تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أثر القرآن في الحياة العربية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي أثر القرآن في الحياة العربية




    أثر القرآن في الحياة العربية[1]
    مصطفى السباعي


    {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
    {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].
    {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 3-4][2].
    مما يذكره العلماء من حكمة فرض الصيام في شهر رمضان؛ أنه هو الشهر الذي ابتدأ فيه نزول القرآن على رسوله الكريم -صلى الله عليه وسـلم-، فبدأت فيه الرسالة التي غيرت تاريخ العرب وأوضاعهم حتى لكأنما خلقوا خلقًا جديدًا، وحولت مجرى الحضارات الإنسانية حتى لكأنما ولد الإنسان من بعدها ولادة جديدة، فكان من تمام شكر الله على هذه النعمة أن يكون شهرها دائمًا وأبدًا شهر طُهر وبِرٍّ وعبادة؛ مما يجدد في نفس المسلم كلّ عام أهداف هذه الرسالة العظيمة، ويذكّره بفضل القرآن العظيم عليه، وعلى قومه وعلى الناس أجمعين.
    ولقد كان الرعيل الأول ممن شرفه الله بصحبة رسوله، وتبليغ رسالته، وحمل مشاعل النور لشعوب العالم المتردّية في الغفلة والجهالة والضلالة، يعرف من فضل الإسلام عليه وأثر القرآن في نقلته من الظلام إلى النور ما يجعله يستقبل رمضان في كلّ عام كما يستقبل أعز الذكريات لديه وأحبها إليه، فلما بعد العهد وانتقل ذلك الجيل إلى جوار ربه أصبح أبناؤه وأحفاده الناشئون في أحضان الإسلام في أشدّ الحاجة إلى من يذكّرهم بجلال نعمة القرآن، وجميل صنع الله بالإنسان، في بعثة رسوله وإنزال كتابه، وهذا هو ما عناه عمر -رضي الله عنه- بقوله: «إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة؛ إذا نبت فيه من لا يعرف من أمر الجاهلية شيئًا»، ولم تصدق نبوءة الفاروق هذه في عصر كصدقها في عصرنا هذا.
    ومنذ انتشرت الجيوش الإسلامية في أنحاء الأرض فأزالت دولًا وأقامت دولًا، وحطمت عروشًا باغية وزعامات طاغية، وأقامت حكومات تعنى بأمر الشعب وتهتم بمصالحه؛ أخذ الحاقدون الموتورون يعتمدون تشويه تاريخنا بمختلف الأساليب، بالجهر تارة وبالسر أُخرى، حتى بات انحرافهم عن الحقّ واتباعهم للهوى أمرًا معروفًا يكادون يعترفون به هم أنفسهم، ومن ذلك حقيقة الوضع الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، فقد صوّروهم في أبشع صورة وأحطّ صورة وأحطّ درك، وجردوهم من كلّ فضيلة وخلق نبيل، وكانت لذلك ردّة فعل تجلّت بشكلٍ معتدل في الماضي؛ إذ ردّت كلّ الأكاذيب وأثبتت ما كان يتحلى به العرب من فضائل، وتجلّت ردّة الفعل في الحاضر بأشكال مختلفة لا نزال نذكر من بينها أمر تلك الجماعة التي قامت في مصر وادّعت من الفضائل للعرب قبل الإسلام ما لا يثبته التاريخ ولا يؤيّده الإسلام نفسه، حتى زعمت تلك الجماعة أنّ رذائل العرب في الجاهلية خير من فضائل غيرهم في الإسلام! والحق بعيد عن هؤلاء وأولئك كلّ البعد، واتباع حقائق العلم والتاريخ أجدر بالذين يحملون القلم ويقرؤون الكتاب.
    من المسلَّم به أنّ لكلِّ أمة فضائلها وعيوبها، ولا نعرف أمة كلّها عيوب، أو أمة كلّها فضائل، وكذلك كان شأن العرب قبل الإسلام؛ فقد كانت لهم فضائل من النجدة والشهامة والكرم والشجاعة والذكاء وتحمّل المشقات بصبر وجلد، إلى غير ذلك مما لا يستطيع إنكاره كلّ من قرأ الشعر العربي القديم -وهو ديوان العرب وسجل أعمالهم وخصالهم-، كما كانت لهم عيوب من الغزو والتفاخر فيما بينهم وعبادة الأوثان وشرب الخمور، وغير ذلك مما كانت لكلّ الأمم في عصورهم، فماذا كان موقف القرآن والإسلام من هذه الفضائل والرذائل؟
    نريد أن نقول قبل كلِّ شيء: إنّ كلّ رسالة إنسانية لا بد لها من أمة جديرة بحمل أعباء الدعوة إليها، وبما يتفق مع طبيعة الأمة وأهداف الرسالة وظروف البيئة، ولقد كان العرب يومئذٍ أجدر الأمم المعاصرة لهم بشرف دعوة الإسلام وإبلاغ رسالته الإنسانية إلى الناس كافة، فأذهانهم صافية صفاء السماء التي يستظلونها، بعيدة عن التخبط الفكري الذي كانت تعيش فيه أبناء فارس والروم، وأخلاقهم لم تنحلل كانحلال أبناء الحضارات في كلّ من فارس والروم، لقد جاءت رسالة الإسلام منطقية معقولة تخاطب العقل، وتنفذ إلى أعماق النفس بكلّ يسر وسهولة، فليس كالعقل العربي يومئذ عقل يتجاوب مع منطق الإسلام، وليس كالفطرة العربية حينئذ فطرة نقية بيضاء تقبل سهولة الإسلام ويسره وسموّه، وتتجاوب مع واقعيته ومثاليته، وليس كالعربي حينئذ في جَلَدِهِ وصبره وبأسه، أمة تبذل من التضحيات في الأنفس والأموال ما تقتضيه الدعوة الجديدة ومكافحة أعداء أهدافها من رؤساء ومتسلطين، وبهذا كان العرب أجدر الأمم في عصر محمد -صلى الله عليه وسـلم- بحمل رسالة الإسلام، لا لأنهم قوم لا عيب فيهم، بل لأنّ خصائصهم الذهنية وأخلاقهم الاجتماعية تجعلهم جديرين بشرف التضحيات في سبيل الدعوة الجديدة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وليست جدارتهم بحمل أعباء الرسالة من الناحية التي أشرنا إليها تقتضي أن يكونوا أشرف الأمم قاطبة من الوجهة العرقية الجنسية، فقد يكون الإنسان أصلح من غيره لعملٍ معين، دون أن يكون أصلح من غيره في كلّ الوجوه، كما كان قواد الرسول -صلى الله عليه وسـلم- وولاته أجدر من غيرهم من الصحابة لكفاءتهم الشخصية وعبقريتهم العسكرية، وقد كان تحت إمرتهم من هو أزهد منهم أو أعبد أو أعلم، واعتبر في ذلك بأبي ذر -رضي الله عنه-، فقد شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- بأنه: «ما أظلت السماء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر»، ومع هذا فقد رفض -عليه الصلاة والسلام- أن يوليه الإمارة قائلًا له: إنك ضعيف، وإنك لا تصلح لها.
    بعد هذه المقدمة التي لا بد منها نريد أن نبحث عن أثر القرآن في العرب وموقعه من فضائلهم وعيوبهم.
    لقد ندد القرآن بكلّ ما لا يليق أن يتخلق به الإنسان العاقل الكريم الرحيم ذو الخلق المستقيم؛ فندّد بعبادة الأوثان، ووأد البنات، والعدوان على الأموال والأعراض والحرمات، وشرب المسكرات، وإتيان الفواحش، والتعصب بالباطل للقرابة والقبيلة، وأكل الخبائث، وقطع الأرحام، وغير ذلك مما كانت ولا تزال تغصّ به المجتمعات الجاهلية المتفككة.
    وأما الفضائل فقد ثبتها الإسلام وأكّد عليها، ولكنه حوّلها من أهدافها الجاهلية إلى أهداف إنسانية اجتماعية نبيلة، فالكرم فضيلة لكنه كان يقصد منه التفاخر والسمعة والثناء، وكان الرجل منهم يفعله بدافع فردي من غير أن تلاحظ فيه مصلحة الجماعة عامة، فحوّله الإسلام إلى أن يفعل لوجه الله ورضوانه، وثناء الله وإحسانه، فعلى الكريم أن يبتعد كلّ البعد عن التفاخر بكرمه والتغني به والمنّ به على قومه، فإذا كان لشيء من هذا فَقَدَ أجره وثوابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264].
    وقل مثل ذلك في الشجاعة، فهي من أنبل ما يتحلى به الإنسان من خلق كريم، ولكنها لا يصح أن تكون للمباهاة والمفاخرة، ولا يصح أن يتغنى بها الشجاع، ويتيه بها على المنهزمين من أبناء عمومته، أو أن تكون وسيلة للعدوان على الضعفاء، بل يجب أن تكون دفاعًا عن الحقّ، وذودًا عن الحرمات، وحماية للمستضعفين، وتأديبًا للطغاة والظالمين {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- عن الرجل يقاتل حميّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل مباهاة؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فأجاب: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». وكلمة الله أي شريعته؛ من إحقاق الحقّ، ومحاربة الباطل، ونصرة الضعيف، وهداية الضالّ، وإغاثة المحتاج، فكلّ ذلك من شريعة الله وكلمته، فمن قاتل للمبادئ الإنسانية النبيلة فهو المجاهد في سبيل الله حقًّا.
    ولقد كان من أثر القرآن أن تحقق في المجتمع العربي بعد أن لم يكن:
    تأمين العدالة الاجتماعية لجميع الناس.
    إكرام المرأة وضمان حقوقها، ومنع العدوان عليها.
    إزالة الفوارق بين أبناء المجتمع، فلا طبقيّة ولا إذلال من فئة لفئة.
    سيادة الحقّ لا القوة، والعقل لا الخرافة، والبرّ لا العدوان.
    ومن أهم آثار القرآن في المجتمع العربي أنه وضع للإنسان مثلًا عليا هي محض الخير والكرامة له ولقومه ومجتمعه، وإنّا لنتلمس المثل الأعلى في الحياة الجاهلية في قول طرفة بن العبد في معلقته:
    ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وَجَدِّكِ لم أَحْفل متى قام عُوَّدي[3]
    فَمِنهُنَّ سبقي العَاذِلاتِ بِشَربةٍ كُمَيتٍ متى ما تُعلَ بالماء تُزْبِدِ[4]
    وكرّي إذا نَادى المضــــــــاف مُحنبًا كَسيد الغَضَا -نبهته- المتوردِ[5]
    وتقصيرُ يومِ الدجنِ والدَّجنُ معجِبٌ ببهكنــةٍ تحتَ الخبــاءِ المعمــدِ[6]
    فهو هنا يعلن بأنّ هدفه من الحياة ثلاثة: الخمرة، والمرأة، وإغاثته للملهوف، ولولاها لما بالى متى مات، والهدفان الأوّلان من مفاسد الحياة الاجتماعية، والهدف الثالث وهو إغاثته للملهوف من فضائل الأخلاق، ولكنه يفعل ذلك ليتحدث عنه أبناء قبيلته بهذه المكْرمة كما هو المعروف في أجواد العرب وشجعانهم وشعرائهم في الجاهلية.
    فانظر كيف حول القرآن المثل الأعلى للعربي في الحياة:
    يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فعبادة الله هي هدف الإنسان المؤمن، وليست العبادة مجرد الصلاة والصوم كما يظنه كثير من الناس، بل هو في الخضوع لله وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه في كلّ شئون الحياة، مما علم الله أن الحياة الكريمة للإنسان لا تستقيم بدونها، وقد ذكر القرآن أمثلة للعبادة التي أراد الله من الناس أن يتصفوا بها فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 63-76].
    هنا في هذه الآيات يتجلى التبدّل العظيم الذي طرأ على المثل العليا التي يحيا لأجلها الإنسان العربي قبل الإسلام وبعده، ومن ههنا نعرف السرّ العظيم في تطور التاريخ العربي بعد الإسلام تطورًا معجزًا لا يعرف تاريخ التطور للأمم والشعوب له مثيلًا.


    [1]مجلة حضارة الإسلام، م:8، 1383هـ -1964م، العدد التاسع، ص: 947-953.


    [2]تمَّ تخريج الآيات القرآنية داخل المقال من جانبنا (موقع تفسير).

    [3] يقول: لولا ثلاث خلال -وهي التي ذكرها في البيتين التاليين- لم أبالِ متى متّ.

    [4] يريد: أغدو على شرب الخمر قبل لوم العاذلات، والكميت الحمراء، ومعنى تعل بالماء تزبد: متى أضيف الماء إليها أصبح لها زبد.


    [5]يقصد: ركوبه فرسًا شديد العدو لإسعاف من يناديني من المثقلين بالهموم، والمحنب: فرس أقنى الذراع، والسيد: الذئب، قالوا: وذئب الغضا أخبث الذئاب؛ لأنه يستخفي، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطلب ورود الماء، يشبه فرسه في شدة عدوها بذئب الفضاحين تهيجه وهو يرد الماء.

    [6] يريد: وتقصير يوم الغيم باللهو مع امرأة تامّة الخلق تحت الخباء المرفوع بالعمد.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: أثر القرآن في الحياة العربية

    أثر القرآن في الحياة العربية[2]
    مصطفى السباعي





    أثر القرآن في الحياة العربية[1]
    لقد كان أثر القرآن عظيمًا في تطوير المجتمع العربي من مجتمع قبلي، كلّ قبيلة فيه لها كيانها الخاصّ ورئاستها الخاصة وشعورها الخاصّ، إلى مجتمع مدني يشعر جميع أفراده بشعور الرعوية في دولة واحدة ذات نظامٍ واحدٍ، يتساوى فيه أبناؤه في الواجبات والمسئوليات، دون تفريق بين شريفٍ ووضيعٍ أو بين قبيلةٍ ممتازة وقبيلةٍ دنيئة.
    لقد كانت القبائل العربية قبل الإسلام تتفاوت في الشرف والمنزلة الاجتماعية، فأشرفها قريش، وأخسّها باهلة، وفي خسة باهلة تضرب الأمثال حتى قال قائلهم:
    ولو قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من لؤم هذا النسب!
    وقيل لأحدهم في فجر الإسلام: أيسرّك أن أباك باهلي وأنك في الجنة؟ فأجاب: لا أحب اللؤم بشيء! وقيل لآخر: أيسرّك أنك في الجنة وأنت من باهلة؟ فأجاب: بشرط أن لا يعلم أهل الجنة!
    وأسَّس القرآنُ الدولةَ عند العرب على مبدأين ثابتين:
    الشورى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.
    العدالة المطلقة {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَوْ عَلَى أَنْفِسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ}.
    وجعل رئاسة الدولة بالمبايعة، لا وراثة ولا إكراهًا. وجعل العلاقة بين الشعب والرعية مقيدة بالقانون الذي شرعه الله لعباده، فلا يجوزه[2] رئيس ولا قوي ولا غني ولا زعيم، بل الكلّ أمام الحقّ سواء؛ (النَّاسُ سَوَاسِيَة كَأَسْنَانِ المشطِ)، وفي ذلك يقول الخليفة الصديق -رضي الله عنه-: (القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق).
    وكان توحيد العرب داخل جزيرتهم وإزالة الحروب والغزوات التي كانت قائمة بين قبائلهم؛ مقدمة لخروجهم من جزيرتهم برسالة تحريرية ليس لشعوب العالم يومئذٍ عهدٌ بها، وجعل منهم أمة تحمل لواء الريادة الفكرية والتهذيبية والحضارية لأمم الحضارة المعاصرة لهم، فغدوا قادة بعد أن كانوا تابعين، وأساتذة بعد أن كانوا مقلدين، ومعلِّمين بعد أن كانوا أميّين.
    لقد عرفت جزيرة العرب قبل الإسلام موجات من هجرة أبنائها إلى خارج حدودها انتجاعًا للرزق والعيش، ولم تكن فيها موجة تحمل رسالة وفكرة وهدفًا تحريريًّا لمن ينتقلون إليهم، ولكن الموجة العربية بعد الإسلام كانت من طرازٍ فريدٍ أدهش العالم يومئذٍ، ولا يزال يدهش كُتّاب العالم اليوم، موجة أقامت حضارة، وأنشأت دولًا، وأزالت دولًا، ونشرت علمًا، وأسست معاهد وجامعات، وأدخلت نور العلم والثقافة إلى أوروبا في القرون الوسطى؛ فبددت ظلامهم، وفتحت عقولهم، وجعلتهم تلاميذ يدرسون كتبهم في معاهدهم وجامعاتهم أكثر من ستة قرون.
    وكان خروج العرب في هذه الموجة مقرونًا بالاستعلاء الخلقي والفكري على من حاربوهم من الفرس والروم؛ مما كان له عظيم الأثر في انتصاراتهم وفتوحاتهم.
    وكان من أثر هذه الموجة أيضًا أن امتدت رقعة العالم العربي، فلم يعد العرب هم سكان الجزيرة العربية وحدها، بل ضمت لجزيرتهم إلى الأبد حدود العالم العربي اليوم من بلاد الشام إلى مصر والعراق وأفريقيا وغيرها، وانتشرت لغتهم كلغة علم وحضارة إلى جميع بلاد العالم المتمدن يومئذٍ، ودخلت كثير من كلماتها وتراكيبها إلى لغاتهم.
    هذا بعض آثار القرآن على الحياة العربية واللغة العربية، ولولا القرآن لما بقيت اللغة العربية واحدة يتكلم بها جميع أبناء البلاد العربية، وهذا هو سرّ خلود اللغة العربية، لا كما يذيع الشعوبيون من أعداء الإسلام من أن القرآن جمَّد اللغة العربية وحال دون تطورها!
    نماذج رائعة من أثر القرآن:
    ونكتفي أن نورد هنا بعض النماذج الرائعة التي أوجدها القرآن في العرب، وقد كانت قبله بعكس ما خلدت فيه في التاريخ:
    فهذا عمر بن الخطاب كان في الجاهلية فتى لاهيًا كفتيان قريش، فإذا هو بعد الإسلام محرِّرُ العالم من أكبر دولتين باغيتين، ويصبح مديرًا لممالكهما بأحسن وأفضل مما كانت تدار به في عهودهما.
    وهذا خالد بن الوليد لم يكن في الجاهلية إلا فتى شجاعًا يحسن الحرب في غزو قبيلته على قبيلة عربية أخرى، فإذا هو بعد الإسلام قائد جيوش الموجة العربية الجديدة، يتغلب على قوّاد الدولتين الكبيرتين ويلحق بها أكبر الهزائم؛ مما جعله في التاريخ حقًّا مع الخالدين.
    ونتابع هذه النماذج العجيبة المذهلة إلى أن نصل إلى امرأة كانت في صدر شبابها في الجاهلية قد فقدت أخويها، فجزعت وأنشدت القصائد الطوال في رثائها وبكائهما، ومما يحفظه كلُّ تلميذ في مدارسنا اليوم قولها في رثاء أخيها صخر:
    يذكّرني طلوع الشمس صخرًا وأذكره لكلّ غروب شمس
    ولولا كثرةُ الباكين حولي على إِخوانهم لقتلتُ نفسي
    فلا واللهِ لا أنساك حتى أفارقُ مهجتي ويشقّ رَمْسِي
    فقد ودعتُ يوم فراقِ صخر أبي حسان لذاتي وأُنْسِي
    فيا لهفي عليه ولهف أمي أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟
    هذا مع أنّ صخرًا وأخاه لم يقتلا في سبيل مبدأ، ولا في سبيل أمة، ولا في الدفاع عن حقّ أو رسالة، وإنما قُتِلَا على عادة الجاهليين في قتل بعضهم لبعض.
    فانظر إليها كيف انقلبت من امرأة جزعة هلوعة تلبس الخيش وتزهد في الحياة، وهذا كان شأنها في الجاهلية بعد مصرع أخويها، انظر إليها كيف انقلبت في الإسلام، وهي عجوز نيّفت على الثمانين تعطي أروع الأمثلة لبسالة المرأة العربية المسلمة وفدائها وتضحياتها.
    لقد ذهبت مع الجيش في فتوح العراق ومعها أولادها الأربعة، فلما كانت ليلة القادسية فقالت لهم: يا بني؛ أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنتُ أباكم، ولا فضحتُ خالكم، ولا هجنتُ حسبكم، ولا غيرتُ نسبكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أنّ الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: {يَا أَيّهَا الذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت على سياقها (وحللت نارًا على أرواقها)، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها (عند احتدام خميسها)؛ تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة.
    فلما بلغها قتلهم قالت: (الحمد الله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته). قالت هذا وهي في سنّ الثمانين وليس لها غير أولادها الذين فقدتهم، ومستحيل أن يبلغ حزن المرأة على أخويها كحزنها على أولادها الأربعة، ولكن القرآن خلق منها امرأة أخرى تسجل في تاريخ المرأة العربية أمثلة يندر أن تسجل امرأة أخرى مثلها في أيّ أمة من أمم العالم.

    ***

    [1] مجلة حضارة الإسلام، م:8، 1383هـ -1964م، العدد العاشر، ص: 1062-1065.

    [2]في الأصل: "يجوز من"، وهي مشكلة، وقد أثبتنا ما رأيناه أقرب للمعنى بحسب السياق.










    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •