تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة

    أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة


    الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان


    اقتبسها: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
    النهي عن الغلو في القبور





    يتكلم الشيخ(1) -رحمه الله- عن الغلو في القبور والنهي عن ذلك لما يجر إليه من الشرك والمفاسد العظيمة، فيقول: السفر لزيارة قبر من القبور - قبر نبي أو غيره - منهي عنه عند جمهور العلماء، حتى إنهم لا يجوّزون قصر الصلاة فيه بناء على أنه سفر معصية؛ لقوله[ الثابت في «الصحيحين»: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا»(2)، وهو أعلم الناس بهذه المسألة، وكل حديث يروى في زيارة القبر - يعني قبر النبي[ - فهو ضعيف بل موضوع، بل قد كره مالك وغيره من أئمة المدينة أن يقول القائل: زرت قبر النبي[، وإنما المسنون السلام عليه إذا أتى قبره[. وكما كان الصحابة والتابعون يفعلون إذا أتوا قبره، كما هو مذكور في غير هذا الموضع.

    ومن ذلك الطواف بغير الكعبة، وقد اتفق المسلمون علي أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور؛ فلا يجوز الطواف بصخرة بيت المقدس ولا بحجرة النبي [ ولا بالقبة التي في جبل عرفات ولا غير ذلك، وكذلك اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الاستلام إلا للركنين اليمانيين، فالحجر الأسود يستلم ويقبل، واليماني يستلم، وقد قيل: إنه يقبل وهو ضعيف.
    وأما غير ذلك فلا يشرع استلامه ولا تقبيله كجوانب البيت والركنين الشاميين ومقام إبراهيم، والصخرة، والحجرة النبوية، وسائر قبور الأنبياء والصالحين.
    وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة ] عن النبي [ أنه قال: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(3)، وفي رواية لمسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي «الصحيحين» أيضا عن عائشة وابن عباس(4) قالا: لما نُزل برسول الله[ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»؛ يحذر ما صنعوا.
    وفي «الصحيحين»(5) أيضا عن عائشة قالت: قال رسول الله[ في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. وفي «صحيح مسلم» عن جندب بن عبدالله قال: سمعت رسول الله[ قبل موته بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر، ألا وإن من كان قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك»(6)، وفي «صحيح مسلم»(7) عن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله[ قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها»، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله[: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام»، رواه أهل «السنن» كأبي داود والترمذي وابن ماجة، وعلّله بعضهم بأنه روي مرسلا وصححه الحفاظ(8). وفي «الصحيحين»(9) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي [ ذكر له بعض نسائه أنها رأت كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: «مارية»، وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتيتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»، وعن ابن عباس ] قال: «لعن رسول الله [ زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج». رواه أهل «السنن» كأبي داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: صحيح(10).
    وفي «موطأ مالك» عن النبي [ أنه قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»(11). وفي «سنن أبي داود» عنه أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر»(12).





    الهوامش

    (1) «المجموع» (4/520).
    (2) رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
    (3) رواه البخاري (437)، ومسلم (530).
    (4) رواه البخاري (435، 436)، ومسلم (531).
    (5) رواه البخاري (1330)، ومسلم (529) من حديث عائشة.
    (6) رواه مسلم (532).
    (7) رواه مسلم (972).
    (8) رواه الترمذي (317) وقال: فيه اضطراب، وأبوداود (492)، وابن ماجة (745)، وأحمد (3/83)، وصححه ابن خزيمة (791)، وابن حبان (1699)، والحاكم (1/380)، من حديث أبي سعيد، وانظر: «الفتح» (1/277).

