تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: اليقين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي اليقين

    اليقين (2)






    كتبه/ شريف الهواري


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فنستكمل في هذا المقال بعض الأسئلة حول يقين كل منا في بعض الأمور التي مِن المفترض أن يكون وصل فيها يقينه إلى حق اليقين، مع ما ذكر ما أمكن الثمرة الحقيقية لكل سؤال مِن هذه الأسئلة.

    سؤال 4: هل أنت على يقين في كتاب الله -عز وجل-، وفي كل ما ورد فيه مِن أوامرٍ ونواهٍ، ووعد ووعيد، وقصص وأمثلة، وجنة ونار، وفيما ورد فيه من أخبار الغيب، وخصوصًا اليوم الآخر؟!

    اعلم أن الإجابة بنعم تستلزم رصيدًا في أرض الواقع، أما مجرد كلام لا رصيد له فلا يُقبَل، وأول الأدلة: تقديم وتعظيم كتاب الله والخضوع لكل ما جاء به.

    اليقين في كتاب الله الذي أنزله حجة على خلقه، وفيه عرف بنفسه، وفيه أمر ونهى، ووعد وتوعد، وحذر وهدد، وفيه القصص والسنن والأمثلة، والجنة والنار، فمَن أيقن أنه مِن عند الله قدمه وانقاد له، وعمل بمقتضاه، ولم يقدِّم عليه غيره وقدَّمه على الشهوات والأهواء، والعادات والأعراف والقوانين، مع عظيم الإجلال والتقدير مع عين اليقين في كل ما جاء فيه.

    1- في الأوامر والنواهي أنها واجبة التطبيق الفوري، وأنها الأنفع والأحسن والأنفع لك في الدنيا والآخرة، إذًا لماذا تقدِّم غيرها، وهي في مقدورك؛ إذ لا يكلف الله نفسًا إلا ووسعها؟!

    2- في وعده لمَن اتبع منهجه بالحفظ والنصرة والتمكين وأن العاقبة لعباده المتقين.

    3- في إخباره أنه سيجعل فرجًا ومخرجًا لمَن انقاد وعمل بشرعه مِن كرب وهم وغم وعدو، قال -تعالى-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح:5-6)، (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق:7)، (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر:2).

    4- وفي قدرته على تنفيذ ما وعد به من دحر عدوه وإهلاكه، مهما بلغ من قوة وتمكين وتحكُّم؛ فهذه الأمور اليقين فيها يعطي ثباتًا وثقة وطمأنينة لا نظير لها، وهذه أمثلة عليها من القرآن من قصصه تؤكِّد قوة اليقين التي وصل إليها الأنبياء والمرسلين، وكيف أثمرت في أتباعهم مِن بعدهم.

    مِن أمثلة القرآن الكريم على مثل هذا:

    1- يقين نوح -عليه السلام- لما أُمر بصنع السفينة على اليبس، ولم يكونوا أهل سفن أو بحار، ومِن عظيم يقينه صنعها، وكلما مروا عليه سخروا منه ومما يصنع، وكان يسخر منهم؛ لعدم تصديقهم بموعود الله له: (*وَيَصْنَعُ *الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) (هود:38)، فمكث 950 سنة كان قد زرع شجرة فبلغت مبلغًا عظيمًا فقطعها وعمد إلى صنع السفينة، فسخروا منه وقالوا: ترك النبوة واشتغل بالنجارة، ثم قالوا: سفينة في البر!

    2- يقين إبراهيم -عليه السلام- وهم يعدون له تلك النار العظيمة بتلك الطريقة الوحشية، ولم يحرِّك لهم ساكنًا؛ لعظيم يقينه بالله، وأنه يحفظه من كيدهم ومكرهم حتى لما عرض جبريل -عليه السلام- لمساعدته قال: حسبي الله ونعم الوكيل، (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء:69).

    3- موسى -عليه السلام- وكيف كان يقينه كبيرًا في حفظ الله له وفي إنجائه من فرعون، قال -تعالى-: (قال كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ . فَأَوْحَيْنَا إِلَى? مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء:62-63).

    4- يقين النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكيف كان يقينه عظيمًا في حفظ الله له ولأصحابه يوم أخذ بالأسباب وهاجر هو والصديق -رضي الله عنه-، والصديق يقول له: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ *مَا *ظَنُّكَ *بِاثْنَيْنِ *اللهُ *ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه)، (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة:40).

