خطورة ظاهرة التصدي للفتوى من غير العلماء
منال محمد أبو العزائم
خطورة ظاهرة التصدي للفتوى من غير العلماء في مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض دنيوية:
من المنكرات او بالأحرى الموبقات التي نراها في مواقع التواصل الاجتماعي هو القول على الله بغير علم وإصدار فتاوي من غير العلماء. وهذا نراه يتكرر من أصحاب قنوات اليوتيوب خاصة، وفي الشبكة العنكبوتية عامة. ولا شك أن هذا لا يجوز شرعاً. فلا يحق لكل من فتح قناة على يوتيوب أن يُفتَي بما يرى دون دراسة عميقة لأحكام الشرع. ومعلوم أن باب الاجتهاد والفتوى صعب ويحتاج تعمق في العلم والاحاطة بعلوم شرعية جمة. ولذا يجب ألا يتصدر للفتوى إلا العلماء، بل وربما العلماء الربانيين خاصة، حيث هم أولى بها ممن دونهم في العلم. فكيف لهؤلاء الذين لا علاقة لهم بالعلوم الشريعة ولمجرد قراءة كتاب أو كتابين يتصدروا للفتوى لمتابعيهم فيهلكوا أنفسهم ويضلوا الناس. وقد حذر القرآن من التقوّل علي الله بغير علم في أكثر من موضع. قال تعالى: {(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)} [1]. ولا شك أن الإنسان سيُسأل عن كل صغير ة وكبيرة. قال تعالى: {(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـولًا)} [2]. قال الطبري رحمه الله في تفسيرها: "إن الله سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها، من أنه سمع أو أبصر أو علم، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحقّ، وقال أولئك، ولم يقل تلك"[3]. فلا بد للإنسان أن يتعلم ويتعمق في العلم الشرعي قبل أن يتصدر للفتوى. وقد دعا القرآن إلى الدعوة إلى الله على بصير، أي علم وبيان. قال تعالى: { (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)} [4]. قال ابن كثير فيه تفسيرها أي يقين وبرهان شرعي وعقلي[5]. ولا يخفى على أحد أن القول على الله بغير علم كبيرة من كبائر الذنوب، لقوله تعالى: {(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)} [6]. وقد أخرج ابن القيم في أعلام الموقعين عن ابن مسعود وابن عباس قالا: (من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون)[7]. وذلك لما في خطورة الفتوى وعقوبة التصدي لها بغير علم كاف وعميق.
الدوافع للقول على الله بغير علم:
من الأمور التي تدفع الناس لارتكاب هذه الكبيرة ما يلي:
حب الظهور والشهرة في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت.
الجهل بأنها كبيرة من الكبائر تستوجب العقاب. ولذا نجد بعض أصحاب النيات الحسنة قاموا بها لهداية الناس، وذلك لجهلهم بعقوبتها.
بعض الأغراض الدنيوية مثل زيادة عدد المشاهدات في قنوات اليوتيوب لتحصيل مال أكثر.
التسرع في إطلاق الاحكام دون بحث جاد.
الأخذ من مصادر غير موثوق بها.
مداراة الناس واتباع هواهم لنيل ثقتهم. كذلك مداراة الرؤساء ورجال الدولة لكسب ودهم وثقتهم وعطاياهم.
نشر فتاوي خاطئة من منظور مقاصد القرآن:
نشر فتاوى خاطئة إن كان من جهل فهو قول على الله بغير علم وهو كبيرة وقد تتناقض مع مقصد التشريع.
وأما إن كانت من علم وتجرأ وتقوَّل على الله فهو أشد في الإثم ويستوجب العقاب إن لم يتب مرتكبها. ومن ينشرها لا يتورع ولا يرتدع بالوعيد، وهذا يتناقض مع مقصد المواعظ، والإنذار، والتحذير، والتبشير. كما أنها لا تتماشى مع مقصد إصلاح الإعتقاد وتعليم العقد الصحيح ومقصد التشريع. قال تعالى: {(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)} [8].
القول على الله بغير علم فيه نوع من التجرأ على الله وسوء الأدب معه وقد يتنافى مع تهذيب الأخلاق.
وهي تنشر معلومات خاطئة ولذلك تتناقض مع مقصد التعليم.
الفتاوي الخاطئة قد تتداخل مع السياسة وتتناقض مع مقصد سياسة الدولة. وربما ساعدت فتوى عدم تكفير اليهود والنصارى وأصحاب الديانات الأخرى في اتخاذ رؤساء الدول القرار بسياسة التطبيع معهم. ولا شك أنها خاطئة ومن قال بها اطلَّع فقط على بعض النصوص دون ربطها ببقية الآيات الأخرى التي تُكفِّرهم بصريح النص. ولذا يجب الإحاطة بكل النصوص في الموضوع المعين، وبعلوم جمة لإصدار فتوى؛ ولا ينبغي أن تصدر من طلبة العلم المبدئين، أو من غير المتعمقين في العلوم الشرعية.
النصائح والضوابط المقترحة:
نشر العلم وتوعية الناس بخطورة الفتوي وأنه يجب على من يتصدى لها أن يكون متعمق في العلوم الشرعية.
يستحسن عمل لجنة إفتاء شرعية من علماء الأمة المختصين ليتولى أمر الفتوى والإجابة على أسئلة الناس.
يستحسن عمل موقع للفتوى ليتمكن الناس من إرسال اسئلتهم بخصوصية ويشرف عليه نخبة من علماء الإفتاء ويديره طلبة علم على منهج أهل السنة.
يُستحسن حجب القنوات والمواقع التي تصدر الفتاوي من غير ذوي الاختصاص وممن يصدرون فتاوى تخالف مصادر التشريع من قرآن، وسنة، وقياس، وإجماع، حتى لا يضلوا الناس وإن صلُحت نواياهم.
التحذير والوعيد لمن يقوم بهذا دون علم شرعي.
[1] سورة النحل، آية ١١٦-١١٧.
[2] سورة الإسراء، آية ٣٦.
[3] انظر تفسير الطبري، تفسير سورة الإسراء، آية ٣٦.
[4] سورة يوسف، آية ١٠٨.
[5] تفسير ابن كثير، أبو الفداء، الطبعة الثانية، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م، ٤/١٢٢.
[6] سورة الأعراف، آية ٣٣.
[7] أخرجه ابن القيم في اعلام الموقعين، ١١٩/٢.
[8] سورة الأنعام، آية ١٤٤.