنًى، ليس لها همٌّ في حياتها سوى أهلها، تتكلم مع إخوتها وأخواتها – وهم كثر – في الهاتف بلا انقطاع، مَلَلْتُ هذا الوضع، وأفكر بأن أفارقها وأستأجر شقة لأعيش وحدي، ولمحت لها بهذا، وتفكيري يقودني للطلاق، أرجو توجيهكم، علمًا بأنني رجل أخاف الله، ومتمكن ماديًّا، وأحب دائمًا مساعدة الفقراء، وزوجتي محجبة، ولكنها دينها فيه ضعفٌ، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: مسألة راتب زوجتك، فهو حق خالص لها، ولا يجب عليها الإنفاق منه على بيتها أو أولادها؛ لأن نفقتها ونفقة الأولاد تلزمك؛ قال ابن باز: "مرتبها لها، ومن مالها؛ إلا إذا سمحت لك بالراتب كله أو ببعضه سماحًا واضحًا، لا شبهةَ فيه؛ فلا بأس عليك؛ لقول الله في سورة النساء: ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء: 4].
فإذا طابت نفسها بالراتب أو ببعض الراتب، فلا حرج عليك، أما إن كنت توعدها بالطلاق، أو بالهجر، أو بالأذى، إن لم تُعْطِكَ، فهذا لا يجوز لك؛ لأنها ما طابت نفسها بذلك، ولكن خوفًا منك، أو من طلاقك؛ سلَّمت لك المال أو بعض المال، لا فلا يجوز هذا، ولكن عليك بالكلام الطيب، والعشرة الطيبة، فإن سمحت بشيء فالحمد لله، وإلا فَدَعْها ومالها، وأنفق عليها واصبر، وقُمْ بالواجب، وأحْسِنِ الخُلُق، خيركم خيركم لأهله، والرسول يقول صلى الله عليه وسلم: ((البر حسن الخلق))، فعليك بحسن الخلق، وعدم الأذى والهجر لزوجتك بغير حق، ولا تكن سفيهًا، ولا تكن أيضًا سيئ الخلق مع أهلك؛ الله يقول: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، هكذا يقول ربنا؛ ويقول سبحانه: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228].
فالواجب أن تُعاشِرَها بالكلام الطيب، والوجه المنبسط، والسيرة الحميدة، والإنفاق المناسب في الفراش، وفي غير ذلك، تكون جيدًا في الفراش وفي غيره، بالخلق الحسن، بالكلام الطيب، وانبساط الوجه، وكف الأذى والضرب الذي بغير حق، هكذا يجب على الزوج.
وعليها هي أيضًا أن تفعل مثل ذلك؛ الخلق الطيب، والأسلوب الحسن، والكلام الطيب، والسيرة الحميدة، والسمع والطاعة لك في المعروف، هذا هو الواجب عليكما جميعًا، ومالها لها، ومالك لك، إلا إذا طِبْتَ نفسًا لها بشيء، أو طابت نفسها بشيء لك؛ فالأمر واسع والحمد لله، وإذا كانت لم تشرط عليك أنها تعمل فأنت بالخيار، إما أن تسمح لها، وراتبها لها، وإما أن تمنعها من العمل، وتبقى في البيت والحمد لله، أما إذا كان مشروطًا عليك أنها تعمل؛ فالمسلمون على شروطهم، ويجب عليك أن تمكِّنها من شرطها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أحق الشروط أن يُوفى به ما اسْتَحْلَلْتُم به الفروج))؛ [متفق على صحته].
فالواجب عليك تمكينها من أداء وظيفتها من تدريس وغيره، كما شُرِط عليك، ومالها لها، إلا أن تسمح لك بشيء منه، أو بكُلِّه، وهي رشيدة؛ فلا بأس عليك، والحمد لله لكن من دون إكراه، من دون ظلم لها وإيذاء لها، إذا سمحت من دون إكراه ومن دون أذًى، فلا بأس والحمد لله".
ثالثًا: أما مسألة إهمال زوجتك وعدم اعتنائها بنفسها ونظافتها، فهل هذه الصفة فيها منذ تزوجتها أم طرأت عليها؟!
فإن كانت منذ تزوجتها، فلعل ذلك يعود إلى طبيعتها التي نشأت عليها، وقلة خبرتها بالحياة الزوجية، فتحتاج إلى تعليم وإرشاد وتدريب إلى التخلص من هذه الصفات السلبية بأسلوب مناسب، وربما تم زواجها منك بدون رغبتها فيك، وإنما بالإكراه لها من قِبل والدها كما هو حال بعض الأسر.
وإن كانت طرأت هذه الصفة عليها بعد مدة، وكانت جيدة معك من قبل، فابحث عن سبب التغير لديها، فقد يكون ردة فعل من بعض مواقفك معها أو مرضًا عضويًّا، أو تكون مصابة بالسحر أو عين خبيثة.

ربما تعرف ذلك من خلال الأعراض التي تظهر عليها؛ مثلًا: هل تشتاق إليك إذا غِبْتَ عنها، وتبتعد عنك إذا رأتْكَ؟ ونحو ذلك من أعراض، فإذا كان كذلك، فهي تحتاج إلى رقية شرعية، وتحصين لها بالأذكار؛ حتى يذهب ما بها من أعراض.
يمكنك معرفة السبب بالحوار الهادئ معها مباشرة، أو من خلال إحدى قريباتك الثقات أو أقاربها، إذا كان أسلوب التواصل معك غير مُفعَّل بطريقة شفافة وصريحة، فإذا عرفت سبب الفتور، فعليك معالجته بالطريقة المناسبة له.
فننصحك بالكلام معها باللِّين، وتعليمها ما يجب عليها من حسن التبعل لزوجها وأجر ذلك، وأن تتكلم معها بصراحة وصدق، إذا كان لديها شكوى منك، أو تعقيب على تصرفاتك، فليس من الطبيعي أن تهمل المرأة أمْرَ نظافتها الشخصية؛ فربما كان الدافع لها على ذلك شيئًا تراه منك؛ فإذا وجدت في نفسك تقصيرًا، فاسعَ في إصلاحه، فمن الجدير بالذكر أن الزوج يقع على عاتقه عامل في حدوث تلك الفجوة بينه وبين زوجته، وذلك من خلال عدم معرفة ما ترغب به زوجته وعدم السعي لها، فكل ما يشغله هو تحقيق رغباته فقط، ومن ثَمَّ؛ فإن المرأة تنفر منه ولا تعطيه اهتمامًا، فربما كانت المرأة كارهة لبعض تصرفاتك، فإذا وجدت النقاش والحوار معها وإصلاح عيوبكما نافعًا، وكان سببًا في إصلاحها؛ فاحمَدِ الله، وإذا لم تجد استجابة منها، فوسِّط من أهلها من ينصحها ويتكلم معها، ولا تُغْفِلِ الدعاء لها بالصلاح والهداية، فقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وابتعد عن الذنوب والمعاصي؛ فمن آثارها الفرقة والنفرة.وعمومًا أنصحك بالصبر على زوجتك، والإحسان إليها، وغَمْرِها بمشاعر الحب والحنان، حتى تكسب قلبها وتعالج ما لديها من قصور، ودرِّبها على ما تريد بالتدرج، أو بإهدائها بعض الكتب والرسائل والكتيبات التي تعالج مثل هذه الصفات، أو المقاطع المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي كثيرة والحمد لله، أو أن تقوم بإلحاقها في دورات نسائية مأمونة، تهتم بمثل هذه الجوانب وتطويرها، ولا تنسَ الدعاء بصلاحها، فللدعاء أثر عظيم في كثير من المشكلات العائلية.أسأل الله العظيم أن يصلح حالكم، ويرزقكم السعادة في الدنيا والآخرة.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.