    - يوم منعه عثمان بن طلحة سيد بني شيبة حملة مفاتيح الكعبة المشرفة لقرون من دخول الكعبة، فقال: "يَا عُثْمَانُ، لَعَلّك سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ يَوْمًا بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْت، فَقال عثمان: لَقَدْ هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ وَذَلّتْ. فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: بَلْ عَمَرَتْ وَعَزّتْ يَوْمَئِذٍ"، وفتحت مكة وأخذ رسول الله مفاتيح الكعبة وجعلها في بني طلحة (الطبقات الكبرى لابن سعد).

    - ويوم عاد من الطائف ويقول: "يا زيد، إن الله جاعلٌ مما ترى فرجًا ومخرجًا، إن الله ناصر دينه ومظهر نبيه (الطبقات الكبرى لابن سعد).

    - وأراهم مصارع القوم في يوم بدر، هنا مصرع فلان، وهنا مصرع فلان، فوقع على نحو ما أشار -صلى الله عليه وسلم-.

    - ويوم الأحزاب عند حفر الخندق وهم في كرب وشدة، والباطل قد اجتمع عن قوس واحدة، وأحدهم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الخلاء، وما قال لهم رسول الله لما اعترضتهم كدية عظيمة عجزت عنها المعاول فأخبروه عنها -صلى الله عليه وسلم-، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ، وَقَالَ: (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ، فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرْقَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ: (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْآخَرُ، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَرَآهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ، قَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ، مَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا سَلْمَانُ، رَأَيْتَ ذَلِكَ) فَقَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ) قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ، (ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ، (ثُمَّ ضَرَبْتُ الثَّالِثَةَ، فَرُفِعَتْ لِي *مَدَائِنُ *الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عِنْدَ ذَلِكَ دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).

    فهذا كله يدل على عظيم يقينه -صلى الله عليه وسلم- في موعود الله له بالنصر على الأعداء، وفوزه عليهم، وحفظه له -سبحانه وتعالى-، كما في الحديث عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا قَالَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: *مَنْ *يَمْنَعُكَ *مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: *مَنْ *يَمْنَعُكَ *مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ) ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (متفق عليه).

    أما عن يقين الصحابة في حفظ الله ونصرته لدينه وأوليائه فحدِّث ولا حرج:

    - فهذا الصديق يوم الحديبية وهو يقول لعمر -رضي الله عنهما-: "إنه رسول الله، وليس يعصيه وهو ناصره، ولن يضيعه، فالزم غرزه".

    - وهذا أبو ذر يوم أبلغوه بأن بيته قد حرق مع مجموع من البيوت، فقال: لا، سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، لا يضره شيء ذلك اليوم"، فتحسسوا فوجدوا بيته لم يحرق فعلًا!

    5- اليقين في السنن:

    استعراض سريع لحديث القرآن عن السنن، وهل لديك يقين فيها أم لا، وهي تشير إلى قرب زوال الباطل إذا وقع في أعمال بعينها، فالسنن لا تتبدل ولا تتغير وهي ثابتة.

    - كسننه في الذين يمكرون بأوليائه ودينه، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا *وَمَا *يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام:123)، (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) (الرعد:42)، (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ *هُوَ *يَبُورُ) (فاطر:10)، (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ)، (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) (نوح:22)، (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) (إبراهيم:46).

    - وسننه -سبحانه وتعالى- فيمَن ظلموا عباده:

    قال -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40)، وقوله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَ اتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (التوبة:70)، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (يونس:13)، وقوله -تعالى-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم:42).

    - وسننه -تعالى- في أهل الفساد:

    قال -تعالى-: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205)، وقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77)، وقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81).

    وبمجرد عملهم بالإفساد هذا دليل على أخذهم؛ لأنه -سبحانه وتعالى- لهم بالمرصاد، (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ) (الفجر:11-14)، لكلِّ مَن أكثر وطغى في الفساد.

    - وسننه فيمَن اجترأوا عليه واقترفوا الذنوب والمعاصي بيِّنٌ في هذه السنة أنه لهم بالمرصاد: قال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى:30)، وقوله -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا *قُلْ *هُوَ *مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165)، وقوله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)، فبيَّن -سبحانه- كيف أن الذنوب والمعاصي سبب مباشر لتسليط الأعداء والضعف والمذلة والأمراض.

    6- اليقين في أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:

    مثلًا قد ورد فيه أن العسل فيه شفاء، قال -تعالى-: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ *فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:69)، فلابد أن تكون على يقين بهذا.


    وقد جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: إنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: (اسْقِهِ عَسَلًا) فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقالَ: إنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا، فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ له ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقالَ: (اسْقِهِ عَسَلًا) فَقالَ: لقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: (صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ) فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. (متفق عليه).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: اليقين



    اليقين (3)









    كتبه/ شريف الهواري

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فنستكمل في هذا المقال تساؤلاتنا حول يقين كل منا في بعض الأمور التي مِن المفترض أن يكون وصل فيها يقينه إلى حق اليقين، مع ما ذكر ما أمكن الثمرة الحقيقية لكل سؤال مِن هذه الأسئلة.

    سؤال 5: هل أنت على يقين باليوم الآخر، وهل لك رصيد في أرض الواقع من الموت إلى نهاية المطاف من جنة أو نار؟

    1- الموت: أول محطات اليوم الآخر، الجميع يزعم اليقين في الموت وأنه يأتي بغتة، ولكن مع الأسف الواقع يكذِّب هذا الزعم، وصدق واللهِ الحسن البصري حينما قال: "ما رأيت يقينًا أشبه بشكٍّ مِن يقين الناس بالموت زعموا! وما استعدوا له بالعمل الصالح"، فهل أنت على يقين أن الموت يأتي بغتة؟ فهلًّا استعددت له وإلا فيقينك فيه دخن!

    2- القبر وما يكون فيه، وأثر ذلك على الفرد:

    اليقين له أبلغ الأثر في الاستعداد، قال البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في جِنازةٍ، فجلسَ على شَفيرِ القبرِ، فبَكَى، حتَّى بلَّ الثَّرى، ثمَّ قالَ: (يا إِخواني لمثلِ هذا فأعِدُّوا) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

    وقال عثمان -رضي الله عنه-: "القبر أول منزل من منازل الآخرة، فمَن نَجىَ منه فما بعده أيسر منه".

    يقينك في أول اختبار حقيقي فيه: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن الرجل الذي بعث فيكم؟

    3- البعث والحشر وطول اليوم: والبشر يحملون أوزارهم على ظهورهم وتوزع الكتب، وحين توضع الموازين، وحينما يوضع الصراط والمرور على قَدْر الأعمال، فيكون فريق في الجنة، وفريق في السعير.

    الشاهد: هل يقينك قوي في هذه المحطات أم مجرد ادعاء؟

    كيف كان -صلى الله عليه وسلم- يصف لهم اليوم كأنهم يرونه رأي العين؟

    أثر وفضل مَن كان يقينه في اليوم الآخر صحيحًا:

    أثنى الله -تبارك وتعالى- على أهل التقوى ومدحهم؛ لكونهم أيقنوا بالآخرة: قال -تعالى-: (*وَالَّذِينَ *يُؤْمِنُونَ *بِمَا *أُنْزِلَ *إِلَيْكَ *وَمَا *أُنْزِلَ *مِنْ *قَبْلِكَ *وَبِالْآخِرَةِ *هُمْ *يُوقِنُونَ . أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة:4-5).

    ولذلك عملوا، تأمل قوله -تعالى-: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ)؛ هذا الذي أعطي الكتاب باليمين أيقن في الحساب فعمل فنجا. وظننتُ هنا: يعني أيقنت فعملت لهذا اليوم، فكانت النجاة.

    وما دخل أهلُ النارِ النارَ؛ إلا لعدم يقينهم فيها، قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِي نَ) (الجاثية:32)، أي: هم على شكٍّ في ذلك.

    والصحابة -رضي الله عنهم- وصلوا إلى قمة اليقين في هذا اليوم؛ ولذلك بذلوا ما في وسعهم. قيل: ما تفوق الصحابة على مَن بعدهم إلا باليقين في قلوبهم، قال أبو بكر بن عياش -رحمه الله-: "ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيءٍ وقر في قلبه"؛ يعني: اليقين.

    وقال بعض السلف: "أدركتُ أكثر من ثلاثين صحابيًّا لو قيل لأحدهم: إن القيامة غدًا ما وجد ما يزيد؛ لكونه استفرغ الوسع والجهد في التحصيل لقوة اليقين عندهم".

    وهذا صحابي -قيل: إنه علي رضي الله عنه- يقول: رأيت الجنة والنار حقيقة، فلما سُئِل عن ذلك؟ قال: رأيتهما بعيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهما أصدق عندي من عيني هاتين؛ لأن عيني رسول الله لا تزوغان أو كما قال -رضي الله عنه-.

    وقال علي -رضي الله عنه-: "لَوْ كُشِفَ لِيَ‏ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِينًا".

    وهذا صحابي آخر وصل للقمة في اليقين، حارثة بن مالك، وكيف كان يعاين أهل الجنة وهم يتزاورون فيها واهل النار وهم يتصارخون فيها.

    سؤال 6: هل أنت على يقين في كلِّ ما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا ينطق عن الهوى؟

    1- أولًا: أنه رسول الله للعالمين للإنس والجن (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، وخصوصًا (بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128).

    2- وأنه أرسل كمثالٍ عمليٍّ على كيفية تحقيق الغاية.

    3- وليجمع أهل الإسلام والإيمان على مثالٍ واحدٍ، فهم يختلفون في الغايات واللهجات، والألوان والعادات، والأعراف والتقاليد، والطباع والخصال، وحتى لا يختلفوا جُعل لهم هذا المثال الواضح البيِّن.

    4- وأُمروا جميعًا باتباعه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، كما أمروا جميعًا بطاعته، وجعلها -سبحانه وتعالى- من طاعته: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء:80).

    5- وحذَّر الجميع مِن مغبة مخالفته: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)، وجعل أعظم دليل على محبته -سبحانه- في طاعة رسوله واتباعه، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران:31)، (*مَنْ *عَمِلَ *عَمَلًا *لَيْسَ *عَلَيْهِ *أَمْرُنَا *فَهُوَ *رَدٌّ) (متفق عليه).

    6- وبيَّن -سبحانه وتعالى- أن الحكمة مِن إرساله كذلك لهدايتهم إلى الطريق المستقيم (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)، (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور:54).

    7- وليعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة:129)، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2).

    8- وبيَّن -سبحانه وتعالى- صدق نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم:3-4).

    9- ورسول الله طاعته سبب دخول الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ *إِلَّا *مَنْ *أَبَى) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (فمَن رغِب عن سنَّتي فليس منِّي) (متفق عليه).

    10- وأثنى -صلى الله عليه وسلم- على من يُحيون سنته ولقبهم بالغرباء: (بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) (رواه مسلم)، وفي روايةٍ: قيل يا رسولَ اللهِ: مَن الغرباءُ؟ قال: (*الَّذِينَ *يُصْلِحُونَ *إِذَا *فَسَدَ *النَّاسُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، أي: يقومون بإحيائها.

    ولكن كيف نحيي السُّنة في زمن الغرباء؟

    بحبه -صلى الله عليه وسلم-، وبالتالي: حُب سُنته جميعًا بتطبيقها والانقياد لها والدعوة لها والدفاع عنها، ولن يكون هذا إلا بتعلمها.

    فهل أنت على يقين منها حقًا؟ إذا أردت الإجابة الشافية، انظر في واقعك؛ إما أن تصدق يقينك فيها، وإما أن تكذب.

    11- والخلاصة: تذكر أنك على يقين مِن كل ما سبق، وتتعامل مع سُنته بهذه السلبية والتراخي، فضلًا عمَّن قدَّم عليها الشهوات والأهواء، والعادات والأعراف، والتقاليد والقوانين.

    = أين التوقير والتقدير والاعتزاز به -صلى الله عليه وسلم-.

    = أين التصديق لوعده ووعيده وجميع خبره.

    يقين الصحابة في كلِّ ما صحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- والعمل به:

    1- الصديق -رضي الله عنه- في الإسراء والمعراج قال: "إنْ كانَ قالَ فقد صدقَ" في قصته مع أبي جهل.

    2- علي -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان في ينبع فأصابه مرض شديد حتى ظنوا أنه ميت، فقالوا: نرجعك إلى المدينة حتى يليك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء أجلك؟ فقال: لستُ بميت في وجعي هذا، لقد أخبرني -صلى الله عليه وسلم- أني لن أموت حتى أُدَمَّم، وتُخضَّب هذه من دم هذه، وأشار إلى جبينه وهامته، وقد كان.

    3- خزيمة بن ثابت حينما اشترى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ، فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ ، فَيُسَاوِمُونَه ُ بِالْفَرَسِ وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسِ وَإِلَّا بِعْتُهُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الْأَعْرَابِيِّ ، فَقَالَ: (أَوَلَيْسَ قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟)، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : لَا، وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَلَى، قَدِ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ) فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ هَلُمَّ شَهِيدًا، فَقَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: (بِمَ تَشْهَدُ؟)، فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

    4- أبو ذر يوم أبلغوه بأن بيته قد حرق مع مجموع من البيوت، فقال: لا، سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم يقول: مَن قال: "باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لا يضره شيء ذلك اليوم"، فتحسسوا فوجدوا بيته لم يحرق فعلًا.

    5- يقين عمير بن الحمام في غزوة بدر بصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فحينما انطلق رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لًا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ)، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)، قَالَ: -يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ:- يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: (نَعَمْ)، قَالَ: بَخٍ. بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ. بَخٍ؟) قَالَ: لَا وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا)، قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ:" لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. (رواه مسلم).

    6- يقين سعد بن أبي وقاص بنصر الله وعبوره نهر دجلة بالفَرَس، إذ لما أراد سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن يعبر دجلة إلى المدائن، وقطع الفُرْسُ عليه الجسر، وحازوا السفن؛ نظر سعد في جيشه، فلما اطمأن إلى حالهم، اقتحم الماء، فخاض الناس معه، وعبروا النهر فما غرق منهم أحدٌ، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصُرَّنَ الله وليَّه، وليُظْهِرَنَّ الله دينه، وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذنوب تغلب الحسنات" (تاريخ الطبري).

    7- يقين خالد بن الوليد وتوكله على الله حتى شرب السم، لما نزل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: باسم الله، فما ضره'. قال الذهبي -رحمه الله-: "هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة' (سير أعلام النبلاء).

    صور من يقين السلف -رحمهم الله-:

    1- بين اليقين والتجربة (قصة حيوة بن شريح -رحمه الله-): روي عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه، المحدث، الزاهد، وهو مِن رواة الحديث الثقات، أنه كان يأخذ عطاءه في السنة ستين دينارًا، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء حتى يتصدق بها جميعًا، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين دينارًا، تحت فراشه، فبلغ ذلك ابن عم له، فتصدق بعطائه جميعًا، أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت فراشه فلم يجد شيئًا! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم أجد تحت فراشي شيئًا! فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقينًا، وأنت أعطيته تجربة" -يعني: أنت كنت تريد أن تجرِّب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجلّ من الجزاء والعوض- (سير أعلام النبلاء).


    2- يقين محمد الفاتح، وكيف كان يقينه عظيمًا فيما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن القسطنطينية ستفتح، وأن مَن يفتحها على اسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعمل مِن خلال هذا اليقين حتى فتحها -تبارك وتعالى- على يديه.

    وللحديث بقية -إن شاء الله- مع بقية التساؤلات.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: اليقين


    اليقين (4)


    كتبه/ شريف الهواري



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فنستكمل في هذا المقال تساؤلاتنا حول يقين كل منا في بعض الأمور التي مِن المفترض أن يكون وصل فيها يقينه إلى حقِّ اليقين، مع ما ذِكْر ما أمكن الثمرة الحقيقية لكل سؤال مِن هذه الأسئلة.

    سؤال 7: هل أنت على يقين في قضائه وقدره -سبحانه وتعالى-؟ هل تتعامل معه وَفْق هذا اليقين؟ وهل تؤمن أن الأمور تجري بمقادير الله، مع إحسان الظن في تقديره وتدبيره، والرضا بقضائه وقدره، والاعتقاد أنه الأنفع والأحسن لك في الدنيا والآخرة؟

    الدليل: قال -تعالى-: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم) (النور:11)، وقوله: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216).

    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*وَاسْتَعِنْ *بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ *أَنَّ *مَا *أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    إن الخلل في اليقين في القضاء والقدر يُحدِث إرباكًا عظيمًا، وهلعًا وجزعًا؛ ناهيك عن التسخط والاعتراض والشكاية.

    سؤال 8: هل أنت على يقين أنك على الحق أم أنت ممَّن يتأثرون بحملات التشويه والطعن في المنهج؟

    ثمرة اليقين فيما سبق تفرز شخصيةً ثابتةً صابرة محتسبةً مخلصةً، وعلى ربها متوكلة، لديها خوفٌ وخشية، وعندها حيطة وحذر.

    إن اليقين أنك على الحق طاقة دافعة للبذل والعطاء، وقوة مثبِّتة على الطريق، فتستطيع الاستمرارية، وتخطي العقبات مهما بلغت، واستحقار الباطل بها، وأنك تشعر أنك أقوى من الباطل مهما بلغ من القوة.

    مثال 1: أصحاب الكهف واليقين أنهم على الحق.

    مثال 2: أصحاب الأخدود، وقال لها الغُلَامُ: (يا أُمَّهْ، اصْبِرِي فإنَّكِ علَى الحَقِّ) (رواه مسلم).

    مثال 3: السحرة، وكيف حالهم لمَّا حصل اليقين عندهم لما توعَّد فرعون، وتهدد أنه سيصلبهم على جذوع النخل، ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، ومع ذلك قالوا: (*لَنْ *نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ‏(طه:72).

    مثال 4: كان فيمن كان قبلكم (حديث المناشير).

    عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَيُمْشَطُ *بِأَمْشَاطِ *الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).

    مثال5: في فتنة المسيح الدجال:

    كيف صنع اليقين في العبد المؤمن معه بعد أن استعرض مع الدجال في امتحان صعب أمر السماء بالمطر فأمطرت، وأمرها أن تمسك فأمسكت، وأمر بقطع العبد المؤمن فلقتين ثم أعاده، فقال: (ما ازْدَدْتُ فِيكَ إلَّا بَصِيرَةً) (رواه مسلم).

    السؤال: وأخيرًا: هل أنت على يقين مِن وعده -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين، وكيف تتعامل مع وعده وشرطه -سبحانه وتعالى- لتحقيق ما وعدك به في الدنيا والآخرة.

    أولًا: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) (النساء:122)، (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة:111)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (آل عمران:9)، (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم:6).

    مثال: أنت الآن أكيد تنشد النصر والتمكين للإسلام والمسلمين؛ فهل علمتَ أن الله وعد أولياءه إن هم حققوا الإيمان والعمل الصالح أن يستخلفهم في الأرض، وأن يمكِّن لهم دينه فيسود على ما عداه، وأن يُبدِّل حال العباد إلى الأمن والسكينة والطمأنينة؟!

    وأين هذا الوعد؟!

    في كتاب الله -تبارك وتعالى-، والمفترض أن نكون في ذلك في القمة، قال الله -عز وجل-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).


    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: اليقين

    اليقين (5)

    أسباب اليقين وثمراته


    كتبه/ شريف الهواري


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    الأسباب التي تعين على تحقيق اليقين:

    قطعًا العقيدة الصحيحة هي الأصل الذي ينطلق منها العبد، والعقيدة مبناها على اليقين، فإن صَحَّ صحت وكملت، وإن كملت وزاد اليقين بها أثمرت وأثرت، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ *لَمْ *يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15)، بعد إيمانهم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.

    1- تحقيق محبة الله ورسوله توصل إلى برد اليقين:

    عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (*ثَلَاثٌ *مَنْ *كُنَّ *فِيهِ *وَجَدَ *حَلَاوَةَ *الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).

    2- تحقيق تقوى الله:

    فتقوى الله نابعة من اليقين فيه -سبحانه وتعالى-، وما أخبر به من الغيب، وبالتالي العمل المتواصل بلا انقطاع، واستحضار مراقبته أدخلهم باب الإحسان، والذين من صفاتهم الإيمان بالغيب وأداء الواجبات من صلاة وزكاة، ولديهم يقين في الآخرة يدفعهم لمزيد من العمل، (الم . *ذَلِكَ *الْكِتَابُ *لَا *رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة: 1-4)، وكما قلنا: التقوى توصل إلى الإحسان، والإحسان هو المغذي لليقين، والإحسان: (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (متفق عليه).

    وإن كانت التقوى من ثمرات اليقين؛ إلا أنها من أسباب زيادته واستقراره وثباته في وجه محاولات الباطل لإفساده.

    3- الإقبال على القرآن والالتصاق به:

    فهو مِن خلال اليقين من أعظم أسباب زيادته كذلك، قال -تعالى-: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية:20)، وقال -تعالى-: (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (البقرة:118)، وقال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (الواقعة:95)، وقال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء:9)، وقال -تعالى-: (إِنْ هُوَ إلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ . لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) (التكوير:27-28).

    4- الاقتداء بالأنبياء والرسل:

    قال الله -تعالى-: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90)، فهم أعظم مَن حقق اليقين -كما مرَّ بنا-، وخصوصًا نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، والذي أُرْسِل لك قدوة في كلِّ شيء، وخصوصًا اليقين، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21).

    5- النظر والتأمل والتفكر في الآيات الكونية، وبديع صنعه سبحانه و-تعالى- وأثر ذلك على زيادة اليقين: قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75)، فسماء ذات أبراجٍ، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟!

    قال الله -تعالى-: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (الذاريات:20)، وقال -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت:53)، وقال -تعالى-: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية:4)، كلما نظرت وتفكرت في آياته الكونية، وبديع خلقه ازددت يقينًا فيه -سبحانه وتعالى-، وتقويت على الثبات.

    6- الصبر:

    فهو قرين اليقين، ومِن أعظم أسباب ثباته ونمائه: قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)، وقال -تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّك َ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) (الروم:60).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "بالصبر واليقين تُنَال الإمامة في الدين".

    والمقصود هو: الصبر الواجب على الطاعة، وعن المعصية، وعلى قضاء الله -تعالى- وقَدَره، وهذا عمل بما أيقنت فيه، وما جاءك منه -سبحانه وتعالى-.

    7- النظر لحال مَن ماتوا بغير يقين وكيف طلبوا الرجعة:

    (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة:12).

    8- الحذر مِن مجالسة أهل الأهواء والبدع:

    فهؤلاء هم مَن أدخل الريبة والشك في قلوب مجالسيهم، وقد حذَّر -تبارك وتعالى- من مجالسة أمثال هؤلاء، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأنعام:68)، وقال -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء:140).

    9- الدعاء والتضرع:

    كان مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ *اقْسِمْ *لَنَا *مِنْ *خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مصائب الدُّنْيَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    فالله -تعالى- هو المعطي المانع، القابض الباسط، المقرب والمبعد، وهو واهب اليقين، فهيا ندعوه ونتضرع إليه، فإننا إن صدقنا في طلبه امتن علينا باليقين.

    ثمرات اليقين:

    اليقين هو أصل الدِّين، فمِن خلال صحة اليقين -فيما ذكرنا- يحصل للعبد:

    1- محبة الله ودينه ورسله؛ لعظيم عنايته بعباده، ورحمته بإنزال كتبه وبعث رسله.

    2- الخوف والخشية مِن مغبة معصيته وعتابه وعقابه -سبحانه وتعالى-.

    3- الرجاء الصحيح فيه -سبحانه وتعالى-.

    4- الإخلاص في الظاهر والباطن، والأقوال والأفعال؛ لليقين في اطلاعه على ذلك.

    5- حسن التوكل عليه، والاطمئنان لحسن تقديره وتدبيره، واختياره لك.

    6- حصول العزة والأنفة والقوة لليقين في حفظه لأوليائه.

    7- المواظبة على العمل الصالح المفروض والمسنون من منطلق اليقين في حبه ورضاه لذلك.

    8- اليقين فيما ذكرنا من أعظم أسباب تحصيل الشعور بالمراقبة وأثرها معلوم.

    9- الأخذ بالأسباب للوصول إلى ما وعد به -سبحانه وتعالى-.

    10- لا سبيل للوصول إلى برِّ الأمان في الآخرة إلا باليقين، وبالتالي: الاستعداد.

    والخلاصة:

    إن لم يكن لدينا يقين في المنهج وعظمته وجدارته واستحقاقه للسيادة، سينجح الباطل في أن نتشكك في هذا المنهج القويم، وأن نبتعد عنه، وأن يقدِّم الناس مناهج الباطل العفنة والمنحرفة على منهج الرب -سبحانه وتعالى-، وما صبر مَن صبر على المنهج وتحملوا الأذى وصبروا إلا باليقين فيه.

    فباليقين حصل الإخلاص، والخوف والرجاء والمحبة، وكان التوكل والهرب من النار، وأداء الواجبات والحقوق.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •