عدل النبي - صلى الله عليه وسلم


فالح عبدالله العجمي


لو تكلمنا في صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما وسعنا أن نتكلم فيها سنين عديدة، ومن ذلك عدله - صلى الله عليه وسلم . وهو القائل في حق أقرب الناس إليه:«لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها», فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما جاءه نفرٌ يتوسطون في امرأة نَسيبة أي (ذات حسب) قد سرقت، فتوسطوا في تخفيف الحكم عنها عنده - صلى الله عليه وسلم -، فماذا قال - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». وفاطمة سيده نساء العالمين حاشاها أن يحصل منها ذلك، ولكن انظروا إلي هذا العدل، لو أن فاطمة بنت محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسرق لنفذ فيها حكم القصاص.

تواضعه - صلى الله عليه وسلم

وكذلك كان - صلى الله عليه وسلم - في سفره يركب البعير مع أصحابه وكان عدد الإبل قليلا؛ فكان الصحابة كل ساعة ينزل واحد ويركب آخر، فلما جاء دور النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل من بعيره، قال له الصحابة: يا رسول الله، أنت نبي الله، لا تنزل، قال: لستم بأقوى مني، ولا أريد أن يضيع علي الأجر، فنزل - صلى الله عليه وسلم - ومشى، وأركب أصحابه.

حسن عشرته - صلى الله عليه وسلم

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر أقرع بين زوجاته، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِه ِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ». وهذا من تمام عدله - صلى الله عليه وسلم - بين زوجاته -رضي الله عنهن- وحسن عشرته.

حلمه وصبره - صلى الله عليه وسلم

كانَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بالجِعرانةِ وَهوَ يقسِمُ التِّبرَ والغَنائمَ، وَهوَ في حِجرِ بلال رضي الله عنه ، فقالَ رجلٌ: اعدِل يا محمَّدُ؛ فإنَّكَ لم تعدِلْ! فقالَ: ويلَكَ! ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ؟! فقالَ عمرُ رضي الله عنه : دعني يا رسولَ اللَّهِ حتَّى أضربَ عنُقَ هذا المُنافقِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ هذا في أصحابٍ أو أُصَيحابٍ لَه يقرؤونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم، يمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ».

استقد!

وروى ابن هشام وابن كثير وغيرهما: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح (سهم) يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية رضي الله عنه حليف بني عدي بن النجار وهو مُستَنْتِلٌ (متقدم) من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استوِ يا سواد، فقال: يا رسول الله، أوجعتني! وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (مكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه فقال: استقد) أي: اقتص)، قال: فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير، وقال له: استو يا سواد». حسَّنه الألباني. فلم يتردَّد النبي - صلى الله عليه وسلم في إعطاء سواد - رضي الله عنه - حقه في القصاص حين طالب به، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقصِد إيذاءه وإيجاعه، ليَضرب بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلاً رائعاً للعدل والقود من النفس.

يقول الشاعر:

أروي لكم عن قصةٍ للمصطفى
إذ قام يوما في الجهاد منظماً
رصّ الصفوف كما الصلاةُ تصفُّهم
فـكـأنهـم بنـيان سـدٍّ أُحـكـما
وتجوّل المختار بين صفوفهم

فإذا بـشخـصٍ بـينـهـم مُتقدما
قد غيَّر الصفَ القويمَ خروجُه
نظـر الرسـولُ إليه ثـمّ تبسما
وبعود غصن للصفوف أعاده
واعـاد للـصـف القويـم تقوُّما
قال الفتى في رقةٍ وتمسكنٍ
يشكـو إلى المختار منه تألّـما
آلمتني بالعُود يا خيرَ الورى
فاستغرب الجمعُ الغفيرُ وهمهما
ما ظنُّكم ماذا يكون جوابُه ؟!
هـذا رسـولٌ حاز خُلقا عـُظِّمـا
فتأمـلوا في قـائـدٍ ومجـندٍ
قد أزهـر الإسـلام حباً فيهـما
هذا محمدُ كاشفاً عن بطنه
تفديـه روحي مُرسلا ومـُعلِّماً
يعطيه ذاك العودَ دون ترددٍ
ويقول خذ مني القصاص مسلِّماً
وإذا به في لهفة وتشوق
وكأنه يروي الـفؤاد من الظـّما
يجثو سوادٌ كي يضمَّ حبيبه
لم يستطع من شوقه أن يُحجما
ويعانق البطنَ الشريفَ بوجهه
متبـركا متمرغا كي يغنما
يا سعده قد نال حظاً وافراً
أصغوا إلى ما قال حين تكلما
يا سيدي إني خرجت مجاهدا
وعدونا جيش يسـير عرمـرما
لا علم لي إن كنت أمسي بينكم
حـيّـا لعلـّي أو قـتيلا ربمـا
فإذا قُتلتُ فلستُ أدري مَوئِلي
في جنّةٍ أم في سعيرٍ أُضرِما
لكنّ جلدي مسّ جلدك علّني
أمضي وجلدي عن جهنّم حُرّما
صلّى عليك اللهُ يا خير الورى
قد صار حبّك في شراييني دما
من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
للنبي - صلى الله عليه وسلم - خصائص كثيرة دلَّت على شرفه وكرامته على ربه -سبحانه- وعلى أنَّه خير وأشرف النبيين والمرسلين، وسيِّد الناس أجمعين، وأحبهم إلى ربِّ العالمين، ومن هذه الخصائص ما يلي:
ختم النبوة به
فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين وآخِر المرسلين؛ لقوله -تعالى-: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40)، وصَحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «وخُتم بي النبيون».
عُموم رسالته
عموم رسالته صلى الله عليه وسلم للمكلَّفين جميعهم منذ بعَثَه الله وإلى أنْ يأتي الله بأمره، فيجب على المنتسِبين للشرائع السابقة وأتباع النبيين جميعهم الإيمانُ برسالته وتصديقُه واتِّباعه، ومن أدلَّة عُموم رسالته قوله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} (سبأ: 28).
سيِّد المرسلين
محمد صلى الله عليه وسلم سيِّد المرسلين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا سيِّد الناس»، وفي حديثٍ آخَر: «سيِّد ولد آدم»، ولصلاة النبيين والمرسلين خلفَه - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ الإسراء والمعراج في المسجد الأقصى، مؤتمِّين به عليهم جميعًا الصلاةُ والسلامُ.
لا يتمُّ إيمانُ عبدٍ حتى يؤمنَ برسالته
أنَّه لا يتمُّ إيمانُ عبدٍ حتى يؤمنَ برسالته وعُمومها للناس جميعا؛ لقوله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (النساء: 65)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لا يسمَع بي يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثم لا يُؤمِن بي إلا دخَل النار».
صاحب الشفاعة العُظمى
أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صاحب الشفاعة العُظمى، فلا يُقضَى بين الناس إلا بشَفاعته، وهي الشفاعة العُظمَى التي يتخلَّى عنها أولو العزم من الرُّسل حتى تنتَهِي إليه، فيشفع فيُشفِّعه الله، ثم يفصل الله -تعالى- بين عِباده.
أوَّل مَن يستفتحُ باب الجنَّة
أنَّه أوَّل مَن يستفتحُ باب الجنَّة فيفتح له، وأوَّل مَن يدخُلها، لا يدخل أحدٌ قبلَه.
صاحِبُ لواء الحمد يوم القيامة
أنَّه صاحِبُ لواء الحمد يحمله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، ويكون الحامدون تحته؛ لحديث: «وبيدي لواءُ الحمد ولا فَخر، وما من نبيٍّ يومئذٍ، آدم فمَن سواه، إلا تحت لوائي»..
صاحب المقام المحمود
أنَّه صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود، أي: العمل الذي يحمده عليه الخالق والمخلوق، وهذا المقام هو ما يحصل من مناقبه يوم القيامة، وأيضًا فهو صاحب الوسيلة، وهي المنزلة العالية في الجنَّة، لا تنبغي إلا لعبدٍ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وأرجو أنْ أكون أنا هو، فمَن سأل الله لي الوسيلةَ حَلَّتْ له الشفاعة يومَ القيامة».