    (9) رواه البخاري (427)، ومسلم (528) من حديث عائشة.
    (10) رواه الترمذي (1056)، وأبوداود (3236)، والنسائي (2170)، وابن ماجة (1574)، وله عدة طرق عن أبي هريرة وابن عباس وحسان.
    (11) سبق (ص168) وأنه صحيح.
    (12) «السنن» لأبي داود (2042) وصححه الألباني.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة


    أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة (2)


    الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان


    اقتبسها: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان




    حكم تعظيم الأشخاص

    هذه أجوبة(1) للشيخ حول تعظيم الأشخاص، التعظيم الذي فيه نوع عبودية لغير الله تعالى؛ وذلك أنه دخل عنده ثلاثة رهبان من الصعيد، فناظرهم وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار، وما هم على الذي كان عليه إبراهيم والمسيح، فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون: أنتم تقولون بالسيدة نفيسة، ونحن نقول بالسيدة مريم، وقد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك، فقال لهم الشيخ: وأي من فعل ذلك ففيه شبه منكم، وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه، فإن الدين الذي كان عليه إبراهيم - عليه السلام - ألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكا، ولا شمسا ولا قمرا ولا كوكبا، ولا نشرك معه نبيا من الأنبياء ولا صالحاً: {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} (مريم: 93)، وإن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره مثل إنزال المطر وإنبات النبات وتفريج الكربات والهدى من الضلالات وغفران الذنوب؛ فإنه لا يقدر أحد من جميع الخلق على ذلك، ولا يقدر عليه إلا الله، والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - نؤمن بهم ونعظمهم ونوقرهم ونتبعهم ونصدقهم في جميع ما جاؤوا به، ونطيعهم، كما قال نوح وصالح وهود وشعيب: {فاتقوا الله وأطيعون} (الشعراء: 108، 126، 144)، فجعلوا العبادات والتقوى لله وحده، والطاعة لهم؛ فإن طاعتهم من طاعة الله؛ فلو كفر أحد بنبي من الأنبياء وآمن بالجميع ما ينفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي، وكذلك لو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافرا حتى يؤمن بذلك الكتاب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر.
    فلما سمعوا ذلك من الشيخ ، قالوا: الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه، ثم انصرفوا من عنده.
    وسئل (2)- رحمه الله - عن تقبيل الأرض أمام بعض المشايخ أو بعض الملوك تعظيما لهم؟
    فأجاب - رحمه الله -: أما تقبيل الأرض ورفع الرأس ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام الشيوخ وبعض الملوك؛ فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا، كما قالوا للنبي[: الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال[: «لا»(3)، ولما رجع معاذ(4) من الشام سجد للنبي[، فقال[: «ما هذا يا معاذ؟» قال: يا رسول الله! رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال[: «كذبوا عليهم، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة تسجد لزوجها من أجل حقه عليها! يا معاذ، إنه لا ينبغي السجود إلا لله»، وأما فعل ذلك تدينا وتقربا؛ فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتدينا فهو ضال مفتر، بل يبيّن له أن هذا ليس بدين ولا قربة؛ فإن أصر على ذلك استتيب؛ فإن تاب وإلا قتل.
    وسئل(5) - رحمه الله- عن النهوض والقيام الذي يعتاده الناس عند قدوم شخص معين معتبر؟
    فقال: لم تكن عادة السلف على عهد النبي[ وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه - عليه السلام - كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي[ وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك(6)، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له كما روي عن النبي[ أنه قام لعكرمة، وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ: «قوموا إلى سيدكم»(7)، وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة لأنهم نزلوا على حكمه، والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله[ فإنهم خير القرون.
    وخير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد[ فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وهدي خير القرون إلى ما هو دونه، وينبغي للمطاع ألا يقر ذلك مع أصحابه؛ بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد.
    وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة- فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له.
    وليس هذا القيام - يعني القيام المرخص فيه لدرء المفسدة في حق من لا يعرف السنة - ليس هو من القيام المذكور في قوله[: «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» (8)؛ فإن ذلك أن يقوموا عليه وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء؛ ولهذا فرقوا بين أن يقال: قمت إليه، وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد، وقد ثبت أن النبي[ صلى بهم قاعدا في مرضه وصلوا قياما فأمرهم بالقعود(9)، وقال: «لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضا»(10)، وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد؛ لئلا يتشبهوا بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.
    قال(11): وأما الانحناء عند التحية فينهى عنه، كما في الترمذي عن النبي[ أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحنى له؟ قال: «لا»(12)، ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعلهما إلا لله - عز وجل - وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما في قصة يوسف: {وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} (يوسف: 100)، وفي شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله - عز وجل - بل قد تقدم نهيه عن القيام كما يفعله الأعاجم بعضهم لبعض؛ فكيف بالركوع والسجود؟! وكذلك ما هو ركوع ناقص يدخل في النهي عنه. انتهى كلامه، رحمه الله.
    > الهوامش
    1 - المجموع (1/370).
    2 - المجموع (1/372).
    3 - رواه الترمذي (2728)، وقال: حسن.
    4 - رواه ابن ماجه (1853)، وأحمد (4/381)، وصححه الحاكم (4/190)، وابن حبان (1290 - الموارد).
    وأشار البوصيري إلى تقويته بمجموع طرقه.
    5 - المجموع (1/374).
    6 - رواه الترمذي (2754)، وقال: حسن صحيح غريب، وأحمد (3/132)، والبخاري في «الأدب المفرد» (946).
    قال ابن القيم في «حاشيته على السنن» (14/85): إسناده على شرط مسلم.
    7 - رواه البخاري (3043)، ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري.
    8 - رواه أبو داود (5229)، والترمذي (2755) وحسنه، وابن أبي شيبة (5/234/25582)، وقال المنذري في «الترغيب» (3/289): إسناد صحيح.
    9 - انظر «صحيح البخاري» (688)، ومسلم (412).
    10 - قارن مع حديث جابر عند مسلم (413).
    11 - «المجموع» (1/377).
    12 - رواه الترمذي (2728) وقال: حسن.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة


    أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة (4)


    الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان


    اقتبسها: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان


    الواسطة بين الحق والخلق

    هذه المسألة ساءت فيها أفهام كثير من الناس مما أدى ببعضهم إلى الكفر والضلال، فقد سئل شيخ الإسلام عن رجلين تناظرا، فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله؛ فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك!

    فأجاب بقوله: الحمد لله رب العالمين. إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبغلنا أمر الله فهذا حق؛ فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته، وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها، وأمثال ذلك؛ إلا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم إليه زلفى، ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة، وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون وهم عن ربهم محجوبون ضالون، قال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون • والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (الأعراف: 35-36)، وقال تعالى: {...فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى • ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى • قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا • قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} (طه: 123-126)، قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وقال تعالى عن أهل النار: {... كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير • قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} (الملك: 89)، إلى أن قال: وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره، قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} (الحج: 75)، ومن أنكر هذه الواسطة فهو كافر بإجماع أهل الملل، يعني لأنه كافر بالرسل ومكذب لهم.

    وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل كيف أهلكهم ونصر رسله والذين آمنوا.

    قال: فهذه الوسائط تطاع وتتبع ويقتدى بها كما قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء:64) وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء:80) {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (آل عمران:31).

    ثم بيّن - رحمه الله - الواسطة الأخرى التي من أثبتها كفر، فقال: إن أراد بالواسطة أنه لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك ويرجونه فيه فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين؛ حيث اتخذوا من دونه أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار.

    ثم استثنى -رحمه الله- الشفاعة التي يأذن الله بها لمن رضي قوله وعمله، فقال: لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها حق.

    ثم قال: فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين.

    وذكر الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون • ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران: 79-80)، قال: فبيّن سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر؛ فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب؛ فهو كافر بإجماع المسلمين.

    قال: ومَن سوى الأنبياء من مشائخ العلم والدين فمن أثبتهم وسائط بين الرسول وأمته يبلغونهم ويعلمونهم ويؤدبونهم ويقتدون بهم فقد أصاب في ذلك، وهؤلاء - يعني العلماء - إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة؛ لا يجتمعون على ضلالة، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول؛ إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق. بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله [. وقد قال النبي [: «العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، فالعلماء وسائط بهذا المعنى، وأما من جعلهم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه! فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله! فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن هذا من تشبيه المخلوق بالخالق واتخاذ الأنداد له.

    هذا ما قرره شيخ الإسلام في هذه المسألة المهمة - التي هي اتخاذ الوسائط -، حيث بيّن أن وساطة الرسل بين الله وبين خلقه وساطة تبليغ عن الله، وواجبنا طاعتهم في ذلك، ووساطة العلماء بين الرسل والأمة هي وساطة تبليغ العلم الذي جاءت به الرسل؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء.

    أما اتخاذ الأنبياء والعلماء وسائط عند الله في قضاء الحاجات وقبول الدعوات فهي وساطة باطلة ومن أثبتها فهو كافر بالله عز وجل، لأن الله لم يجعل بيننا وبينه وسائط في هذا الشأن، بل حكم بكفر من اعتقد ذلك، فقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3).



    الفرق بين الواسطة عند

    الله وعند الخلق

    قال رحمه الله مبينا الفرق بين الواسطة التي تكون بين الملوك وبين رعاياهم وبين ما يزعم من الواسطة بين الله وبين خلقه. قال: فهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق. فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة:

    إما لإخباهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه. ومن قال: إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بذلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم؛ فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات عن تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين.


    فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، فهو كافر بإجماع المسلمين.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة

    أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة (5)


    الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان




    حكم التوسل والاستغاثة


    مالا يقدر عليه إلا اللـه لايستغاث به إلا باللـه، ولايستغاث بالمخلوق في ذلك لأنه شرك

    كثير من المشركين بالغوا في إثبات الشفاعة حتى طلبوها من الأموات وبنوا على قبورهم القباب

    اقتبسها فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان

    هذه المسألة هي الشبهة التي يدلي بها هواة الشرك قديما وحديثا؛ فكان لابد من كشفها وبيانها؛ سئل - رحمه الله - عمن قال: تجوز الاستغاثة بالنبي[ في كل ما يستغاث الله تعالى فيه، على معنى أنه وسيلة من وسائل الله تعالى في طلب الغوث، وكذلك يستغاث بسائر الأنبياء والصالحين في كل ما يستغاث الله تعالى فيه، وأنه لا فرق بين الاستغاثة والتوسل، سواء قال: أتوسل إليك يا إلهي برسولك! أو أستغيث برسولك أن تغفر لي... إلى آخر السؤال الذي يدور على هذا المعنى.

    فأجاب - رحمه الله - بقوله(1): الحمد لله رب العالمين، لم يقل أحد من المسلمين إنه يستغاث بشيء من المخلوقات في كل ما يستغاث الله فيه! لا بنبي ولا بملك ولا بصالح ولا غير ذلك، بل هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز إطلاقه، ولم يقل أحد إن التوسل بنبي هو استغاثة به؛ فإن المستغيث بالنبي[ طالب منه وسائل له، والمتوسل به لا يدعى ولا يطلب منه ولا يسأل وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به، والاستغاثة طلب الغوث وهو إزالة الشدة، كالاستنصار طلب النصر، والمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها كقوله تعالى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} (القصص: 15).

    وأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يطلب إلا من الله؛ ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنبي[ ويستسقون به ويتوسلون به كما في (صحيح البخاري)(2) أن عمر - رضي الله عنه - استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون.


    ومراد الشيخ التوسل بدعائه بأن يدعو الله لهم بالغيث، وهذا جاء في حال كون الشخص حيا قادرا على الدعاء، وأما الميت فلا يتوسل به ولا يطلب منه دعاء ولا غيره؛ لأنه لا يقدر على شيء؛ ولهذا قال الشيخ - رحمه الله - بعد ذلك: فقد ذكر عمر - رضي الله عنه - أنهم كانوا يتوسلون بالنبي[ في حياته في الاستسقاء، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم به هو استسقاؤهم به بحيث يدعو ويدعون معه، وهذا لم يفعله الصحابة بعد موته ولا في مغيبه.

    ثم قال(3) - رحمه الله-: من قال: ما لا يقدر عليه إلا الله لا يستغاث به إلا بالله، فقد قال الحق، يعني: ولا يستغاث بالمخلوق في ذلك لأنه شرك، وهذه هي التي قال بعضهم فيها: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وقال الآخر: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، وقد قال النبي[: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله»(4)، وقال لابن عباس: «إذا استعنت فاستعن بالله»(5)، وإذا نفى الرسول[ عن نفسه أمراً كان هو الصادق المصدوق في ذلك، كما هو الصادق المصدوق في كل ما يخبر به من نفي وإثبات، ومن رد خبره تعظيما له أشبه النصارى الذين كذبوا المسيح في إخباره عن نفسه بالعبودية تعظيما له؛ فنفى ما نفاه الرسول[ وليس لأحد أن يقابل نفيه بنقيض ذلك ألبتة.

    يعني - رحمه الله - أن الرسول[ نفى أن يستغاث به فلا يجوز لنا أن نخالف نفيه ونستغيث به؛ لأن هذا معصية له ومعارضة له فيما قال.

    وقد تحصل من كلام الشيخ - رحمه الله - أن الاستغاثة بالمخلوق على نوعين:

    النوع الأول: الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه في حياته، فهذه جائزة كاستغاثة المظلوم بمن يناصره على ظالمه ويدفع عنه الظلم؛ كما قال تعالى عن كليمه موسى - عليه الصلاة والسلام -: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه} (القصص: 15).

    والنوع الثاني: الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ فهذه محرمة وهي شرك أكبر.

    قال الشيخ - رحمه الله-: والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول[ - يعني في حياته- ما هو اللائق بمنصبه، لا ينازع فيها مسلم، وأما بالمعنى الذي نفاه الرسول[ فهو أيضا مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو كافر، إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها؛ ولهذا لا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جوّز مطلق الاستغاثة بغير الله ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله.

    قال: وقد يكون من كلام الله ورسوله عبارة لها معنى صحيح، لكن بعض الناس يفهم من تلك غير مراد الله ورسوله، فهذا يرد عليه فهمه، كما روى الطبراني في «معجمه الكبير» أنه كان في زمن النبي[ منافق يؤذي المؤمنين، فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه-: قوموا بنا نستغيث برسول الله[ من هذا المنافق؛ فقال النبي[: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله»(6)، فهذا إنما أراد به النبي[ المعنى الثاني، وهو أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله.

    الشفاعة

    تكلم - رحمه الله - في موضوع الشفاعة وهو موضوع مهم؛ لأن الشفاعة ضلَّ في مفهومها كثير من الخلق قديما وحديثا؛ حيث فهمها أكثر الخلق على غير مفهومها الصحيح؛ فكثير من الشركين بالغوا في إثبات الشفاعة حتى طلبوها من الأموات، وبنوا على قبورهم القباب، وطافوا حولها، وذبحوا عندها، وملأوا صناديق النذور بالأمول التي هم بأمس الحاجة إليها.

    الهوامش:

    1 - المجموع (1/101).

    2 - برقم (1010).


    3 - المجموع: (1/106).

    4 - رواه أبو داود (4726)، وأحمد (5/317) نحوه، والطبراني (1547) واستغربه ابن كثير.

    قال الهيثمي (10/159): فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث.

    5 - سبق وهو حديث حسن.

    6 - هو الحديث قبل السابق وهو حديث حسن.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة

    أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6)

    -حكم الاستغاثة بالأموات


    الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان











    اقتبسها الشيخ صالح الفوزان


    هذه القضية هي أخطر ما غُزِيَ المسلمون به من أسلحة الضلال؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية(1)- رحمه الله-: وإذا تبين ما أمر الله به ورسوله [، وما نهى الله عنه ورسوله [، في حق أشرف الخلق وأكرمهم على الله عز وجل، وسيد ولد آدم وخاتم الرسل والنبيين، وأفضل الأولين والآخرين، وأرفع الشفعاء منزلة، وأعظمهم جاها عند الله تبارك وتعالى تبين أن من دونه من الأنبياء والصالحين أولى بألا يشرك به، ولا يتخذ قبره وثناً يعبد، ولا يدعى من دون الله لا في حياته ولا في مماته، ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين مثل أن يقول: يا سيدي فلانا أغثني وانصرني، وادفع عني، أو أنا في حسبك، ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله [، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.

    وهؤلاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم وغير قبورهم، لما كانوا من جنس عباد الأوثان صار الشيطان يضلهم ويغويهم، كما يضل عباد الأوثان ويغويهم، فتتصور الشياطين في صورة ذلك المستغاث به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لا بد أن يكون في ذلك ما هو كذب، بل الكذب أغلب عليه من الصدق، وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم وتدفع عنهم بعض ما يكرهونه؛ فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء بالغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكا على صورته فَعَل ذلك، ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله. وإنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به. كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم، كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب، وهو اليوم موجود في المشركين من الترك والهند وغيرهم.

    وكذلك المستغيثون من النصارى بشيوخهم الذين يسمونهم العلامس، يرون أيضا من يأتي على صورة ذلك الشيخ النصراني الذي استغاثوا به، فيقضي بعض حوائجهم. وهؤلاء الذين يستغيثون بالأموات من الأنبياء والصالحين والشيوخ وأهل بيت رسول الله [ غاية أحدهم أن يجري له بعض هذه الأمور، أو يُحكى لهم بعض هذه الأمور؛ فيظن أن ذلك كرامة وخرق عادة بسبب هذا العمل، ومن هؤلاء من يأتي إلى قبر الشيخ الذي يشرك به ويستغيث به، فينزل عليه من الهواء طعام أو نفقة أو سلاح، أو غير ذلك مما يطلبه فيظن ذلك كرامة لشيخه، وإنما ذلك كله من الشياطين، وهذا من أعظم الأسباب التي عبدت بها الأوثان.

    وقد قال الخليل عليه السلام: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} (إبراهيم)، وكما قال نوح عليه السلام. ومعلوم أن الحجر لا يضل كثيرا من الناس إلا بسبب اقتضى ضلالهم، ولم يكن أحد من عباد الأصنام يعتقد أنها خلقت السموات والأرض، بل إنما كانوا يتخذونها شفعاء ووسائط لأسباب: منهم من صورها على صور الأنبياء والصالحين، ومنهم من جعلها تماثيل وطلاسم للكواكب والشمس والقمر، ومنهم من جعلها لأجل الجن، ومنهم من جعلها لأجل الملائكة. فالمعبود لهم في قصدهم إنما هو الملائكة والأنبياء والصالحون أو الشمس أو القمر وهم في الأمر نفسه يعبدون الشياطين، فهي التي تقصد من الإنس أن يعبدوها، وتظهر لهم ما يدعوهم إلى عبادتها؛ كما قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سبأ: 40-41)، وإذا كان العابد ممن لا يستحل عبادة الشياطين أوهموه أنه إنما يدعو الأنبياء والصالحين والملائكة وغيرهم ممن يحسن العابد ظنه به.

    وأما إن كان ممن لا يحرم عبادة الجن عرّفوه أنهم الجن، وقد يطلب الشيطان المتمثل له في صورة الإنسان أن يسجد له أو أن يفعل به الفاحشة، أو أن يأكل الميتة ويشرب الخمر، أو أن يقرِّب لهم الميتة. وأكثرهم لا يعرفون ذلك، بل يظنون أن من خاطبهم إما ملائكة وإما رجال من الجن يسمونهم: رجال الغيب. ويظنون أن رجال الغيب أولياء الله غائبون عن أبصار الناس، وأولئك جن تمثلت بصور الإنس، أو رؤيت في غير صور الإنس. وقال تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} (الجن: 6)، وكان أحدهم إذا نزل بواد يخاف أهله قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، وكانت الإنس تستعيذ بالجن؛ فصار ذلك سببا لطغيان الجن، وقالت: الإنس تستعيذ بنا، وكذلك الرقى والعزائم الأعجمية تتضمن أسماء رجال من الجن يُدعون ويُستغاث بهم، ويقسم عليهم بمن يعظمونه، فتطيعهم الشياطين في بعض الأمور.

    وهذا من جنس السحر والشرك؛ قال تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة: 102)، وكثير من هؤلاء يطير في الهواء وتكون الشياطين قد حملته وتذهب به إلى مكة وغيرها، ويكون مع ذلك زنديقا يجحد الصلاة وغيرها مما فرض الله ورسوله [، ويستحل المحارم التي حرمها الله ورسوله [، وإنما يقترن به أولئك الشياطين؛ لما فيه من الكفر والفسوق والعصيان.


    الهامش

    (1) المجموع (1/359)






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية حرسها الله
    المشاركات
    1,496

    افتراضي رد: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة

    بارك الله فيك ...

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة

    وفيكم بارك
    آمين
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •