المدخل السهل في أحكام الغسل


أحمد بن حسن المعلم

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده - صلى الله عليه وسلم - وبعد فإن من المواضيع التي عم الجهل في كثير من مسائلها موضوعي الجنابة والحيض، وما يترتب عليهما من أحكام، فالاهتمام البالغ بالدين لم يعد موجوداً كما كان عند السلف - رضي الله عنهم -، فإذا أشكلت مسألة من مسائل هذين الموضوعين على أحد من العامة صعب عليه حلها فإذا رجع إلى كتب الفقه المختصرة فسيجد مسائل مقصورة على تعريف الحيض، أو الجنابة، والأمور التي تحرم على من قام به، وبيان مدة الحيض ووجوب الغسل منهما، وهذه صور تكاد تكون مكررة في كل متون الفقه القصيرة(1)، فبعض الناس عندما يرى هذا يظن أنه قد أعذر لعدم بيان ما يريد، وبعضهم يرجع إلى الكتب المطولة وهناك يجد مسائل الخلاف، وآراء العلماء، وأقوال الفقهاء، مما يجعل استخلاص المسألة التي يريدها صعباً.
وأما سؤال الغير فهذا مالا يطرقه إلا القليل في هذه المسائل؛ لأن الغالبية من الناس تستحي أن تسأل في موضوع سري كهذا، وما أحسن الحياء إلا في هذه الأشياء فإنه غير جميل، إذ ينبغي للإنسان أن لا يستحي أن يذكر لأخيه أي شيء إذا خشي أن يكون قد غلط في ذلك، والمؤمن لا يمنعه الحياء من السؤال عما أشكل عليه في دينه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" رواه البخاري(2) في باب الحياء في العلم، وقد جاءت أحدى الصحابيات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن سؤال يتعلق بأمر من هذا القبيل فقدمت لسؤالها بقولها إن الله لا يستحي من الحق ثم سألته عن أمرها(3).
المهم أن الذي دفعني لكتابة هذه الرسالة التي أقدمها إليك هو كما سلف جهل الناس بمواضيعها، وكان الأمر الذي دفعني للتفكير في كتابتها أن رجلا وقف يعظ الناس، ويذكرهم، وتعرض لموضوع الجنابة في آخر كلامه، فكان الإقبال عليه شديدا، ثم فتح باب السؤال فتسابق الناس يسألونه بعد أن حثهم على ترك الحياء والسؤال عما خفي عليهم، وكان ذلك في بلدتي بحضرموت يومئذٍ بدأت أفكر في كتابة ما عساه أن ينفع، ويقرب للجمهور المسلم بعض ما يحتاج من فقه دينه الذي يصعب عليه معرفته فجمعت من أقوال العلماء ما رأيته راجحاً موافقاً للدليل حتى تكون الرسالة عامة لكل مسلم لا تخالف دليلاً، ولا تصادم حجة، وقد رأيت وأنا أعرض لموضوعي الجنابة والحيض أن أعرض لكل موجبات الغسل لاسيما الجنائز الذي قرأت لأحد العلماء قوله: "أن من العار على الألوف من المسلمين جهلهم بصلاة الجنازة"، فتعرضت لموضوع الجنائز من كل نواحيه، وقد أذن الله أن تتم على ما أحببت وعند ذلك سيمتها: ((المدخل السهل فيما يتعلق بموجبات الغسل))، وأسأل الله - جل وعلا - أن ينفع بها كاتبها وقارئها، وكل من شارك في نشرها، أو في طبعها، أو في أصلاح غلط فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأن يجعلها خالصة لوجهة الكريم، ويتقبلها أنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
بين يدي الرسالة:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:- ((الطهور شطر الإيمان)) رواه مسلم(4)، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر)) رواه أبو داود وضعفه(5)، وكان علي رضي الله عنه يعادي شعر رأسه من أجل ذلك، إذا عرفت ذلك يا أخي القارئ فاحرص على إكمال طهارتك، وإسباغ وضوئك وغسلك، واعلم رحمك الله أن إكمال الطهارة والإتيان بها على وجهها المشروع لن يكون إلا بمعرفة كل ما يوجب الطهارة وبمعرفة ما يجزى ومالا يجزى في ذلك، ومما لاشك فيه أن أفضل الأمور ما وافق فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بينت لك هديه صلى الله عليه وسلم من فعل، وأمر فيما يتعلق بموضوعها، فاحرص على اقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم، وليكن غسلك على صفة غسله صلى الله عليه وسلم تحوز الأجر الكامل بإذن الله، والله ولي التوفيق.

موجبات الغسل:
يجب الغسل بأحد ستة أمور هي التقاء الختانين، وخروج المني، والموت، والحيض، والنفاس، والولادة.
التقاء الختانين:
الموجب الأول للغسل هو التقاء الختانين، فمتى ولج ذكر الآدمي في الفرج وجب الغسل سواء أنزل أم لم ينزل، ويصدق الإيلاج بتغيب الحشفة في الفرج أو قدرها من الأجب، لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل)) رواه البخاري ومسلم (6)، وفي لفظ: ((وإن لم ينزل)) (7)، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" رواه مالك في الموطأ(8).
نزول المني:
الثاني خروج المني: والمني ماء أبيض ثخين يتدفق حال خروجه دفعة بعد دفعة ويخرج بشهوة، ويصحب خروجه لذة، ويعقب خروجه فتور ورائحته كرائحة طلع النخل قريب من رائحة عجين البر، واليابس منه رائحته كرائحة بياض بيض الدجاج، وأما مني المرأة فهو ماء أصفر رقيق، فإذا وجد في الخارج أحدى الخصال السابقة فهو مني يجب منه الغسل سواءً كان بجماع أو احتلام أو تذكر أو استمناء أو غيره، والجماع معروف، ويلحق به ما خرج بسبب اللمس والقبلة والنظر وما أشبه ذلك.
والاحتلام هو أن يرى المرء في منامه أنه يجامع أهله أو ما يشبه ذلك، فيخرج بذلك المني ويحدث ذلك للرجل والمرأة، سألت إحدى الصحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل أتغتسل؟ قال: ((إذا رأت الماء)) يعني تغتسل إذا خرج مني، الحديث رواه البخاري في صحيحه(9)، والتذكر معروف أيضاً، وأما الاستمناء وهو ما يعرف اليوم بالعادة السرية وهو إخراج المني في اليقظة بغير جماع بأي وسيلة كانت وهو حرام، وتنتج عنه أمراض وأضرار بالغة يحذِّر منها الأطباء، وما ذكرته هنا إلا أنه من موجبات الغسل.
فوائد تتعلق بخروج المني: -
إذا قام من النوم فوجد في ثوبه بللاً ولم يذكر احتلاماً، ولم يتضح الخارج بأن لم يجد فيه شيئاً من صفات المني أو المذي.
في هذه الحالة عليه البحث ومقارنة الخارج مع صفات المني والمذي الموجود في مواضعها من هذه الرسالة، ثم يلحقه بالصفة التي يقرب إليها، فإن عمى عليه الأمر فله الاختيار في إلحاقه بأيهما شاء.
وإذا أحس بانتقال المني من مقره حال الشهوة، ولم يظهر، فلا غسل عليه، فإذا ظهر، فعليه الغسل، وإن صلى صلاة بعد انتقال المني، وقبل ظهوره، ولو بغير غسل فصلاته صحيحة، ولا تلزم الإعادة، ولو رأى في ثوبه منياً، ولم ير منياً نزل فعليه إعادة الصلاة من آخر نومة نامها إلا إن وجد ما يدل على أنه من قبل تلك النومة فعليه الإعادة من الوقت الذي تأكد من خروج المني فيه، وإذا احتلم ولم ينزل فلا غسل عليه، ومثله في ذلك المرأة، ومني الرجل إذا خرج من فرج المرأة بعد الاغتسال لا يوجب عليها إعادة الغسل، ويجوز لكل من الزوجين النظر إلى عورة الآخر، والمني طاهر لا ينجس ما أصاب من ثياب وغيرها، وقد اشترط بعضهم لبقاء طهارته أن يكون الخارج منه المني على طهارة أو على الأقل غاسل فرجه حتى لا يمر علي النجاسة فيتنجس، ومن الأفضل غسله رطباً، وفركه يابساً، أو غسله في الحالتين.
ما يحرم على الجنب:
والجنب من حل به أحد الموجبين السابقين ويحرم عليه قراءة القرآن، والصلاة، والمكث في المسجد، والطواف بالبيت، وأما مجرد المرور بالمسجد لضرورة أو حاجة فلا بأس به.
وقت الغسل من الجنابة:
يستحب الاغتسال من الجنابة قبل الانصراف لقضاء الحوائج والنوم، ولا يكون مباشرة حتى لا يتضرر به الجسم ويجوز له قضاء الحوائج والنوم قبل الغسل، ومن السنة لمن أراد أن يعود إلى الجماع أو ينام قبل الغسل أن يتوضأ لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأمره به، وفي ذلك أحاديث في البخاري ومسلم(10).
فصل:
قد يسأل بعض القراء عن حكم من أصبح جنباً في رمضان، وطلع الفجر عليه وهو على جنابته، هل في ذلك شيء؟ فنقول: لا كراهة في ذلك وإن كان عدم تأخير الغسل أفضل، وفي الحديث أن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما – أخبرتا "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" رواه البخاري(11).
وعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: "إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب: يا رسول الله أني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم))، فقال الرجل: يا رسول الله أنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر، فغضب رسول صلى الله عليه وسلم وقال: ((والله أني لأرجوا أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع))" رواه أبو داود (12).
الغسل وما يتعلق به:
الموجبان السابقان غلسهما واحد إذ يطلق عليهما اسم الجنابة، ويكفي في الغسل الجنابة النية وتعميم البدن بالماء.
وأما أفضل كيفياته فهو أن ينوي ويغسل يديه ثلاثاً خارج الإناء، ثم يغسل فرجه وما أصابه الأذى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، ويغسل جانبه الأيمن ثم الأيسر، وعليه أن يخلل شعر رأسه حتى يصل الماء إلى أصوله، ويروي البشرة ولابد من وصول الماء إلى سائر البدن شعراً وبشراً، فتحت كل شعرة جنابة كما تقدم.
وإذا أراد وضوءاً وغسلاً في آن واحد أجزأه ذلك، ويستحب للمغتسل من الجنابة الجلوس حال غسل فرجه، حتى يصل الماء إلى جميع البشرة، وعليه غسل ما ظهر من شفتيه وأذنيه، ويجوز أن يغتسل الرجل وزوجته من إناء واحد، يغترفان منه جميعا لما روته عائشة - رضي الله عنها - من أنها كانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يغترفان منه جميعا. رواه البخاري ومسلم(13)، والمرء السمين الذي في بدنه تعاطيف عليه إدخال الماء فيها، حتى يصل إلى داخلها، وكذلك المرأة ذات الضروع المسربلة عليها رفع أو صفح ضروعها حتى لا يبقى ما تحتها بلا غسل.
صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ميمونة(14) بنت الحارث - رضي الله عنها – قالت: "وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأكفأ بيمينه على يساره مرتين أو ثلاثا، ثم غسل فرجه ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه، فأتيته بخرقة فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيده" متفق عليه(15)، وضربه بيده الأرض أو الحائط لإزالة ما قد يعلق بها من رائحة أو نحوها، وقولها: "أتيته بخرقة فلم يردها" لا يعني كراهة المنشفة والله أعلم.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغتسل، ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده"(16).
وكانت تقول: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من أناء واحد نغترف منه جميعاً" متفق عليه(17).
حكمة الاغتسال من الجنابة:
المني يخرج من جميع البدن ولذا سماه الله - سبحانه وتعالى - سلالة، لأنه يسيل من جميع البدن فيتأثر به البدن، وأيضاً فإن الاغتسال من الجنابة من أنفع الأشياء للبدن والقلب والروح بل جميع الأعضاء القائمة للبدن فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما يتحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يعرف بالحس وأيضاً فإن الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً، والغسل يحدث له نشاطاً وخفة، ولهذا قال أبو ذر - رضي الله عنه - لما اغتسل من الجنابة كأنما ألقيت عني حملاً، وبالجملة فهذا أمر يدركه كل ذي حس سليم وفطرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب مع ما تحدثه الجنابة من بعد القلب والروح عن الأرواح الطيبة، فإذا اغتسل زال ذلك البعد؛ ولهذا قال غير واحد من الصحابة إذا نام العبد عرجت روحه، فإن كان طاهراً أذن لها بالسجود، وإن كان جنباً لم يؤذن لها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب إذا نام أن يتوضأ، وقد صرح أكثر الأطباء بأن الاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته، ويخلف عليه ما تحلل منه، وأنه من أنفع الأشياء للبدن والروح، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحسنه وبالله التوفيق.
انتهى من أعلام الموقعين لابن القيم ببعض تصرف.
المذي والودي:
سبق أن عرفنا الماء الموجب للغسل وهو المني وقلنا أنه ماء أبيض ثخين يخرج بشهوة وتصحب خروجه لذة ويعقب خروجه فتور، وهذان ماءان آخران أحدهما يخرج عند الشهوة بغير لذة، وقد لا يحس المرء بخروجه، ويشترك فيه الرجل والمرأة وهو ماء أبيض رقيق لزج، لا يتدفق حال خروجه، ولا يعقبه فتور، ويسمى مذياً، والآخر يخرج بعد البول، أو عند حمل شيء ثقيل، ويسمى الودي، وهو أبيض ثخين كدر لا رائحة له والمذي والودي بخلاف المني لا يوجبان الغسل، ولكن ينجسان الثوب والبدن، ويكفي في تطهير الثوب من المذي رشه بالماء، وأما الودي فلا بد من غسله.
فصل:
إذا تعذر على الجنب استعمال الماء، جاز له التيمم وأجزأه، وكذلك إذا كان على جسمه جبيرة أو لصوق، وهو ما يوضع على الجرح والكسر، فإنه يمسح عليهما، ويتيمم عن ما تحتهما، ويغسل باقي الجسم كما ورد أن جابراً - رضي الله عنه - قال خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه، فقال: تجدون لي رخصه في التيمم، فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: ((قتلوه قتلهم الله آلا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر، أو قال يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده)) رواه أبو داود(18).
ويكون تيممه عن ما يمنع الماء من الوصول إلى البشرة الذي يشق نزعة، ويكون التيمم عنه قبل الغسل حتى يزيل الماء أثر التراب، فإن كان على الجسم ما يمنع الماء من الوصول إلى البشرة ولا مضرة من نزعه وجب نزعه، وينبغي أن لا يتهاون في هذا الموضوع فعلى كل من يرى على جسمه أي شيء يمنع الماء من الوصول إلى البشرة يبادر إلى إزالته، ومن ذلك بقع الدهان (البوية) الذي يصيب بعض الناس، وكذلك بعض المعاجين التي تضعها النساء من أجل الزينة وتكون طبقة لا يخترقها الماء فعليهن إزالتها قبل الغسل أو الوضوء لا سيما ما يضعنه على الأظافر، وأما إن كان مجرد لون فلا بأس به.
الموت:
الثالث من موجبات الغسل الموت وإليك أشياء من أحكام الجنائز وسننها:
فإذا حضرت المرء الوفاة سن لمن يحضر عنده أن يلقنه الشهادة ويستدل على موته بانخناس صدغيه وميل أنفه، وانفصال كتفيه، وارتخاء رجليه، وغيبوبة سواد عينيه في البالغين، وهو أقواها والله أعلم(19)، فإذا تيقن الحاضرون موته، بادروا بإغماض عينيه، وشد لحييه بخرقة، حتى لا ينفتح فمه، ويبقى كذلك مشوِّهاً، فإذا أرادوا غسله ستروا عورته، ويستحب للغاسل أن يعصر بطنه عصراً خفيفاً، ثم يلف على يده خرقة، فينجيه بها، ثم يبدلها، ويوضئه كوضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه ولحيته بما وسدر، أو صابون، ثم يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة، يمر يده في كل مرة على بطنه، فإذا خرج منه شيء غسله وسده بقطن، فإن لم يستمسك سده بطين حر، ويعيد وضوءه، وأن لم ينق بثلاث غسلات زاد، وتكون الزيادة وتراً، ثم ينشفه، ويطيـبه بأن يجعل الطيب في منابته ومواضيع سجوده، وأن طيبه كله كان حسناً.
ويجمر أكفانه ببخور بعد رشها بالطيب حتى تبقى فيها رائحة الطيب والبخور، ولا يسرح(20) شعره ويعقد شعر المرأة ثلاث عقد تسدل من ورائها، فإن كان معقداً من قبل نقض ثم عقد بعد الغسل.
الكفن:
ويكفن الرجل في ثلاثة أثواب، يدرج فيها، ويكون الظاهر منها أكبرها وأحسنها، ويوضع داخلها الحنوط وهو مجموعة أطياب وأوراق شجر كالحنا وغيره، ووضع الكفن هو أن تفرش الأثواب الثلاثة يكون أكبرها في الأسفل، ثم يوضع فوقها الميت، ويأتي بطرف الثوب الأيمن، فيجعل على شق الميت الأيسر، والأيسر على شقه الأيمن ويعكس الذي يليه فيبدأ بالشق الأيسر، ثم الأيمن، ويكون الثالث كالأول، ثم يربط بأربطة تحل إذا أدخل القبر فإذا لم يجد إلا ثوباً واحداً يستر جميع جسمه أجزأه، والمرأة تكفن في خمسة أثواب: درع أي قميص، ومقنعة(21) وهو ما يوضع على الرأس والوجه، وإزار على أسفل جسمها، ولفافتين فوق ذلك، ويكفي أيضا ثوب يستر جميع جسمها.
وأحق الناس بغسل الميت الذكر وليه أو وصيُّه، ثم الأقرب فالأقرب، وأحق الناس بغسل المرأة أمها، ثم جدتها ثم الأقرب فالأقرب من نسائها، فإن لم يوجد نساء فيغسلها زوجها(22)، فإن لم يوجد غسلت وعليها ثيابها، ولا يجوز لغير الزوج غسل المرأة إلا كما ذكرناه(23).
ومن تعذر غسله لحرق أو غيره يمم، وينبغي أن يتعلم كل واحد الغسل، ليتولى غسل قريبه بنفسه، وذلك أولى، واستر للميت، وليكن معلوم أن الإنسان إذا لم يعرف الكيفية الموضحة هنا، فإن تعميم جسم الميت بالماء وإزالة ما عليه من أقذار يكفي، فإن حاول أن يأتي بالكيفية السابقة فهو أفضل فلا تكن عدم معرفتك بالكيفية مانعاً لك من غسل قريبك، وجلب الأجنبي لغسله، فإن في غسلك عدة مصالح من أهمها الستر عليه.
صفة الصلاة على الميت:
صلاة الجنازة أربع تكبيرات(24): تكبيرة الإحرام ويقرأ بعدها الفاتحة، وبعد الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية وهي: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت وفي الدعاء للميت صيغ كثيرة منها: اللهم اغفر له وارحمه وعافه، واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله، وأغلسه بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دار خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار.
ومنها: اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به منا، اللهم أنه نزل بك وأنت خير منزول به، فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ولقِّه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين(25).
ويكفي من ذلك ما أطلق عليه اسم الدعاء، وإذا كان الميت طفلاً يكون الدعاء لأبويه، وبعد التكبيرة الرابعة يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، ثم يسلم تسليمه واحدة عن يمينه (26).
المسبوق في صلاة الجنازة:
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -في الأذكار:
ولو جاء مسبوقاً فأدرك الإمام في بعض الصلاة أحرم معه في الحال، وقرأ الفاتحة ثم ما بعدها على ترتيب نفسه لا يوافق الإمام فيما يقرأه فإن كبرَّ، ثم كبرَّ الإمام التكبيرة الأخرى قبل أن يتمكن المأموم من الذكر سقط عنه كما يسقط عن المسبوق في سائر الصلوات، فإذا سلم الإمام وقد بقى عن المسبوق في الجنازة بعض التكبيرات لزمه الإتيان بها مع أذكارها على الترتيب هذا هو المذهب الصحيح المشهور عندنا (27) انتهى.
وقال بعض العلماء إذا خشي أن ترفع الجنازة تابع التكبيرات لا يذكر بينهن شيئاً ثم يسلم.
فصل في المشي مع الجنازة:
قال النووي - رحمه الله - أيضا في الأذكار: "واعلم أن الصواب والمختار في المشي مع الجنازة ما كان عليه السلف - رضي الله عنهم - من السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكن لخاطره، وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه فقد قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: ما معناه "الزم طريق الهدى ولا يغرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين، وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته وأما ما يفعله الجهلة من القراءة بالتمطيط، وإخراج الكلام عن موضعه فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره ولم ينكره في كتاب آداب القراءة والله المستعان" انتهى(28).
قلت ويقاس على هذا ما يفعله الناس اليوم من رفع الأصوات بالذكر أمام الجنائز، ورفع الأعلام، ودق الطبول أمام بعضها، وتشبيهها بالمواكب وغير ذلك من البدع والخرافات، وواضح من كلام النووي عدم جواز رفع الصوت بأي شيء سواء كان ذكراً، أو قراءة، أو غير ذلك، وأنت تعلم من هو النووي؟ وما قيمة كلامه عند العلماء قديماً وحديثاً؟ هذا وشيء آخر أحب أن أنبه عليه هو الأذان والإقامة في القبر؟ وتلقين الميت بعد دفنه جرت العادة بفعل هذه الأشياء في بلادنا، وهي بدع مستحدثة لم يفعلها السلف، وأظنها لا توجد إلا في حضرموت، أو في البلدان التي هاجر إليها أبناء حضرموت ونقلوا إليها الكثير من عاداتهم(29) وأفعالهم، فارجوا أن يعلم ذلك وتترك هذه الأشياء اكتفاءً بما جاءنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن الله قد أكمل به الدين، وأتم به النعمة، وما بعد الحق إلا الضلال.
الحيض:
الرابع من موجبات الغسل الحيض وهو خروج الدم من فرج المرأة البالغة الصحيحة من غير مرض، ولا ولادة، ولا افتضاض، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مدته، ولا أقله، ولا أكثره شيء، ومن تتبع العلماء لأحوال النساء رأوا أن أقله يوماً و ليلة وأكثره خمسة عشر يوماً(30)، وغالبه ستة أو سبعة أيام بلياليهن، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً وأما أكثره فلا حد له، وقد لا تحيض المرأة إلا مرة واحدة في العمر، أو لا تحيض طول حياتها.
صفة دم الحيض:
دم الحيض أسود ثخين نتن حار، قد تحس المرأة حال خروجه بألم يسير، وأي لون من ألوان الدم (الكدرة أو الصفرة) تعد في أيام الحيض حيضاً وأما في غيره فلا تعد شيئاً.
ما يحرم على الحائض:
يحرم على الحائض الصلاة، والصوم وقراءة القرآن(31)، واللبث في المسجد لا مجرد المرور، والوطء في الفرج، والطلاق(32) فلا تطلق(33) أثناء الحيض لما في ذلك من إطالة عدة المرأة.
الطهر من الحيض:
عادة تعرف النساء انقضاء حيضهن، وقد كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة، رواه البخاري(34)، ومرادها بالقصة البيضاء اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال أن مرادها القطنة التي تحتشي بها المرأة تخرج بيضاء إذا انقطع الدم، ومنهم من قال أن القصة البيضاء شيء أبيض يلقيه الرحم عند انتهاء الحيض، ولعل هذا هو الأقرب، وعلى كل حال فالذي ينبغي للمرأة أن لا تتعجل مادامت ترى التلوث فيما تحتشى به فإذا زال ذلك وتأكدت من الطهر بادرت بالتطهر، وأي لون من ألوان الدم في وقت الحيض يدل على استمراره، ثم الغسل من الحيض كالغسل من الجنابة.
تنبيه:
لا يجب على المرأة نقض ضفائر شعرها عند الغسل إذ أمكن تروية أصوله، ولا ينبغي لها أن تحركه وتشده بحيث يمنع الماء من الوصول إلى البشرة، ومن المستحب للحائض إذا طهرت واغتسلت أن تأخذ قطنة أو خرقة فتضع فيها شيئاً من المسك، وتتبع بها أثر الدم والحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، والحكمة في ذلك أن الصوم لا يجيء إلا مرة في العام فليس من الصعب قضاؤه مع أن الصلاة تتكرر كل يوم وبذلك يصعب قضاؤها والدين يسر لا يأمر بالعسر، وقد سألت امرأة عائشة - رضي الله عنها - عن المرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت: "كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تؤمر بقضاء الصلاة" رواه البخاري ومسلم(35)، فإذا طهرت المرأة قُبل منها الصوم، وجاز طلاقها، ولا يباح لها شيء مما ذكرنا غيره، حتى تغتسل، فإذا اغتسلت حل لها كل ما حرم عليها، ووجب عليها ما سقط عنها بالحيض، وهو الصلاة، ويباح الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج، فإن ترك جميع ما بين السرة والركبة كان أحسن، لأن العلماء اختلفوا فمنهم من أجاز كل شيء غير الفرج، ومنهم من لم يبح إلا ما فوق الإزار.
فصل:
ووطء الحائض كبيرة من الكبائر قال الله - سبحانه وتعالى -: (وَيَسْأَلُونك عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ) [البقرة: 222](36)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح))(37)، وقال: ((ملعون من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها))(38).
وقال: ((من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) رواه الترمذي (39).
ووطء الحائض يتسبب في انتشار أمراض كثيرة وقد جرب ذلك، وتوفي بسبب ذلك أناس، ومن أتى زوجته الحائض فقد أقترف معصية كبيرة، وقال بعض العلماء عليه كفارة دينار أو نصف دينار يعطيه الفقراء، وقال بعضهم لا كفارة عليه، وإنما يتوب، ويستغفر، ولا يجوز وطء الحائض إذا طهرت، حتى تغتسل، والصفرة ولون الدم في غير وقت الحيض لا يعد شيئاً.
فصل:
إذا طهرت المرأة في وقت إحدى الصلوات وكان في إمكانها الغسل والصلاة قبل خروج الوقت لزمتها تلك الصلاة، وما يجمع إليها، فمثلاً إذا طهرت في أخر وقت العصر بحيث يتسع الوقت للغسل والصلاة فعليها أن تصلي الظهر ثم العصر وهكذا في العشاء والمغرب(40).
وعلى هذا فيجدر بنا أن ننبه إلى أنه لا يشترط نقض ضفائر شعرها، لأجل الغسل من الحيض وكذلك نقول أنه لا يحق للمرأة إن تأخر الغسل بعد التأكد من الطهارة من الحيض، وذلك حتى لا تفوتها صلاة، وهي لازمة عليها ولا تحرم زوجها من معاشرتها بعد(41) أن أبيحت له.
وعندنا في حضرموت تعقيد حول الغسل من الحيض مما يجعل المرأة تترك بعض الصلوات، وقد وجبت عليها، والذي أحب أن أقوله لنساء بلدي وجميع المؤمنات أن يبادرن بالغسل من الحيض علي أي حال، ثم لهن بعد ما شئن من عاداتهن، كذلك مما يتسبب في ترك بعض الصلوات اعتقاد بعض النساء هناك أن الثوب الذي تحيض فيه المرأة لا يجوز(42) فيه الصلاة، وهذا اعتقاد باطل فإن الثوب الذي تلبسه المرأة أيام حيضها، ولا يصيبه شيء من الدم طاهر، تجوز فيه الصلاة، والثوب الذي يصيبه الدم يطهر بغسل الجزء الذي وقع فيه الدم وإزالة أثره ما أمكن، فيتيقن هنا أنه لا مانع من الصلاة في الثوب إذا كان طاهراً وساتراً، فيا أيها القارئ الكريم أبلغ نساءك أن لا يتركن الصلاة في أي وقت، وفي أي مكان، وفي أي ثوب، إذا لم يكن نجساً، أو غير ساتر، ثم لا مانع من تغطية باقي الجسم بالجلباب، أو الشقة التي هي الملاءة، إذا كان الثوب غير ساتر، ويكون ذلك بمثابة "القميص الذي تعده النساء هناك للصلاة"، والله الموفق.
مسألة:
إذا طهرت المرأة في ليالي رمضان استحب لها الاغتسال قبل طلوع الفجر، حتى تأدي صلاة الفجر، وتصوم يومها ذلك ولا يجوز تأخير الغسل بعد إمكانه، وإذا كانت قد نوت الصوم من الليل أي قبل طلوع الفجر فإنه يقبل صيامها لذلك اليوم، ويجزئها ولو طلع الفجر، وهي لم تغتسل بعد، لكن بشرط أن تتيقن الطهر قبل طلوع الفجر.
المستحاضة:
المستحاضة هي التي لا ينقطع عنها الدم، وذلك بسبب مرض أو عرق يقال له العاذل ولون دم الاستحاضة أحمر رقيق.
والمستحاضة لها حالات: فإما أن تكون عارفة لمدة الحيض من كل شهر، وفي أي حين من الشهر يأتي حيضها، وهذه يجري عليها حكم الحائض في الأيام المعلومة لديها، والحالة الثانية: أن تكون غير عارفة مدة معينة للحيض، ولا تستطيع معرفة دم الحيض، وفي هذه الحالة يكون حيضها ستة أيام، أو سبعة من كل شهر.
والحالة الثالثة: أن تعرف دم الحيض، ودم المرض، وفي هذه الحالة يكون حيضها في الأيام التي يكون فيها الدم على الصفة التي تعرفها في دم الحيض، والفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة أن الأول ثخين وأسود ونتن، وقد تشعر بألم يسير حال خروجه، والثاني على العكس أحمر رقيق ويخرج طبيعي ولا رائحة فيه.
أحكام الاستحاضة:
المرأة التي لا ينقطع عنها الدم لها حكم الطاهرات فيما عدا أيام الحيض، والنفاس، فعليها الصلاة، والصيام، ويجوز لها مس المصحف وقراءة القرآن، ويجوز وطؤها، وهي على كل حال كالطاهرات إلا أن لها حالات، تخالف فيها الطاهرات، وهي أن وضوءها، لا يكون إلا لوقت واحد وإذا أرادت الطهور فعليها أن تغسل فرجها قبل الطهارة، وتحشوه بخرقة، أو قطنة دفعا للنجاسة، وتقليلا لها، فإن لم يندفع بذلك الدم، فعليها أن تشد فرجها بخرقة، تشتمل بها، وهذا أولى، وليس بواجب ويكون وضوءها لكل صلاة بعد دخول وقتها وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي)) رواه البخاري(43).
النفاس والولادة:
قال العلماء إن مجرد الولادة وهو خروج الجنين من بطن أمه يوجب الغسل سواءٍ كان كامل الخلقة أم سقط ولو لم يصحبه دم(44)، وقد عللوا لذلك بعدة علل لا داعي لذكرها(45)، وأما النفاس فهو الدم الخارج بسبب الولادة(46)، ولا حد لأقله فمتى أنقطع دمها بعد الولادة انقضى نفاسها، ولزمها ما يلزم الطاهرات، من الصلاة والصوم، وأبيح لها ما حرم عليها، وقد أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك(47)، فإنها تغتسل، وتصلي فإن رأت الدم بعد أربعين، فأكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين إلا أن يوافق ذلك عادتها فيكون حيضاً.
ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض، وهي تقضي الصوم، لا الصلاة، كما مر في الحيض.
حج الحائض والنفساء:
للمرأة التي تحيض أو تنفس أيام الحج أن تأتي بجميع أركان الحج، وسننه، وواجباته، ما عدا دخول المسجد، والطواف بالبيت.
فلها الوقوف بعرفة والسعي والرمي وغير ذلك فإن حاضت قبل الوصول إلى مكة، سقط عنها طواف القدوم وإذا حاضت بعد طواف الإفاضة، سقط عنها طواف الوداع، أما طواف الإفاضة، فلا يسقط عنها بحال بل يلزمها الانتظار(48) حتى تطهر، فتطوف طواف الإفاضة، وما دام أنها طهرت، فليزمها طواف الوداع، خلاصة ذلك أن تحيض أو تنفس قبل قدوم مكة فيسقط عنها طواف القدوم، ويلزمها ما يلزم غيرها مما عداه، ثانياً: أن تحيض بعد طواف القدوم وقبل طواف الإفاضة فلا بد من الانتظار حتى تطهر فتأتي به، فإن جعلته آخر أعمالها، سقط عنها طواف الوداع.
ثالثاً: أن يحل بها ذلك بعد طواف الإفاضة وهنا لا يلزمها الانتظار بل يسقط عنها طواف الوداع.
خاتمة:
أخي القارئ قرأت هذه الرسالة المتواضعة وآمل أن تكون قد اقتنعت بما فيها، فإن كان كذلك فعليك بتأمل مسائلها والعمل بها وتعليمها لأهلك وعشيرتك، فإنني لم أضع هذه الرسالة للعارفين لأنهم قد يكونوا أقدر مني على استخراج المسائل من أقوال العلماء - رحمهم الله -، ولكني جمعت ذلك ليعلم العوام الذين لا يستطيعون التنقيب في كتب العلم فألله الله أيها القارئ الكريم في الحرص على التطبيق والتعليم، هذا إن اقتنعت بما في هذه الرسالة، فإن لم تقتنع فعليك بالبحث والاجتهاد، حتى توفق للحق، ثم تعمل به، وتطبقه عمليا وتلقنه من استطعت من حولك، وأرجو المعذرة عن ما قد يحصل من النقص والغلط، فأنا لست بالعالم الذي يرجع إلى رأيه، ولا يسمح لأحد بمناقشة ما قال، وإنما أنا طالب علم مبتدئ في(49) ذلك، والذي دفعني للخوض فيما هو فوق مستواي، وجعلني أتطفل على العلماء هو الرغبة في النفع، ومحاولة إسداء النصح لأخواني المسلمين، وأوصيك يا أخي بالحرص الشديد على شعائر دينك، والمحافظة على آدابه وقيمه، وعدم الانخراط في صفوف المارقين، فإن الدين هو أساس سعادة البشر في الدنيا وسبب فلاحهم في الآخرة، هذا وأرجو الله - عز وجل - التوفيق والسداد أنه سميع مجيب، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أمين.
ـــــــــــــــ ــ
(1) أي المتون المجملة التي وضعت لتعليم صغار طلاب العلم والعامة.
(2). رواه البخاري في كتاب العلم باب الحياء في العلم معلقا ووصله مسلم من طريق إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة في حديث أوله أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض.
(3)أخرجه البخاري في كتاب العلم باب الحياء في العلم برقم (131) فتح الباري مواضع أخرى ومسلم برقم (710) وغيرهما.
(4) رواه مسلم في كتاب الطهارة باب فضل الوضوء برقم (223).
(5)رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب في الغسل من الجنابة برقم (248) وهو ضعيف كما قال الشيخ الألباني.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الغسل باب إذا التقى الختانان برقم (291) ومسلم (348) وغيرهما.
(7) رواه مسلم (348) وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - هذه الزيادة تفرد بها مطر الوراق عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة.
(8) رواه مالك في الموطأ في كتاب الطهارة باب (18) واجب الغسل إذا التقى الختانان رقم (171) مقطوفاً.
(9)رواه البخاري في كتاب العلم باب الحياء في العلم (130)، والصحابية هي أم سليم امرأة أبي طلحة رضي الله عنهما.
(10)انظر فتح الباري (1 / 392-393) حديث رقم (287، 289، 290)، ومسلم حديث رقم (306).
(11) رواه البخاري في كتاب الصيام باب الصائم يصبح جنباً برقم 1925، 1926 فتح الباري (4/143)، ومسلم في كتاب الصيام باب صحة صوم من طلع عليه الفجر عليه وهو جنب برقم (1109).
(12) رواه أبو داود في كتاب الصوم باب من أصبح جنباً في شهر رمضان برقم (2389) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2092).
(13) رواه البخاري في كتاب الغسل باب هل يدخل الجنب يده في الإناء.. فتح الباري (1/382) برقم (273) ومسلم في كتاب الحيض باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في أناء واحد في حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الأخر برقم (319).
(14) أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(15)رواه البخاري في كتاب الغسل باب من تؤضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده (فتح 1/382) برقم 274 ومسلم برقم (317).
(16) رواه البخاري في كتاب الغسل باب تخليل الشعر حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض علي فتح الباري 1/283 برقم 272.
(17) سبق تخريجه (فتح الباري 1/382).
(18) رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب المجروح تيمم رقم (336) قال الألباني حسن دون قوله (إنما كان يكفيه) صحيح الألباني برقم (325).
(19) فإذا أشكل عليهم موته فيعرض على الطبيب.
(20) الظاهر أنه خطأ مطبعي والصحيح أن شعر المرأة خاصة يسرح ويجعل ثلاث ضفائر.
(21) خمار فتخمر كما تخمر المرأة الحية.
(22) يغسلها زوجها ولو مع وجود النساء والله أعلم.
(23) يقصد تغسل وعليها ثيابها.
(24) هذا ما عليه الناس وإلا فالأحاديث قد جاءت بها وبأكثر منها إلى تسع تكبيرات.
(25) ومن الأذكار المأثورة في الدعاء في صلاة الجنازة اللهم أغفر لحينيا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا من أجره ولا تضلنا بعده.
(26) وإن زاد فسلم الثانية فقد وردت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
(27) انظر الأذكار ص 275 طبعة دار المنهاج الطبعة الأولى 1425هـ 2005م.
(28) الأذكار ص 276 المرجع السابق.
(29) هذه الأشياء نقلت وألصقت بالدين ولهذا فسلوكها يجعلها من البدع لأن المراد يفعلها التقرب إلى الله - تعالى -، لهذا الكثير من العامة يعتبرها سننا بل وواجبات فنسأل الله العافية.
(30) ومنهم من قال أقله ثلاثة أيام بلياليها وأكثره خمسة عشر ويوماً وأقل الطهر خمسة عشرة يوماً ما زاد عنها، وما قل فهو استحاضة والله أعلم.
(31) يرى كثير من العلماء أن الحائض لا تمنع من قراءة القران بخلاف الجنب، وهذا هو الصواب من حيث الدليل المؤلف، والذي نميل إليه اليوم أنها تمنع من قراءة القرآن بقصد التعبد وهو مذهب الجمهور أدلتهم أقوى والله أعلم.
(32) الطلاق في أثناء الحيض طلاقاً بدعياً لقوله - تعالى -: (فطلقوهن لعدتهن)، والعدة لا تبدأ إلا من طهر، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق أثناء الحيض أن يراجع امرأته ولا يطلقها إلا في طهر لم يجامعها فيه.
(33) فإن طلق الزوج في الحيض يقع الطلاق وتحسب عليه طلقة وعليه أن يراجعها.
(34) رواه البخاري في كتاب الحيض باب إقبال المحيض وإدباره (فتح 1/420) معلقاً ووصله مالك في الموطأ (1/ 59، 97) وصححه الألباني أرواء الغليل 1198.
(35)رواه البخاري في صحيحه في كتاب الحيض باب ترك الحائض الصوم فتح (1/405) برقم (304) ومسلم برقم (80).
(36) سورة البقرة (222).
(37) رواه مسلم في صحيحه برقم (302) كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها.
(38) رواه أحمد (2/444) وأبو داود في كتاب النكاح باب في جامع النكاح برقم (162).
(39) رواه الترمذي في أبواب الطهارة باب كراهية إثبات الحائض برقم (135) وصححه الألباني برقم 116.
(40) هذا القول كان يقول به الشيخ قديماً موافقاً للشيخ عبد العزيز بن باز، والذي ترجح له أخيراً القول بأداء صلاة العصر فقط والعشاء فقط، فلا يجب قضاء التي قبلها.
(41) بل يجب نقض الضفائر عند كثير من العلماء عدى في غسل الجنابة خصوصاً إذا تكرر على المرأة.
(42) هذا الجهل من النساء وإلا فقد كانت نساء السلف لها ثوب واحد فقط تحيض فيه، وتصلي فيه بعد أن تجتهد في غسل الدم.
(43) رواه البخاري في صحيحه كتاب الحيض باب الإستحاضة (فتح 1/409) برقم (3061).
(44) لم يرد على هذا دليل شرعي ولكن العلماء قالوا به لذلك وعللوا بعلل منها ما ذكره صاحب المغني حيث قال: لأن الولادة مظنة للنفاس فتعلق الإيجاب بها كتعلقه بالتقاء الختانين، وإن لم يوجد الإنزال وقد قال بذلك الشافعية وهو أحد قولين عند الحنابلة وقال غيرهم لا يلزمها غسل والله أعلم.
(45) ومنها أن الجنين هو مني انعقد في رحمها فإذا خرج وجب الغسل.
(46) هذا عند الحنابلة وعند الشافعية الخارج عقب الولادة.
(47) كثير من النساء تظن أنها لابد أن تجلس أربعين يوماً، وهذا خطأ فمتى ارتفع عنها دم النفاس وتيقنت الطهر وجب عليها القيام بجميع واجبات الطاهرات، وقد أحسن الشيخ هنا جزاه الله خيراُ.
(48) بإمكان المرأة أن تستخدم العقاقير التي تؤخر الدورة في هذا الموضوع خاصة.
(49) اعلم أخي القارئ أن هذا الكلام كتب قبل سنة 1394هـ، وعمر شيخنا آنذاك لا يجاوز الحادي والعشرين سنة.