إذا أخذ الزوج راتب زوجته!!


هيام الجاسم


أولًا: هل يحق للزوج أن يأخذ من راتب زوجته أو كل راتبها؟! هل له ذلك؟! هل راتبها حق من حقوقه ومكتسب من مكتسباته؟! بعض الأزواج يعتقد أنه مادام قد سمح لزوجته أن تخرج للوظيفة إذاً فمقابل ذلك ليس لها عنده نفقة وله الحق في أن يأخذ راتبها كله لمصرف البيت، فهي لا تعرف كيف تدير مصروفات بيتها! وبعض الأزواج يحتفظ عنده ببطاقة السحب البنكية لزوجته، وبمجرد نزول الراتب في الحساب يسحبه كله أو بعضه إلى أن يشفطه شفطا مريحا له تعيسا لزوجته! هو يعتقد أن هذا كله من حقوقه الزوجية نظير سماحه لها بالوظيفة، وبعض الأزواج يتعفف عن "فلوس" زوجته "تدل على رجولته!!" ولكنه في المقابل يقول لها دوما: "ما دام عندج معاش خلاص لا تطلبين مني ولا فلس حمر!!" وبالفعل هو رجل في قوله!! لا يتراجع! ما شاء الله قول وفعل "رجل عند كلمته!" تبارك الرحمن! فالزوجة هنا تصمت على مضض وتُكرهُ على السكوت ولكن أخريات يجادلن الأزواج بحقهن الشرعي والقانوني الذي هو ضمن حقوق الزوجية من وجوب إنفاق الرجل على زوجته نفقة خاصة بها وأخرى لعيالها.
عزيزي القارئ يضيق صدري وأنزعج كثيرا، بل وأتألم من جهالة بعض الأزواج لمسالة الإنفاق الشرعي للزوجة وللعيال، وليعذرني إخواني المتزوجين لتحاملي هذا عليهم، ولكم أن تسألوا في المحاكم أي القضايا أكثر انتشارا وحكما عند قضاة الأحوال الشخصية؟! عندها ستدركون أن قضايا النفقة قبل الطلاق وبعده سيان هي أكثرها انتشارا ومرافعة بين المحامين، ولو تصفحنا أبسط كتب الفقه التي تتناول الحديث في بعض فصولها عن الحقوق الزوجية، ولو تتبعنا فتاوى علمائنا المعتبرين في هذه المسألة، ولو اطلعنا على البنود المعنية في قانون الأحوال الشخصية، بحق الزوجة في إنفاق زوجها عليها؛ لأدركنا أيما إدراك أن قوامة الزوج على زوجته مرتبطة أشد الارتباط بالإنفاق عليها، ثم إن واجب الإنفاق من الرجل على زوجته ثابت في شرع الله حتى لو كانت تعمل وتمتلك راتبا، هي لم تخرج للوظيفة إلا برضاك، ولم تعمل إلا من أجل مساعدتك والمساهمة معك في تخطي صعوبات الماديات في حياتكما، إن من حقها أن تستمتع بجزء يسير من راتبها إن بقي منه شيء، الزوجة لو كانت تمتلك الملايين من الدنانير لا يسقط عن زوجها واجب الإنفاق عليها، وأصدقك القول -عزيزي الزوج- هو سر لك لا لزوجتك! دينارك الذي تنفقه عليها أحلى وأجمل في مذاقه من آلاف اكتسبتها بعرق جبينها!! هل يا ترى تعلم ذلك يقينا؟!
عزيزي الزوج (افهمها صح والعبها صح)، ولا تبتذل نفسك تحت حفنة دنانير من زوجتك، ومفهوم الرجولة عندنا نحن النساء وفي منظورنا هو القوة في الرجل في كل شيء؛ قوة في الكدح، وقوة في العطاء، وقوة في الاحتواء، وقوة في التعفف، وقوة في الترفع عما في يد زوجتك، تأكد أنك حينما تأخذ شيئا من مالها فإنك خسفت معه رفعة قدرك في قلبها وعينها، ولكنها لا ولن تبوح لك بذلك أبدا مادامت تعيش معك تحت سقف الزوجية، ولكن لو وقع طلاق لاحقا تعال واسمع منها عبارات سقوط قدرك من زمان مضى ترشقك بها رشقا، وأنا أصدقك القول وأصارحك لأن زاويتي بصراحة هذه لا خير فيها ولا في بوصفي كاتبة إن لم أواجهك بهذه الحقيقة المرة، وأنا أدري أني قد أنكّد عليك استمتاعك براتب زوجتك، ولكن لأني أتألم من انفراط حبات عقد القران بينكما الذي أنت بابتذالك هذا تكون قد ضيّعت منه لؤلؤة بعد لؤلؤة في قلب زوجتك.
عزيزي الزوج حتى لو قلت أنت في نفسك بعد قراءة سطوري: "لا لا أنا ما آخذ معاشها، بس أطلب منها تشاركني متطلبات الحياة المادية، الديون وغيرها!!" اعلم أن هذا الطلب مهما رأيته يسيرا فإنه سيسقطك من عينها، ولكنها تجتهد أن ترفع قدرك مفتشة عن محاسنك الأخرى!
زوج آخر لسان حاله ومقاله: "أنا ما أجبرها هي بكيفها تسهم معاي!" عزيزي، وهل تجرؤ هي على ألا تشاركك؟! دعونا من الحكايا المزيفة!! هي تقسم: "والله إن معاشي كله للبيت وللعيال"، والزوج الحبيب يقول: "من قال لها تصرف كل هالصرف!! آنا ما أجبرتها!!"
عزيزي، وهل الإجبار فقط بالكلام أم بأشياء وأحوال أخرى؟! الجواب بين جنبيكما!
طبعا -عزيزي القارئ- الزوج ليس مطالبا لا شرعا ولا قانونا بتلبية كماليات أم العيال والعيال ومشتهياتهم، نحن نكتب عن وجوب الإنفاق على زوجته وعياله في الاحتياجات الأساسية: كسوة صيف، وكسوة شتاء، وكسوة عيد، وكسوة مدارس، وأغراض الجمعية، والإدام من لحم ودجاج وسمك، والخضرة والفاكهة، وتوفير خادمة بجميع مستلزماتها، وتوفير سيارة لتنقلاتها هي وعياله منها، ومصروف خاص لها تقدره هي أمانة حسب احتياجاتها وحسب إمكاناته كل بحسبه، وهنا فقط إن أرادت هي برضا تام منها أن تسهم فله، ذلك مع أني أعتقد أن رجولة الرجل تنأى به أن يقبل ذلك من زوجته.
عزيزي الزوج في مسائل «المال» القضية حساسة بينكما، وأناصحك أن تجعل لنفسك مهابة وكرامة في قلب زوجتك كي لا يسقط قدرك من قلبها!!